ثقافة و فنونعربي …وصرخت ميديا المغدورة القاتلة: نحن النساء أتعس الخلق! by admin 25 مارس، 2022 written by admin 25 مارس، 2022 44 البطلة الإغريقية في تفسيرات متناقضة معادية ومؤيدة وبين بين اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يمتلئ الأدب الإغريقي، المسرحي بخاصة، بنساء عرفن كيف يعشن حياتهن عبر ألفيتين ونصف الألفية، وكيف يؤمن ليس فقط حضور المرأة على مسارح الأرض قاطبة بشكل عابر للأزمان، بل كذلك يؤمن حضور قضايا المرأة على مدى التاريخ، بحيث إن كل قضية نسوية تطرأ وتعاش حتى في أيامنا هذه، ستبدو ربما وكأنها رجع صدى لما كان مطروحاً في تلك الأزمنة التي سبقتنا بألفيتين وأكثر، بشكل قد يجعلنا نردد أن لا جديد تحت الشمس. وحسبنا هنا أن نذكّر بثلاث من “نساء المسرح” الإغريقي كما تحدث عنهن كبار الكُتاب من يوريبيدس إلى سوفوكلس مروراً بإيسخيلوس، حتى ندرك فحوى ما نقول: أنطيغونا وفيدرا وميديا، واللائحة تطول طبعاً. ومن المؤكد أن ميديا هي الأقوى بين تينك النساء والأكثر تراجيدية في حياتها، مما جعل شخصيتها وحياتها، بل حتى دلالات حياتها، الأكثر اجتذاباً للكُتاب والفنانين، بل حتى المفكرين على مدى العصور، وإن لم يكن في الإمكان اعتبارها الأكثر شعبية حتى انتشرت الحركات النسوية في القرن الـ 20، وهو ما سندرك فحواه بعد سطور. أصول غيبية في انتظار ذلك لا بد من التوقف عند ميديا وما تمثله، وأهميتها بالنسبة إلى المبدعين، ولكن من دون أن يسهى عن بالنا أنها تكاد بشكل أو بآخر، تكون الأقل واقعية بين بنات جنسها، ففي بداية الأمر ولدت ميديا من عالم الماوراء ابنة للملك إييتيس ملك الكولخيديين وحفيدة لهيليوس الإلهة الشمس، وعرفت بكونها أعظم ساحرة رأتها الأساطير الإغريقية القديمة، وهو ما يميزها عن بقية نساء المسرح اليوناني، كما يميزها اعتبارها بالنسبة إلى بعض الكُتاب واحدة من آلهات كورنثا القديمة، مما يجعل قبور أبنائها مزارات وموضع تقديس بالنسبة إلى بعض الطوائف. وليس هذا لمجرد أن ميديا كانت هي التي قتلت أولئك الأبناء بيديها مما خلق من حولها أسطورة تجعلها أقسى مجرمة وقاتلة أطفال في التاريخ، بل نموذجاً كئيباً للمرأة التي لا تجد وسيلة تنتقم بها من غدر زوجها لها سوى قتل أطفالهما. والحال أن جدلية هذه الحال واعتبار ميديا قاتلة ومظلومة في الوقت نفسه، هو ما يجعل لها تلك المكانة التاريخية التي لا بد من الإقرار بغرابتها. ميديا في لوحة كلاسيكية (موقع الأدب الإغريقي) “جزة” ذهبية وهرب ومنافٍ وتنطلق حكاية ميديا كما كتبها ورسمها وموسقها وحللها كثر من المبدعين على مدى التاريخ من يوريبيديس إلى الفرنسي المعاصر جان آنوي، من جازون الساعي وراء “الجزة” الذهبية، الذي حين انطلق ليخوض ذلك السعي مع مجموعة الأغرونوت، التقته الحسناء ميديا التي هامت به وساعدته بقواها الخارقة على النجاح في مسعاه الذي كان يحتاج قوة تفوق قوة البشر، مضفية عليه بدوره قوى خارقة مكنته من تنويم التنين حارس “الجزة”، والهرب بالجزة مع ميديا ليطاردهم الكولخديون، وهي خلال ذلك الهرب عرفت كيف تداوي آل جازون وتعيد الصبا إلى أولاد ديونيسيوس، لكنها حين أقنعت بنات بيلياس الذي كان قد أقنع جازون بالحصول على “الجزة” أملاً في أن يتخلص منه، أعطت بيلياس ترياقاً فاسداً قتله وسط آلام شديدة، فهربت على إثر ذلك مع جازون إلى كورنثا، ولكن هناك أغرم جازون بامرأة غيرها هي كروزي ابنة الملك كريون الذي حكم على ميديا بسلوك درب المنفى، لترسل إلى منافستها من منفاها ثوباً مسموماً انتقاماً منها، قبل أن تقتل أبناءها الذين أنجبتهم من جازون ذبحاً، منتقمة من هذا الأخير. غير أن حكايتها، ولنقل مع بعض جرائمها، ومع بعض دفاعها عن كرامتها ونفسها بالطريقة التي لم تحسن غيرها، لم تتوقف هاهنا، فهي بعد أن هربت من منفاها على متن الريح مستخدمة قواها الما فوق طبيعية، وصلت إلى أثينا لتتزوج هذه المرة من ملك إيجيه ثم تسعى إلى التخلص من ابنه مرسلة إياه إلى جبهة القتال ليجابه “ثور الماراتون” الذي لا ينجو أحد من قرنيه عادة. صرخة نسوية مدوية تلكم هي باختصار حكاية ميديا التي كان يوريبيديس من أعظم من افتتنوا بها ومسرحوها، تاركاً ذلك النص القاسي والمرير، ولكن تاركاً في طريقه تلك الصرخة النسوية المدوية التي تلقفتها نسويات القرن الـ 20 جاعلات منها نوعاً من شعار لهن، لا سيما حين سمعوها منذ أواخر السبعينيات على لسان الممثلة اليونانية الكبيرة ميلينا ميركوري، وهي تصرخ مخاطبة كل نساء الأرض، “يا نساء كورنثا من بين كل المخلوقات على وجه الأرض اللواتي يتحركن ويمكنهن أن يحكمن على الأمور بأنفسهن، لا شك في أننا نحن النساء أتعس الكائنات، فأولاً يتوجب علينا وبثمن باهظ أن نبتاع لأنفسنا زوجاً، أي أن ندفع ثمن سيد سوف يتحكم بأجسادنا، وهذا الداء هو أكثر إيلاماً من أي داء آخر، وهنا تكمن المعركة الأكبر، فهل ستكون الصفقة جيدة أم سيئة؟ علماً بأن الطلاق لن يضفي أي مجد على المرأة المطلقة التي ليس من اليسير عليه أن تبعد زوجها من حياتها إن أرادت، ولا يسهل عليها الحصول على قرين إذ طلقت، ثم على المرأة أن تكون نبيّة طالما أن أهلها لا يبالون بتعليمها في صغرها، مما يوجب عليها أن تدخل المجهول حين تجابه أخلاقيات المجتمع وقوانينه، نبيّة لكي تخمن أي رجل هو ذاك الذي سوف يقاسمها سريرها بالزواج”. ونعرف اليوم أن هذه الصرخة تتشابه مع كل صرخة لكل امرأة منذ فجر التاريخ، ولنلاحظ كيف أن المخرج الفرنسي جول داسين إنما جعل ميديا كما رمزت إليها ميلينا ميركوري تحديداً في فيلم مستوحى من تلك الحكاية الإغريقية نفسها، ولكن في قالب عصري، تطلق هذه الصرخة الخالدة في فيلمه الذي عنونه “صرخة امرأة”، وكذلك فعل بيار باولو بازوليني في فيلم حمل العنوان نفسه، وآخرون في التجليات السينمائية الأخيرة المعبرة عن تلك الحكاية نفسها. من الأسطورة إلى الواقع والحال أن قدرة المبدعين العالميين على عصرنة تلك الأسطورة مبتعدين من البعد الغيبي الما ورائي في شخصية بطلتها نفسها، تدين لعالمية الحكاية حتى وإن كانت جذورها أسطورية، لا سيما من خلال رسم البطلة وربطها بحكاية “الجزة” الذهبية. غير أن هذا البعد الأسطوري لم يتمكن أبداً من خداع الذين رأوا في هذا العمل بعده الواقعي النضالي الذي ربما أتى جانبه الأسطوري، ليغلف واقعيته ويخفف من وطأتها، ويقيناً أن هذا ما يتكشف لنا في المعالجات الأكثر حداثة لميديا، وعلى الأقل منذ مسرحية الفرنسي بيار كورناي بالعنوان الإغريقي القديم نفسه. ولنلاحظ كيف أن كورناي زاد من قسوة وإجرام الشخصية النسائية الرئيسة في مسرحيته التي تعود إلى العام 1635، والتي بدا فيها وكأنه من طرف ما، يزايد في وصم بطلته بالشر المطلق، على الليدي ماكبث في مسرحية شكسبير الشهيرة، وهو ما زايد عليه أكثر الكاتب الألماني فرانز غريلبانزر في الجزء الثالث من ثلاثيته “الجزة الذهبية” (1818 – 1824) تحت عنوان “ميديا”، إذ وصفها بالهمجية تحديداً مندداً بما اعتبره “جرائمها الحيوانية”، وهو على أية حال ما حاول أن يرد عليه الفرنسي جان آنوي في اقتباس معاصر لا يخلو من طرافة لمسرحية يوريبيديس الأصلية، مطعمة ببعض ملامح “ميديا” كورناي، جاعلاً من ميديا غجرية معاصرة تعيش في عربة متنقلة. ولئن كان آنوي احتفظ بالملامح الأساس للحكاية وحتى بأبعادها الحدثية، فإن ما ميز معالجته كونه ركز بشكل لا يخلو من تعاطف مع البطلة، على كون الجرائم التي ارتكبتها إنما كانت رداً على الإهانتين اللتين ألحقهما بها جازون، وليس على الإهانة الواحدة بكونه تخلى عنها بعد كل ما بذلته من أجله، فلدى آنوي تلقت ميديا صفعة ثانية من زوجها الغادر تمثلت في الشفقة التي أبداها تجاهها، وهكذا من طرف موارب بدا آنوي الكاثوليكي وكأنه يقف إلى جانب ميديا مبرراً ما فعلته ولو بخجل. ومن نافل القول أن تفسير آنوي هذا بدا مقبولاً لنسويات القرن الـ 20 اللواتي كثيراً ما أعلنّ سخطهن على تفسيرات كورناي وغيره، ولا يزال السجال مفتوحاً على أي حال. المزيد عن: الأدب الإغريقي \ يوريبيدس \ سوفوكلس \ إيسخيلوس \ميديا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “موسكو 2042″… نبوءة ساخرة عن مستقبل روسيا حققها بوتين next post هل يفقد علم الاجتماع ثوابته في مهب الثورة الرقمية؟ You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: فيروز… من فتاةٍ خجولة... 19 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: أسود منمنمة من موقع... 19 نوفمبر، 2024 براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024