ثقافة و فنونعربي روايتان بالعربية لعبد الرزاق قرنح تقدمان تجربته الفريدة by admin 23 سبتمبر، 2022 written by admin 23 سبتمبر، 2022 15 أعماله تصدر بالتوالي عن دار “أثر” وتحمل عالمه المتشعب إلى القراء اندبندنت عربية \ لنا عبد الرحمن قبل أن تسمي الأكاديمية السويدية الفائز بجائزة نوبل 2022 في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بدأت تنتشر الروايات المترجمة إلى العربية للكاتب النوبلي عبدالرزاق قرنح، الذي حقق فوزه مفاجأة كبيرة في الأوساط الثقافية على مستوى العالم، والعالم العربي خصوصاً، لكونه اسماً مجهولاً في المكتبة العربية، على رغم ترشحه لجوائز عدة مثل جائزة البوكر، وجائزة الكومنولث للكتّاب. ولكن من المهم الإشارة أيضاً إلى أن قرنح معروف ضمن الأوساط الثقافية الإنغلوفونية، ولم يكن منتشراً مثلاً في الأوساط الأدبية الفرنكوفونية. وفي خطوة بارزة، متوافقة مع الوقت والجهد اللذين تحتاجهما ترجمة الأعمال الأدبية، والروايات تحديداً، باشرت دار “أثر” السعودية، إصدار أعمال قرنح ووضعها بين أيدي القراء العرب، بعد حصولها على حقوق الترجمة لأعماله الكاملة إلى العربية. وأول الإصدارات روايتان، ” ذاكرة الرحيل” (تعريب عبير عبدالواحد)، و”ما بعد الموت” (تعريب نوف الميموني)، والعمل جار على ترجمة الروايات الأخرى، التي سوف تُثري المكتبة العربية، وتُمكن الباحثين والقراء، من الغوص أكثر في عالم قرنح المتشعب، والممتد الجذور بين أكثر من قارة، والذي يركز على مآلات مرحلة الاستعمار، وآثارها على القارة الأفريقية. الرواية الأولى المترجمة إلى العربية (دار أثر) تقدم قراءة قرنح للقارئ العربي تحديداً، أجوبة باتت جوهرية حول أسئلة جغرافية وتاريخية محضة، تبدو ملتبسة ومتداخلة بين الماضي الكولونيالي للعالم العربي والأفريقي، والحاضر الحافل بالتحولات العالمية السريعة التي انعكست آثارها على الثقافتين. ربما لأن قرنح بحد ذاته، يأتي من منطقة تشتبك وتتداخل فيها الهويات والثقافات واقعياً ونفسياً، فيبدو من المحال تعريفه بشكل محدد، أو صياغة كلمة واضحة عن مفهوم “الانتماء” بالنسبة لكتابته. فهو يُعرّف عن نفسه بأنه مواطن “إنجليزي من زنجبار”، وفي الوقت عينه يراه البعض عربياً لكونه من أصول يمنية، وبأن الجائزة وصلت إلى يد عربي مرة أخرى، على رغم أن قرنح، يكتب بالإنجليزية، وموضوعاته معنية أكثر بما يحدث في أفريقيا، مثل معاناة المهاجرين والنزوح والعنصرية، وتجارة البشر، والفقر والفساد الحكومي، والمعاناة من ظلم المستعمر. قرنح نفسه لا يُنكر هذا، يحكي ببساطة عن عدم إحساسه بأنه عربي، وأن هاجسه الإبداعي هو نقل ما يواجهه المهاجرون من معاناة جسيمة، والكتابة عنها من منظور حقيقي وبنظرة ثاقبة تخلو من المغالاة، فهو يرى أن اللاجئ شخص خرج من رحم المعاناة نفسها. ذاكرة صوفية يمكننا معرفة قرنح أكثر مع عنوان روايته الأولى التي صدرت عام 1987 “ذاكرة الرحيل”؛ إنه عمل يتكئ إلى المواجهات النفسية مع سنوات الطفولة والشباب، التأمل في صراعات ذاتية داخلية لا يمكن الفرار منها، لأنها تظل مرافقة للبطل “حسان” حتى بعد ارتحاله من وطنه إلى بلد آخر. تكشف الرواية أن من غير الممكن نسيان مخاض الميلاد الجديد وعذاباته، وأن الارتحال المكاني، وما يشمله من تشظيات نفسية عند البطل “حسان عمر” يُمثل مسار رحلة صوفية مضنية يكتوي صاحبها بنيران التحولات المفروضة. تبدأ الأحداث في بلدة صغيرة تقع على الساحل الأفريقي، البطل المحوري “حسان عمر” شاب يافع، حالم، ينشئ في واقع مأساوي، ضمن أسرة بائسة، يتحكم بها أب سيئ يُعرض أسرته للأذى النفسي والجسدي، مما يدفع حسان بتحريض من والدته، للتفكير بالهرب إلى خاله في نيروبي، حيث سيكون الارتحال الأول. لكن الواقع لم يكن أفضل هناك، وعلى رغم ذلك يقع حسان في حب ابنة خاله سلمى، وحين يغادر يتمنى أن يرجع من أجلها هي. الرواية الثانية (دار أثر) قد تُعبر براءة حسان ودهشته إزاء العالم الخارجي عن حال قارة أفريقيا في علاقتها بالمستعمر وبالغرب، رغبة حسان في الانعتاق من أسرته وبلدته وحاله البائسة، والرحيل إلى واقع آخر، تظل مغموسة بالحنين إلى وطنه، والاشتياق إلى طبيعة بلده وأماكنها التي لا تتشابه بالنسبة له مع أي مكان آخر. تتناول الرواية أيضاً المعتقدات الغيبية، والطقوس المرتبطة بالعالم المحجوب، التي تسيطر على حياة الناس وتتحكم بأفكارهم وقناعاتهم، كأن يقول: “كانوا يقدمون التضحيات من أجل استجلاب المطر. كان كبار السن في القرية يأخذون الأرز أو الدقيق، والحيوانات أحياناً، إلى الضريح الموجود على الجُرف. حيث يمكنك في الليل سماع الأشباح”. الملاحظ في النص المترجم رشاقة الترجمة وانضباط اللغة ومراعاتها لأسلوب الكاتب، وقد تخيرت المترجمة عبير عبد الواحد بدقة، العبارات الدالة عن الحالات الواقعية والوجدانية التي يمر بها الأبطال، مع الحرص على ترجمة الكلمات القادمة من اللغة السواحلية والألمانية. ما بعد الموت في رواية “ما بعد الموت” الصادرة عام 2020، يقدم قرنح للقارئ الغربي والعربي على السواء رؤيته لموضوع تاريخي شائك، يتعلق بالجنود الأفارقة الذين أجبروا على الانضمام إلى صفوف المستعمر، بحيث يعود بالزمن إلى حقبة الاستعمار الألماني والحرب العالمية الأولى، والمكان هو بلد في شرق أفريقيا.هذه القضية التي تُعتبر من ضمن الموضوعات البالغة الأسى المسببة لألم إنساني غائر لدى أصحابها، وللمقربين منهم أيضاً، حضرت أيضاً في رواية “شقيق الروح” للكاتب الفرنسي الأفريقي ديفيد ديوب، وقد حاز عنها جائزة البوكر الأدبية الدولية لعام 2021؛ يتناول ديوب علاقة صداقة تجمع بين جنديين من السنغال يقاتلان في الجيش الفرنسي. في رواية قرنح، نتبع مصير شابين أُجبرا على الالتحاق في صفوف القوات الاستعمارية الألمانية، ويكشف الكاتب عن معاناة الأفريقي، الذي يقاتل من أجل القوى الغريبة التي تتنازع على أفريقيا. يُقدم الكاتب قصة إلياس، الذي اختُطف من والديه حين كان صبياً صغيراً، ثم يصبح جندياً عند الألمان، وبعد مرور عدة سنوات يعود إلى قريته ليجد الواقع قد اختلف بعد رحيل والديه، وفقدانه للأمان الذي حلم باستعادته. هناك أيضاً حمزة، الذي يخدم مع القوات الألمانية، وبلغ سن الرشد في الجيش وحظي بنوع من الرعاية من أحد الضباط الألمان الذي حماه بسبب ملاحظته رغبته في التعلم. قام الضابط برعايته لكنه هيمن على حياته. وبالنسبة إلى حمزة، الذي تمكن من تعلم اللغة الألمانية واكتشاف شعر “شيلر”، يؤرقه جداً هاجس الحرب، ولا يملك كلمات تصف كيف انتهت، لكن كل ما يريده في الحياة العودة إلى بلدة طفولته، والعثور على عمل متواضع بسيط وآمن، وأن يحظى بالحب الذي يتوق إليه، مع عافية، شقيقة الياس. تركز الرواية على كيفية استغلال هؤلاء المجندين في زرع الرعب والموت والنهب والخراب، ضمن معركة استعباد السكان المحليين. لكن كلا البطلين يُدرك في قرارة نفسه أن الألمان والبريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين وغيرهم رسموا خرائطهم ووقعوا معاهداتهم كي يقسموا أفريقياً. إنها قصة تنزانيا منذ الحرب العالمية الأولى إلى الفترة المعاصرة. بداية من تاريخ تجارة قوافل التجار الهنود والاستعمار الألماني ثم البريطاني، وصولاً إلى حصول تنزانيا على استقلالها عام (1961-1964). كلمة النهاية في الرواية يتركها الكاتب للشاب الياس، المسكون منذ مراهقته بأصوات مؤلمة، تلهمه في ما بعد وتدفعه نحو الكتابة. هذه النهاية قد تقاطع مع تصورات عبدالرزاق قرنح، نفسه، عن رحلة الكتابة. على رغم التباعد الزمني بين رواية “ذاكرة الرحيل”، و “ما بعد الموت” فإن هذه الرواية أيضاً منفتحة على التعددية اللغوية، في تضمنها كلمات باللغتين السواحلية والألمانية. وقد راعت المترجمة ببراعة وسلاسة اختيار الترجمة المناسبة لهذه المفردات، ضمن سياق المعلومات التاريخية والسياسية والجغرافية، التي يحفل بها النص. المزيد عن: جائزة بول\عبد الرزاق قرنح\تانزانيا\بريطانيا\أفريقيا\روايات\ترجمة\الكولونيالية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مجمّع جديد لـ’’دي هافيلاند‘‘ في كالغاري سيعمل فيه 1500 شخص next post ما الذي دار بين فرويد والموسيقي ماهلر خلال لقائهما الوحيد؟ You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024