بأقلامهمعربي جهاد الزين إلى الدياسبورا النخبوية اللبنانية: تفضّلوا إلى العمل العَلَني المنظَّم by admin 1 يوليو، 2021 written by admin 1 يوليو، 2021 81 تخطّى الوضع اللبناني في أزمته العميقة الحالية إمكانية ممارسة السياسة في السر للقفز على مواقع التأثير ولا بد للنخب المهمة المقيمة في الخارج أن تبدأ عملية تنظيم ذاتي سياسية مدروسة مبنية على برامج معلنة وتحمل قدرا من المجازفة ولو العاقلة. تكافؤ الفرص في العمل السياسي الراهن في الداخل والخارج يجب أن يشمل تكافؤ المجازفة. فالعمل العام بطبيعته على كل فضائله حين يكون أداؤُه نظيفاً، هو أيضاً عمل مجازف وفكرة الإنقاذ من الخارج الدياسبوري اللبناني لا يجوز اختزالها إلى فكرة ممارسة السياسة في صالونات “القصور” البعيدة عن الأعين. النهار اللبنانية – جهاد الزين سعدتُ مثل كثيرين في محيطي الفايسبوكي والتويتري، وهو ليس كله محيطاً افتراضياً! بل له حضور وذاكرة، سُعِدتُ بأخبار نجاح اللوائح المعارِضة للأحزاب الطائفية والميليشياوية المسيطرة على الدولة في انتخابات نقابة المهندسين. والصورة الأكثر تأثيرا بي كانت صورة المهندس بول نجار الأب المفجوع بفقد طفلته ألكساندرا في انفجار المرفأ في 4 آب 2020 الذي هو أحد الفائزين. لكني، وعليّ أن أكون صريحاً، أجد أن اعتبار الكثيرين أن هذه هي البداية، والمقصود بداية دحر أحزاب السلطة، هو مبالغة تنم عن تفاؤل غير واقعي إذا لم أقل عن تسرّع مؤذٍ لقضية التغيير في لبنان. ولا يحق لي أن أقول عن مراهقة سياسية لأن العديدين من الذين خاضوا المعركة، هذه المعركة، هم شخصيات ناضجة وطويلة الباع في العمل العام فضلا عن السمعة الحسنة التي لا شائبة عليها. هذه الانتخابات الهندسية هي مثل سابقتها هذا العام الانتخابات الطلابية في الجامعتين الأميركية واليسوعية مجرد علامة جديدة ورائعة على الطلاق الكبير بين النخب اللبنانية والأحزاب، جميع الأحزاب، السياسية المسيطرة. طلاق المنظومة مع النخبة. ولكنها ليست أبدًا علامة على تضاؤل بل تلاشي النفوذ الشعبي العام لهذه الأحزاب. النُخب، وهي غير العامة، باتت في معظم جيلها الجديد تحتقر المنظومة السياسية وتراها منظومة مفلسة أخلاقياً وسياسياً. لكن “مصدر السلطة” السياسية هو هذه الجماهير العريضة المؤطرة بالمصالح والتنظيمات الأمنية والتحريض الطائفي، والتي تديرها المنظومة في الأحياء المدينية والأرياف. إذن في انتخابات نقابة المهندسين نحن أمام تعبير نخبوي متجدد من الطبقة الوسطى أساساً ضد التركيبة السياسية. هذه هي ثورة 17 تشرين أساسا. ثورة نخب الطبقة الوسطى الشبابية وليست الثورة الشعبية الشاملة التي حمَلَتْها مخيلاتُنا المتعَبة وأحيانا النافذة الصبر. النظام السياسي اللبناني حتى وهو يدير دولة منهارة لا زال نظاما قويا ولا يمكن تغييره بشروط الداخل الحالية. لا في انتخابات نيابية مقبلة ولا في أي انتخابات نيابية ستديرها قوى المنظومة نفسها. الفراغ الذي يبدو لي متفاقما بعد حوالي عشرين شهراً على ثورة 17 تشرين هو فراغ الدياسبورا النخبوية اللبنانية الواسعة. فعدا المحاولة الفرنسية بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون لم تظهر أية محاولة تنظيم للدياسبورا النخبوية اللبنانية كقوة تغيير. وظهر أنه لا يكفي الجلوس المتربّص في بعض نوادي الخارج الأوروبي لكي يجري اقتناص فرصة تغيير في الحياة السياسية اللبنانية في الداخل، وهناك مجهود تنظيمي شاق يجب أن يُبذَل في مجتمع النخبة الدياسبورية لخلق هيئات ضاغطة تنتج برامج سياسية معلنة. لا أنكر جهود مجموعات صغيرة ناشطة ولكنّ أحدًا منها لم يصل إلى مستوى “لوبي” فاعل منتشر، خصوصاً بين أميركا وأوروبا والشرق ولكن السؤال نفسه مستمر وهو لماذا تبدو هذه الدياسبورا عاجزة عن التحرك، باستثناءات محدودة اعتراضية أكثر منها تأسيسية، ولماذا لا تظهر هيئات سياسية لبنانية من دم جديد في العواصم الغربية خصوصا، تضع يدها مع الاعتراضات النخبوية الفاعلة في الداخل كما في الجامعات ونقابات المهن الحرة؟ أرجو أن لا يقول لي أحد أنه عليّ المتابعة أكثر للأنشطة الدياسبورية. لو كانت هناك ظاهرة انتشار أفقي فاعل للنخبة الدياسبورية لكان ظهر جمهورها ولكان بدا من رموز كثيرة حضورٌ مختلف وملموس. تخطّى الوضع اللبناني في أزمته العميقة الحالية إمكانية ممارسة السياسة في السر للقفز على مواقع التأثير ولا بد للنخب المهمة المقيمة في الخارج أن تبدأ عملية تنظيم ذاتي سياسية مدروسة مبنية على برامج معلنة وتحمل قدرا من المجازفة ولو العاقلة. تكافؤ الفرص في العمل السياسي الراهن في الداخل والخارج يجب أن يشمل تكافؤ المجازفة. فالعمل العام بطبيعته على كل فضائله حين يكون أداؤُه نظيفاً، هو أيضاً عمل مجازف وفكرة الإنقاذ من الخارج الدياسبوري اللبناني لا يجوز اختزالها إلى فكرة ممارسة السياسة في صالونات “القصور” البعيدة عن الأعين. مثلا ما المانع أن تكون مبادرة العريضة التي نشرتها “اللوموند”والتي وقعها حوالي مائة وخمسين لبنانيا بين داخل وخارج في نيسان المنصرم وطالبت بتجميد ودائع السياسيين والمصرفيين اللبنانيين المتهمين بتهريب الأموال منطلقاً لتشكيل هيئة أو فوروم أو منبر ضاغط يتابع مناقشة وطرح حلول للمعضلات الحالية اللبنانية؟ ننتظر تشكيل هيئات منظَّمة، في باريس ولندن ونيويورك و سيدني ومونريال ولمَ لا موسكو والقاهرة وغيرها، من نخب لبنانية تمارس السياسةَ في الهواء الطلق وتضخ إلى الداخل اللبناني المرهَق حيوية وكفاءة واستقلالية وتجديداً فكريا وسياسيا وليس مجرد اجترار لأفكار إصلاحية قديمة أدّت أدوارَها الإيجابية والسلبية في تاريخ الأفكار الإصلاحية السياسية في لبنان. وحين أقول سلبية فأعني نجاح الطبقة السياسية بعد الحرب في تحويل بعضها إلى إطار لتعزيز النظام الطائفي وتعطيل الدولة مثل فكرة “قرار مجلس الوزراء مجتمعاً”. باتت مطلوبةً عمليةُ تجديد لمضمون السلّة الإصلاحية التقليدية وبما ينسجم مع التحولات الداخلية والإقليمية، ولا شك أن مفتاح التجديد هو الانتهاء من بعض المقولات المعتَبَرة إصلاحية والمستهلَكة في التجربة. المهم، وهذا ما أدعو إليه هنا متوسّماً بجيلَيْن من الدياسبورا كل الكفاءة المبنية على النجاح الشخصي المثْبَت، هو انتقال الدياسبورا النخبوية الواسعة إلى التنظيم الذاتي والمساهمة العلنية في النقد والبدائل والاقتراحات العملية. في الختام سيلاحظ القارئ على الأرجح تناقضا واضحاً بين إيمان الكاتب بقدرة النخب الدياسبورية في الخارج لو تمكّنتْ من التحرك المنظّم سياسيا وبين عدمِ ثقتِه بقدرة النخب المقيمة على الأرض اللبنانية في إحداث التغيير أو حتى تهيئة شروط التغيير! الجواب بسيط على هذا التناقض المأساوي: الدياسبورا أكثر حرية بتناول قضايا الوضع اللبناني ولربما باتت تضم النسبة الأوسع من الكفاءات قياساً بما بقي على الأرض اللبنانية. الذي يَنقصُ هذه الطاقةَ الحرّةَ والأقدر على التشخيص والتفعيل هو التنظيم. بينما نخب الداخل التي تكافح بمستوى إنساني وحياتي شاق لمواجهة الانهيار تبدو عاجزة من داخل الجحيم وقسمٌ كبير منها على الأرجح يستعد للمغادرة حاملا معه أحلامه الكبيرة وخيباته وطبعا نضج تجاربه التي يسوِّرها عجزٌ سياسي بدأ يصبح ملحميّاً أمام حجم الغيلان الحارسة للانهيار والسعيدة فيه. يواجه لبنان حصاراً بنيوياً ومتداخلاً من امتدادات الإقليم وتصدّعات الداخل مقترناً وممسوكاً من منظومة تقود شرائح اجتماعية منظّمة لا إمكان للسيطرة السلمية على آليات تحركها. ولذلك فإن أبواب الجحيم اللبناني ضخمة ومرتفعة. وعلينا توقّع الأسوأ قبل ولادة ونضج مسار طويل من القدرة الدياسبورية على الإنقاذ. غير أن الامتحان التاريخي للدياسبورا النخبوية هو في مدى قدرتها على إنتاج مسار سياسي ورموز قائدة لا أجدها في الصورة الملتقَطة حتى الآن رغم أهمية وحيوية هذه الدياسبورا. وهي لا تولد من دون إظهار استعدادها لدفع أثمان وأخذ مجازفات. كان تيودور هرتزل مفكِّراً ومنظِّماً وزعيمَ حركة لا تهدأ. كذلك المهاتما غاندي. كذلك نيلسون مانديلا رغم اختلاف الأجيال والتحديات والطموحات. الحركة الصهيونية حقّقتْ حلمها التاريخي بإنشاء دولة لليهود في فلسطين على حساب شعب بكامله هو الشعب الفلسطيني الذي جرى طرده من أرضه والقسْمُ الذي بقي لا يزال يُمارَس عليه أبشع أنواع التمييز العنصري من داخل إسرائيل وسط رفض مُمْعِن من الحكومات الإسرائيلية لإيجاد حل عادل. المهاتما غاندي قاد النخبة الهندية سلماً وملتحماً بوجدان شعبه أما مانديلا فكان الثمن الشخصي الذي دفعه هو الحافز الذي جمع العالم حول قضية بلده ضد نظام التمييز العنصري البائد في جنوب إفريقيا. الدياسبورا اللبنانية ترث قضية دولة موجودة ومكرّسة وتستحق الحياة بل تستحق أن تكون في مقدمة محيطها العربي. ما ينقصنا هو الاستعداد للمجازفة الشخصية والسياسية من دياسبورا هي بالتأكيد دياسبورا حرة وكفؤة . أما ممارسة السياسة من وراء مكاتب الغرف الصامتة ولو في عواصم كبرى ليس فقط لا تكفي بل صارت عاجزة. j.elzein@hotmail.com Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أدونيس يكتب ملحمته “أدونيادة” على خطى هوميروس وفرجيل next post “الدوبيت” السوداني يتسيد الفنون الإنشادية ويقارب النبطي You may also like غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.