ثقافة و فنونعربي استعادة “مدرسة باريس” التشكيلية في معرض شامل by admin 7 يوليو، 2022 written by admin 7 يوليو، 2022 17 تجارب طليعية تبين مدى إسهام الفنانين الأجانب في بلورة حداثة المدينة اندبندنت عربية \ انطوان جوكي في تاريخ الفن الحديث، تشكّل “مدرسة باريس” محطة جوهرية يتعذر الإغضاء عنها، سواء بديمومتها (1900 ــ 1939)، أو بحجم الاختبارات الطلائعية التي تنضوي تحت هذه التسمية، وثرائها وتنوّعها. من هنا أهمية المعرض الذي ينظّمه حالياً لها متحف الفن الحديث في مدينة سيريه الفرنسية. فإضافةً إلى تتبّعه جميع مراحل هذه المغامرة الفنية الفريدة، يكشف الإسهام الكبير للفنانين الأجانب في انبثاقها وتحديد مختلف مفرداتها التشكيلية. وتجدر الإشارة بدايةً إلى أن تعبير “مدرسة باريس” إشكالي لكونه لا يشير إلى “مدرسة” فنية محدَّدة. لكن ما يبرّر استخدامه حتى اليوم هو دلالته على تلك الاستمرارية التي احتضنتها باريس بين مختلف مراحل تطوّر الفن الحديث، ويقف خلفها فنانون اختاروا هذه المدينة مكاناً ثابتاً للإقامة والعمل. ولأنه لا يتوافر أي مصطلح آخر قادر على التعبير بشكلٍ أفضل عن ريادة “عاصمة الأنوار” على المستوى الفني حتى مطلع الحرب العالمية الثانية. أسلوب مودلياني التشكيلي (الخدمة الإعلامية) وبهذين المعنيين ظهر هذا التعبير للمرة الأولى عام 1925، في مقال للناقد الفرنسي أندريه وارنو سعى فيه إلى وصف حمّى الإبداع داخل باريس آنذاك، وإظهار الدور المركزي لعدد لا يحصى من الفنانين الأجانب في ذلك. فنانون قصدوا هذه المدينة منذ مطلع القرن الماضي هرباً من الظروف الاجتماعية والسياسية لأوطانهم التي لم تكن مناسبة لممارسة فنّهم بحرّية، فأتوا من روسيا وأوروبا الوسطى، وأيضاً من هولندا وإسبانيا وحتى القارة الآسيوية، وعثروا في باريس على ضالّتهم. المدينة المفتوحة أما العوامل التي تفسّر جاذبية هذه المدينة آنذاك على المستوى الفني فعديدة، أبرزها معارضها السنوية الكبرى التي كانت مفتوحة للفنانين الأجانب، صالات العرض التي لا تحصى فيها وكانت أيضاً مفتوحة لهم، توافُر عدد كبير من المجلات الفنية والنقّاد، بعضهم من أصول أجنبية أيضاً، من دون أن ننسى طبعاً الأكاديميات الفنية العديدة، الرسمية والخاصة. وفي حال أضفنا المناخ السياسي والفكري والأخلاقي الليبرالي الذي كان سائداً فيها، لفهمنا لماذا تحوّلت باريس إلى مكان تقاطُر وتنافُس العديد منهم، وبالتالي إلى محيط مثالي لانبثاق تلك البوهيمية الفنية التي كانت وجوهها تلتقي وتتفاعل يومياً في مقاهي باريس الكبرى وحاناتها، مثل “لا روتوند” و”لا كوبول” في حيّ مونبارناس. عالم الرسام دو كيريكو (الخدمة الإعلامية) وعلى الصعيد الفني، أدّى فنانون أجانب، مثل مارك شاغال وخوان غري وفرانز كوبكا وبيكاسو وكيس فان دونغين، دوراً حاسماً في انبثاق أو تطوير الطلائع التوحّشية والتكعيبية والفن التجريدي، بينما ساهم فنانون آخرون في التأسيس لأسلوب تصويري تعبيري، عبر ممارستهم فن البورتريه على نطاق واسع، مثل موديلياني وكيسلينغ وجوليوس باسكين وشاييم سوتين. وفي العشرينيات والثلاثينيات، ظهر أيضاً فن فوتوغرافي جديد بفضل مصوّرين، معظمهم أيضاً من أصول أجنبية. ولإظهار هذا الغليان الفني في باريس آنذاك، يقترح معرض سيريه الحالي في صالاته الست قراءة كرونولوجية وموضوعية له تتركّز على الحركات الفنية التي ساهم هؤلاء الوافدون الجدد فيها (التوحشية، التكعيبية والتجريد)، وأيضاً على تجمّعهم أحياناً في أماكن محددة داخل المدينة وفقاً لأصولهم المشتركة، وعلى الأنواع الفنية التي مارسوها، كالبورتريه أو المشهد المديني. في الصالة الأولى، نشاهد أعمالاً للأوكرانية سونيا دولانيه والتشيكي كوبكا والبرتغالي أماديو دو سوزا كاردوزو والهولندي فان دونغين الذين وصلوا إلى باريس مطلع القرن الماضي، وتميّزوا باهتمامهم اللافت باللون الذي قادهم إلى تطوير مفردات التجريد من داخل التوحشية، قبل غيرهم. ابتكار التكعيبية ومن خلال الأعمال التي تتوزع داخلها، تبيّن الصالة الثانية الدور الرئيس للإسبانيين بيكاسو وخوان غري في ابتكار التعكيبية، والطُرُق المبتكَرة المختلفة التي اعتمدها الروسيان سيرج فيرا وليوبولد سورفاج، والبولندي لويس ماركوسي، والمجري ألفرد ريث، والإسبانية ماريا بلانشار، لممارسة هذا الأسلوب الجديد الذي تأثّر الشاعر الفرنسي (من أصول بولندية) غييوم أبولينر به في ديوان “كحول” (1913)، وصادق أربابه، قبل أن يخطّ مقالات نقدية مرجعية حوله ساهمت في تحديد أشكاله ومفرداته. بيكاسو التكعيبي (الخدمة الإعلامية) ورُصدت الصالة الثالثة للفنانين الروس والبولنديين الذين عاشوا ونشطوا داخل محترفات أقيمت لهم في جناح سابق من “معرض باريس الدولي” لعام 1900، قبل أن يتم نقلها إلى مبنى في حيّ فوجيرار، اتّخذ بسرعة طابعاً رمزياً لـ “باريس الأجانب”، وتلاقى داخله الرسامون شاغال وكيكويين وسوتين، والنحاتان جوزيف تشاكي وجاك ليبشيتس وأوسيب زادكين، وجميعم من روسيا البيضاء. فنانون تمكنوا من تجاوز محيطهم الفني الأصلي للمساهمة في تأسيس طلائع فنية دولية داخل باريس. ومن بين هؤلاء، كان سوتين الأكثر غرابة في أطواره. ولذلك، يحضر الواقع في لوحاته، المُمثَّل دائماً في بُعد غير زمني، كصورة مأساوية لرؤيته الداخلية. وسواء في طريقة رسمه المحمومة أو في ألوانه الحية أو في عنفه التعبيري، يندرج هذا العملاق في خط الرسامين التعبيريين الأوائل، مثل إدوارد مونخ، جايمس إنسور، إميل نولدي وأوسكار كوكوشكا. وبخلاف لوحاته التي تعكس عُصاباته وألمه، تتحلى لوحات صديقه شاغال ببُعد أثيري وتعكس تمكّنه من توليف الألوان التوحشية والفضاء التكعيبي وصور الفولكلور الروسي وفقاً لمخيّلة أنجبت صوراً غريبة ذات تعبيرية غنائية، تعبّر عن حبّه للحياة والبشرية. الطلائع الإيطالية لوحة للرسام سوتين (الخدمة الإعلامية) وفي الصالة الرابعة، نرى كيف حلّ حي مونبارناس منذ 1910 مكان حيّ مونمارتر كمركز عصبي للنشاط الفني. حيّ لمع داخله موديلياني إثر استثماره تجربته داخل الطلائع الإيطالية وأمثولة سيزان وتلك التي استخلصها من المنحوتات الإفريقية التي اكتشفها في باريس، لابتكار أسلوب تطوّر بطريقة شخصية مميِّزة لعمله، وجعل منه فناناً تأنّقياً (maniériste) حديثاً، ورسام الوجوه المتطاولة بإفراط، والمشوَّهة بشكلٍ متعمَّد، التي تركن على أعناقٍ طويلة وتشبه الأقنعة. وفي لوحات العري التي أنجزها، نعثر على تقاليد فن سيينا وفلورنسا الكلاسيكي، وعلى بعضٍ من تلك الملامح الكئيبة الفاتنة التي تحضر في لوحات بوتيتشيلي. وتجاور نماذج من هذه الأعمال في المعرض، لوحات للياباني ليونار فوجيتا والبولونديين كيسلينغ وأوجين زاك. وخُصِّص فضاء الصالة الخامسة كلياً لفن التصوير الفوتوغرافي في باريس، خلال العشرينيات، الذي أتى أبرز ممثّلوه من خارج فرنسا، مثل براساي وأندريه كيرتيس ومان راي، وأيضاً روجيه أندريه وإيلسي بينغ وماريان بريسلوير وفلورانس هنري وإيرجيه لاندرو وجيرمين كرول. فنانون وفنانات أسّسوا لـ “رؤية جديدة” سهّل انبثاقها اغترابهم الجغرافي، وساهموا، بتأويلهم الفريد للمشهد المديني، في الترويج لأسطورة باريس. تخيلات الرسام شاغال (الخدمة الإعلامية) وتختم المعرض صالة أخيرة بعنوان “بورتريهات باريسية” نشاهد فيها نماذج من اللوحات التي أنجزها في هذا النوع سوتين وباسكين وجورج كارس، وجميعها يتميّز بأسلوب شديد التعبيرية. يبقى أن نشير إلى أن تنظيم متحف الفن الحديث في مدينة سيريه هذا المعرض لا تبرره فقط أهمية موضوعه، بل أيضاً ماضي هذه المدينة الخاص. فمنذ مطلع القرن الماضي، استقرّ بيكاسو وجورج براك فيها وحوّلاها إلى مختبر التكعيبية الأول، قبل أن تتبعهما إليها أسماء كبرى من “مدرسة باريس”، مثل غري وسوتين وشاغال ودوفي، ومن خارجها، مثل أندريه ماسون وخوان ميرو وسلفادور دالي… المزيد عن: بريس\مدرسة تشكيلية\بيكاسو\التكعيبية\الفن الطليع\يمودلياني\سلفادور دالي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دلال البزري من تورنتو : النواب “التغييريون” واختبارات الحُكم في لبنا next post قراءة ثقافية في قضية امتلاك حق الإجهاض وإمكان إبطاله You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024