ثقافة و فنونعربي حين ارتبط دافنشي بشراكة غير فنية مع مكيافيلي تحت رعاية آل بورجيا by admin 14 أغسطس، 2022 written by admin 14 أغسطس، 2022 26 سيد الفن التشكيلي النهضوي مخترع أسلحة وراسم خطط عسكرية لحروب إبادة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب عاشا في زمن واحد تقريباً وتحدرا من المدينة نفسها، فلورنسا حيث كانا معاً من رعايا آل بورجيا. فهل تراهما التقيا على الرغم مما هو متداول من أنه كان ثمة “هوة” واسعة تفرق بين أولهما، ليوناردو دافنشي، وثانيهما، نيكولو مكيافيلي؟ الحقيقة أنهما التقيا بالفعل بل تشاركا في عدد من المشاريع والأفكار، ولكن على عكس ما يمكننا أن نتصور، من المؤكد أن ما تحاورا بشأنه خلال تلك اللقاءات لم يكن المساعي المشتركة لتطوير الفنون التشكيلية حتى وإن كان قد عرف عن مكيافيلي اهتمامه بالفنون إلى درجة كتابته بعض النصوص المسرحية في أوقات فراغه، بل تحدثا طويلاً عن مواضيع أخرى ترتبط باهتمامات صاحب كتب “الأمير” ولا يمكن الافتراض مسبقاً أنها كان يمكن حقاً أن تهم صاحب لوحة “الموناليزا“. ففي نهاية الأمر ما أبعد المسافة الفاصلة بين كتاب عن السياسة ودهاء السياسيين، وما هو متاح للحكام كي يحافظوا على حكمهم، والحيل التي يلجأون إليها في سبيل ذلك فإن لم تفدهم، عليهم، بحسب مكيافيلي في “الأمير”، كما في “فن الحرب” ألا يترددوا دون اللجوء إلى السيف، بل إلى ما هو أكثر وأفتك من السيف، وبين تلك اللوحات الرائعة، الدينية والدنيوية التي خلدت الرسام الكبير بوصفه واحداً من أكبر الفنانين الذين عرفتهم البشرية في تاريخها، ولكن مهلاً هنا بعض الشيء، ترى ألا يتداول محبو فن دافنشي عشرات بل مئات الرسوم والتخطيطات التي تفيد بأنه كان مهتماً أيضاً باختراعات وأفكار لا علاقة لها بالجماليات؟ بين الفن والحرب حسناً. كان يخيل إلى كثر في هذا الصدد أن تلك الرسوم، بل حتى الاختراعات التي نجمت عنها وصنعها مساعدون لدافنشي في بعض الأحيان، إنما كانت لهواً يمارسه الفنان في ساعات فراغه وأيام ضجره من نوع “الخربشات” المسلية، لكن الحقيقة تكمن في مكان آخر تماماً. الحقيقة تكمن في أن تلك الرسوم و”الاختراعات” أي تلك “الخربشات”، كانت هي في الواقع ما هيمن على العلاقة بين السياسي الداهية والرسام العبقري. أو هذا على الأقل ما تقوله بكل وضوح دراسة صدرت في باريس قبل عشر سنوات من الآن للباحث والمؤرخ باسكال بريواست يجرؤ عنوانها نفسه ليقول في كلماته القليلة كل الحكاية “ليوناردو دا فنشي، رجل الحرب”. ففي هذا الكتاب تطلع المؤرخ لأن يكشف عن صورة لم تكن معهودة تماماً للرسام الكبير. صورة تفسر رسومه “الحربجية” لكنها تأتي بالتناقض التام مع ما يشف عنه فنه من صفاء وسمو وجمال، وربما نزعة سلمية أيضاً، بالتالي صورة تفسر ارتباطه بمكيافيلي ابن مدينته، والذي عاش خلال تلك الفترة نفسها المضطربة من التاريخ الإيطالي. الفترة التي لم تتوقف فيها الحروب بين الدول والمدن، بين إقطاعيي هذه المنطقة وحماة تلك، وحتى بين بعض الباباوات والأمراء. ونعرف أن مكيافيلي كان من كبار مؤرخي تلك المرحلة ناهيك عن كونه من المساهمين فيها وغالباً لحساب سيزار بورجيا أمير فلورنسا وابن البابا ألكسندر السادس. ومن المعروف أن مكيافيلي إنما اتخذ من سيزار بورجيا المثال الذي بنى عليه مواصفات “الأمير” في كتابه الأشهر. المسألة وطنية وعلى الرغم من أن ليوناردو كان فلورنسياً بدوره ومن رعايا سيزار بورجيا الذي كان يشجع ممارساته الفنية واصلاً إلى حد “التوصية” عليه في بلاط البابوية في روما، فإنه قبل المرحلة التي تعاون فيها مع مكيافيلي بعشرين سنة، كان قد عرض خدماته على دوق ميلانو من آل سفورزا لودوفيغو، ولكن ليس كرسام مع أن آل سفورزا كانوا معروفين برعايتهم للفنون وتقديرهم لعبقرية الفنان، وإنما كمخطط عسكري ومصمم لآلات حربية لم تكن موجودة سابقاً. ويمكن القول هنا أن اهتمامات دافنشي العسكرية تعود إلى تلك المرحلة، ولكنها لم تزهر إلا لاحقاً حين احتاج آل بورجيا يمثلهم في هذا المجال نيكولو مكيافيلي، إلى عبقرية الفنان – المخترع. هكذا إذاً اجتمع مواطنا فلورنسا العبقريان في لحظة وضع فيها دافنشي مواهبه الفنية جانباً وراح يفكر مع شريكه قبل أي شيء آخر بمشروع عملاق من الصعب أن نتصور اليوم أن شخصاً يقل عن الإسكندر أو هانيبعل أو حتى نابليون كان يمكن أن يفكر به. ففي ذلك الحين بالتحديد، أي خلال السنوات الأولى من القرن السادس عشر، كانت منطقة بيزانو تشكل عقبة في وجه آل بورجيا وتوسعها عبر نهر الآرنو فما العمل؟ طرح دافنشي ومكيافيلي السؤال على أنفسهما وكان الجواب بديهياً، جواباً فكر به الأول خلال دقائق ووافق عليه الأخير خلال دقائق أخرى: الحل الوحيد هو تنفيذ مشروع عملاق يقوم على تحويل مجرى نهر الآرنو بشكل لا تلبث معه مياه النهر في تدفقها أن تغرق منطقة بيزانو كلها بفيضان يحولها إلى بحيرة عملاقة ويمحوها تماماً من الوجود. سيد حرب ودمار نعرف من الناحية التاريخية أن ذلك المشروع لم ينفذ وربما لأن العبقريين أدركا من فورهما أنه سيحتاج إلى طاقات مادية وبشرية هائلة، كما إلى زمن طويل تكون فيه الأمور قد تبدلت، لذا سيكون من الأفضل إبدال “جنون تحويل النهر عن مجراه” بعقلانية تنفيذ وتصنيع بعض أحدث العربات والدبابات والمدفعيات التي كان دافنشي قد صممها منذ زمن ولم يجد من يشتريها منه كاختراعات. وها قد حان الوقت لذلك. ونعرف طبعاً أن مكيافيلي قد وافق على ذلك كله، لكننا في الحقيقة نفترض أن آل بورجيا أجلوا تلك المشاريع التصنيعية إلى حد اختفائها من الصورة، حيث نعرف أن مكيافيلي لم يعد إلى الحديث عنها، وأن دافنشي عاد سريعاً إلى إنجازاته التشكيلية، لا سيما في روما تحت رعاية البابا نفسه، ما يعني بالأحرى، أن الحروب نفسها قد هدأت لكي لا تبقى من “حربجية” الرسام الكبير وتعاون “الاستراتيجي الأكبر” معه سوى تلك “الخطة المجنونة” التي نعرف أنها لو نفذت لكان من شأنها أن تبدل تاريخ إيطاليا وربما جغرافيتها ولكن إلى الأسوأ طبعاً. غير أن في وسعنا أن نختم هذا الجزء من تاريخ صاحب “موناليزا” بالقول إن عدم تنفيذ خطته لا يعني أنه استكان إلى السلام وخلص نفسه من لقب يبدو اليوم جديراً به: لقب يجعل منه سيد حرب ودمار بامتياز. أين كان فرويد؟ ويبقى هنا أخيراً سؤال من الغريب أن سيغموند فرويد رائد ومبتكر التحليل النفسي، والذي كرس لواحدة من لوحات دافنشي هي لوحة “القديسة آنا والعذراء والطفل يسوع” (1501 – 1510) واحدة من أكثر الدراسات جدية وعمقاً في تاريخ العلاقة بين الفن التشكيلي والتحليل النفسي “ذكرى طفولية من حياة ليوناردو دافنشي”، لم يدن في مجال تحليله لشخصية الرسام النهضوي من ميوله العسكرية بل “الحربجية” تلك على ضوء تعاونه مع ماكيافيللي، علماً بأنه كان يمكن لمثل ذلك الدنو أن يلقى أضواء كاشفة على دافنشي وتكوين شخصيته وربما على طفولته أيضاً كما على نوازعه الجنسية. فهل كان السبب أن تاريخ دافنشي الذي اطلع عليه فرويد كان غير عابئ بتلك العلاقة الودية والتعاونية التي ربطت بينه وبين صاحب “الأمير” تحت رعاية آل بورجيا؟ يبقى أن نذكر هنا أن دافنشي قد عاش بين 1452 و1519 ورسم، خلال حياته الطويلة التي تنقل فيها بين مسقط رأسه فلورنسا وروما وميلانو وعدد آخر من المدن الإيطالية وحتى الفرنسية، عدداً كبيراً ورائعاً من لوحات ومشاريع فنية جعلت منه كما أشرنا أعلاه واحداً من كبار الفنانين في تاريخ البشرية. وهو رسم وصمم كذلك، وكما أشرنا أيضاً تلك التخطيطات الميكانيكية والبيولوجية والهندسية التي كثيراً ما اعتقد الباحثون أنها إنما كانت تخطيطات لبعض مشاهد سيدمجها في لوحاته، ولكن ها هي الدراسات الحديثة تكشف من خلالها عن جانب غير متوقع من حياة ونشاط دافنشي يرتبط هذه المرة بتعاون ربما يكون مفترضاً لا أكثر مع نيكولو مكيافيلي (1469 – 1527). المزيد عن: دافنشي\مكيافيلي\خطط عسكرية\الفن\الحرب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عندما نبه ستاندال باكرا إلى التناقض بين الديمقراطية والفكرة الأميركية next post الأميركي ليرد هانت يحفر في إرث الحكايات الغرائبية You may also like مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024