ثقافة و فنونعربي جان نوفيل يحول العمران إلى تحفة في “لوفر جزيرة السعديات” by admin 4 مايو، 2021 written by admin 4 مايو، 2021 7 الصرح الذي أقام واحة فن وحضارة وسط بيئة صحراوية ونجح في رهانه اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في الوسط التجاري لمدينة بيروت الذي تحول خلال سنوات عدة إلى خرابة بتضافر جهود السلطة وحلفائها، و”الثوار” وشتى ضروب “الزعران”، تمتلئ جدران الأبنية التي بالكاد صار لها مظهر أبنية أو تذكر بحلم إعادة البناء التي وصلت أوجها خلال السنوات الأولى من القرن الجديد، في ذلك المكان من بيروت الذي بات هلامياً، تمتلئ الجدران بعشرات ألوف الشعارات والرسوم والأقوال التي إن نمت عن شيء، فعن درجة قصوى من الغباء السياسي وقلة الذوق. لكن بين تلك الرسوم والشعارات ثمة صورة تضمحل مع الوقت. صورة كبيرة الحجم تمثل ما يبدو أنه “راهب بوذي” يتأمل المكان من حوله. والمرء يحتاج إلى تأمل طويل ليدرك في نهاية الأمر أن الصورة لا علاقة لها بما يحيط بها فهي مرسومة على جدار خشبي عملاق يحجب ورشة عمل كان يفترض أن تكون أُنجزت اليوم لمجمع تجاري. وقد يحتاج المرء إلى تأمل أعمق ومعرفة أوسع ليدرك أن الصورة صورة جان نوفيل، المعماري الفرنسي الكبير الذي ثمة تحت صورته كتابة تشير إلى أن “محترفاً تحت إشرافه كان سيقام في المكان” لولا الخراب الذي حل به. ولكن من هو جان نوفيل؟ واحد من البناة الكبار هو ببساطة واحد من كبار المعماريين في عالم اليوم. وما صورته المعلقة في الساحة البيروتية التي باتت رمزاً للخراب أكثر مما هي رمز لـ”الثورة”، سوى إشارة إلى المشروع العمراني الكبير الذي كان سينجزه هنا لحساب مستثمرين كويتيين فتوقف كما توقفت كل المشاريع العمرانية الأخرى في العاصمة اللبنانية، وكذلك حال مشروع مجمع آخر كان سيقام على مبعدة نحو مئتي متر من المكان نفسه من تصميم الراحلة زها حديد. والحقيقة أن أمثال هذين المشروعين هي ما كان يجعل غلاة المتعصبين اللبنانيين يحتجون على ما يسمونه “خلجنة لبنان” حيث كانوا يرون أن تلك الحركة العمرانية تجعل بيروت تشبه مدن الخليج الكبرى (!) وهم لا يريدون ذلك ويبدو أنهم مطمئنون اليوم وقد باتت بيروت تشبه، بخرابها، مدن الشرق “الممانع”. غير أن هذه حكاية أخرى. فحكايتنا هنا هي جان نوفيل، الذي لا شك أن الذين خربوا بيروت، إلى أية جهة انتموا، لا يعرفونه ولا يعرفون شيئاً عنه. متحف اللوفر أبوظبي (موقع المتحف) جحافل الممانعين ومع هذا في عام 2008 تحديداً، العام الذي انطلقت فيه “جحافل الممانعين” في بيروت ليبدأوا تخريب وسط المدينة، كان هو يفوز بجائزة “بريتزكر” للهندسة العمرانية التي تعتبر “نوبل العمران” وكانت زها حديد من الفائزين بها قبله. ونعرف طبعاً أن هذين المعماريين الكبيرين المتهمين بخلجنة بيروت، تحمل تواقيعهما عشرات الصروح العمرانية المنتشرة من كانتون في الصين إلى مينيابوليس ونيويورك وعشرات المدن الأوروبية خالقة حراكاً عمرانياً يحول الهندسة إلى ما يشبه الفن التشكيلي الرائع. وحسبنا هنا لنتيقن من هذا، أن نذكر الصرح الواقع على الضفة اليسرى لنهر السين وسط باريس، “معهد العالم العربي” ذلك البساط السحري العمودي الذي أنجزه نوفيل قبل أكثر من ثلث قرن من ناحية، وأوبرا كانتون التي أنجزتها حديد من ناحية أخرى في المدينة الصينية العريقة، ومركز جورج بومبيدو وسط باريس لإنزو بيانو، من دون أن ننسى الكاتدرائية التي أقامها زميلهما كالاترافا في الـ”غراوند زيرو” النيويوركية على أنقاض برجي التجارة العالمية. جزيرة للحضارة ولكن كي لا نذهب بعيداً في الزمان أو في المكان، ولكي نبقى عند جان نوفيل الذي بات اسمه مرتبطاً بعدة مشاريع عربية، قد يجدر بنا أن نتوجه إلى جزيرة السعديات الواقعة إلى الشمال من مدينة أبو ظبي، لنتفحص أحد منجزاته العمرانية الكبرى: “اللوفر” المقام على تلك الجزيرة ناقلاً إلى ما كان مجرد صحراء لعشرات من السنين خلت، إبداعات فناني البشرية وروائع تاريخها. ونعرف أن هذا الصرح الفني الحضاري العمراني الذي افتتح في خريف عام 2017 هو من إنجاز جان نوفيل، ويقع على مساحة في تلك الجزيرة التي باتت اليوم مكرسة للحضارة والثقافة، لا تقل عن 24 ألف متر مربع منها ثمانية آلاف متر تتوزع على الغاليريهات جاعلة من هذا المتحف الفريد واحداً من أكبر وأحدث المتاحف في العالم. تأديب! قبل زمن حين أنجزت إقامة “الهرم الصغير” في باحة متحف اللوفر الفرنسي العريق، قالت الطرفة أن شاباً مصرياً متحمساً أغضبه ذلك فطالب بأن يُبنى “لوفر صغير” إلى جانب الأهرامات المصرية العملاقة “تأديباً لهؤلاء الفرنسيين”. وها هو ذلك المشروع “التأديبي” ماثل اليوم في جزيرة السعديات علماً بأن الفرنسيين نالوا لمجرد استخدام الاسم ما يزيد على نصف مليار دولار، إضافة إلى ما يزيد على 700 مليون دولار “إيجاراً” للقطع الفنية المعروضة اليوم في “اللوفر” الإماراتي مستعارة من “اللوفر الباريسي” ومن غيره من المتاحف! ويا له من تأديب! واحة عجائبية بشكل عام نعرف أن توقيع جان نوفيل على الهندسة المعمارية البديعة التي جعلت من “معهد العالم العربي” قطعة فن عربية وسط باريس، قد لعب دوراً أساسياً في فوز مشروعه لبناء اللوفر الإماراتي، فنوفيل كان قد عرف ومنذ سنوات كيف يمزج بين منابع الثقافة العربية وتشكيلاته وبين المكان الذي يقيم فيه مشاريعه من ناحية، وضروب الحداثة التكنولوجية التي بات لا غنى عنها في هذا النوع من المشاريع من ناحية أخرى. ولنتذكر هنا تلك التكنولوجيا المبهرة التي تحول الجدار الجنوبي لمعهد العالم العربي من المغلق تماماً إلى المنفتح تبعاً للضوء الآتي من الخارج بشكل يشتغل على مئات النوافذ المتجاورة المشكلة معاً نوعاً من سجادة ضخمة! طبعاً “لوفر أبو ظبي” لا يحتاج إلى هذه التقنية المرتبطة بتقلبات الطقس الباريسية، لكنه يحتاج إلى تقنيات مختلفة تماماً أخذها نوفيل في الاعتبار عند إنشائه ذلك المبنى الضخم والمنتشر أفقياً تحت ظل قبة هي واحدة من أضخم القباب في العالم، وتقوم على مجموعة من أعمدة تجعل المشهد يبدو من بعيد وكأن مئات من أشعة الشمس تصل عبر أغصان شجرات بلح تتخذ في نهاية الأمر سمات واحة ضخمة تبعث الراحة والإحساس بالرطوبة وسط مناخ صحراوي كان من شأنه أن يكون قاتلاً…، وانطلاقاً من هذا الشعور يصبح في مقدور الزائر أن يتجول في الأروقة والصالات التي تشغل ما لا يقل عن ثمانية آلاف متر مربع وزعت فيها مئات القطع الفنية التي استعير بعضها واستُحوذ على بعضها الآخر، وذلك إلى جانب المعارض المؤقتة والعروض المرتبطة بمناسبات محددة. ميزة العمران الجديد لقد تسببت ظروف متعددة بتأخير في افتتاح الصرح، ولكنه افتتح في النهاية وكان من أولى تظاهراته عرض “نسخ القرآن في عصر المماليك” ثم معرض “ولادة المتاحف” إضافة إلى العروض المتتالية التي سرعان ما راحت تجتذب الزوار أكثر وأكثر. ولكن ثمة ما ينبغي قوله حول هذا الأمر ويتعلق بواقع أن التحفة الأساسية هنا هي المبنى في حد ذاته. فالمبنى هو الذي يجتذب الأعين أكثر من أي شيء آخر، ويقصده الزوار للتجوال فيه على الأقل في المرحلة الأولى قبل أن يصبح من الصروح المألوفة تاركاً المجال للمعروضات نفسها، ومن الواضح أن هذا كان رهاناً خاضه نوفيل، تماماً كما فعل قبل عقود حين راهن على جاذبية المبنى في “معهد العالم العربي” في انتظار الرهان على ما في داخل المبنى، وتلك واحدة من مميزات العمران الجديد والتي باتت تضفي عليه خصوصية مدهشة حولت جائزة “بريتزكر” نفسها من جائزة مهنية شبه سرية إلى جائزة عالمية يعتبر الفوز بها تكريساً لفنان معماري ما… بصرف النظر عن وظائفية المباني التي ينجزها. وجان نوفيل المولود عام 1945 بات اليوم من أقطاب هذا العمران الجديد بالتأكيد. المزيد عن: اللوفر/اللوفر أبوظبي/جان نوفيل/متحف/فن معماري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post التونسية أمامة الزاير من اللون الغنائي إلى القصيدة المركبة next post صعود “البونابرتية” في إيران You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.