ثقافة و فنونعربي محمد أركون يتحدث عن مشروعه الفكري وإشكالاته by admin 16 فبراير، 2023 written by admin 16 فبراير، 2023 19 حوار شامل وجريء يلقي أضواء على جوانب من سيرته ومساره ومواجهاته اندبندنت عربية \ حسان الزين @hassan_alzein ثمة سر في كتاب “التشكيل الإنساني للإسلام” لمحمد #أركون، وقد أخفاه الناشر العربي، على رغم أنه بمثابة مفاتيح لمشروع أركون ومسيرته الأكاديمية والبحثية وسيرته الشخصية، و#القارئ_العربي بأمسّ الحاجة إليها. والسرّ هو أن الإخراج الكلاسيكي لغلاف #الترجمة العربية جعل الكتاب يبدو واحداً من مؤلّفات أركون البحثية والأكاديمية، في حين هو ليس كذلك. هو حوارٌ طويلٌ مع أركون، أجراه رشيد بن زين وجان لوي شليجيل. يمكن القول إن اسم أركون، الباحث الإشكالي منذ عقود سواء أكان في أوروبا وأميركا أم في البلدان العربية والإسلامية، مغرٍ للناشر العربي ويمنح الكتاب الذي يحمله مرتبة رفيعة، إلا أن ذلك ليس مبرراً كافياً لتغيير هوية الكتاب. والغريب أنه في حين كان ناشر النسخة الفرنسية أكثر دقة في تقديم كتاب “التشكيل الإنساني للإسلام”، وفي إخراج غلافه، فأبرز اسم أركون وحافظ على الطابع الحواري للكتاب، أغفل الناشر العربي ذلك. وقد تجاوز الناشر العربي بذلك ليس حاجة القارئ العربي فحسب، ولا هوية النص الحواري فحسب، بل كون أركون لم يطلع على المقابلات كلها ولم يراجعها كاملة. وفي هذا السياق يكتب معدّا الحوار: “صحيح أننا لا نستطيع التكهّن بالتصحيحات والتدقيقات والإضافات التي كان الأستاذ أركون سيقوم بها، ولكننا نعتقد أن هذا الكتاب يقدّم صورة صحيحة عن فكره ويتموضع داخل الاستمرارية التواصلية لحياته وأعماله”. التباسات وإشكاليات ما يدفع إلى التوقف عند هذه النقطة المهمة هو أن هناك إشكاليات والتباسات عديدة وكثيفة أحاطت بمشروع أركون وزادته غموضاً، وأن هناك قارئاً، لا سيما في البلدان العربية والإسلامية، ينتظر ما يوضح المشروع ويقارب الالتباسات والإشكاليات. وماذا أقوى وأفضل من الحوار مع أركون نفسه يفعل ذلك؟ فأركون شخصياً تطرّق في مناسبات وإطلالات تلفزيونية وكتابات عدة إلى تلك الالتباسات والإشكاليات، وإلى حاجته إلى التوضيح والشرح وما إلى ذلك. ففي كتاب “قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؟” (“دار الطليعة”، 1998)، يتحدث عن الصعوبات المعرفية التي تحول بينه وبين التواصل مع الجمهور الإسلامي العريض، ويُعيد هذه الصعوبات إلى “عقبات أبستمولوجية راسخة في العقول”. ويرى أنه “لا بد من زحزحتها أو إزالتها لكي يتم التواصل”. الكتاب الجديد (دار الساقي) ولا بد هنا من الإشارة إلى أن المترجم الخاص لمشروع أركون وأعماله، هاشم صالح، وإضافة إلى حرصه على العلمية، قد أحس بضرورة توضيح أفكار أركون ومصطلحاته التي تستند إلى العلوم الحديثة وقاموسها. ويُسجّل له الجهد المتواصل منذ نَقل كتاب “تاريخية الفكر العربي- الإسلامي” إلى العربية (“مركز الإنماء القومي”، 1986)، الذي أثار التباسات وإشكاليات وسجالات وردود فعل، لا سيما من الأوساط والتيارات الدينية المحافظة. وقد دفع ذلك بصالح إلى إجراء حوارات عدة مع أركون أُلحقت ببعض كتبه ومنها “قضايا في نقد العقل الديني” و”الإسلام، أوروبا، الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة”، الذي يتحاور فيه أركون مع رمز الحزب الليبرالي الهولندي فريتز بولكستاين (“دار الساقي”، 1995). إنقلاب فكري ولعل قارئ “التشكيل الإنساني للإسلام” يتشدد في نقد هذه الخسارة وأسبابها لدى الاطلاع على مضمون الكتاب والتقدم في صفحاته. إذ يكتشف أنه حوار غني وقريب جداً، ولا يؤنسن مشروع أركون ولغته فحسب، بل يؤنسن أركون نفسه ويضيء على كثير من جوانب سيرته ومسيرته الشخصية والأكاديمية والعلمية والبحثية. ما يجعل عن حق هذا الكتاب، في ما لو قدّم بوصفه حواراً مع صاحب مشروع “التشكيل الإنساني للإسلام” (كما فعل الناشر الفرنسي)، مرشّحاً بجدارة ليكون علاقة مفاتيح أبواب مشروع أركون ودهاليزه. والمؤلم ها هنا أن ما قام به الناشر العربي يتجاوز اللعب في الغلاف، إذ يغيّر هوية الكتاب ومساره ويخفي دوره. فالكتاب ليس عن “التشكيل الإنساني للإسلام” إنما عن صاحب مشروع “التشكيل الإنساني للإسلام” ومسيرته الشخصية والعلمية والأكاديمية وتطوّره. ولكي يستطيع القارئ التقاط ذلك والسير معه يحتاج إلى الانقلاب على “خدعة” الغلاف الآسرة للقراءة والقارئ وللكتاب وأركون على حد السواء. وكان من الأجدى أن يُترك الكتاب كما هو، حواراً إنسانياً يروي مسيرة “تشكيل الإسلام” عند أركون وفي مشروعه كما في “تاريخ” الإسلام وواقعه. وهذا لا يقلل من قيمة الكتاب بل على العكس من ذلك. فكما القارئ كذلك أركون بحاجة إلى رحلة استكشافية تستعيد المسيرة وتقديم المشروع بلغة إنسانية حوارية تضع المفاتيح في الأبواب وفي أيدي القراء. ويكتشف قارئ “التشكيل الإنساني للإسلام” أنه حوار جدير بذلك. وقد اعتبره معدّاه “مقدّمة حقيقية لأنثروبولوجيا الإسلام لمحمد أركون. وهي مقدّمة كانت تنقصنا بشكل موجع حتى الآن. فهذا الكتاب يقدّم لنا مختلف المفاهيم الفكرية التي بلورها، كما يكشف لنا عن مختلف الأبحاث الكبرى التي تغذّى منها واستفاد. وعلاوة على إضاءات غير معروفة عن سيرته الذاتية، فإن الكتاب يشتمل أيضاً على حدوسات معرفية خاطفة وساطعة ويتيح لفكر محمد أركون أن يظل حيّاً ويستمر في الإشعاع”. أركون يأخذ بيد القارئ ومن جماليات كتاب “التشكيل الإنساني للإسلام”، الذي تجمع طبقاته الحوارية بين العفوية الشخصية من جهة والدقة الأكاديمية والبحثية من جهة أخرى، وبين سرد السيرة والمسيرة من جهة والتناول العلمي للإسلام والتاريخ والعلوم والأفكار والمصطلحات والمجتمعات والحركات السياسية والاستشراق والمستشرقين…، هي أن أركون يمسك بيد القارئ. ولا يفعل هذا الأكاديمي، الذي لا يُخفي “قسوته” أثناء مخاطبته القراء في الغرب والبلدان- الثقافات الإسلامية والعربية، ذلك ليبسّط للقارئ “لغته” ومشروعه ومنهجيته فحسب، بل ليُعيد بناء مشروعه، عبر آليات الحوار وحيويّاته وتواصليته. فالكتاب، بحق، ليس مقدمة لفهم أبحاث أركون وأعماله ومنح القارئ مفاتيحه فحسب، بل هو أيضاً مقدمة لمشروعه الذي أمضى فيه عمره الأكاديمي. ووسط هذا المناخ “الحميم” الذي يولّده حوار “التشكيل الإنساني للإسلام”، وهو الأمر الذي تفتقده أعمال أركون، يكشف الأكاديمي الجزائري من أصل قبائلي في الجزائر طبقات في وعيه (وربما لا وعيه)، في سيرته وشخصيّته وجهده البحثي وتوجّهاته. الأمر الذي يسهم في الإضاءة على كثير من جوانب فكره ومشروعه. فيفصح كيف انتقل من رد الفعل إلى الرأي إزاء الإسلام الرسمي والهوية الواحدة التي فرضتها الأنظمة والدول الوطنية ذات الخطابات القومية (العربية) والشعارات الاستقلالية، ومنها في الجزائر، لاغية بذلك التنوّع والقراءات المتعددة. وهنا ينفذ أركون من النقد السياسي القاسي للأنظمة وأحزابها وأيديولوجياتها إلى ما هو أعمق دينياً وثقافياً واجتماعياً. وإذ يفتح جردة حسابه الشخصي والقبائلي مع نظام “جبهة التحرير الوطني” الجزائرية، يتجاوز “الثأر” الشخصي والسياسي نحو تفكيك ممارسات السلطة التي تحتكر الدين وترسمنه وتؤدلجه. ولا ينفصل ذلك عما يعتبره أعطاباً في الفكر العربي- الإسلامي، الذي يرى أنه يعاني من قطيعتين على مستوى الإبداع: الأولى مع الفترة التأسيسية من التراث (القرون الهجرية الخمسة الأولى) التي يتصور معرفتها في حين أن الواقع غير ذلك، والثانية مع عقلانية الغرب ومغامراته الخلّاقة بدءاً من القرن السادس عشر حتى اليوم. ويدعو أركون، كما في حواره الطويل كذلك في مؤلّفاته، إلى ضرورة الاتصال بهاتين الفترتين، وقراءتهما واستكشافهما في إطار منهجيات الثورة المعرفية العلمية الجديدة وبشكل يغاير المعرفة الناقصة الحاصلة في مرحلتي النهضة والثورة. كذلك، في هذا المناخ “الحميم” يشرح مؤلف “قراءات في القرآن” و”القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني” نظريته للقراءة التاريخية للفكر العربي- الإسلامي، ودعوته إلى التفكير في اللامفكر فيه داخل الفكر الإسلامي. وفيما يرد بشكل أو بآخر على معارضيه ومهاجميه ورافضي نظرياته ومنهجياته (الغربية وفق كثيرين)، ويعرّج على الاستشراق مبيّناً الإيجابي والسلبي في مسيرته وأدواته، وفقه، ينتقد استعمال الفكر الإسلامي كوسيلة أيديولوجية أكثر مما هي وسيلة علمية. ويروي كيف اكتشف طغيان الأيديولوجيا والتيار الذي يبحث عن الهوية ويبني هذه الهوية بوسائل ميثولوجية وأيديولوجية عوضاً عن الأسلحة العلمية. ويدعو إلى مواجهة ذلك كله بما يسميه “الإسلاميات التطبيقية”، وتطبيق العلوم الحديثة على التراث الإسلامي. الأصالة والأنسنة ويستعيد الحوار، الذي يتنقل بين الشفهي والتدقيق العلمي، بين الارتجالي وإعادة صوغ كلام سابق، كثيراً من أطروحات صاحب كتاب “الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي”. فيكرر، مثلاً، في إطار تقويمه الخطابات والأحكام وتاريخ علم الأصول في الإسلام، أن ما يصلح للعصور الإسلامية الأولى لم يعد يصلح للعصور الحديثة. ويتطرق لعلاقة ما يُدعى بـ”الحركات الأصولية” بالواقع والتأصيل. وإذ يشرح العنف الذي يمارسه بعض تلك الحركات، يتوقف بأدوات الباحث عند اكتفائها بالجانب السياسي من دون تجديد الفكر. ويتحدث صاحب “معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية” و”نزعة الأنسنة في الفكر العربي” عن أسباب ضمور الفكر الفلسفي العقلاني في الساحة الإسلامية منذ القرن السابع هجرياً (الـ13 ميلادياً). ويحتفي، كما في مؤلفات أخرى، بالتيار التنويري في القرنين الثالث والرابع للهجرة (التاسع والعاشر للميلاد). ويرى أن هذا التيار الأنسني نتج من تزاوج الفلسفة الإغريقية مع التراث العربي- الإسلامي. ويجدد أركون قوله إن التراث الديني وحده لا يكفي لتوليد تيار عقلاني يحترم إمكانيات الإنسان ويثق بها. وإنما ينبغي أن يخصّبه أو يتفاعل معه تيار فلسفي قوي يعطي العقل حقوقه في الكشف المعرفي والإبداع الفكري، كالتيار الأفلاطوني- الأرسطوطاليسي مع امتداداته واكتشافاته الحديثة. وهو ما حصل في الفترة الكلاسيكية من تطور الحضارة العربية- الإسلامية، إذ ازدهر الفكر العربي وتولّد هذا التيار الأنسني العقلاني. ومن أبرز شخصيات هذا التيار، الذي ما زال يدهشنا، الجاحظ والتوحيدي ومسكويه وابن سينا وابن رشد والغزالي وفخر الدين الرازي وابن الجوزي وابن عقيل وآخرون. المزيد عن: مفكر\الفرنكوفونية\الفكر المعاصر\الحداثة\الفلسفة الإسلامية\الحوار الحضاري\النقد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كارلوس ساورا ابن الديكتاتورية الإسبانية التي حاربها بالسينما next post أميركا وكندا والقوى الأوروبية تعارض قرارات نتنياهو الاستيطانية You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024