ثقافة و فنونعربي إدغار ألن بو كتب قصص الرعب بدقة علم الرياضيات by admin 18 أغسطس، 2021 written by admin 18 أغسطس، 2021 19 الباحث البريطاني جون تريش يكتشف أسرارا بدءاً من نص “يوريكا” اندبندنت عربية \ سناء عبد العزيز حين نشر الكاتب الشهير إدغار ألن بو ملحمته في وصف الكون “يوريكا: قصيدة نثر” (Eureka: A Prose Poem) عام 1848، قوبلت بفتور بالغ من النقاد والقراء على حد سواء، ووصفت بأنها سخيفة، حتى من أصدقائه المقربين. ولا يعود السبب إلى احتوائها على بعض الافتراضات العلمية الخاطئة فحسب، بل أيضاً بسبب أسلوبه الساخر في وصف كبار العلماء آنذاك. لكن بو ظل يعتبرها حتى لحظة موته المفجع والمفاجىء، بمثابة تتويج لأعماله، وحري بها أن تحدث ثورة في عالم العلوم الفيزيائية والميتافيزيقية، وهو ما جعله يعتقد بأنه لم يعد راغباً في مزيد من العيش في هذا العالم، مادام لن يكون بمقدوره إنجاز أكثر مما حققه في “يوريكا”. فهل فات الجميع عمل ارتآه صاحبه تتويجاً لحياته بأكملها؟ ماذا لو كان هناك وجه آخر للرجل الذي أمتعنا بفيض حكاياته الغامضة والمرعبة على مدار عمره القصير؟ بوابة الولوج الى أعمال بو في كتابه الصادر حديثاً “سبب ظلام الليل: إدغار آلان بو وتلفيق العلوم الأميركية”، يحاول جون تريش، أستاذ تاريخ الأدب والفنون الشعبية في معهد واربورغ في جامعة لندن، رد الاعتبار لعمل آلن بو الأخير الذي أثار استهجان الجميع، من طريق تسليط الضوء على عصر كانت فيه الخطوط الفاصلة بين التكهنات والحقائق العلمية غير واضحة تماماً. يوضح تريش في معالجته لحياة بو من زواية جديدة وجريئة، كيف يمكننا النظر إلى “يوريكا” باعتبارها مفتاحاً لأعمال بو الأكثر شهرة، “ربما تفتقر إلى الرعشة الرشيقة لحكاياته العظيمة المرعبة، ولكنها تقدم نظرة ثاقبة عن الهواجس التي صنعت تلك الأعمال، فقد عاش الرجل في فترة ظهور العلم الحديث، وعلى الرغم من هوسه بالعلم الجديد واستعداده لفهمه، وتشككه في المعرفة الإنسانية، فإن رؤيته الغريبة لم تتماش تماماً مع ثورة العلم في عصره”. الكتاب النقدي الجديد حول بو (امازون) كانت مفردة عالم في حد ذاتها جديدة، ولم تتم صياغتها إلا في عام 1833، نتيجة لنظام مهني جديد يحاول الابتعاد عن النموذج القديم للفلسفة الطبيعية. لكن بو انشق على مثل هذا النموذج الذي، على حد تعبير تريش، يجعلنا خاضعين لطبيعة تُحركها قوى الاستقطاب: عوامل الجذب والتنافر، الطاقات الإيجابية والسلبية، الضوء والظلام، الحركة المستمرة بين النظام والفوضى. ومن ثم استهدفت “يوريكا” العلم المعاصر، بما أسماه تريش “هجوم الأرض المحترقة على قصر نظر رجال العلم المحترفين”. وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء العلماء يشكلون الجمعية الأميركية لتقدم العلوم، كان بو ينتقد المهنيين لصالح الهواة الرائعين والحدس الشخصي. الهاجس الملح في أعماله تمكن نهج تريش من الولوج إلى عالم بو بطريقة رائعة، واضعاً ولوعه بعلوم الكون على قمة حياته وفكره ومشاعره المضطربة إبان عصر ارتبط بظهور العلم وما نجم عنه من فوضى في التفسيرات المتاحة. وعلى عكس ما هو مطروح عن حياة بو، وارتحالاته من ريشموند، إلى بالتيمور وفيلادلفيا ونيويورك، وصراعاته التي لم تكن تنتهي مع المال وإدمانه الكحول، وزواجه من ابنة عمه الصغيرة فرجينيا وموتها المأسوي المبكر، يستكشف تريش عديداً من الحلقات المفقودة التي لم يسلط الضوء عليها بعد، بما في ذلك السنوات التي قضاها في الجيش حين تطوع للتجنيد وهو في الثامنة عشرة من عمره. وسرعان ما ترقى إلى رتبة مسؤول عن إمداد كتيبته بالذخيرة، وهي وظيفة مرموقة تتطلب حسابات دقيقة ومعرفة بالأرقام. انتهت سنته الأولى في ويست بوينت باحتلاله المركز السابع عشر (من بين87 طالبًا) في الرياضيات، والثالث في اللغة الفرنسية. ولو لم يقطع والده بالتبني إمداده بالمصروفات اللازمة، لكان من الممكن أن يحظى برتبة متميزة في الجيش. النص الذي أحدث سجالاً (امازون) وبينما يميل كُتاب سيرته إلى اعتبار سنواته الأربع في الجيش بمثابة انقطاع عن مسيرته الإبداعية، يجادل تريش بدلاً من ذلك بأن ويست بوينت “شكلت بشكل حاسم كتابات بو، إذ ظل يستثمر معرفته بالرياضيات والهندسة وعلم الفلك، إضافة إلى تقنيات التحليل وإعادة البناء التي اختبرها بدقة في شعره ونثره على حد سواء. وحتى بعد أن اختار بو أن يكون كاتباً، لم يتخل عن اهتمامه بالعلوم، بل أصبح هاجساً ملحاً في كتابته. فجاءت أعماله التي تُقرأ الآن على أنها قديمة وقوطية، مليئة بالاكتشافات العلمية المتطورة. في الواقع، ينبع كثير من الرعب في أفضل أعماله من التداعيات الأكثر قتامة لمثل هذه الاكتشافات الجديدة. في قصة “برنيس”، على سبيل المثال، يطرح بو مفارقة مضحكة في طب الأسنان تتعلق بهوس التشخيص النفسي المصوغ حديثاً. وفي عمل آخر يناقش مفهوم “التنويم المغناطيسي” الذي لم يتم استيعابه تماماً لدى ظهوره، وهو ما ضمنه أيضاً في عمل من أكثر أعماله إثارة للقلق “حقائق عن حالة إم فالديمار” الذي لم يطرح باعتباره من أعمال الخيال، ولكن كدراسة حقيقية. وفيه يشرح بو بالتفصيل الحياة بعد الموت لرجل وُضع تحت التنويم المغناطيسي لحظة موته ليظل على قيد الحياة على مدى أشهر. كما يسبر في “جرائم شارع مورغ” الخط الفاصل بين الإنسان والحيوان، الافتراض الذي أصبح محفوفاً بالمخاطر مع ظهور نظريات داروين الناشئة عن التطور. كما يقترح في قصته “نظام الدكتور تار، والبروفيسور فيذر” أنه لا يوجد فرق كبير بين الطب النفسي المتطور والجنون نفسه! انفلات الكون نظراً إلى ميل بو إلى الخدع وتمرير الخيال على أنه حقيقة، لم يتيقن النقد تماماً، من الكيفية التي يمكن بها الاقتراب من عمل مثل “يوريكا”، كما أشارت سوزان مانينغ، المتخصصة في الدراسات الاسكتلندية والأدب الإنجليزي عام 1989. تقول مانينغ، إن التعامل مع “يوريكا” بمنأى عن السخرية كان “احتمالاً مروعاً، قد يعني ذلك أن على العلماء اتباع حججه، واختبار مقارناته، وموازنة استنتاجاته، وكل ذلك بجدية ثقيلة مماثلة. ويمكن للمرء أن يرى سبب فشل يوريكا كمشروع، في وقتها وحتى الآن، من ألبرت أينشتاين عندما سأله آرثر هوبسون كوين، كاتب سيرة بو، فكان رد أينشتاين، إنها تحمل “تشابهاً مذهلاً مع الرسائل العلمية المرفقة التي أتلقاها كل يوم”. كتب تريش أن بو كان مقتنعاً بانفلات الكون من محاولاتنا لتشكيله، كما في حكايته “سقوط بيت الحاجب”، المبنى الذي استجاب لموت سكانه بالانهيار في المستنقع من تلقاء ذاته. الكتابة كعملية حسابية لم يؤثر اهتمام بو بالعلوم على موضوعاته فحسب، ولكنه أثر أيضاً في أفكاره حول الكتابة نفسها باعتبارها علماً في نهاية المطاف. وكما أوضح في مقالته “فلسفة التكوين”، فإن الكتابة لا يمكن إنجازها بالسحر، بل بالأحرى وفقاً لمعادلات دقيقة. قام بو بتقسيم قصيدته البارزة “الغراب” إلى نوع من التشريح العاطفي شبه الوحشي، ليقدم طريقة يمكن بها صياغة أفضل الكتب مبيعاً. منها مثلاً، ألا تتجاوز القصيدة 100 سطر، وأن تتضمن لازمة رنانة وقابلة للتكيف، كما لابد أن تركز على “الجمال”، وهنا يؤكد بو أن موت امرأة جميلة هو بلا شك الموضوع الأكثر شاعرية في العالم. يرى تريش أن النهج العلمي الذي استغرق بو حتى الثمالة، قد جرد أعماله الأدبية بلا رحمة من أي إحساس ممكن بالإلهام، فلقد أصر الرجل على اتباع منطق الوصول إلى نتيجة وحيدة ممكنة لمجموعة من القواعد المحددة سلفاً. ويلاحظ تريش كيف كان بو يرفض التعريف الرومانسي للشعر، الذي قدمه كل من وردزورث وكولريدج، بصفته تدفقاً عفوياً لمشاعر قوية. وبدلاً من ذلك وجد أن الشعر لابد أن يكون صياغة دقيقة لعالم صارم. وكانت الأفكار الجديدة بالنسبة إليه، لا تتأتى بطريقة سحرية اسمها الإلهام، ولكنها تتخلق من أفكار موجودة سلفاً، إلى شيء جديد ومذهل. وهكذا تعامل بو مع الرعب بدقة عالِم رياضيات، وهو ما اعتبره تريش في سيرته الجريئة، أعجوبة أعماله الحقيقية. المزيد عن: قصص\شعر\كاتب اميركي\أدب رعب\الحبكة القصصية\علم الرياضيات\نقد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مي تلمساني المترحلة بين مصر وكندا تبلور مفهوم ألامكنة next post السر في الشجاعة والجمال.. مغربية تواجه السرطان بطريقتها You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.