عرب وعالمعربي ماذا يختفي خلف لغز مثلث برمودا؟ by admin 15 أكتوبر، 2021 written by admin 15 أكتوبر، 2021 45 مثلث برمودا لم يعد يتكرر في الإعلام وكأنه اختفى اندبندنت عربية \ ديفيد بارنيت في 5 ديسمبر (كانون الأول) عام 1945، أقلعت خمس قاذفات طوربيد من طراز “تي بي أم أفنغر” TBM Avenger تابعة لقوات البحرية الأميركية من مدينة “فورت لودرديل” بولاية فلوريدا عند الساعة الثانية وعشر دقائق مساءً، وذلك في إطار عملية تدريب على الملاحة تسمى “الرحلة 19”. في مسار الرحلة بطول 320 ميلاً (514990 كيلومتراً) توجب على أفراد الطاقم أن ينطلقوا شرقاً من فلوريدا، ثم يمرون شمالاً، والتحليق فوق جزيرة “غراند باهاما”، ثم الانعطاف إلى الجنوب الغربي، وأخيراً العودة إلى قاعدتهم. انطلقت الطائرات الخمس، ولم تعد. وبعد مضي خمسة أيام، توقف البحث عنها من دون العثور على أثر يُذكر لأي منها، وكان الدليل الوحيد على اختفائها بضع رسائل لاسلكية مجزأة بدا أن لا معنى لها إطلاقاً. تولى مسؤولية القيادة في رحلة التدريبات تلك، طيار خبير برتبة ملازم اسمه تشارلز كارول تايلور بمرافقه طيار مخضرم آخر. وقد قاد طاقماً تألف من 12 متدرباً توزعوا بين طيارين ورُماة ومشغلي لاسلكي، ضمن ما كان ينبغي أن يكون تمريناً جوياً بسيطاً. ولكن بعد مرور ساعتين على انطلاق الرحلة، اتصل تايلور لاسلكياً بالقاعدة قائلاً إنه فقد اتجاهاته تماماً… “بوصلتاي كلتاهما لا تعمل. أنا فوق مساحة من اليابسة، لكنها متكسرة. متأكد من أنني في [جزر] “كيز”، ولكنني لا أعرف إلى أي مدى ابتعدت، ولا كيف أعود إلى (فورت لودرديل) أيضاً”، ذكر القائد بصوت شابه قلق كبير. لو حافظت “الرحلة 19” على مسارها المحدد، لا ينبغي أن تكون في أي حال قريبة من مجموعة جزر “فلوريدا كيز” في تلك المرحلة، بل على بعد 200 ميل (3218688 كيلومتراً) منها، قرب جزيرة “غريت سايل كاي” Great Sale Cay. طوال الساعتين التاليتين، عاود تايلور اتصاله اللاسكي الذي جاء فيه أنه يعتقد أنهم يطيرون فوق خليج المكسيك ويتجهون عائدين إلى فلوريدا. كشفت رسالته الأخيرة عن أن الطائرات الخمس في “الرحلة 19” أخذت تنفد من الوقود، وسيتعين عليها اتخاذ إجراء على درجة كبيرة من الخطورة. بدأ تايلور يعطي رجاله التعليمات استعداداً لهبوط محتمل في المحيط، إذ سمع يقول متوجهاً إليهم، “أوصدوا الطائرات كافةً بإحكام. سنضطر إلى تنفيذ هبوط اضطراري في الماء ما لم نستطع الهبوط على اليابسة. حينما يتدنى الوقود في الطائرة الأولى إلى عشرة غالونات، سنهبط جميعاً في الماء معاً”. أُرسِلَ زورقان جويان للبحث عن الطائرات في المنطقة، كان على أحدهما أن يعود أدراجه، لكن هوائي اللاسلكي فيه تغطى بالصقيع، فيما تحطم الآخر في البحر. أعقبت ذلك عملية بحث عن “الرحلة 19” استمرت خمسة أيام، غطت خلالها 250 ألف ميل مربع (647497 كيلومتراً مربعاً) في عرض البحر، لكنها لم تعثر ولا حتى على أثر واحد للطائرات. يبدو أنها كلها اختفت من وجه الأرض. وقد ادّعى أحد الصحافيين أنه علم من أحد أعضاء لجنة التحقيق البحرية التي تشكلت كي تجري استقصاءات بشأن الاختفاء، أن “الرحلة 19 طارت إلى المريخ” فيما يبدو. على ذلك النحو، ظهر لغز “مثلث برمودا” الذي سيأسر مخيلة الناس على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ويغطي “مثلث برمودا” تقريباً المنطقة الواقعة بين ميامي في الولايات المتحدة، و”سان خوان” في بورتوريكو، وجزيرة “برمودا” (تمثل كل منطقة أحد رؤوس المثلث)، علماً بأن هذه الحدود تبقى غالباً غير واضحة (لا اتفاق فعلياً بشأنها) انسجاماً مع الأسطورة. وكذلك ورد أن طائرات وسفناً تتحطم وتختفي بصورة منتظمة تثير الجزع داخل المنطقة التي سميت أيضاً “مثلث الشيطان” Devil’s Triangle. وكثرت النظريات الجامحة بشأن مثلث برمودا، من كونه بؤرة لأجسام طائرة مجهولة (أو ما يعرف اختصاراً بـ”يو فو” UFO) إلى كونه موقع غرق مدينة “أطلانتس” المفقودة، فيما عُزي المصير الأسود الذي لقيته الطائرات والسفن إلى ظواهر آتية مما وراء الطبيعة أو خارقة، تتجاوز نطاق الفهم العلمي السائد. في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، تشربت الثقافة الشعبية ظاهرة “مثلث برمودا”، إذ استأثر باهتمام مجموعة واسعة من وسائل الإعلام. مثلاً، تناول المسلسل التلفزيوني “ذا فانتستيك جيرني” The Fantastic Journey (الرحلة المدهشة) من إنتاج 1977، تفاصيل رحلة استكشافية علمية تقودها عائلة تعترضها سحابة خضراء في “مثلث برمودا”، فتتحطم، ويجد المغامرون أنفسهم تائهين في جزيرة غامضة تتعارض فيها النطاقات الزمنية وتتداخل. حضر الممثل الأميركي الراحل فينسنت برايس بصوت الراوي في فيلم وثائقي سنة 1974 بعنوان “مثلث الشيطان” The Devil’s Triangle، عارضاً النظريات المذهلة كافةً التي يمكن أن يجدها المنتجون. وخاضت شخصيات تلفزيونية خيالية معروفة بشجاعتها، من “سكوبي دو”Scooby-Doo إلى “المرأة المعجزة” Wonder Woman، مغامرات ارتحلت بها صوب “مثلث برمودا” المسطور بالألغاز المخيفة. كذلك دخلت صيحة “مثلث برمودا” إلى ألعاب التسلية عبر لعبة لوحية ولعبة فيديو على جهاز الـ”أتاري” الإلكتروني. حتى أغاني البوب لم تكن في مأمن من سحر ذلك المثلث، إذ أصدر المغني الأميركي باري مانيلو في 1981 وفرقة الروك البريطانية الأميركية “فليتوود ماك” Fleetwood Mac سنة 1974، مقطوعتين بعنوان “مثلث برمودا”، ويرد في لازمة الأغنية الأولى، “أعتقد أنك سمعت عن مثلث برمودا/ أمر ما يحصل/ لا أحد يعرف ما هو/ والقوات الجوية لن تسمح بذلك”. بالعودة إلى “الرحلة 19″، فقد تولت البحرية، وليس القوات الجوية، التحقيقات في الحادثة، ولم يكشف تقريرها المؤلف من 400 صفحة عما حدث للطائرات الخمس، حتى لو أنه عرف. كذلك لم يرقَ كتاب “لغز مثلث برمودا – الحل!” The Bermuda Triangle Mystery – Solved! الصادر في 1975 بقلم الباحث لورانس ديفيد كوش، إلى مستوى عنوانه تماماً، لكنه سكب ماء بارداً على أي نظريات تذهب إلى الظواهر الخارقة بعيداً من التفسير المنطقي العلمي بشأن “الرحلة 19″، إذ أشار الكتاب إلى أن الطائرات قد نفدت من الوقود، وعجز أفراد طواقهما عن ركوب طوافات النجاة قبل أن تغرق طائراتهم في البحر، بعد تنفيذها هبوطاً اضطرارياً في الماء. في المقابل، لم يعطِ الكتاب تفسيراً للغز الرئيس في “الرحلة 19″، فلماذ خذلت البوصلات أفراد الطاقم، ولماذا بدا أنهم بعيدون عن المسار المحدد، ولماذا تلقت القاعدة رسالة لاسلكية مشفرة منهم مفادها أن “المحيط بحد ذاته لا يبدو كما ينبغي”، وأخرى تبعث على الخوف إلى حد ما إذ يرد فيها “لا تبحثوا عنا… يبدو أن…”. واستطراداً، تأججت الألغاز أكثر في كتاب تشارلز بيرلتز الأكثر مبيعاً المعنون “مثلث برمودا” The Bermuda Triangle، المنشور سنة 1974، وبيعت منه 20 مليون نسخة للجمهور المتعطش للإثارة. في الواقع، ربما يكون رأي الناس في “مثلث برمودا” كمكان غامض تشوبه ظواهر خارقة مرده إلى كتاب بيرلتز (نعم، إنه أحد أفراد العائلة التي أسست إمبراطورية تعليم اللغات) نفسه. فقد عرض الكاتب وشرح نظريات حول مدينة “أطلانتس” والأجسام الطائرة المجهولة، وكان من أتباع فكرة أن كائنات فضائية قد زارت كوكب الأرض في عصور غابرة. في سياق متصل، لم يتردد الباحث لورانس ديفيد كوش في استقبال نظريات بيرلتز بالسخرية، غير أن “مثلث برمودا” شرع في إحكام قبضته على عقول الناس مع حلول سبعينيات القرن العشرين، على الرغم من أن المصطلح نشأ قبل عقد من الزمن. لقد انطلقت أسطورة “مثلث برمودا” سنة 1964، حينما ألف الكاتب والصحافي الأميركي فينسينت غاديس مقالاً لمجلة “آرغوسي”، وعلا شأن الخرافة فعلاً في 1974 بعد نشر كتابين من تأليف تشارلز بيرلتز وريتشارد وينر (مثلث الشيطان). كذلك تطرق الممثل ليونارد نيموي إلى “مثلث برمودا” سنة 1977 في مسلسله التلفزيوني “بحثاً عن…” In Search of. لماذا وقعت الحوادث في تلك المنطقة تحديداً؟ هل شهدت فعلاً أعداداً أكثر بالمقارنة مع مناطق أخرى في المحيط؟ وجود المنطقة، بحسب ما أعتقد، مبني تماماً على افتراضات. وإحصائياً، لم تسجل في المنطقة المعروفة باسم “مثلث برمودا” وقائع متصلة بزوارق جوية أو بحرية”، وفق شين ساتيرلي، الذي يتابع دراسته لنيل شهادة الدكتوراه في “جامعة غريفيث”، في “كوينزلاند” بأستراليا. في ملمح متصل، يقدم تأثير “مثلث برمودا” على الثقافة الشعبية دليلاً على الشهرة الواسعة التي حازها، لكننا بالكاد نتحدث عنه اليوم. وبحسب ساتيرلي، “إلى حد ما، شكل ذلك سمة من سمات العصر، عد إلى ستينيات القرن العشرين وسبعينياته حينما كان القمر قبلتنا، وأصدر ستيفن سبيلبرغ فيلمه الخيالي العلمي الكبير “كلوز إنكاونترز” Close Encounters في 1977 [يتحدث الفيلم عن لقاءات مستمرة ومتكررة تاريخياً مع كائنات فضائية متقدمة حضارياً وتتعامل إيجابياً مع حضارة البشر]. آنذاك، نظر الجميع إلى الفضاء”. اختفى سرب مقاتلات أميركية في الحرب العالمية الثانية فوق “مثلث برمودا”، فانفلتت الخيالات وصنعت من الحادث لغزاً (بيكساباي.كوم) ويضيف ساتيرلي، أن “حقيقة عدم تعرض أي شركة طيران تجارية لحادثة في المنطقة [مثلث برمودا]، وفي مقدورك فعلاً تتبع الطائرات عبر المنطقة، ربما أسهمت في تبديد الأسطورة، لكنني لن أقول إننا صرنا أكثر وعياً بشكل عام، بل إن قصصنا وأساطيرنا انتقلت إلى مجالات أخرى”. وبحسب ساتيرلي، “يناقش جو روغان في (بودكاست) ضخم خاص به في الولايات المتحدة، إمكانية وجود الأجسام الطائرة المجهولة، جراء مشاهدات جديدة مفترضة ومعلومات صادرة عن الحكومة الأميركية. من المهم أن نتذكر أن الظواهر الغامضة التي لا تفسير لها لا تحتاج إلى تفسيرات خيالية، بقدر ما تحتاج إلى رغبتنا في أن تكون [تلك الظواهر] صحيحة. كذلك يكشف لنا تاريخ العلم برمته عن أن التفسير الطبيعي غالباً ما يكون قاب قوسين أو أدنى منا، لذا فمن غير الصواب الاعتقاد بالأمور استناداً إلى قرائن غير موثوق بها أو غير كافية”. ويلاحظ ساتيرلي أيضاً أنه أحياناً، يحدث خطأ جسيم جراء أنه “حينما يبدو شيء ما شديد الغرابة ولا يتوفر تفسير علمي أو من العالم الطبيعي لما رأيناه تواً، يسارع الناس إلى تبني إجابة ويختارون غالباً ادعاء خارقاً للطبيعة، إذ يؤثر الناس نظرية المؤامرة على عدم وجود نظرية على الإطلاق. وكجنس بشري، تتملّكنا نزعة إلى ذلك، إذ نبحث عن أنساق تكون ضرورية للبقاء، لكنها غالباً ما تقودنا إلى نتائج إيجابية كاذبة، لأنها [تلك الأنساق] أكثر أماناً من نتيجة سلبية زائفة… [مثلاً] من الأفضل أن نظن أن حفيف العشب صوت ناجم عن نمر وليس مجرد ريح، لأسباب واضحة. غالباً ما يلجأ الناس إلى تبني ادعاءات فوق طبيعية أو ظواهر خارقة حينما تكون الحادثة لا تزال بانتظار ظهور ما يفسرها، بالتالي حينما يظهر تبرير طبيعي مرض، فإن الادعاءات ما فوق الطبيعية/ الخارقة تصبح باطلة وبالية”. وفي نفس مماثل، يشير ساتيرلي إلى أن التخمين قد يبدو كشيء يحمل قليلاً من المرح غير المؤذي، لكن تذكر أنه في العام عينه الذي شهد ظهور الكتابين المذكورين أعلاه، تأسست جماعة “بوابة السماء” الأميركية لعبادة الأجسام الطائرة المجهولة. وترسخ لدى أفراد المجموعة اقتناع بأنهم يستطيعون السفر إلى جسم طائر مجهول خلف المذنب “هال بوب” Hale Bopp في 1997، وأن السبيل إلى ذلك يكون في عملية انتحار جماعي. حينما تترك باب التفكير النقدي موارباً، فأنت تخاطر بأن يأخذ الناس الأمور إلى استنتاجات غريبة ومتطرفة”. وترجع الاختفاءات المتصلة بمثلث برمودا إلى زمن أبعد كثيراً من تاريخ اختفاء “الرحلة-19″، لكن أن نربط الحوادث بعضها ببعض أو نقفز إلى استنتاجات تبقى مسألة مرهونة بوجهات النظر. في عام 1884، اختفت سفينة التدريب الشراعية “أتش أم أس أتلانتا” HMS Atlanta (التي سميت أصلاً “أتش أم أس جونو” HMS Juno) بما حملته من أفراد طاقمها، بعد أن أبحرت من “برمودا” متجهة إلى “فالماوث”، جنوب غربي إنجلترا، في “كورنويل” بالمملكة المتحدة. وفي عام 1918، اختفت السفينة “يو أس أس سايكلوبس” التي حملت شحنة من خام المنغنيز، بعد مغادرة “بربادوس”، دولة جزيرة في جزر الأنتيل الصغرى. وكذلك عثر على المركب الشراعي “كارول أي ديرينغ” Carroll A Deering، وقد هجره خفر السواحل الأميركي قبالة ساحل ولاية كارولينا الشمالية في 1921. يقدم تأثير “مثلث برمودا” على الثقافة الشعبية دليلاً على الشهرة الواسعة التي حازها، لكننا بالكاد نتحدث عنه اليوم جواً، اختفت طائرتا ركاب تابعتان لشركة “الخطوط الجوية البريطانية لجنوب أميركا” من دون أن تتركا أي أثر في عامي 1948 و1949، وقد كانت طائرة “ستار تايغر” Star Tiger في طريقها من جزر الـ”آزور” إلى “برمودا”، ونظيرتها “نجمة أرييل” Star Ariel تتجه من “برمودا” إلى جامايكا. وفي عام 1948 أيضاً، اختفت طائرة من طراز “دوغلاس دي سي-3” بين “سان خوان” و”بورتوريكو” و”ميامي”، ولم يعثر على حطام أو أي علامة تتصل بوجود 32 شخصاً كانوا على متنها. وبحسب ساتيرلي، يبدو مغرياً ورومانسياً تقريباً تصديق أن أمراً غريباً لا تفسير له يحدث في “مثلث برمودا”. ومع ذلك، لم نعد نسمع عنه الآن، بالتالي إما أن الكائنات الفضائية أو سكان مدينة “أطلانتس” توقفوا عن سرقة طائراتنا وسفننا، عن اختطافها عبر الزمان أو المكان أو إلى قاع البحر، أو أن أمراً آخر قد حدث. في المقابل، ربما يكون ذلك الأمر الآخر متمثلاً في التطورات التكنولوجية. حينما وصلت حمى “مثلث برمودا” إلى ذروتها، كانت طرق تتبع الشحن والحركة الجوية ما زالت في مهدها، مقارنة مع تكنولوجيا [“النظام العالمي لتحديد المواقع”] “جي بي أس” GPS الذي نستخدمه اليوم. حاضراً، في وسع هاتفك المحمول أن يكشف موقعك في نطاق بضعة أمتار، لذا من الصعب جداً أن تفقد ناقلة أو طائرة ركاب. حتى عندما يحدث أن تختفي طائرة أو سفينة اليوم، لا نذهب بتفكيرنا فوراً إلى كائنات فضائية أو أشباح على اعتبار أنها المسؤولة عن الاختفاء، إلا إذا كنت طبعاً تقبع في بعض زوايا الإنترنت. لنأخذ مثلاً رحلة “الخطوط الجوية الماليزية” رقم 370 التي اختفت بين كوالالمبور ووجهتها بكين في 2014. حتى مع تكنولوجيا التتبع عبر الأقمار الصناعية المتقدمة، لم يتمكن أحد من تفسير سبب سقوط الطائرة وأين سقطت، وجرى ذلك قبل عامين من بدء ظهور قطع من الحطام الذي جرفته أمواج البحر إلى الشاطئ، لكنه يوضح مدى صعوبة العثور على سفن وطائرات مفقودة حتى قبل 35 عاماً. وفق ساتيرلي، “تكشف لنا تلك الحادثة مدى السرعة التي يمكن أن نفقد بها طائرة في المحيط، ونلاحظ أن بعض الطائرات التي اختفت في الأصل كانت عبارة عن مركبة صغيرة ذات محرك واحد تلاشت في غضون ثوانٍ من اصطدامها بالمياه”. واستكمالاً، ففيما عملت الروايات الطويلة الخرافية بشأن “مثلث برمودا” على تغذية عطش الناس للألغاز الخارقة للطبيعة، شكّلت تلك البقعة بالنسبة إلى سكان البحر هناك منطقة خطيرة فعلاً، لكن ربما لأسباب أكثر واقعية. ولد بيل لاوبر في ولاية أوهايو، ومنذ صغره أخذ يبحر عبر “بحيرة إري” Lake Erie في أميركا الشمالية، ثم أخذ يصعد إلى السفن العابرة للمحيطات وتعلم تجارته في “ساوث كارولينا” قبل أن ينتقل إلى “سانت توماس” في جزر “فيرغن” (الجزر العذراء) الأميركية، حيث حصل على رخصة قبطان سفينة، وقاد من هناك، في عام 1984، قارباً للحفلات يسمى “كون تيكي” Kon Tiki. وبمحاذاة قاربه في “سانت توماس”، رست سفينة جميلة ذات ثلاث صوار تدعى “ذا ماركيز” The Marques. كذلك بدا لافتاً أنها استخدمت في إنتاجات تلفزيونية وأفلام من بينها “ذا أوندين لاين” The Onedin Line و”بولدارك” Poldark و”دراكولا” Dracula و”فوياج أوف تشارلز داروين” Voyage of Charles Darwin، وعقد بيل وزوجته صداقة مع ربان “ذا ماركيز”، رجل بريطاني اسمه ستيوارت فينلي، وزوجته ألوما المولودة في الجزيرة أنتيغوا، وابنهما كريستوفر البالغ من العمر 16 شهراً. في يونيو (حزيران) من عام 1984، انطلقت العائلة مع طاقمها للمشاركة في سباق للسفن الطويلة. على بعد نحو 70 ميلاً بحرياً شمال “برمودا”، ضاعت في البحر. واندرج ستيوارت وعائلته بين 19 من الضحايا والمفقودين. امتزجت خيالات كائنات الفضاء والأطباق الطائرة مع توهيمات لغز “مثلث برمودا” (بيكساباي.كوم) يبلغ بيل الآن 67 عاماً، ويسكن في “هاروغيت” بشمال “يوركشاير” بإنجلترا. ويتذكر أن الأخبار كانت تصل على مهل إلى “سانت توماس”، قبل وقت طويل من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار لحظة بلحظة، فيما اعترت مجتمع البحارة هناك صدمة مهولة. كان التفسير الأكثر ترجيحاً أن “ذا ماركيز” قد أصيبت بموجة مارقة Rogue waves، علماً بأنها تمثل خطورة كبيرة كونها تظهر فجأة وتكون سطحية، فيما اقترح تحقيق لاحق أن الفتحات الموجودة على سطح السفينة قد تركت مفتوحة عن طريق الخطأ، وأن الطاهي كان يبحر بالسفينة في تلك المرحلة من دون مساعد، ما يشكل غلطتين كبيرتين طبعاً. لن يكون لدى الطباخ، كونه بحاراً غير متمرس، الحدس والمعرفة للتصدي لأي مشكلات يجلبها البحر، والفتحات غير المغلقة تركت السفينة تفيض بالماء بسرعة، ثم تغرق. في المقابل، انخرط بيل في رحلات بحرية كثيرة ضمن منطقة “مثلث برمودا”، وجاء بقوارب عدة إلى الجزر المحيطة بها. لم تضربه موجة مارقة قط، غير أنه يعرف أنها فتاكة. ويضيف بيل، “تشكل الموجات المارقة، أو الموجات المدية، إحدى أسرع الظواهر على وجه الأرض. من الصعب تصديق ذلك، لكن تلك الموجات قد تخرج فجأة من العدم وتتحرك بسرعة 700 ميل (1126540 كيلومتراً) في الساعة. إذا كان هذا ما حدث، فقد أصابت موجة مارقة “ماركيز” ودفعتها بسرعة تكفي لأن تمتلئ الفتحات غير الموصدة بالماء”. واستطراداً، تسلط مأساة “ماركيز” الضوء على حكايات “مثلث برمودا”. إن الأرواح التي فقدت والتحدث إلى بيل الذي كان صديق العائلة التي ابتلع البحر أفرادها وضمنهم وحيدهما الطفل، يسمو بهذه القصص فوق مزاعم نظريات المؤامرة والمواقف الخارقة. وبحسب بيل، يشكل “مثلث برمودا” خطراً محدقاً، لكن ليس مرد ذلك وجود كائنات فضائية أو وحوش. إنها الأمواج المارقة، والشعاب المرجانية المخفية، والأعاصير، التي أودت بحياة كثيرين هناك. ويضيف بيل، “لقد واجهت مواقف خطيرة، لكنها طبيعة العمل في البحر. يجب أن تحترم البحر. إنه يكتنز مخاطر كثيرة جداً وأسباباً قد تؤدي إلى فقدان سفينة أو تحطم طائرة، لكنها ليست أسباباً خارقة للطبيعة”. ويستطرد بيل، “في مجتمع الإبحار، حينما عرضت تلك الأفلام الوثائقية تدور حول “مثلث برمودا”، كنا نشاهدها ونضحك. انتشرت القصص، وكانت أشبه بحكايات الجدات الخرافية حقاً. لقد مثّل الأمر نوعاً من العنوان الذي يخطف الإنتباه. ولكن، لا أحد ممن كنت أعرفهم يؤمن بوجود أي شيء خارق للطبيعة حول “مثلث برمودا”، إنه مجرد منطقة اختفت فيها قوارب كثيرة. في الواقع، يعني ذلك أن عليك أن تكون أكثر حذراً هناك”. لم يشعر بيل لاوبر بأي ندم تجاه الإبحار في “مثلث برمودا” في عمله. ماذا عن شين ساتيرلي؟ حتى مع مقاربته المنطقية للأسطورة، هل يجرؤ على خوض غمار تلك التجربة؟ يجيب لاوبر أن ذلك هو “سؤال مثير للاهتمام. حينما أسمعه، أفكر في نفسي، هل سأواجه مشكلة في التوجه إلى الطابق الثالث عشر في أحد المباني، أو الوقوف على صدع في ممر للمشاة؟ عندما تعرف أن الظواهر الفوق طبيعية والخارقة لم تحظَ بأي دليل موثوق به يؤكد صحتها، يتحرر عقلك وحياتك اليومية. وقد أورد عالم الفيزياء الفلكية كارل ساغان أن العلم شمعة في الظلام، وكذلك تخفف الطريقة العلمية في التفكير، الخوف منها [الظواهر] أيضاً”. نشير في ملاحظة أخيرة إلى أننا اتصلنا بالمغني مانيلو كي نعرف منه لماذا بحسب رأيه شكل مثلث برمودا جزءاً كبيراً من الوعي العام لدرجة أنه [مانيلو] قرر المشاركة في كتابة أغنية عنه. ولكن، لم نحصل منه على أي رد، لذا دعونا نكتفي بكلمات من أغنيته المنفردة الصادرة سنة 1981، والتي وصلت إلى المرتبة 15 بين الأغاني في المملكة المتحدة، وربما يمكننا اعتبارها تحذيراً لا بد من أخذه مأخذ الجد حول الغموض الدائم الذي يخيم على ذلك الامتداد الغامض للبحر، على الرغم من أننا نعلم أن لا شيء يستدعي خوفنا حقاً، ما عدا تجاوزات الطبيعة الأم. يرد في كلمات تلك الأغنية “مثلث برمودا، يخفي الناس/ مثلث برمودا، لا تقترب منه كثيراً” © The Independent المزيد عن: مثلث برمودا\الحرب العالمية الثانية\اختفاء\البحرية الأميركية\اخترنا لكم 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ماذا يحدث في السودان؟ next post المسرحيون المصريون الشباب يحدثون تحولاً في الحركة الفنية You may also like “الأوضاع المزرية” تجبر لبنانيين فروا إلى سوريا على... 23 نوفمبر، 2024 ماذا ينتظر غزة… حكم عسكري إسرائيلي أم لجنة... 23 نوفمبر، 2024 طهران ترد على قرار “الطاقة الذرية” باستخدام “أجهزة... 23 نوفمبر، 2024 كارين هاوس: مساعدو صدام حسين خافوا من أن... 23 نوفمبر، 2024 مصادر:الغارة الإسرائيلية استهدفت رئيس قسم العمليات بحزب الله 23 نوفمبر، 2024 غارات عنيفة تهز بيروت وتوسع العمليات البرية وأنباء... 23 نوفمبر، 2024 شاهد : من هو “حزب الله”؟ متى وكيف... 22 نوفمبر، 2024 إيطاليا تحمل “حزب الله” مسؤولية إصابة 4 جنود... 22 نوفمبر، 2024 إسرائيل تنهي الاعتقال الإداري لمستوطني الضفة 22 نوفمبر، 2024 لماذا أصدرت “الجنائية الدولية” مذكرة توقيف ضد نتنياهو... 22 نوفمبر، 2024 1 comment lamborghini miami 27 يوليو، 2024 - 9:51 م This is one of the best explanations I’ve come across. Thanks! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.