ثقافة و فنونعربي هكذا وصف همنغواي عاصمة الفرنسيين في “باريس عيد متنقل” by admin 4 يناير، 2022 written by admin 4 يناير، 2022 26 الكتاب الذي يحمله الباريسيون شعاراً لهم يقاومون به النوائب والإرهاب اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب هل قلتم كورونا في باريس؟ هل قلتم “أوميكرون” و”دلتا”، وسواهما من الكوارث الجماعية؟ هل قلتم انفجارات وإرهاب ودماء تغمر الشوارع والمقاهي والملاعب الرياضية؟ هل قلتم انسداد آفاق وإضرابات لا تنتهي؟ حسناً… توقفوا عن هذا كله، وافعلوا كما يفعل الباريسيون أنفسهم! اذهبوا إلى أقرب مكتبة، واشتروا نسخة من طبعة جديدة من كتاب سيصير عمره بعد قليل أكثر من نصف قرن من الزمن. كتاب لا يزيد سعر النسخة منه على قروش معدودات، لكنه يحمل توقيعاً كبيراً: إرنست همنغواي. كما يحمل عنواناً يمكن اعتباره وحده برنامج عمل وفعل تفاؤل: “باريس عيد متنقل” هو كتاب وضعه الكاتب الأميركي الكبير في أواخر سنوات خمسينيات القرن الماضي، لكنه لم ينشر بالفعل إلا في عام 1964، بعد حين من رحيل صاحبه. الكتاب الذي تحول إلى فعل إيمان منذ أن ترجم الكتاب إلى الفرنسية في نفس عام صدوره لم يتوقف ناشرو الترجمة عن إصدارها في طبعات متلاحقة، لكنهم وصلوا في هذا الإصدار إلى الذروة قبل سنوات حين أعادوا طباعته وسط صخب كبير غداة العمليات الإرهابية الدامية التي ضربت العاصمة الفرنسية، وكادت تودي بأهلها إلى اليأس ليأتي الكتاب مجدداً فيهم الأمل وإرادة الحياة والمقاومة ضد الظلمات التي أرادت أن تحاصرهم. والآن من جديد خلال السنوات الأخيرة حين تراكمت الهموم مجدداً على المدينة وأهلها عاد “باريس عيد متنقل” يطل من جديد، بل يتخذ الباريسيون عنوانه شعاراً حتى وإن لم يكونوا من محبي القراءة أو من هُواة الكتب، بينما عمد محبو الكتب ومحبو الحياة إلى ضم نسخ منه بين هدايا الأعياد. وبالنسبة إلى هؤلاء لا شك أن هذا الكتاب الذي يعتبر قصيدة حب إلى باريس هو فعل إيمان بالحياة يسير جنباً إلى جنب مع المشاهد المدهشة التي نقلتها كاميرات العالم قبل أيام لنزول الباريسيين إلى الشوارع متحدين الوباء والبرد وشظف العيش والمرارة، صارخين مع همنغواي: “… بالفعل باريس عيد متنقل!”، ولعل واحداً من المشاهد الأكثر حيوية كان ذلك العرض الذي جاء عبر شاشات التلفزة، وفيه شُوهد شبان يحملون نسخاً من الكتاب يلوحون بها! لو كان بيننا! يقيناً، لو أن إرنست همنغواي (1898 – 1961) لا يزال حياً بيننا، لأطربه المشهد، وانصرف إلى كتابة جزء جديد من كتابه هذا، وهو الذي شحذ فيه ذاكرته ذات حقبة من سنواته الأخيرة ليتحدث بلسان الكهل الذي كان قد صاره، متذكراً بصورة خاصة تلك السنوات التي ختمت الربع الأول من القرن العشرين (1921 – 1926)، والتي عاشها في باريس وسط وجوه كانت الحيوية والأمل والربط المحكم بين الحياة والفن تغمرها، وجوه إزرا باوند وسيلفيا بيتش (مؤسسة مكتبة “شكسبير وشركاه الشهيرة” في شارع الأوديون وسط باريس)، وجرترد شتاين، وجيمس جويس، وسكوت فيتزجيرالد، وغيرهم من كتاب ومبدعين ربما يكونون هم قد عبروا عن السوداوية واليأس في كتاباتهم كغيرهم في لوحاتهم، وآخرين في أشعارهم، لكن النص الذي كتبه همنغواي معتمداً على ذاكرته أراد تجاوز ذلك ليصور الجانب المشرق من الحياة في حنين يغمره ألق تلك الحياة. ألوان فاقعة! لقد كانت تلك هي الصورة التي حفظتها ذاكرة إرنست همنغواي. صورة من الواضح أن الكاتب أراد منها أن تكون تحية لتلك المدينة التي سيقول دائماً أنه أحبها كما لم يحب سواها. ثم هل يهم كثيراً بعد ذلك أن تكون الصورة ملونة حية أكثر مما ينبغي؟ وهل يهم أن تكون من لدن همنغواي نفسه أشبه بالأغنية الأخيرة للبجعة تنشدها بتألق قبل الرحيل؟ سؤالان أجاب عنهما الباريسيون بأنفسهم، ولا سيما منهم أولئك الذين حملوا نسخ الكتاب وغرقوا في العيد المتنقل، غير آبهين بما إذا كان يصف واقعاً أو يرسم فيه كاتبه خيالاً. ما همَّهم هو مقدار الحبور الذي يقول همنغواي إن ارتباطه بالمدينة قد خلقه لديه، ومقدار فرحه بالصداقات التي كونها فيها، وبالقدرة الكبيرة على الحب الذي غمره في كل لحظة متسائلاً: هل لغير هذا تكون الأعياد؟ مستطرداً لئن كانت باريس عيداً متنقلاً فلنتنقل معها على إيقاعها! وهذا التنقل هو بالتحديد ما عالجه همنغواي في صفحات كتابه بوصفه إيماناً بالحياة، جاعلاً حروفه وكلماته معدية أكثر بكثير من عدوى الإرهاب أو الوباء. فباريس بعد كل شيء وكما يكتب همنغواي “هي المدينة الأفضل التي تمكن الكاتب من أن يكتب” ولكن ماذا يكتب؟ “حسبه أن يكتب الجملة التي سيراها حقيقية أكثر من أية جملة أخرى”. بحسبه أن “يدخل إلى المقهى أي مقهى وينكب ساعة على أوراقه، ثم يخرج ويكف عن التفكير في عمله حتى يعود في اليوم التالي ليكتب من جديد”… وهذا أقصى درجات السعادة في رأيه. فهل هناك مكان غير باريس يمكن هذا أن يحدث فيه؟ يتساءل. انتهى؟ لم ينتهِ! عندما أطلق ارنست همنغواي على نفسه تلك الرصاصة الشهيرة في أحد أيام عام 1961، واضعاً حداً مفاجئاً لحياة عمرت بالكتابة والمغامرات والإخفاق والنجاح، راهن كثيرون على أن هذا الكاتب لن يكون واحداً من الذين تعيش ذكراهم طويلاً. قالوا إن أدبه ليس له وزن أدب فوكنر، وإن أسلوبه يقل أهمية عن أسلوب شتاينبك، وإن حياته الشخصية أقل جدارة من حياة سكوت فيتزجيرالد، وقالوا، أيضاً، إن أهم ما في سيرة همنغواي انتحاره… لذلك حين سينسى الناس حكاية الانتحار سينسون صاحبها. ثم، أليست رواياته الكبيرة عبارة عن ميلودرامات شعبية لا تستحق أكثر من أن تتحول إلى أفلام سينمائية، ومسلسلات متلفزة تدر الدموع؟ اليوم، بعد أكثر من نصف قرن على رحيل همنغواي… وبخاصة بعد أن مرت سنوات خيل فيها للبعض أن النسيان قد طوى، حقاً، ذكر صاحب “العجوز والبحر”، و”لمن تقرع الأجراس؟”، ها هو همنغواي يقفز حيوياً أكثر من أي وقت مضى، ولكن من حيث لم يكن أحد يتوقع، وتحديداً من خلال ذلك النص الصغير. ما كنا نعرفه عنه ولكننا قبل قراءتنا لأسباب تخرج عن إرادة همنغواي نصه هذا، كنا نعرف الكثير عن حياته، منذ ولادته في أوك بارك بولاية إلينوي (1899)، حتى انتحاره في كيتشوم بولاية أوهايو (1961)، وكنا نعرف أنه شارك باكراً في الحرب العالمية الأولى، وجرح في إيطاليا، ثم عاد إلى الولايات المتحدة، حيث كان زواجه الأول بهادلي ريتشاردسون، التي عاد معها إلى إيطاليا وأوروبا عموماً، واستقر لفترة في باريس، حيث كان كتاباه الأولان، بعد صداقته مع جرترود شتاين وإزرا باوند، لكن كتابه الحقيقي الأول كان “ولا تزال الشمس تشرق” (1926)، وتلاه “وداعاً للسلاح” (1929). وإذا كان معظم الباحثين يعتبرون هذين الكتابين أفضل ما كتبه همنغواي، فإن هذا لم يمنع الكاتب من مواصلة الكتابة حتى نهاية حياته، ولم يمنعه من أن تكون كتبه على الدوام شرائح من حياة عاشها ممزوجة بشرائح من حياة يتمنى عيشها. والحقيقة أن همنغواي لفرط هيامه بأوروبا، أوروبا الحرب وأوروبا السلام… أوروبا المرح الباريسي وأوروبا قسوة الطبيعة، أمضى جزءاً كبيراً من حياته فيها، بل جعل أحداث قسم هام من كتبه يدور فيها وبوحي من أحداثها. وهو كان لا يغيب عن أوروبا إلا ليعود إليها ممضياً في الأثناء فترات طويلة في كوبا، ولا سيما عاصمتها هافانا، التي كانت شغفه التالي لشغفه الأوروبي، لكن هذا لم يكن شيئاً أمام الحياة التي بذلها همنغواي خارج نطاق الكتابة الروائية، إذ نعلم أنه توجه في عام 1944 إلى أوروبا كمراسل حربي لمجلة “كولييرز”، وقام بإحدى مهامه الصحافية، وهو على متن إحدى طائرات سلاح الجو البريطاني. كما أنه شارك قوات الحلفاء في تحرير باريس. وبعد أوروبا توجه إلى أفريقيا، ثم مرة أخرى إلى كوبا التي كان لا يفتأ يزورها بين الحين والآخر… وهو بعد ذلك التجوال الطويل، الذي تواصل نحو عشرين عاماً، عجز همنغواي خلالها عن كتابة أعمال كبيرة له تأتي على قوة أعماله التي صدرت في الثلاثينيات، عاد في عام 1950، وأصدر تحفته “عبر النهر وتحت الأشجار”، ثم ألحقها بعد عامين بـ”العجوز والبحر” (1952) الذي كان آخر كتاب ينشره خلال حياته. وهذا الكتاب هو الذي جعله يفوز أولاً بجائزة “بولتيزر”، ومن بعدها بجائزة نوبل في عام 1954، وأعطاه شهرة كبيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها. المزيد عن: إرنست همنغواي \باريس\إزرا باوند\سيلفيا بيتش\سكوت فيتزجيرالد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أونتاريو في مواجهة أوميكرون: الدراسة عن بعد وتعليق الجراحات غير الطارئة next post Cole Harbour resident looks to breathe life into the Death Café You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.