ثقافة و فنونعربي المشروع العمراني الهتلري الذي “نفد البرلينيون بجلدهم منه” by admin 13 يونيو، 2021 written by admin 13 يونيو، 2021 121 “جرمانيا” ألبرت سبير كادت تشوه العاصمة الألمانية وتدمرها اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب عبثاً يحاول المرء اليوم أن يبحث عن اسم “المهندس العمراني” ألبرت سبير في أي موسوعة أو كتب جدية تؤرخ للعمران في القرن العشرين مع أنه كان ملء السمع والبصر في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وكان يعتبر سيد المعماريين في ألمانيا الهتلرية. لكن إغفال اسم سبير لم يكن بسبب نازيته بل تحديداً لأنه في الحقيقة لم يكن مهندساً معمارياً حقيقياً. بل كان “عصامياً” علم نفسه بنفسه كما كان يحلو له أن يقول، ولم تكن “شهادة تخرجه” سوى ارتباطه بالديكتاتور النازي وكونه واحداً من منادميه في سهراته ومن محبذيه في آرائه وأفكاره. وفي أنظمة مثل النظام النازي كان الولاء طبعاً لا الكفاءة ممر المرء إلى النجاح. فإذا كان ألبرت سبير قد ارتبط بهتلر مما أمن له نجاحاً كبيراً خلال عهد هذا الأخير لم يجعله فقط سيداً للمعماريين، بل كذلك مشرفاً على نسف كل تلك التيارات العمرانية التي كانت قد ازدهرت في ألمانيا منذ بدايات القرن العشرين، لا سيما من خلال مدرسة البوهاوس وإنجازاتها، إذا كان ذلك الارتباط مكن سبير من ذلك، فإن نهاية هتلر كانت نهايته هو كذلك، إذ ما إن انتهت الحرب باندحار النازيين غير مأسوف عليهم، حتى راحت تطل على العالم محاكمات نورمبرغ لبقاياهم ومحاكمة سبير بينهم والحكم عليه بالسجن عشرين سنة. جانب إيجابي من الحرب والحقيقة أنه إذا كان سبير قد تمكن من إنجاز بعض المشاريع البائسة الداخلة في خط الجماليات النازية قبل الحرب، فإن الحرب نفسها كانت بمجرد اندلاعها، قد قضت على واحد من أحب مشاريعه إلى قلبه وإلى… قلب سيده. ففي بدايات عام 1939 وبمناسبة العيد الخمسيني لولادة “الفوهرر” طلع سبير بفكرة مشروع قد يبدو اليوم جنونياً، لكنه كان بالنسبة إلى هتلر أكثر من طبيعي ومنطقي. أولاً، لأنه سيكون هدية الألمان إليه في عيد ميلاده، وثانياً لأنه سيبدل اسم برلين إلى جرمانيا. وثالثاً، لأنه سيغير معالم تلك المدينة التي كانت تزعجه كوزموبوليتها وكونها كانت تضم كثراً من الغرباء. كان إذن ينظر إلى مشروع سبير نظرة مميزة، لا سيما أن هذا كان يمضي سهرات بكاملها وهو يحدثه عنه، وعن أن المدينة ستكون باسمها الجرماني وألمانيتها الخالصة وتخلصها من مبان ومعالم وشوارع بأكملها تحمل “ذكريات بالغة السوء”، ستكون مؤهلة لتصبح عاصمة العالم بعد أن تتمكن النازية من السيطرة على ذلك العالم وتسلم صولجان القيادة الكبرى هذه إلى هتلر. إنجازات موءودة يمكننا طبعاً أن نتخيل كم أن ذلك المشروع أطرب هتلر حتى وإن لم يكن سبير قد انتبه إلى ضرورة أن يصبح اسم المدينة “هتلرشتادت” مكتفياً بأن يطلق اسم الزعيم على تلك الساحة الضخمة التي أقيمت في نهاية تلك الجادة الضخمة التي تسير على محور شرقي– غربي يمتد على طول نحو سبعة كيلومترات من بوابة براندباوم إلى الساحة المسماة سحة أدولف هتلر، والتي كانت، لحسن حظ أهل برلين، القسم الوحيد تقريباً الذي أُنجز من المشروع قبل اندلاع الحرب التي كان من الطبيعي أن توقفه. وفي المقابل يمكننا أن نتخيل كم كان البرلينيون الحقيقيون، بمن فيهم أنصار هتلر أو حتى المهادنون له أو الساكتون عن أفعاله خوفاً أو بلا مبالاة، كم كانوا سعداء حين اضطرت السلطات وقد أرغمتها الحرب على ذلك، إلى توقيف استكمال المشروع وهي واثقة من أنها سوف تستأنفه لاحقاً حين تنتهي الحرب بانتصارات نازية مدوية فيكون هتلر مستحقاً لهذا الانقلاب العمراني بفضل انتصاراته المأمولة بقدر ما يستحقه لشخصه الكريم وخمسينيته. ولربما يمكننا أن نقول هنا، إن أهل برلين راحوا يتنفسون الصعداء حين انكفأت ورش العمل الجبارة وانغمست السلطات في المجهود الحربي. دور هتلر في الصياغة صحيح أن ألبرت سبير هو الذي صاغ المشروع ووضع مخططاته، لكن الوقائع التاريخية تقول لنا إن هذا المشروع نفسه كان قد خطر في بال هتلر منذ سنوات طويلة. ومن هنا كان واضحاً حين عين ألبرت سبير أوائل عام 1937 “مفتشاً عاماً للعمارة وتجديد عاصمة الرايخ” أنه كان يعرف تماماً ماذا يريد منه. وكان سبير مدركاً من دون أن يهمس له سيده بكلمة، ما الذي يتعين عليه فعله: كان يتعين عليه أن يسبر أفكار هتلر ومن “ثم” يشتغل على “إقناعه” بإعطاء الضوء الأخضر لمشروع “جرمانيا”. كان في إمكان هتلر أن يوحي بذلك وفي إمكان سبير أن يتصرف طبعاً وكأنه هو صاحب الفكرة. ونعرف أن شيئاً مثل هذا كان قد حدث قبل فترة حين عهد هتلر إلى ذلك “المهندس” الشاب الذي بالكاد كان تجاوز منتصف ثلاثينياته بالإشراف على الهندسات العمرانية والبشرية لتلك الاستعراضات النازية الضخمة التي أقيمت عام 1936 في مدينة نورمبرغ نفسها التي سوف يحاكم فيها بعد عشر سنوات… يومها لم يحتج هتلر إلى أكثر من جملة أو جملتين فيحول سبير تلك “الأمنية” إلى واحد من أضخم الاستعراضات في تاريخ ألمانيا. وكذلك كانت إرادة هتلر هي التي جعلت سبير مسؤولاً عن إقامة الجناح الألماني في المعرض الدولي الذي شهدته باريس عام 1936 نفسه. ومن هنا حين صاغ سبير مشروع “جرمانيا” وشرع في تنفيذه تحت الرعاية اليومية لصاحب عيد المولد، كان نجمه في صعود وكان يمكنه أن يؤكد أن الهندسة يمكنها أن تكون ولاء و”فهلوة” لا علماً ولا شهادات جامعية بالضرورة! مركز هتلري للعالم من الواضح من خلال مراجعة الوثائق المتعلقة بتصميمات المشروع أن هتلر إنما يريد أن يتحقق له مشروع عمراني يتفوق على منطقة الشانزليزيه الباريسية بأكملها. ومن هنا كان التصميم الإجمالي الذي وضعه سبير يتألف من خمس جادات ضخمة تشغل في مجملها نحو خمسين كيلومتراً تتشكل دائرياً لتتقاطع معها جملة من جادات ثانوية تمثل معها نوعاً من شبكة طرقات شديدة الانتظام وتتحلق معاً من حول تلك الجادة الرئيسة الممتدة من محطة الشمال إلى محطة الجنوب، وتنتشر على جوانبها شتى المؤسسات الحكومية والوزارات والمعاهد العليا على أن يتوزع ذلك كله من حول الساحة الضخمة المركزية التي يقوم فيها القصر الاستشاري (الرئاسي) في مواجهة المبنى الضخم المسمى “القاعة الكبرى” حيث يمكن لأكثر من مئة ألف شخص أن يُجمعوا حين تدعو الحاجة والرغبات الفوهررية ليستمعوا معاً إلى زعيق الزعيم وهو يخطب فيهم. ما يعني أن خطابات هتلر ستكون حين ينجز المشروع في وسط برلين تماماً وقد صار اسمها جرمانيا وصار عاصمة للنازية حين تصبح هذه سيدة العالم. وتنفس البرلينيون الصعداء في نهاية الأمر لم ينجز سبير من مشروعه سوى تدمير الجانب الغربي من المباني المحاذية لذلك المحور الذي أنجز شقه بأكمله. والحقيقة أن الشهور التي سبقت توقف المشروع شهدت عشرات الألوف من أهل برلين وهم يقفون حزانى يتفرجون على الآلات العملاقة وهي تدمر تلك المباني ويتساءلون عن المعجزة التي سيكون في إمكانها وقف إزالة المعالم التاريخية للمدينة. ولقد جاءت تلك المعجزة على شكل اندلاع الحرب العالمية الثانية التي كان هتلر يرى فيها البداية المؤكدة لإنجاز مشروعه الكوني، وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوقف تنفيذ المشروع “الجرماني” العمراني في انتظار أن يأتي الانتصار النازي سريعاً فيستأنف حتى اللحظة التي تقوم فيها جرمانيا مكان برلين ويقف الفوهرر خطيباً معلناً سيادته على العالم. لكن ذلك لم يحصل طبعاً، وعلى الرغم من أن البرلينيين شعروا بالضائقة أيام الحرب وربما بالذل أيام الهزيمة مع أنهم كانوا من أقل الألمان مناصرة لهتلر وللنازية، فإنهم تنفسوا الصعداء حين توقف تدمير برلين “احتفاء بمولد الفوهرر” ثم طبعاً حين انتحر هذا وحوكم معاونوه ومن بينهم ألبرت سبير (1905 – 1981) الذي سيبقى حتى نهاية حياته حزيناً لعدم تنفيذ مشروع عمره… المزيد عن: أدولف هتلر/ألبرت سبير/النازية/ألمانيا/برلين/جرمانيا/العمارة 12 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post قضية سبتة ومليلة… أخطاء التاريخ أم الجغرافيا؟ next post تجاذب فلسطيني حول عباس وعريضة تطلب إقالته وأخرى تتمسك به You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 12 comments web hosting why 28 أغسطس، 2021 - 5:31 م whoah this weblog is wonderful i love studying your articles. Keep up the great work! You already know, many persons are searching round for this information, you can aid them greatly. Reply t.co 1 سبتمبر، 2021 - 12:28 ص Very shortly this website will be famous amid all blogging users, due to it’s fastidious posts Reply on asmr 2 سبتمبر، 2021 - 4:24 م Can I just say what a relief to find someone who truly knows what they’re talking about online. You definitely understand how to bring an issue to light and make it important. More and more people should read this and understand this side of the story. It’s surprising you’re not more popular given that you certainly possess the gift. Reply asmr this 5 سبتمبر، 2021 - 5:17 ص I must thank you for the efforts you have put in penning this website. I’m hoping to check out the same high-grade content from you in the future as well. In fact, your creative writing abilities has encouraged me to get my very own blog now 😉 Reply exploratory essay 13 نوفمبر، 2021 - 1:50 م You’re an extremely valuable website; couldn’t make it without ya! http://multiessay.com/ Reply 3d sex games free download 18 نوفمبر، 2021 - 7:22 م Love the site– extremely user pleasant and whole lots to see! https://winsexgames.com/ Reply fast food keto options 19 نوفمبر، 2021 - 10:34 ص Really interesting….looking forward to visiting again. https://ketogendiets.com/ Reply fast food keto options 19 نوفمبر، 2021 - 10:35 ص Really interesting….looking forward to visiting again. https://ketogendiets.com/ Reply keto diet and no gallbladder 20 نوفمبر، 2021 - 12:33 ص Wow, attractive portal. Thnx … https://ketogenicdiets.net/ Reply keto diet what to expect 20 نوفمبر، 2021 - 10:02 م say thanks to so much for your site it assists a great deal. https://ketogenicdietinfo.com/ Reply gay dating long term relationship oriented guys 14 يناير، 2022 - 5:09 ص gay men dating in ga is plenty of fish a gay dating site? Gay dating in little rock gay dating long term relationship oriented guys Reply law enforcement badges 5 أغسطس، 2024 - 2:39 م Great post! I’m looking forward to reading more of your work. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.