X FILEعربي دولة بوتين البوليسية الجديدة by admin 3 أغسطس، 2022 written by admin 3 أغسطس، 2022 35 في كواليس الحرب، يتبنّى جهاز الأمن الفيدرالي أساليب ستالينية أندريه سولداتوف – إيرينا بوروغان أندريه سولداتوف، صحافي استقصائي والمؤسس المشارك والمحرر لـموقع Agentura.ru، وهو موقع شبكي يُعنى برصد أنشطة الاستخبارات الروسية. إيرينا بوروجان، صحافية استقصائية ومؤسسة مشاركة ونائبة محرر Agentura.ru. منذ ربيع عام 2022، طغت قوة جديدة مرعبة على المجتمع الروسي. الناشطون الذين احتجوا على “العملية الخاصة” في أوكرانيا يعتقلون. معارضو النظام يزجون في السجن، بل وحتى المواطنين العاديين ممن كانت لهم صلات غير مأذون بها بجهات اتصال أجنبية يرسلون إلى سجن ليفورتوفو في موسكو، حيث كان السجناء السياسيون يتعرضون للتعذيب والإعدام في الحقبة الستالينية. وعلى الحدود، يخضع الروس الذين يحاولون المغادرة أو العودة للاستجواب والترهيب. ولكن حتى أولئك الذين تمكّنوا من مغادرة البلاد ليسوا آمنين، إذ تجري تحريات عمن يجاهر بحديثه من أولئك الذي يعيشون في المنفى، كما يتعرض أقاربهم في روسيا للمضايقات من جانب النظام، وتتخذ الشرطة الأمنية إجراءات صارمة ضد الشركات الروسية التي تشتري المواد الخام والأجهزة الأجنبية بدلاً من الروسية. ومع دخول حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا شهرها السادس، طرأ تحوّل جذري في البيروقراطية الأمنية في الكرملين، تحديداً في الوكالة الأقرب إلى بوتين نفسه وهي جهاز الأمن الفيدرالي المعروف اختصاراً بـ “FSB”. عندما اندلعت الحرب، خطط الكرملين لاستخدام جهاز الأمن الفيدرالي بشكل رئيس في أوكرانيا، ليكون بمثابة قوة عمليات خاصة من شأنها أن تعزز غزواً روسياً خاطفاً لأوكرانيا. وطبقاً للخطة، فقد أريد للدبابات الروسية المتقاطرة إلى أوكرانيا أن تؤدي إلى تغيير النظام في كييف لتتولى زعامة جديدة موالية لموسكو ويشرف عليها جهاز الأمن الفيدرالي مقاليد السلطة في البلاد. آنذاك، كان فرع الاستخبارات الخارجية التابع لجهاز الأمن الفيدرالي- الدائرة الخامسة – هو الذي يضطلع بهذه المهمة، وكان هو القسم الرئيس الوحيد لجهاز الأمن الفيدرالي، من بين ما يزيد على عشرة أقسام، الذي شارك مباشرة في التحضير للحرب. لكن مع تعثّر هذه الخطط، عمل بوتين على صياغة مهمة مختلفة وأكثر شمولاً لجهاز الأمن الفيدرالي، جعلته في طليعة الجهود الحربية الشاملة التي تبذلها روسيا في الداخل، فضلاً عن عملياتها الاستخبارية في أوكرانيا. وعليه، ستشارك الآن جميع فروع الجهاز في تلك الجهود، إذ تدير عمليات القمع الجديدة في روسيا وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي، ودائرة مكافحة التجسس، وكذلك قسم التحقيقات التابع للجهاز. وفي الوقت ذاته، تقوم القوات الخاصة التابعة للجهاز وفرع مكافحة التجسس العسكري بعمليات تستهدف عناصر المؤسسة العسكرية الأوكرانية في المناطق المحتلة وخارجها وتجنيد العملاء الأوكرانيين وتحضير ملفات أولئك الذين يتطلع الجهاز إلى محاكمتهم في محاكمات صورية. ويتمركز عملاء جهاز الأمن الفيدرالي على الحدود الروسية، ودأبت دائرة الأمن الاقتصادي التي تعتبر عادة الإدارة الأكثر فساداً في الجهاز، على إنفاذ السياسات الاقتصادية الروسية بصورة حثيثة. وفي مقر جهاز اﻷمن الفيدرالي في ساحة لوبيانكا في موسكو، طلب من صغار موظفي الجهاز الاستعداد لجوﻻت خدمة مدتها ثلاثة أشهر في المناطق المحتلة في أوكرانيا. وفي حين يتصدر جهاز الأمن الفيدرالي أجهزة دولة متحولة ومذعورة وأمنية الطابع على نحو متزايد، فإن لهذا التحول تأثيرات عميقة في طبيعة حكم بوتين. فخلافاً لدور الجهاز الذي كان موجهاً نحو المراقبة إلى حد كبير في الأعوام السابقة، أصبح الجهاز الآن ذراعاً أكثر اتساعاً لدولة تزداد بطشاً. وبنفوذه الكاسح في المجتمع المحلي والشؤون الخارجية والجيش، بدأ جهاز الأمن الفيدرالي يبدو أقل شبهاً بسلفه السوفياتي السابق، “كي جي بي”. وهو الآن أشبه بشيء أكثر إخافة وهو المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية (NKVD)، شرطة ستالين السرية سيئة السمعة، التي أجرت عمليات التطهير الكبيرة في ثلاثينيات القرن العشرين وحكمت المجتمع الروسي بقبضة حديدية في الأعوام الأولى من الحرب الباردة. اليد الطولى لجهاز الأمن الفيدرالي ليس من الصعب العثور على دلائل على استراتيجية جهاز الأمن الفيدرالي الآخذة في التبلور، ولننظر في تكتيكاتها تجاه الصحافيين وأفراد المعارضة السياسية. في الماضي، حينما كان الأمر يتعلق بالصحافة، قصر الجهاز نشاطه على التجسس على الصحافيين الذين ينتقدون الحكومة وحثّهم على مغادرة البلاد. وحتى عندما اعتقل إيفان سافرونوف، الصحافي السابق الذي كتب عن الشؤون العسكرية لصحيفة “كومرسانت” اليومية الروسية، بتهم الخيانة في صيف عام 2020، فهم ذلك على أنه رسالة للآخرين: كفّوا عن الكتابة عن القضايا الحساسة أو غادروا البلاد. وفي الواقع، في العام التالي، وضع عدد من الصحافيين الروس على قائمة حكومية للعملاء الأجانب ولكن لم يلقَ القبض عليهم، واتجه عدد منهم إلى المنفى. واستمر هذا النزوح في مرحلة بدء الحرب في أوكرانيا، عندما هرب مئات الصحافيين والناشطين الروس إلى الخارج. بيد أن جهاز الأمن الفيدرالي شرع في عكس مسار هذا النزوح منذ الربيع الفائت. وعلى سبيل المثال، بعد شهرين من بدء الحرب، سمح الجهاز للسياسي المعارض البارز فلاديمير كارا مورزا بدخول البلاد. وطيلة أعوام، كان كارا مورزا يتنقل بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، حيث كان يروج لفرض العقوبات ضد المقربين من بوتين. ومنذ بدأت الحرب، كان يخشى أن يحظر عليه الكرملين دخول روسيا. لكن في أبريل (نيسان)، سافر كارا مورزا إلى موسكو وسمح له بالدخول، ليساق على وجه السرعة إلى السجن، حيث بقي منذ ذلك الحين بتهمة نشر أخبار زائفة عن الحرب. وفي يوليو (تموز)، ألقي القبض على سياسي معارض آخر هو إليا ياشين بتهم مماثلة. بعد إلقاء القبض على أليكسي نافالني وسجنه – عقب عودته إلى روسيا في يناير (كانون الثاني) 2021 – كان ياشين أبرز شخصية معارضة، أما الآن، فعلى غرار نافالني وكارا مورزا، تم حبسه وإسكاته. وليس هذا من قبيل المصادفة، فبدءاً من مايو (أيار) 2022، كان جهاز الأمن الفيدرالي يزور عائلات المنفيين الروس لنقل رسالة مفادها بأن الحكومة الروسية مستعدة للترحيب بعودتهم من المنفى. وتفيد التقارير أيضاً بأن خبراء تكنولوجيا المعلومات الروس الذين غادروا روسيا في بداية الحرب ولكنهم عادوا إليها، استدعوا إلى مقر جهاز الأمن الفيدرالي واستجوبوا، إذ كان الجهاز يسعى إلى الحصول على معلومات خاصة عن المنفيين الروس الذين مكثوا في الخارج. وبدلاً من إجبار الروس على مغادرة البلاد، حيث قد يكونون قادرين على تشجيع حركات المعارضة، قرر النظام بأنه سيكون من الأفضل إبقاؤهم تحت المراقبة الدقيقة في روسيا – وهو نهج استخدمه الكرملين آخر مرة خلال المراحل المبكرة من الحرب الباردة. بتغيير التكتيكات، يقوم جهاز الأمن الفيدرالي باستدراج شخصيات المعارضة للعودة إلى روسيا واعتقالهم وفي الوقت ذاته، أصبح الجهاز أكثر وقاحة في ملاحقته للصحافيين وغيرهم ممن كانوا في المنفى لفترة طويلة. ويمكننا هنا أن نستشهد بتجربتنا: في مارس (آذار)، رفع قسم الأمن الداخلي في جهاز الأمن الفيدرالي دعوى جنائية ضد عضو في فريقنا هو أندريه سولداتوف بتهم نشر أخبار زائفة عن الحرب، وهي تهم تنطوي على عقوبة تصل إلى عشرة أعوام في السجن. وجمّدت حسابات سولداتوف المصرفية في روسيا، وأصدرت الحكومة الروسية أوامر دولية رسمية باعتقاله وتسليمه إلى روسيا. كما ازداد عدد الصحافيين الروس الذين هددوا بتهم مماثلة، وبما أن معظمهم يعيش بالفعل في المنفى، فإن القضايا الجنائية تهدف إلى ممارسة مزيد من الضغط على أقاربهم في روسيا. وبالقدر ذاته من الصرامة، تأتي حملة القمع التي يشنّها الجهاز بصورة متزايدة على العلماء والمحامين وغيرهم من الروس الذين شاركوا في الأنشطة التي يعتبرها النظام الآن مثار شبهات. وليست المساعي التي يبذلها جهاز الأمن الفيدرالي لمضايقة العلماء الروس الذين يتعاونون مع مؤسسات بحثية أجنبية وترهيبهم جديدة، غير أن الجهاز أصبح أكثر عدوانية منذ بدأت الحرب. وفي 30 يونيو (حزيران)، اتخذ الجهاز إجراءات قاسية ضد دميتري كولكر، مدير مختبر البصريات الكمية في جامعة نوفوسيبيرسك الحكومية، متهماً إياه بالخيانة بزعم مشاركته أسرار الدولة مع الصين. (كان ألقى سلسلة من المحاضرات في الصين كجزء من برنامج تبادل). وعلى الرغم من أن كولكر كان في المستشفى يعاني من سرطان البنكرياس من المرحلة الرابعة، فقد اعتقله جهاز الأمن الفيدرالي وأرسله إلى سجن ليفورتوفو، حيث توفي بعد ذلك بثلاثة أيام. وقد أصيب عدد من الروس بالصدمة، إلا أن هذا لم يكُن حادثاً منفرداً. وقبل يوم واحد من اعتقال كولكر، سجن الجهاز دميتري تالانتوف، وهو محامٍ بارز في مجال حقوق الإنسان، كان دافع عن سافرونوف، الصحافي الذي اتهمه الجهاز بالخيانة، ووجد تالانتوف نفسه الآن متهماً بنشر أخبار زائفة عن الحرب. حتى القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الروسي تعرضت لضغوط جهاز الأمن الفيدرالي، ولننظر في نظام الرعاية الصحية الوطني في روسيا، فمنذ يونيو، أجرت وكالة الرقابة المالية الروسية بالاشتراك مع جهاز الأمن الفيدرالي تحقيقات تخص العيادات الطبية في جميع أنحاء البلاد لوصفها عقاقير غربية بدلاً من العقاقير الروسية. وصوّرت الحملة للجمهور على أنها “حملة على مخططات شركات الأدوية الأجنبية التي تبيع أدويتها من خلال الأطباء الروس”. كما طلب الكرملين من الجهاز التحقيق مع مسؤولي الدولة الذين “فشلوا” في استبدال المنتجات الروسية، مثل تقنيات تكنولوجيا المعلومات، بالمنتجات الأجنبية. كما بدأت عمليات التطهير التي ينفذها الجهاز تطال النخبة الروسية، بما في ذلك كبار المسؤولين الأمنيين أنفسهم. وفي تموز، ألقي القبض على ثلاثة من كبار الضباط في وزارة الداخلية بتهمة الاختلاس واعتبرت العملية بمثابة رسالة إلى وزير الداخلية لتوخّي الحذر – إذ لا أحد في مأمن تماماً في هذه الدولة الأمنية الجديدة. وليست هذه العملية سوى الأخيرة في سلسلة من عمليات التطهير التي استهدفت أوليغ ميتفول، وهو مسؤول سابق في إدارة مدينة موسكو ويحظى بشبكة علاقات واسعة، وفلاديمير ماو، وهو خبير اقتصادي روسي بارز، مقرب من الكتلة الليبرالية للحكومة ورئيس الأكاديمية الرئاسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة، وهي منشأة التدريب الرئيسة لمسؤولي الدولة الروس. وقد ألقي ميتفول في السجن، بينما وضع ماو تحت الإقامة الجبرية، ما أثار قلق النخب المالية في موسكو. غير أن التغيير الأكثر إثارة للانتباه يتعلق بتكتيكات جهاز الأمن الفيدرالي في أوكرانيا، فقبل الحرب، كان دور الجهاز يقوم على تجنيد السياسيين الأوكرانيين. أما الآن، فيشرف الجهاز على عملية واسعة النطاق لاحتجاز أعداد كبيرة من الأوكرانيين في روسيا وفي الأراضي المحتلة في أوكرانيا. وخلافاً لما يدعيه الجهاز رسمياً، فإن المهمة الرئيسة لهذه العملية ليست كشف الإرهابيين الأوكرانيين، بل تحضير ملفات أعداد كبيرة من الأوكرانيين من أجل تجنيد المتعاملين وإعادتهم إلى أوكرانيا بناء على أوامر من جهاز الأمن الفيدرالي. كما لم يغِب عن الجهاز السعي المحموم لملاحقة عناصر الاستخبارات الأوكرانية، فضلاً عن الوحدات التي دافعت عن معمل أزوفستال (ماريوبول) في وجه حصار القوات الروسية الذي دام 82 يوماً هذا الربيع. وإلى جانب الروس الذين اتهموا بخيانة الدولة، أرسل هؤلاء الأوكرانيين ذوي الأهمية إلى سجن ليفورتوفو. العودة إلى الاتحاد السوفياتي يثير الدور الجديد اللامحدود الذي يلعبه جهاز الأمن الفيدرالي تساؤلات أكبر حول نظام بوتين. فمن المعروف على مدار أعوام أن بوتين صمم أجهزته الأمنية في بعض جوانبها على غرار الممارسات السوفياتية، بما في ذلك ممارسات وكالة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، حيث أمضى ما يقرب من 16 عاماً. خلال معظم الوقت الذي قضاه بوتين في منصبه – بخاصة على مدى الأعوام الخمسة الماضية، إذ كان يسعى إلى تدعيم نظامه – كان نموذج “كي جي بي” منطقياً. فمن ناحية، في العقود الأخيرة من الحقبة السوفياتية، ظل “كي جي بي”، على الرغم من قوته، منظمة صغيرة نسبياً وآثر اتباع نهج مخفف للسيطرة. راقب الجميع وتجسس عليهم، من عمال المصانع إلى راقصات الباليه، إلا أنه لم يسعَ إلى تنفيذ اعتقالات أو عمليات تطهير واسعة النطاق. وبدلاً من ذلك، اعتمد على أشكال متطورة من الترهيب من شأنها أن تجعل الناس ينتظمون من دون قمع جماعي. ومن نواحٍ أخرى، فقد أثرت سياسات حقبة ما بعد ستالين في هيكلة “كي جي بي”، فبدلاً من أن يسيطر على الجهاز زعيم واحد يتفرد بكامل السلطة، كان بمثابة بيروقراطية تخضع للمساءلة من الحزب الشيوعي. وعلى الرغم من أن “كي جي بي” كان حاضراً في كل مكان، إلا أنه كان غير مرئي إلى حد كبير، فقد كان ضباط الاستخبارات الروسية يكرهون الزي العسكري ويفضلون البدلات الرمادية عليها. كما استثمر “كي جي بي” كثيراً في العلاقات العامة ورعاية الكتب والأفلام التي تروّج لصورته باعتباره الكيان الحكومي الأكثر ثقافة في البلاد، والوحيد الذي يمكنه محاربة الفساد محاربة ناجعة. خلال الأعوام الـ15 الأولى من تولّيه السلطة، اعتمد بوتين على جهاز الأمن الفيدرالي ولكنه حاول إبعاده إلى حد ما عن “كي جي بي”. فقد أراد أن يكون جهاز الأمن الفيدرالي فريق التدخل السريع الخاص به الذي يهرع إليه بحلول لمشكلاته السياسية داخل روسيا وخارجها. ولكن بعد أن خذله الجهاز مراراً وتكراراً بإخفاقه في تحذيره من الثورات الملونة ومن احتجاجات موسكو، وأخيراً من ثورة الميدان في كييف عام 2014، عمد بوتين إلى تغيير القواعد. وبدلاً من أن يعمل جهاز الأمن الفيدرالي بمثابة قوة للتدخل السريع، فقد أعاد النظر في وظيفته لتغدو أقرب كثيراً إلى وظيفة “كي جي بي”. وعليه، جعل بوتين من الجهاز أداة لتوفير الاستقرار السياسي من خلال تخويف الشعب الروسي، بما في ذلك النخب. غير أن التحركات الأخيرة تشير إلى أن بوتين يغيّر مساره من جديد. فبدلاً من أن يشبه “كي جي بي” في السبعينيات والثمانينيات، يغدو جهاز الأمن الفيدرالي أكثر شبهاً بشرطة ستالين السرية المعروفة باسم “المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية”، التي كانت تهدف إلى درجة أكبر بكثير إلى السيطرة الكاملة على السكان الروس. وحش بوتين كانت شرطة ستالين السرية، أي المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية، مثالاً حقيقياً على التوحش، وصمم ستالين المفّوضية عن قصد للإشراف على أجزاء واسعة ومتباينة على نطاق واسع من الدولة السوفياتية، بما في ذلك نظام السكك الحديدية الوطني والبرنامج النووي الروسي واغتيال أعداء ستالين في الخارج. وأشرفت المفوضية على الشرطة وعلى عمليات التجسس وعلى القمع السياسي وعلى الغولاغ (منظومة الاتحاد السوفياتي الواسعة من معسكرات العمل القسري)، وكذلك على صناعة البناء وحتى على المرافق العامة. ومن أجل القيام بعمليات قمع داخلية، أنشأت المفوضية شبكة من المديريات في جميع أنحاء البلاد، إذ اقتضى التعامل مع تلك الأعداد الكبيرة بيروقراطية أمنية هائلة. يبدو أن دولة بوتين الأمنية المتنامية سريعاً أصبحت أقرب إلى سابقتها الستالينية (رويترز) كذلك جرت عسكرة المفوضية بصورة كبيرة، ولم يكتفِ ضباط المفوضية بارتداء الزي العسكري ووضع الرتب العسكرية، بل كانت للمفوضية وحداتها العسكرية الخاصة المجهزة بأسلحة ثقيلة مثل الدبابات والطائرات. وفي نهاية الثلاثينيات، مع تزايد احتمالية الحرب في أوروبا، وضع ستالين البلاد في حالة عسكرة، بدءاً من أجهزة الدولة الأمنية. وبمجرد بدء الحرب، أقامت قوات المفوضية معسكرات في الأراضي المحتلة في بولندا ومنطقة بحر البلطيق لتحديد مثيري الشغب ولتجنيد العملاء، كما كلّفت بحملة لحمل المنفيين الروس على العودة إلى روسيا في نهاية الحرب. وكان أولئك هم الأشخاص الذين فروا من روسيا السوفياتية، وأقنع عدد منهم بالعودة لينتهي بهم المطاف في معسكرات ستالين. بهذه الأساليب وغيرها، كانت المفوضية مصممً لنظام كان في حالة حرب مستمرة: مع أعدائه السياسيين ومع الرفاق السابقين في البلاد وفي الخارج، وكذلك مع الغرب. وما جعل المفوضية شديدة القوة – وغاية في الرهبة أيضاً – أنها كانت تستجيب لستالين فقط، وليس للحزب الشيوعي أو الحكومة السوفياتية. منذ بدء الحرب في أوكرانيا، يبدو أن دولة بوتين الأمنية المتنامية سريعاً أصبحت أقرب إلى سابقتها الستالينية، إذ تدل عسكرة جهاز الأمن الفيدرالي ومعسكرات التجنيد الجديدة وتكتيكاته العلنية والوحشية جميعها على أن بوتين يضع نصب عينه نهج المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية إبان الاتحاد السوفياتي، وهي وكالة صاغتها دولة شمولية في زمن الحرب. والحرب الطويلة هي ما يعدّ الكرملين البلاد من أجله. وهما المؤلفان المشاركان لكتاب “المواطنون: التاريخ الوحشي والمضطرب لمنفيّي روسيا، ومهاجريها وعملائها في الخارج” .The Compatriots: The Brutal and Chaotic History of Russia’s Exiles, Émigrés, and Agents Abroad مترجم عن “فورين أفيرز” 27 يوليو 2022 المزيد عن: فورين أفيرزكي جي بيجهاز الأمن الفيدرالي الروسيفلاديمير بوتيناستهداف المعارضةالقمع السياسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “سيدتي الجميلة” مسرحية “بيغماليون” في اقتباس مسرحي رغما عن مؤلفها next post هل تتدخل أميركا عسكريا في لبنان؟ You may also like جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم... 24 نوفمبر، 2024 أحوال وتحولات جنوب لبنان ما بعد الهدنة مع... 24 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: صهر صدام حسين وسكرتيره... 24 نوفمبر، 2024 كارين هاوس: مساعدو صدام حسين خافوا من أن... 23 نوفمبر، 2024 حافظ الأسد كان قلقا من أن تلقى سوريا... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: بن لادن استقبل مبعوث... 21 نوفمبر، 2024 من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت... 17 نوفمبر، 2024 مرافق سفير بريطانيا لدى لبنان أنقذ الأميركيين من... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 “إسرائيل الكبرى”… حلم صيف يميني أم مشروع حقيقي؟ 12 نوفمبر، 2024