شغف المعنى والخلود يقود فنانا سعوديا إلى “البصمة”

مهرجان الأضواء في “نور الرياض” يزين بلوحاته سماء العاصمة السعودية وينسج بـ”الدرون” أبهى صور الجمال

اندبندنت عربية \ نجود سجدي

قدر الإنسان الأعظم في هذا العالم هو الوجود بحد ذاته، أي أن يكون موجوداً، ولكن بتمعن قليل سنرى أن الوعي وترك الأثر في الوجود هما التحدي الحقيقي، فلا يكفي الإنسان أن يكون موجوداً في هذه الحياة فحسب، بل يسعى ويكافح لكي لا يمر في هذه الحياة من دون أن يترك أثراً من أجل صناعة معنى لحياته.

ولأن الفن هو الغلاف الذي يؤطر به الإنسان قضاياه وأسئلته الوجودية حاول الفنان السعودي سعد الهويدي بعمله “على الفطرة” إيضاح فكرة الأثر الذي يرغب الناس بتركه في الحياة، فالرغبة في ترك أثر ليس معناها أن تترك أثراً عظيماً كاختراع علمي، فالمزارع زرع الأرض ووضع له أثراً، وضرب مثالاً بـ”الطيور عندما تترك أثر أقدامها على الشجر لتوضح أنها فقط قد مرت منها، وكما يقال “يمر الرجل ويبقى الأثر”.

من هذا المثال البسيط أراد الفنان إيضاح فكرته المركزية التي ترجمت أعمالها، فالأثر بالنسبة إليه هو “الدليل الحقيقي للوجود منذ بداية الخلق، فالإنسان حريص على ترك أثره وبصماته عبر التاريخ من خلال ما يقدم من إرث ثقافي للأجيال اللاحقة”.

ومن خلال الوسائط الرقمية التي أصبحت جزءاً من الخامات الفنية في ظل الثورة التقنية وغيرت الوسائل المستخدمة في مجال الفنون، قدم الهويدي عمله باستخدام إضاءات الليزر من خلال إبراز “بصمة الإصبع” عبر التركيز على الانطباع الذي تتركه نتوءات إصبع الإنسان على الأشياء، والتي يتفرد بها عن غيره وتميز هوية الأفراد واختلافهم عن بعضهم.

أضأنا الرياض بأعمالنا في أنحاء العاصمة تحت شعار "نحلم بآفاق جديدة" واليوم واقعنا تخطى الأحلام .. شكراً لتفاعلكم معنا ..

و لفعالياتنا بقية.. نلقاكم في المعرض المصاحب "من الشعاع إلى الشغف" في حي جاكس حتى 4 فبراير 2023. #نور_الرياض #نحلم_بآفاق_جديدة pic.twitter.com/XllWmpWP8n

— نور الرياض (@NoorRiyadhFest) November 19, 2022

تتوسط الكعبة المكان الأكثر قدسية للمسلمين على وجه الأرض العمل الفني مشكلاً بالبصمة حركة الطواف المنسجمة مع حركة الكون الدائرية من خلال حركة الإلكترون حول نواة الذرة إلى “دوران الأرض حول الشمس”.

الفوضى المرتبة

وتمكنت النسخة الثانية من “نور الرياض”، أحد برامج “لرياض آرت” ضمن مشاريع الرياض الأربعة الكبرى، من  تحقيق 5 أرقام عالمية أخرى ضمن “جينيس” للأرقام القياسية، تمثلت في تحقيّق العمل الفني “نبض من النور” للمصمم الفني الفرنسي أرنو مارتن، وأربعة أرقام قياسية هي: أطول مسافة يتم تغطيتها لعرض باستخدام الليزر الضوئي، وأكبر عرض ليزر ضوئي، بالإضافة إلى كونه أعلى، وأكبر شاشة عرض شبكية على واجهة مبنى، كما حقق الاحتفال من خلال عمل الفنان الأمريكي مارك بريكمان “الفوضى المرتبة” رقمًا قياسيًا خامساً كأكبر عدد من الطائرات المسيرة التي تشارك في عرض فني إبداعي.

إلى ذلك استوقفت جمالية طواف المسلمين  الفنان السعودي، فعلى رغم اتساق شكل الطائفين، فإن الداخل في هذا الدوران يعلم أن لكل واحد منهم طريقته، فمنهم من يهرول، ومنهم من يمشي ببطء، مشكلين جزءاً من الحركة الدائرية، ولكل دعاؤه وتسبيحه بلهجته ولغته وصياغته، وهنا تشكل لدى الفنان فكرة أنه “مهما كنت مع الجماعة فإن تفردك وبصمتك حاضران”.

علاقة الكعبة بالعمل

لم يجد الهويدي أعظم من أثر قدمي أبي الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) لربطه بعظمة الأثر، وهي على الحجر الموجود بجوار الكعبة الذي وقف عليه إبراهيم وأذن بالحج بعد أن كان يستخدمه كسلم في بناء الكعبة المشرفة قبل عشرات القرون. علاقة البيت المقدس بالبصمة أثارت تفكير زوار معرض “جاكس 2022″، فأوضح الفنان أن “الأديان السماوية الثلاثة لها جذر تاريخي وعقدي واحد هو دين إبراهيم، وأنه (عليه السلام) قدم إلى مكة ليبني بيتاً للعبادة في قلب الوادي ليصبح أثراً مقدساً على سطح المعمورة وترك بصمة قدميه شاهداً على هذا الأثر”.

ويحكي كذلك عن المعنى الفني للعمر، معتبراً أن “أثر الإنسان وطاقته الكامنة بداخله كضوء مرشد نحو الفطرة البشرية تظهر وتترجم في أشكال اتصاله بالكون الأكبر من عبادات دينية ونشاطات تأملية تضيء روحه وعقله، ويرسل بها طاقته إلى أماكن أبعد من المساحات الأرضية التي يعرفها ليتخطى أثره الدنيوي وتذهب بصمته إلى ما بعد الأرض”.

الأعمال في حديقة الأمير عبدالعزيز بن عياف بتبهركم! استكشفوا الأعمال الفنية الموجودة وشاركونا تفاعلكم معها.

فرصتكم الأخيرة لزيارة الأعمال في أرجاء العاصمة نهاية هذا الأسبوع.

للمزيد عن الأعمال الفنية ومواقعها زوروا موقعنا الالكتروني. #نور_الرياض #نحلم_بآفاق_جديدة pic.twitter.com/TRdoqbeZPG

— نور الرياض (@NoorRiyadhFest) November 17, 2022

نور الرياض

جاء هذا العمل من بين الأعمال التي عرضت في فعالية معرض “جاكس 2022” على هامش فعالية “نور الرياض” التي استمتع سكان المدينة خلال الأيام الماضية بعروضها الفنية التفاعلية، والتي تعتمد على الإضاءة، انطلاقاً من شعار “نحلم بآفاق جديدة” الذي اتخذته السعودية عنواناً للفعالية التي أقيمت نسختها الثانية في أكثر من 40 موقعاً تتوزع في مختلف أرجاء العاصمة.

وشارك في التظاهرة الفنية نحو 130 فناناً في مجال فنون الإضاءة من 40 دولة حول العالم يشكل السعوديون منهم 34 في المئة، وعرض 190 عملاً فنياً متنوعاً من بينها 90 عملاً تم عرضها لأول مرة في البلاد أبرزها عمل الفنان الأميركي مارك بريكمان في متنزه الملك عبدالله بالملز، والذي يحمل عنوان “الفوضى المرتبة” باستخدمه أكثر من 2000 “طائرة درون” في رسم العمل في الهواء الطلق، كما شارك الفنان الفرنسي يان كيرسلي بعمل يحمل عنوان “نبض من النور”، وهو عبارة عن عرض ليلي بأضواء الليزر ينطلق من أسطح ثلاثة أبراج، لتتقاطع مع بعضها في سماء المدينة، وترسم جسراً من الأضواء الساطعة يربط بين أبراج السعودية ويمكن رؤيتها من مواقع مختلفة في الرياض.

المزيد عن: نور الرياض\الرياض\الفنون الإبداعية\مهرجان النور\الكعبة