ثقافة و فنونعربي مي التلمساني تواجه صراع الهويات وألم الحب في كندا by admin 23 يونيو، 2022 written by admin 23 يونيو، 2022 58 “الكل يقول أحبك”… رواية المهاجرين العرب المشتتين في أوطان بديلة اندبندنت عربية \ نشوة أحمد هؤلاء الذين اختاروا الرحيل، الذين عبروا الحدود هرباً من واقع مؤلم أو أملاً في واقع مثالي، الذين تسللت هوياتهم إلى حقائبهم، وتسللت منها إلى وطن جديد، فاصطدمت بقيم أخرى وثقافة مغايرة. هؤلاء الذين نذروا حياتهم للشتات، تتبعتهم الكاتبة مي التلمساني في روايتها “الكل يقول أحبك” (دار الشروق- القاهرة) وترصد انعكاسات شتاتهم وظهورهم كنسخ مكررة، تسلك الحب والعلاقات من أجل تخدير ذاكرة لا تنفك تحيي آلام الماضي، فتزيد وطأة حاضر تتصارع فيه الهويات. انتهجت الكاتبة لعبة سردية فريدة عبر تعدد الرواة، فقد منحت مساحة متكافئة لشخوصها ليسرد كل منهم جانباً من الأحداث، واتسق منهج الأصوات المتعددة مع تنوع الشخوص الذين اختلفت مرجعياتهم وبلدانهم وتجاربهم ودوافعهم لاستبدال أوطانهم، وإن تشاركوا جميعاً المهجر والعلاقات المتعددة التي أقاموها خارج الزواج. بدأ السرد مع صوت البروفسور كمال المصري، المسافر في قطار يتجه من تورونتو إلى وندسور في كندا ليصادف انعكاساً له، كأنما ينظر في مرآة فيرى صورته قبل 20 عاماً، في وجه رجل آخر يدعى كريم ثابت. يتشارك الرجلان الوطن الأم والوطن الجديد والوظيفة نفسها ونمط الحياة والزواج من بعد والعلاقات النسائية العابرة، على الرغم من التزامهما نحو شريكتيهما. تتجلى عبر هذه الشخوص محاولات الكاتبة تفكيك النفس الإنسانية وإضاءة تعقيداتها واكتشاف أسرارها التي تدفعها للتمسك بآلية الخداع الاجتماعي، لا سيما بين جماعة الأزواج، وعلى الرغم من ذلك لا تعمد التلمساني إلى شيطنة أي من شخوصها أو إظهار الرجل في دور الجاني والمرأة في دور الضحية، إذ يتكشف مع تواتر الأحداث وما رصدته الكاتبة من علاقات يمتزج فيها الإثم بالبراءة، أن الشريكة التي لجأ شريكها إلى أحضان مؤقتة كانت قبل ذلك في حكاية أخرى حضناً مؤقتاً لرجل آخر ومصدر تهديد لشريكته، وأن هناك دائماً امرأة تحاول قنص رجل واقتناصه، وإن كانت له امرأة أخرى. خيوط متشابكة رواية الهجرة (دار الشروق) على الرغم من تعدد الشخوص واختلاف خلفياتهم وتنوع جنسياتهم ومناطق وجودهم داخل كندا، فإن الكاتبة نسجت خيوطاً دقيقة داخل النسيج ربطت من خلالها بينهم جميعهم وبين حكاياتهم التي بدت كغرف أو ممرات متداخلة في بناء يؤدي كل واحد منها إلى الآخر، وعمدت إلى الاستباق بالإشارة إلى شخصية أو حدث وإرجاء إضاءته لمرحلة لاحقة من السرد لتوثق الصلة بين النص والقارئ، فحين منحت للبروفسور كمال المصري صوت السرد أشارت في ما استعاده من أحداث عبر تقنية الاسترجاع إلى اسم لينا العقاد كامرأة وحيدة أحبها، وظلت صورتها حاضرة بوضوح بين صور باهتة لنساء أخريات عرفهن، وأرجأت إفشاء تفاصيل الحكاية واللقاء والفراق كحيلة ناجعة لإضافة عنصر التشويق إلى النص، ومن أجل تعزيز هذا التشويق لجأت إلى الاستباق في مواضع أخرى من النسيج، فاستبقت بالإشارة إلى نهاية العلاقة بين بسام ونورهان، وأرجأت البداية وأسرار العلاقة لمرحلة لاحقة من السرد، وفعلت الشيء نفسه حين نوهت عن عمر علاقة بسام بداينا التي امتدت 20 عاماً، لتشي بأنها بدأت في الوقت نفسه الذي كان فيه بسام زوجاً لكارول وحبيباً لنورهان. الثيمة والظلال لجأت الكاتبة إلى تقنية التماثل والتناظر لتبرز مساحات واسعة من التشابه بين الشخوص في ما يظهرون ويبطنون، في إصرارهم على إبداء تماسك الأسرة وفي إخفائهم مغامراتهم السرية وعلاقاتهم خارج مؤسسة الزواج. هكذا تمرر رؤية تفيد بأن هذه النتيجة الواحدة من الخداع الاجتماعي والحيل المكررة في استخدام مخدر الحب والعلاقات لتجاوز إحباطات ورتابة الحياة، تسببت فيها مقدمات نفسية واجتماعية واحدة، ثم عمدت إلى تقنية التكرار لبعض العبارات داخل النسيج لتعزز وتؤكد التماثل بين الشخوص في حقيقة استسلامهم للدفء والأمان، كما تصف الكاتبة، في حظيرة الزواج، وفي استسلامهم أيضاً للانجذاب الطبيعي إلى أخريات. الروائية المصرية المهاجرة مي تلمساني (صفحة الكاتبة – فيسبوك) تشاركت حكايات الشخوص ثيمة رئيسة وهي الاغتراب والشتات، سواء بالابتعاد من الوطن الأم أو عبر التمزق النفسي والصراع بين الهويات والرغبات المتباينة، وخلف هذه الثيمة بدا العديد من الظلال التي تنوعت بين سياسية واجتماعية، فرسمت التلمساني في خلفية لوحتها السردية مشاهد من الحرب والمجازر في سوريا ولبنان (حماة وأيلول الأسود وصبرا وشاتيلا)، وظهرت ظلال للثورات العربية في مصر وسوريا ولحقبة حكم ترمب للولايات المتحدة. وبدت في الخلفية أيضاً قضايا المهاجرين العرب في كندا من الجيل الأول والثاني، مثل معاناتهم من البطالة لأسباب عرقية وثقافية وما يعيشونه من تعدد وصراع في الهويات وما يلاقونه في مجتمعات ظاهرها الثراء الفاحش وباطنها الظلم وضيق العيش والتفاوت الهائل بين الطبقات، “كنتُ أركض وراء الموضوع زمناً هنا وهناك، أقبل الأجر الزهيد المتاح لتلك المهمات الصغيرة وأعود غاضبة من نفسي، فصحيح أني أسعى دائماً للرزق لكني على الرغم من الموهبة والثقة بالنفس لا أتحصل على المال إلا بمشقة كبيرة، وينمو شعوري بالفشل كوني مازلت أحيا في بيت أهلي”. (ص142) كذلك بدت الكورونا كظل في خلفية الأحداث التي دارت بداية العام 2020، وعلى الرغم من وجودها في الخلفية فإنها لعبت دوراً مهماً في النمو الدرامي. فضاءات ودلالات عبر تطويع الزمن والمزج بين السرد الأفقي وتقنيات التذكر، استطاعت الكاتبة التجول في حقب زمنية متباعدة رصدت من خلالها الراهن، وارتدت إلى الماضي لتستعيد ما علق منه بالذاكرة من أحداث جسام، وما شهدته الأوطان الأم من مجازر وثورات، وأيضاً من لحظات سعيدة وذكريات تعزز الـ “نوستالجيا” وتذكي الحنين، أما الفضاء المكاني للسرد فكان في كندا إضافة إلى مساحات سردية قصيرة في كل من إيطاليا والإسكندرية والقاهرة وحلب، وعبر هذه الفضاءات مررت الكاتبة عدداً من الحمولات المعرفية، لا سيما عن أهم المقاطعات في كندا وتركيبتها السكانية ومعالمها ومطاراتها وثقافتها وطبيعة الحياة والعلاقات الاجتماعية فيها، وأيضاً عن أهم الشخصيات التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخها، “تعتبر نفسها مصرية من كندا وتدافع عن حقها كمهاجرة من الجيل الثاني وكيبكية ليبرالية في أن تبقى على هامش الدعوات الانفصالية التي يطالب بها نصف سكان المقاطعة من الكيبكيين، وعلى هامش الجماعات العربية المهاجرة المنغلقة على هويتها الدينية والقومية، وعلى هامش الحياة الثقافية التي يكثر فيها اللغط والنقاش حول القومية الكيبيكية والهويات القاتلة”. (ص58) عين الكاميرا والمزامنة اعتمدت الكاتبة تقنيات سينمائية بغية الدفع بالأحداث إلى الوقوع في مرمى عين القارئ واستحضار الصورة عبر لغة مشهدية مشحونة بالحركة والصور البصرية، واستخدمت كذلك تقنية المزامنة بين المشاهد والشخوص، لا سيما بين داينا وعاليا، فكلتاهما استعادتا مشاهد من الذاكرة زامنت بينها الكاتبة ليتعاقب السرد والأحداث بين كندا وإيطاليا، وينتقل بين عاليا وماثيو من جهة، وداينا وبسام من جهة أخرى، فتزامنت المشاهد على نحو سينمائي يقسم السرد إلى لقطات تعززت عبرها الصورة التي انعطفت بالأحداث إلى حيز الرؤية. وكما استفادت التلمساني من التكنيك السينمائي طعمت نسيجها الروائي بالـ “ديالوغ” المسرحي ووزعته في مواضع متفرقة من النسيج لتزيد من الإيهام بالحدوث، وتعزز من واقعية الأحداث التي استدعت كثيراً منها من الواقع المعيش للمهاجرين، سواء ما كان يحدث في أوطانهم الأصلية أو البديلة، إضافة إلى وجود وباء “كوفيد-19” في الخلفية، وأسهم كل ذلك في تعزيز صدقية النص الذي تجاورت فيه وانسجمت مساحات الحقائق ومساحات التخييل، ومرّرت عبر تلك المساحات أسئلة جدلية عن الزمن والاختيارات الإنسانية إذا ما حظي الإنسان بفرصة ثانية لاستعادة الماضي وعيشه من جديد، وهكذا تكشف عن “نوستالجيا” مباشرة تارة عبر التصريح بالحنين إلى الوطن الأم، وضمنية تارة أخرى عبر بعض المقابلات التي مررتها في طيات النسيج لتبرز عبرها جمال الماضي المندثر في مقابل الواقع القبيح. “لقد تقطعت خيوط المحبة بيني وبين القاهرة. أصبحت غريباً عن البيت وعن المدرسة وعن الحي بأكمله. خطواتي لا تعرف الشوارع وعيناي تدركان حجم الخسائر في الحي وفي طبائع الناس، وأنفي لا يشم إلا رائحة العطن وعوادم السيارات. يفاجئني هذا الخليط العجيب. يفاجئني ويمحو في كل مرة جزءاً من ذكريات أبي عن الحي العريق في أربعينيات القرن الماضي”. (ص62) التناص والصراع لجأت الكاتبة إلى التناص غير المباشر مع الموروث في مواضع عدة من النسيج، ومررت لمحات تراثية عبر استدعائها صيغة الحكي في “ألف ليلة وليلة”، “ولما كانت الليلة المئة بعد الألف”. أما على مستوى اللغة فكانت لغتها غنية بالمشاعر والصور، وعلى الرغم من اعتمادها طريق الفصحى السلسلة، زجت ببعض العامية التي وظفتها في تعزيز حال الـ “نوستالجيا” وحنين المهاجر إلى وطنه الأم، واستدعاء لهجاته المحلية عند المزاح والمداعبة، أما الصراع فقد تصاعدت حدته على مستويات عدة، فبدا جوهر صراع الثقافة والهويات وما يحيل إليه من صراع داخل الشخوص المنقسمة بين الماضي والحاضر، الموروث والمكتسب، الأصلي والبديل، الوفاء للشريك والانصياع لانجذاب طبيعي نحو علاقات عابرة. كذلك بدا صراع آخر على المستوى الخارجي بين الشخوص، لا سيما بين الرجل والمرأة حول طبيعة العلاقة ومساحة الوجود كل في حياة الآخر، ونتج من كل مستويات الصراع حال من التوتر تصاعدت حدتها مع تطور الأحداث، وقد اتسق اختيار الكاتبة لمسرح الأحداث التي دار الجزء الأكبر منها في قطار وطائرة وفي المطار، مع الثيمة الرئيسة للنص “الشتات”، كما أضفت من خلالها شعوراً بالحركة يتسق مع حركة وتدفق الزمن واتساع المسافة التي خلقت حالاً من الاغتراب والحنين والحب من بعد للوطن وللشريك. المزيد عن: رواية مصرية\روائية\الهجرة\كندا\الهوية المزدوجة\المنفى\الحب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كتب لا تفوتوا قراءتها هذا الشهر next post عندما وضع الشاعر فرناندو بيسوا دليلا سياحيا عن مدينته لشبونة You may also like براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024