الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Home » حين موسق فرانز ليست شعر فكتور هوغو وابتكر صنفا موسيقيا جديدا

حين موسق فرانز ليست شعر فكتور هوغو وابتكر صنفا موسيقيا جديدا

by admin

“ما يُسمع فوق الجبل” قصيدة سيمفونية استلهمت بيتهوفن لتمجيد الإنسان والطبيعة

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

على الرغم من ارتباط فرانز ليست، من ناحية الاستلهام الموسيقي، بوطنه هنغاريا، وتعبيره عن ذلك الحس الشعبي العام في أعماله التي استقاها غالباً من فولكلور هذا الوطن، لا بد من ملاحظة أن هذا الموسيقي الكبير، الذي بدأ اسمه يلمع وهو، بعد، في الثانية عشرة، عاش أكثر سنوات حياته متنقلاً بين شتى الديار الأوروبية، بل إنه مات ودفن في بايروت، إلى جانب صديقه وصهره ريتشارد فاغنر، بالتالي لن يكون مستغرباً أن نلاحظ ملامح أوروبية عديدة في بعض أعماله، بل حتى لن يكون مستغرباً أن يحمل بعض تلك الأعمال عناوين بالفرنسية، لا سيما منها أعمال استلهمها من إبداعات فرنسية. وهذه هي حال قصيدته السيمفونية “ما يُسمع فوق الجبل” التي تعد واحدة من أجمل تلك القطع الثلاث عشرة التي ابتكر هو نفسه من أجلها صنفاً موسيقياً جديداً هو “القصيدة السيمفونية”.

من الشعر إلى الموسيقى

قد لا تكون “ما يُسمع فوق الجبل” من أشهر أعمال ليست في هذا المجال، لكنها من أقواها على الإطلاق ومن أكثرها شاعرية، إلى جانب تجديداتها كتمهيد لولادة الموسيقى الاثني عشرية لاحقاً. وإلى هذا يعد هذا العمل أطول قصيدة سيمفونية على الإطلاق وعلى الأقل حتى كتابة أرنولد شوينبرغ قصيدته السيمفونية “بالياس وميليساند” في بدايات القرن العشرين. فقصيدة ليست السيمفونية هذه يستغرق عزفها نحو 33 دقيقة مع أنها تتألف من حركة واحدة هي التي قدمت للمرة الأولى بقيادة ليست نفسه في فايمار عام 1950، ليعود مؤلفها ويشتغل عليها في تعديلين أساسيين أولهما عام 1851 والثاني، وهو النهائي الذي نعرفه اليوم، عام 1857. وكان ينظر إليها باعتبارها تجربته الأكثر غنى وذاتية أيضاً. فإذا كان صحيحاً أن ليست قد استلهم هذا العمل من قراءته، بالفرنسية، لقصيدة فكتور هوغو وفضّل أن يبقي لها عنوانها الفرنسي نفسه، فإنه أعطى لنفسه حرية تامة في الخروج عن سياق النص الشعري وإن كان قد احتفظ بالمعنى العام للقصيدة، وهو المعنى الذي يعبر عنه هوغو في واحد من آخر أبياتها حين يصرخ بصوت مزدوج أمام العناية الإلهية جاعلاً أحد جانبي ذلك الصوت يهتف للطبيعة فيما الآخر يهتف للإنسانية، معتبراً الهتافين واحداً.

على خطى المعلم الكبير

والحقيقة أن هذه الصرخة المزدوجة هي التي أراد هوغو أن يوصل قارئه إليها، وقد طلب من ذلك القارئ أن يتخيل نفسه وقد صعد إلى قمة جبل متاخم للمحيط من ناحية ولروعة الطبيعة الخضراء من ناحية ثانية، وهو دعا ذلك القارئ إلى أن يتأمل حاله مفترضاً تماوجاً بين الطبيعة والإنسان تحت رعاية العناية الإلهية، تماوجاً قد يبدو صراعاً بينهما حتى اللحظة التي يكشف له فيها أن الكينونة إنما تتألف من التوحد بين تلك الطبيعة وهذه الإنسانية. وليست، إنما دون أن يغرق في تلك المعاني الفلسفية التي أمعن هوغو في التغلغل داخل تفاصيلها، صور ذلك “الصراع المفتعل” عبر موسيقى جعلها تبدو بدورها وكأنها مجابهة بين صوتين أحدهما عنيف مهدد يحمل ألف وعيد ووعيد، والثاني أليف وديع يحمل كثيراً من الوعود. ولقد جعل ليست لقصيدته هذه، التي من الواضح أنه إنما لحنها وفي ذهنه ذلك النموذج الكبير الذي كانته الحركة الأخيرة من سيمفونية بيتهوفن التاسعة، إنما دون اللجوء إلى ذلك الكورال الضخم الذي أنشد لدى بيتهوفن “قصيدة إلى الفرح”، تاركاً الكورال كي يستخدم في عملين كبيرين له مشابهين ببعض السمات لـ”ما يُسمع فوق الجبل” وهما “فاوست سيمفونيا” و”دانتي سيمفونيا”. ما اشتغل عليه ليست هنا أكثر كان ذلك التصوير الذي كاد يكون خطياً لتعبير كل من الصوتين اللذين ينطلقان وقد خُيّل لكل منهما أنه في صراع مع الصوت الآخر حتى لحظة التصعيد الختامية، حيث يتبين أنهما وجهان لصوت واحد.

أهمية الفولكلور وموسيقى الغجر

مهما يكن من أمر، لا بد من أن نلاحظ أن فرانز ليست برع خصوصاً في ثلاثة أنواع موسيقية، لا تبتعد عن بعضها بعضاً: المقطوعات الخاصة بالبيانو، التي غالباً ما كان يكتبها ليؤديها بنفسه، والكونشرتو (بخاصة ما كان منه للبيانو والأوركسترا)، ثم القصائد السيمفونية (وهو مجال قلده فيه كثيرون في بلاده وخارجها). وفي شكل عام، تعتبر الرابسوديات الهنغارية وهي أشهر إبداعات ليست، من النوع الأول، لأنها كتبت أصلاً للبيانو، وإن كان بعضها يتسم، ميلودياً، بطابع القصيدة السيمفونية. ومن المعروف أن ليست بدأ كتابة هذه الأعمال، حين عاد إلى هنغاريا، التي كان غادرها عام 1823، إلى باريس، في الثانية عشرة، حيث بدأ يكتب مؤلفاته الأولى برعاية الموسيقي باير. ويمكن القول إنه، في باريس، ثم خلال تجواله في كثير من المدن الأوروبية، اكتشف أهمية الفولكلور و”تذكر” كم أنه كان في طفولته متأثراً بموسيقى الغجر، التي تعد هنغاريا، إلى رومانيا، موطناً أساسياً لها. وهكذا حال عودته، راح ليست يبحث في ثنايا الموسيقى الغجرية التي سرعان ما ألهمته معظم تلك الأعمال، إضافة (طبعاً) إلى قصيدته السمفونية “هنغاريا”، وهكذا راح يؤلف تلك الأعمال ذات التوزيع والنغمات الجديدة التي سرعان ما وقعت موقعاً طيباً في آذان المستمعين، ما جعله يكرر التجربة مرات ومرات. وإذا كان ليست أبدى ندمه في آخر سنواته على كتابته أعمالاً “طغت على سمعة أعماله الباقية” التي تطلبت منه جهداً أكبر بكثير، فإنه ظل وفياً لتلك الرابسوديات، يستجيب طلب الذين خلال فترات متقطعة من حياته، كانوا يلحون طالبين منه إبداعها.

منظّر موسيقي كذلك
ويمكن القول هنا في شكل عام إن ليست نفسه أعفى الباحثين مشقة العمل جدياً على تحليل هذه الأعمال، إذ نجده يكتب في مؤلفه “البوهيميون وموسيقاهم في هنغاريا” (1859) ما معناه أن “الرابسوديات تبتغي أن تكون ملاحم قومية في الموسيقى الغجرية”، مؤكداً أنه اختار لها اسم “رابسودي” بغية “تحديد وتعريف العنصر الملحمي في التعبير عن نوازع الروح، تلك النوازع التي يمكن أن يختصر بها المثل الأعلى لأمة من الأمم” . أما في ما يتعلق بوصف “هنغارية” الذي كان البعض (وفق ليست) يرى أنه لا يتلاءم مع تلك الخصوصية التي تُميّز الغجر وتجعلهم هوية على حدة، فيقول المؤلف، “لقد أطلقنا على هذه الرابسوديات، صفة هنغارية، لأننا وجدنا أنه لن يكون من العدل أن نفرق في المستقبل بين ما لم يكن متفرقاً في الماضي.  فالواقع إن المجريين (الفئة الأساسية من سكان هنغاريا) هم الذين اختاروا في الماضي البوهيميين كموسيقيين قوميين. ما يعني أن هنغاريا يمكنها، عن حق، أن تعلن امتلاكها هذا الفن الذي يرتبط بالذكريات الأكثر حميمية والأكثر عذوبة التي تمتلكها هنغاريا”. والطريف هنا أن هذا الكلام لم يرق للهنغاريين جميعاً، إذ لم يخل الأمر من أناس منهم أخذوا على ليست خلطه “الفاضح” بين المجر والغجر. غير أن ليست، ذا الطبيعة الرومانسية، كان ينظر إلى الأمور من زاوية نسبية، كما يقول الباحثون، لقد افتتن بالثراء الميلودي، وبتنوع المواضيع الطاغي على الموسيقى الغجرية، وانبهر كذلك بتحرر الأشكال، وفانتازيا الارتجال المسيطرة عليها، ما جعل الموسيقى التي كتبها ليست تتحول بدورها إلى فولكلور…

إلى جوار صهره الكبير
ولد فرانز ليست عام 1811 في بلدة ريدنغ الهنغارية. وهو إذ أظهر منذ طفولته عبقرية في العزف، تعهده الأمير استرهازي بحمايته وعطفه وأرسله ليدرس الموسيقى، عزفاً وتأليفاً، في فيينا على عدد من كبار الأساتذة من أمثال سالياري (غريم موزارت الشهير في فيلم آماديوس). ثم سافر ليست إلى باريس حيث بدأ يكتب مؤلفاته الجدية وطاف في المدن الأوروبية يؤلف ويعزف. ثم صادق برليوز وشوبان وباغانيني، وصار يعد جزءاً من حلقتهم. في عام 1834 التقى الكونتس ماري داغو، وارتبط بها منجباً منها ثلاثة أبناء (منهم كوزيما التي تزوجت ريتشارد فاغنر لاحقاً). بعد ذلك كانت مرحلته التالية في فايمار التي فتحت له أبواباً واسعة وجعلت شهرته تعم الآفاق. لكنه وهو في عز شهرته استعاد أزمة صوفية كانت إرهاصاتها دامغة لفترة في شبابه، وراح ينصرف إلى الموسيقى الدينية.  وهو كرس ذلك الانصراف في روما عام 1865، حيث انكب على كتابة موسيقى قداسية لم تنل شهرة واسعة في حينه. ومات ليست في عام 1886، كما أشرنا في مدينة بايروت، حيث يرقد الآن في جوار فاغنر.

المزيد عن: فرانز ليست \ الموسيقى الكلاسيكية \ هنغاريا \ ريتشارد فاغنر \ القصيدة السيمفونية \ فيكتور هوغو \ موسيقى الغجر

 

 

You may also like

12 comments

situs judi slot online terpercaya 2021 mudah menang 15 يناير، 2022 - 4:42 م

Hi, I think your website might be having browser compatibility issues.
When I look at your website in Opera, it looks fine but when opening in Internet Explorer, it has
some overlapping. I just wanted to give you a quick heads up!
Other then that, amazing blog!

Reply
ААbpqjapm 15 يناير، 2022 - 5:39 م Reply
bsc token create 15 يناير، 2022 - 5:40 م

Hey I am so delighted I found your blog page, I really found you by mistake,
while I was browsing on Digg for something else, Nonetheless I am here now and would just like
to say many thanks for a fantastic post and a all round thrilling
blog (I also love the theme/design), I don’t have time to look over
it all at the moment but I have book-marked it and also included your RSS
feeds, so when I have time I will be back to read much more, Please do
keep up the great b.

Reply
bep20 token generator 15 يناير، 2022 - 6:37 م

Awesome blog! Do you have any suggestions for aspiring writers?
I’m hoping to start my own website soon but I’m a little lost on everything.
Would you propose starting with a free platform like Wordpress or go for a paid option? There are so many choices out there that I’m totally confused ..
Any recommendations? Thanks!

Reply
ae888 15 يناير، 2022 - 6:57 م

My brother suggested I may like this web site.
He was entirely right. This put up actually made my day. You can not consider
just how so much time I had spent for this information!
Thanks!

Reply
codego 15 يناير، 2022 - 7:41 م

I am genuinely pleased to read this blog posts which
includes plenty of useful information, thanks for providing
these information.

Reply
ААflhkjcy 15 يناير، 2022 - 7:43 م Reply
buy Edibles online Legal 15 يناير، 2022 - 7:51 م

Hi to every one, the contents existing at this site are in fact amazing
for people experience, well, keep up the good work fellows.

my blog: buy Edibles online Legal

Reply
카지노 15 يناير، 2022 - 8:48 م

Hello I am so thrilled I found your weblog, I really
found you by mistake, while I was researching on Askjeeve for something else,
Anyways I am here now and would just like to say thank you
for a marvelous post and a all round exciting blog (I also love the theme/design), I
don’t have time to browse it all at the moment but I have book-marked it and also
included your RSS feeds, so when I have time I will be back to read more, Please do keep up the superb work.

Reply
ดูหนังโป๊ 15 يناير، 2022 - 9:57 م

Ƭһanks a lоt for sharing this with all of սs y᧐u аctually understand what you
are talking about! Bookmarked. Kindly additionally visit my website =).
We may have a link exchange ϲontract between us

Reply
w88 15 يناير، 2022 - 9:59 م

Hi there, i read your blog from time to time and i own a
similar one and i was just curious if you get a lot of spam remarks?
If so how do you reduce it, any plugin or anything you can suggest?
I get so much lately it’s driving me insane so any support is very much appreciated.

Reply
w88 15 يناير، 2022 - 10:02 م

Great blog here! Also your website loads up fast! What host are
you using? Can I get your affiliate link to your host? I
wish my website loaded up as quickly as yours lol

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00