ثقافة و فنونعربي إبسن قبل الواقعية رومانسي باحث عن الأساطير قومي الهوى والهوية by admin 23 يونيو، 2022 written by admin 23 يونيو، 2022 13 لماذا كتب صاحب “بيت الدمية” كل مسرحياته الكبرى في منافيه الطويلة؟ اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يعتبر الكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن سيداً كبيراً من سادة الكتابة المسرحية الواقعية كما ظهرت عند نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلى جانب الروسي تشيخوف وربما السويدي أوغست سترندبرغ. غير أن المشكلة مع إبسن تكمن في أن مسرحياته الواقعية الكبرى لم تظهر إلا متأخرة في مساره الإبداعي فكانت من الطغيان على حياته وأدبه إلى حد “ينسى” معه كثر من معجبي إبداعه، التساؤل حول ما الذي كانت عليه كتاباته قبل ذلك؟ بل أين أمضى المرحلة الأولى وكيف كان دأبه الفكري والفني خلالها؟ بل لعل الأغرب من هذا أن قراء إبسن ومشاهدي مسرحه يتناسون كذلك حقيقة تتعلق بهذا المسرح ستبدو لمن يتفحصها غريبة للغاية: حقيقة تقول لنا إن إبسن لم يكتب أياً من مسرحياته الواقعية الكبرى وهو مقيم في وطنه النرويجي بل وهو يتجول في منافيه الأوروبية المتعددة، التي تواصلت طوال ما يزيد على ربع قرن بل تحديداً 27 عاماً عاش فيها زهرة شبابه وزهوة إبداعه بين كوبنهاغن وبرلين وشتوتغارت وباريس وروما وفيينا وغيرها من عواصم الثقافة الأوروبية. أما خلال سنواته الإبداعية النرويجية وهي الأقل إنتاجاً وشأناً فكتب فيها رومانسياته بل حتى تلك المسرحيات المبكرة التي اتسمت بنزعة “قومجية” أسطورية وفولكلورية سيأنفها هو لاحقاً! مرحلة انتقالية شاعرية ولعل علينا ألا نسهو هنا عن أن الفترة “الانتقالية” التي انقضت بين آخر سنوات إقامة إبسن شاباً في دياره، ولا سيما في العاصمة كريستيانا (أوسلو لاحقاً) وأولى سنوات المنفى الطويل، كانت هي التي شهدت كتابته تباعاً مسرحيتيه الأكثر شاعرية ورومانسية (“بير جنت” و”برند”) من جهة والأكثر دنواً بين أعماله المبكرة من المسرح “الواقعي” الذي سيطبع عمله التالي، وكذلك ستكون الحال بعد عودته من المنفى حيث سيكتب واحدة من أجمل وآخر مسرحياته، “حين نفيق نحن الموتى” التي يمزج فيها بين مكتسبات الواقعية كما بات يتقنها، وسمات الشاعرية التي بدا واضحاً أنه عاد يحن إليها! في اختصار كانت الواقعية السمة الغالبة على إنتاجاته خلال مرحلة المنفى، والشاعرية لأبرز أعمال مراحله الانتقالية في الاتجاهين. أما قبل ذلك فالأمر يختلف بصورة جذرية، بل إن هذا الاختلاف سيبدو لنا ممعناً في غرابته إن نحن علمنا أن هنريك إبسن كان في شبابه المبكر اشتراكياً وربما متطرفاً كميراث عائلي من أبيه الذي كان صناعياً بورجوازياً متنوراً متفتحاً على فلسفات التقدم وعلى الفكر الأوروبي التجديدي، بيد أن هذه المبادئ التي طبعت صبا الابن المبكر ستتضاءل اهتماماته بها حتى لاحقاً حين سيخوض المسرح الواقعي. فالحقيقة أن القضيتين الرئيستين اللتين ستشغلان مسرحيات إبسن الواقعية التي سيكتبها في المنفى: قضية مكانة المرأة في المجتمع (كما بخاصة في أعمال كبيرة له مثل “بيت الدمية” و”هيدا غابلر” وربما “سيدة من البحر” وحتى “البطة البرية”)، وقضية استشراء الفساد مرتبطاً بالسياسة وأساطين المال (كما بخاصة في “أعمدة المجتمع” و”رابطة الشبيبة” و”عدو المجتمع” وغيرها من مسرحيات أسست لاجتماعية المسرح في القرن العشرين تأسيساً قوياً). هاتان القضيتان الرئيستان لم تعالجا لدى إبسن من موقع سياسي أيديولوجي كان يمكن أن تتيحه له بداياته الاشتراكية والبيئة التاريخية، بل من موقع أخلاقي يكاد يكون معادياً للأيديولوجيا. هنريك إبسن (1928 – 1906) (غيتي) على الضد من المهانة الوطنية فهل يمكننا الانطلاق من هنا لنتحدث عن تأثير ما، مناهض لنزعة التقدم السياسي لدى إبسن، تمثل لديه خلال شبابه المبكر حين ارتبط بنزعة يمكن وصفها اليوم بـ”القومجية” تكاد تبدو متشابهة مع نزعة استشرت لدى الموسيقي فاغنر في ألمانيا المجاورة فدفعته نحو الأساطير الجرمانية، ساحبة إياه بعيداً من العصر ومن التقدم، منسية إياه ماضيه الاشتراكي؟ ليس هذا الافتراض بعيداً من الصواب. وفي الأقل في نظر باحثين جديين تساءلوا عما حرك إبسن الشاب قبل أن يعود لاحقاً إلى حظيرة الواقعية إنما على نمط خاص به كما أشرنا. ولا شك أن الملاحظة الأولى التي تطرح نفسها هنا تتعلق بالوضع السياسي العام في النرويج، هذه الأمة التي بعد أن عرفت طوال قرون تلت العصور الوسطى وضعاً تضاءلت فيه قوتها ومكانتها لتسقط في “كماشة” بين قوة جارتها السويدية المتعاظمة، وسيطرة دنماركية وصلت في بغيها إلى حد تسمية عاصمة البلاد، كريستيانا، باسم ملك دنماركي قبل أن تستعيد عند بدايات القرن العشرين اسمها الأصيل! ومن المؤكد أن هذا الواقع التاريخي قد لعب دوراً كبيراً في توجه الشبيبة الدنماركية نحو نزعة قومية محلية حركت المثقفين من بين أفرادها في اتجاه الغوص في الأساطير الإسكندنافية القديمة لربطها بحاضر البلاد وتنقية البطولي منها من شوائب هيمنة الجيران. ولم يكن في مقدور إبسن الفتى أن ينفد من تلك النزعة. ثورية جذرية فحين اندلعت الثورات الأوروبية الكبرى نحو عام 1848 كان هنريك في العشرين من عمره بادئاً بنشر مقالات وأشعار في صحف المرحلة، متنبهاً إلى أن ثمة الآن جمهوراً شاباً ينتظر منه ومن الكتاب أمثاله، البحث عن هوية قومية تزداد محليتها وخصوصيتها تبعاً للظروف. وهكذا توجه شطر الأساطير الشمالية الغنية بالرموز والمعاني وتزامن ذلك مع قراره بأن يتوجه للكتابة للمسرح. وهكذا تحت تأثير تيارات راحت تنادي بالعودة إلى الفولكلور والأغاني الشعبية والفكر الرعوي بدأ الكاتب الشاب شراكة مع زميل له هو بول – بوتن هانسن، تجوالاً في الأرياف النرويجية، حيث راحا يجمعان الأناشيد القروسطية والحكايات الشعبية وأغاني الحانات وأعياد الميلاد ولا سيما ما كان لا يزال راسخاً منها في مناطق الوسط. صحيح أن الكاتب الشاب جمع من تلك المواد أضعاف أضعاف ما سيستخدمه في العدد القليل من المسرحيات التاريخية التي سيكتبها، ولسوف يكون معظم ما يكتبه خلال السنوات القليلة التالية مسرحيات “بطولية تاريخية” -باستثناء واحدة هي “ليلة القديس يوحنا” التي ستتبدى الوحيدة الناجحة جماهيرياً ونقدياً بين تلك المسرحيات وربما بفضل عصرية موضوعها وشخصياتها!- لم يحقق أي منها نجاحاً يذكر وتحمل عناوين تكاد تكون أسطورية تبسيطية مثل “مقاتلو هلغلاند” أو “تلة العفاريت” أو “الجنية مورغان” أو “نهار النائمين السبعة” وصولاً إلى “السيدة إنغي أوسترات” التي تدور أحداثها في عام 1528 و”عيد سولهوغ”. مصر وولادة إبسن “الحقيقي” صحيح أن كل هذه المسرحيات المبكرة تبدو اليوم مهملة تماماً ليس فقط بالنسبة إلى مؤرخي مسرح إبسن، بل حتى بالنسبة إلى الباحثين في تاريخ المسرح النرويجي نفسه. فهي التي لم تحقق حين عروضها الأولى أية نجاحات جديرة بالذكر، ما كان من شأنها إن تعدت العروض المدرسية التي باتت تتشكل منها ولو لفترة زمنية محدودة أول الأمر، لم تستطع أن تقنع المتفرجين لاحقاً، ولا النقاد بالطبع، أنها يمكن أن تكون من كتابة ذلك الذي لن يلبث أن ينصرف عن ذلك النوع “البدائي” من الكتابة المسرحية ليغوص في تلك الكتابة الواقعية المتقدمة حتى وإن كان نجاحه الكبير لن يتأخر عن عام 1864 العام نفسه الذي بعد حقبة انهيار تام أصابه، شهد من ناحية، العرض الناجح والمدهش لأولى مسرحياته الكبرى “المطالبون بالعرش” -حتى وإن كانت لا تزال تنتمي إلى المسرح التاريخي ولكن في بعد درامي يبتعد جذرياً من الأساطير البطولية ويبدو أقرب إلى المسرح الشكسبيري- كما شهد بدء ارتحاله مع أسرته سالكاً دروب المنفى الذي قاده أول الأمر إلى كوبنهاغن ومنها إلى مدن أخرى. ونعرف أن عام 1866 سيشهد كتابته أولى مسرحياته المعاصرة الكبرى “براند” وبداياته الحقيقية بالتالي. البداية التي تواكبت لديه وهو في درسدن الألمانية مع نشره “بير جنت” ولكن بعد ذلك مباشرة وخلال زيارة قام بها إلى مصر عام 1869 ليمثل البلدان الإسكندنافية رسمياً في احتفالات افتتاح قناة السويس، مع كتابته الأولى بين مسرحياته الواقعية الاجتماعية الكبرى “رابطة الشبيبة” التي يمكن القول إنها سجلت ولادة هنريك إبسن الحقيقي الذي نعرفه منذ ذلك الحين. المزيد عن: هنريك إبسن\مسرح\المسرح النرويجي\تشيخوف\أوغست سترندبرغ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الشاعر حسن عبدالله صدمه عنف الحرب فلجأ الى دهشة الطفولة next post Gender-affirming care in Canada comes with barriers and delays, especially in N.S. You may also like 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024