ثقافة و فنونعربي عندما شكر بول ريكور طالبه إيمانويل ماكرون في تقديمه كتابه by admin 8 أبريل، 2022 written by admin 8 أبريل، 2022 24 صاحب “الذاكرة التاريخ، النسيان” أدهشه احتفال العرب به وهو يدنو من عامه التسعين اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب حدث قبل خمسة أعوام من الآن أن انتخب الفرنسيون الاقتصادي الشاب الآتي من صفوف الاشتراكيين إيمانويل ماكرون، رئيساً لهم، بل أصغر رئيس للجمهورية في تاريخهم على الضد من اليسار واليمين وحتى من أقصى اليسار وأقصى اليمين. كان وصوله إلى الرئاسة مفاجأة حقيقية حتى وإن كان قبل ذلك قد شغل منصباً وزارياً وبضع مهام اقتصادية. لكنه، قبل ذلك بسنوات قليلة كان مجهولاً تماماً، ومجهولاً إلى درجة أن أحداً بالكاد انتبه إلى أن الفيلسوف الفرنسي الكبير بول ريكور الذي كان قد رحل قبل تلك الانتخابات بدزينة من السنين كان قد أسدى له الشكر في تقديمه واحداً من كتبه الأخيرة والأساسية، “الذاكرة التاريخ، النسيان” على اعتبار أنه كان مساعداً له في اشتغاله عليه مباشرة قبل عام 2000 حين أصدر ريكور هذا الكتاب. صحيح أن هذا الشكر الذي كان قد مر في الحياة الثقافية الفرنسية مرور الكرام، سيذكر بعد ذلك بكثرة، ولكن فقط لدى انتخاب ماكرون رئيساً حين ذكر من بين مميزاته كونه عمل لفترة حين تخرجه من الجامعة معاوناً لريكور الذي طبعاً لم يكن ليخطر في باله أن تلميذه “الذي أدين له بنقد صائب للكتابة ولصياغة الجهاز النقدي لهذا المصنف” سيصبح لاحقاً رئيساً للبلاد. واليوم إذ يترشح ماكرون لولاية ثانية لا شك أن المناسبة تبدو صالحة للعودة إلى ذكر أستاذه الكبير بعد سبعة عشر عاماً من رحيله. تكريم عربي رغم كل شيء ولعل ما يمكننا هنا أن نضيفه إلى هذا، نقلاً طبعاً عن المفكر الفلسطيني الراحل جورج زيناتي الذي كان بدوره تلميذاً لريكور وتولى ترجمة هذا الكتاب الذي نحن في صدده ترجمة مميزة، هو أن ريكور قد كرم في شهر أبريل (نيسان) 2002 في تونس من قبل بيت الحكمة في مبادرة عربية نادرة “وقد كان ريكور، كما يذكر زيناتي، بالغ التأثر بذلك الاحتفاء العربي به وقد شارف حينها على سن التسعين. ومع ذلك، علينا أن نشير إلى أن ريكور الواسع الإطلاع الذي حاول أن يكون منفتحاً على كل الثقافات، لم يستشهد في كتبه إلا بمؤلف عربي واحد وبشكل عابر، هو إدوارد سعيد وذلك في الجزء الثالث من كتابه “الزمان والسرد”، فضلاً عن استشهاده في “الذاكرة التاريخ…” بالسوري ريمون قسيس قريب المفكر أنطوان مقدسي وغير المعروف في الأوساط العربية إطلاقاً… ومهما يكن من أمر، ينشر زيناتي إلى جانب هذا الكلام صورة لافتة لمنحوتة كلاسيكية مرفقة بتعليق كتبه ريكور بعربية أنيقة وفحواه “بين تمزق يحدثه الزمن المجنح وكتابة التاريخ وسبره. بول ريكور”. بيد أن زيناتي لا يورد أي تعليق على هذه الوثيقة! غلاف كتاب “الذاكرة التاريخ، النسيان” (أمازون) وصية لنهاية حياة؟ المهم، في عودة إلى ريكور، لا بد من التوقف على واقع أن عدداً كبيراً من كتبه الأساسية قد ترجم إلى العربية وقرئ على نطاق واسع على رغم خصوصية مواضيعه واستنكاف فكره عن أن يكون على الموضة. وهذا بالتحديد شأن “الذاكرة التاريخ، النسيان” هذا الكتاب البديع الذي يقف كبار المفكرين الفرنسيين مدهوشين لكون ريكور كتبه في أكثر من 650 صفحة بعد 25 عاماً من تقاعده عن التدريس الجامعي في فرنسا كما بعد 11 عاماً من آخر درس أعطاه في جامعة شيكاغو التي درّس فيها سنوات طويلة. ويذكر فيه بالتفصيل والتعليق والسجال ما ينيف عن 240 من كبار مفكري العالم. وكل هذا لكي يشتغل على ثلاثة من أكثر المفاهيم إثارة للفضول الفلسفي في العصر الحديث، وهي تلك التي جعل مجموعها عنواناً للكتاب متنقلاً، في بنيان جوّاني قد لا يبدو ظاهراً للعيان لدى القراءة الأولى للكتاب، بين فينومينولوجية الذاكرة، وإبستمولوجية التاريخ وتأويلية النسيان. وكل هذا لكي يتيح لنصه هذا أن يصب كالجدول الرقراق في نهر كبير واحد يختتم به الكتاب: نهر التسامح، في زمن بدا له العالم يبتعد فيه عن القيم. عمل الضد الأخلاقي من الواضح هنا أن بول ريكور يعطي كتابه ككل سمة العمل الأخلاقي ولكن بالمعنى الفلسفي الفينومينولوجي للكلمة مستعيداً فيه فكرانية أستاذه هاسرل واصلاً إليها من طريق مجايله فلاديمير جانكليفتش، ولكن من دون أن يسهى عن باله أن الاثنين يبدوان في زمننا الحديث هذا وكأنهما خارج الزمن، وتحديداً أمام هجمات ما برحت توجه إليهما السهام منذ منتصف القرن العشرين، على أيدي الماركسيين حيناً والوجوديين أحياناً والبنيويين في أزمنة أقرب إلينا. ولعل اللافت في هذا العمل الدؤوب الذي لم يتوان عن القيام به ذلك المفكر الثمانيني والتسعيني، هو أن ريكور اشتغل على عمله من منظورين: منظور علاقته بالحياة اليومية، ومنظور ارتباطه بالسجالات الفلسفية، ولكن دائماً من منطلق الجانب الأخلاقي من الفلسفة. الغفران لنهاية المطاف مهما يكن يمكننا هنا أن نعتمد تعريف مترجم الكتاب إلى العربية جورج زيناتي لتعريف “الذاكرة التاريخ، النسيان” حيث يقول إنه حتى وإن كان يضم ثلاثة أجزاء مختلفة فإنه كتاب واحد. الجزء الأول منه يعرض للذاكرة الشخصية والذاكرة الجماعية ويعود بنا إلى الينابيع الأولى للفلسفة عند أفلاطون وأرسطو قبل أن يلتقي القديس أغسطين في العصر الوسيط وهاسرل في القرن العشرين. والقسم الثاني مكرس للتاريخ يتعامل مع إبستمولوجيا كل العلوم التاريخية ويتوقف طويلاً مع الثورة التي أحدثتها مجلة “الحوليات” الفرنسية التي احتضنت ما سمي بالتاريخ الجديد. أما القسم الثالث المكرس للنسيان فهو، في رأي زيناتي “الأهم على رغم أنه الأقصر إذ إن القرن العشرين كان قرن العنف بامتياز”. فـ”ماذا على الإنسان أن ينسى إذ تصبح الذاكرة محملة بأثقال كبيرة إن هي انكمشت على نفسها. النسيان يطرح كل مشكلة الوجود البشري الذي يعيش تاريخاً عنيفاً فكيف له أن يتطلع إلى نهاية سعيدة؟. النسيان يفترض وجود الإساءة القادمة من الآخر واعتراف هذا الآخر بهذه الإساءة” كما يستنتج زيناتي، مضيفاً أن النسيان يقودنا إلى قسم رابع وأخير لم يضعه ريكور في العنوان “إلا أنه يشكل الخاتمة الحقيقية لكل الكتاب” وهذا الجزء هو تحديداً الغفران… نعرف أن “الذاكرة التاريخ، النسيان” قد حقق عند صدوره نجاحاً كبيراً راح المفكرون والمعلقون يتساءلون عن سره. فهو كان نجاحاً غريباً. غير أن الجواب سرعان ما أتى ملخصاً في تعبير بسيط هو “الحق في النسيان”، جاء في الغالب كنوع من الرد على ذلك الصخب الذي ساد في العقد الأخير من القرن العشرين من حول مفهوم آخر يرتبط به ولو طردياً “الذاكرة كواجب”. ولسوف يقول ريكور مفسراً بعد حين أن ما حركه في هذا الكتاب إنما كان قلقه من تفاقم المبالغة في إقحام الذاكرة من ناحية، والمغالاة في المطالبة باللجوء إلى النسيان من الناحية الأخرى. بالتالي استشراء مشهد “ما كنت لأرضى به، مشهد مجتمع يزيد من احتقانه الغاضب ضد ذاته إلى درجة تجمدّه في مزاج ارتداء لبوس الضحية…”. ومن البديهي أن هذا التعليق على الكتاب، وبقدر ما فعل الكتاب نفسه، أثار الجدال الأوسع من حوله ولا سيما من قبل أوساط رأت فيه، وربما عن حق، نوعاً من دعوة إلى نسيان كل شيء والبدء من جديد في وقت كان يزداد فيه “تجار الذاكرة” صخباً وشراسة، فيما يزداد الداعون إلى “النسيان” هجومية!. ومن هنا كان أشرس مهاجمي ريكور الكاتب الألماني راينر شولتز الذي أبدى خيبته من كون ريكور يشن “حرباً صليبية ضد الذاكرة” في تسييس للنص كان من الصعب على ريكور أن يوافق عليه حتى وإن كان القسم الأخير من الكتاب وفي حديثه عن التسامح والغفران، بادي الفصاحة في هذا السياق. المزيد عن: بول ريكور \ إيمانويل ماكرون \ فرنسا \ الفلسفة الفرنسية \ جورج زيناتي \ إدوارد سعيد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post 4 سيناريوهات محتملة لنهاية الحرب الأوكرانية next post 8 شخصيات تحكم “اليمن الجديد”… فمن هي؟ You may also like 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024