ثقافة و فنونعربي خورخي لويس بورخيس شاعر متاهة الوجود الإنساني by admin 28 ديسمبر، 2022 written by admin 28 ديسمبر، 2022 23 أعماله الشعرية اكتملت بالترجمة العربية في ثلاثة أجزاء اندبندنت عربية \ أنطوان أبو زيد خورخي لويس بورخيس، الناثر الخالط الأنواع، والمبدع غرائبية في السرد على قياسه، والمترجم إلى لغات العالم المعروفة، ها هو ينزل ضيفاً مترجماً إلى العربية، ولكن شاعراً ذا عوالم فريدة، كعهدنا به، نحن قراءه العرب، متذوقين وكتاباً وفنانين ودارسين أكاديميين. في البداية، لمن لا يعرف الشاعر والناثر الشهير، هو خورخي لويس بورخيس (1899-1986) المولود في مدينة بوينس آيرس من عائلة ذات ثراء ومكانة اجتماعية، فوالده كان محامياً وأستاذاً في علم النفس، وشغوفاً بالأدب. في حين كانت والدته الإنجليزية مترجمةً من لغتها الأم إلى الإسبانية والبرتغالية. وقد اجتمعت للفتى معرفة باللغات الإسبانية والبرتغالية والإنجليزية، إضافة إلى الفرنسية واللاتينية والعربية، نهل بها جميعاً معارف تراثية وحديثة ومعاصرة. الجزء الأول من الأعمال الشعرية (دار الجمل) الفعل الجمالي يقول الشاعر بورخيس، في مستهل الجزء الأول من أعماله الشعرية “إن الأساسي هو الفعل الجمالي، الإثارة، أو التعديل الفيزيقي الذي تحدثه كل قراءة” في النفوس. وهذا ينسجم تماماً مع طبيعة الشعر وبنيته التقليدية بعامة – ولا سيما في مرحلته الشعرية الأولى – والتي سعى الشاعر صادقاً إلى تجاوزها وكتابة الشعر الحر، فأدرك أنه “أكثر صعوبة، ويستوجب الاقتناع الحميم ببعض صفحات كارل ساندبرغ أو أبيه ويتمان”. ولكن هذه الصعوبة لم تحلْ دون ابتداعه قصائد، تقليدية ومتجددة، يستدعي فيها الأمكنة العامة بمدينة بوينس آيرس (ساحة سان مرتان، ضاحية، وبيناريس)، ويستطلع أزمنة ذات إيحاءات (فجر)، ويغوص في تأمل الموت والزوال (فناء، نقش على قبر، الوردة)، ويستجلي مناظر رومانسية فياضة بالألوان (عشيات، حقول في المساء، القمر المقابل)، ويقف عند تواريخ وشخصيات جديرة بالذكر (الجنرال كيروغا، دفاتر سان مارتن، إلفيرا دي الفيار، آل بورخيس، وغيرهم)، باسطاً في هذه كلها رؤيته القائمة على زعم التقاط حراك البشر في عالم قوامه التشوش والالتباس، وحيث تتداخل الأزمنة، وتنتاب الكائن هشاشة مفرطة، على رغم قوته الظاهرة، وحيث يسود الحظ، والقدَر، والحلم، والموت، وحيث لا يزال للفلسفة وفكر التصوف وسخر ألف ليلة وليلة، وأعمال الرسل والإنجيل، والتوراة، والقرآن الكريم، مكانة وقول يدعمان رؤيته. يقول في قصيدة “فجر”: “في الليل الكوني العميق/ الذي تعاكسه المصابيح فقط/ ضايقتْ هبة ريحٍ/ تائهةٍ الشوارعَ المكفهرة/ مثل هاجسٍ مرتعشٍ/ لفجرٍ مرعبٍ يتسكع/ عبر ضواحي العالم المدمرة…” (ص:74) الجزء الثاني (دار الجمل) ومثل ذلك الشعر الانطباعي والمغرق في تلاوين قاتمة، يشقها الضوء الآتي من صوب الشرق، يعاينه القارئ في قصائد “بيناريس” و”حقول في المساء” وغيرها، ولا سيما بعد أن أصيب بالعمى إثر مرضٍ خَلقي حل به، فحال دون رؤيته الضوء وأنوار الشمس والألوان. يقول: “المدينة المتخيلةُ/ التي لم ترَها عينايَ قط/ كاذبة وملتفة/ مثل بستانٍ مرسومٍ في مرآة/ تنسجُ مسافاتٍ/ وتكررُ بيوتَها التي لا يمكنُ بلوغها. الشمسُ الخشنةُ/ تشق الظلمةَ المتشابكة/ لمعابدَ ومزابلَ وسجونٍ وفناءاتٍ…” (ص:77) الغنائية والفكر وفي موضع آخر من الجزء الأول، يخص الشاعر مدينته بوينس آيرس بمجموعة شعرية عنوانها “دفتر سان مارتن”؛ وفيها تفعيل لمكوني الغنائية والفكر المشار إليهما في مستهل المجموعة، على أسلوب فيرلين وإيمرسون، إلى جانب البعد الأسطوري المعطى للمدينة ومؤسسيها، والقادة الذين بذلوا أرواحهم لبقائها، وازدهارها. يقول في قصيدة “إيسيدورو أثيفيدو”: “صحيح أنني أجهل كل شيء عنه/ -باستثناء أسماء الأماكن والتواريخ:/ احتيالات الكلمات-/ ولكن بإشفاق متهيب استعدتُ يومهُ الأخير،/ ليس ذاك الذي رآه الآخرون، بل يومهُ،/ وأنا راغبٌ في أن أشردَ عن مصيري لأكتبَه… حلمَ بجيشين/ يلجان ظلام المعركة./ عدد فرق الفدائيين والرايات والوحدات…” (ص:141) في الجزء الثاني من الأعمال الشعرية للشاعر بورخيس، تمهيد نقدي موجز، من اختيار المترجم خالد الريسوني، قام به الناقد ماوريسيو بينيا دافيدسون في ما اسماه “شغف اللغة، مقاربات لشعر خورخي لويس بورخيس”؛ ومفاد هذا التمهيد أن الشاعر يبدي شكه في العالم، وبالمقابل يسلم بوجود واقع خارجي، وما صورة المتاهة سوى تسليم باستغلاق هذا العالم، وعصيانه على التخيل. “لن تتبقى هنالك نجمة في الليل./ لن يتبقى الليل/ سأموت ومعي جماعُ/ الكون اللايُحتمل./ سوف أمحو الأهرامات والقلادات/ القرات والوجوه./ سوف أمحو تراكمات الماضي./ سوف أجعل الحكاية غباراً، والغبار غباراً” (ص:10) جمالية التعاسة وثانيهما أن الشاعر يرفع للتعاسة جمالية ظاهرة؛ ولئن كان الشعر يحتاج، برأيه، إلى الجودة العالية ليكون مستداماً، فإن المآسي والشدائد والإخفاقات التي قاساها الشاعر، وأدرك أثرها العميق، تكون له خير مناسبة للتأمل في المصير الإنساني، وربطها بدروس الخالدين عبر الأزمنة. يقول: “والمدينة الآن مثل خريطة،/ لإهاناتي وإخفاقاتي:/ من ذلك الباب رأيتُ مشاهد غروب الشمس/ وأمام ذلك الرخام انتظرتُ عبثاً/ هنا الأمس المجهول والراهن المختلف/ قد جلبا لي القضايا المشتركة/ لكل المصائر الإنسانية…” (ص:17) الجزء الثالث (الجمل) وثالثها أن الشاعر يهجس بالقدَر والحظ، بمثل ما يهجس بالحلُم والموت، وهي عنده جميعاً كليات، أي هموم تطاول كل الناس، ويندر أن تتخلص قصيدة منها، مهما صغرت. يقول: “عالمٌ سائلٌ / تشوهات الأشكال التي نختلف مثل الغيوم/ خاضعة لتحكم القدَر/ أو الحظ، وهما الشيءُ ذاته”. أما الملمح الرابع في هذه المقاربة لشعر بورخيس، فيتمثل في الفراديس المفقودة والتي لطالما سعى إلى استحضارها والتعبير عن لوعته لفقدها: “أنا من لا يعرف عزاءً آخر/ غير تذكر زمن النعيم/ أنا أحياناً هو النعيم اللامستحق… أتذكر الياسمين والجُب، أشياء من النوستالجيا/ أتذكر ما رأيتُه وما حكاهُ لي أبوايَ/ أعلمُ أن الفراديس الوحيدة غير المحظورة على الإنسان هي/ الفراديس المفقودة”. يستحيل اختزال عالم بورخيس الشعري، في الجزء الثاني، والثالث، أو حتى الأول. ذلك أنه الخليط المتقن، والواعي، لكل معارف الشاعر الموسوعية، في الفلسفة، والتاريخ، والأساطير، ولكل خبراته في الحياة، والسفر، والإقامة في مدن القارات الثلاث (أوروبا، أميركا اللاتينية، أميركا الشمالية)، وتأملاته في الحياة وما بعدها، والكتابة وأبعادها. وما على القارئ سوى قبول الانخراط في هذا العالم المتاهة، عالم بورخيس الشبيه بمتاهة المكتبة الكبرى، في رواية “اسم الوردة” لأمبرتو إيكو، ذي الجمال الخاص والحقيقي. “كنا نبحثُ عن كلمات/ القمر والموت والصباح/ وعادات الإنسان الأخرى./ كنا تيار التصويرية، وتيار التكعيبية،/ الأديرة والطوائف/ التي تبجلها الجامعات الساذجة/ …رمادٌ عملُ أيادينا/ وإيماننا نارٌ مشتعلة:/ بينما أنتَ، أثناء ذلك، تُصهَرُ/ في مدن المنفى/ في منفاك الذي كان/ أداتك المضجرة والمختارة/ سلاح فنك/ قد نصبتَ متاهاتك المتعبة،/ لا متناهية الصغر واللانهائية…” (ص:282). المزيد عن: بورخيس\الاعمال الشعرية\التخييل\قصائد وجودية\المعرفة\الكون\الأسرار\المتاهة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post يوم استكملت هوليوود ثورتها من طريق أصحاب اللحى next post الهويات القاتلة قتيلة في رواية علوية صبح “افرح يا قلبي” You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024