الثلاثاء, أكتوبر 8, 2024
الثلاثاء, أكتوبر 8, 2024
Home » محمود قرني يصور تراجيديا الوجود في “أبطال الروايات الناقصة”

محمود قرني يصور تراجيديا الوجود في “أبطال الروايات الناقصة”

by admin

انفتاح الهوية الوجودية على الآخر في قلب العولمة القسرية

اندبندنت عربية / محمد السيد إسماعيل 

رحلة شعرية باذخة خاضها الشاعر صاحب الصوت الكثيف محمود قرني عبر عشرة دواوين، أصدرها حتى الآن. وتأتي كثافة الصوت الشعري عند شاعرنا من اللغة التي لم تتوسل البساطة وصولاً إلى القارئ، حاملة لطبقات متعددة من الدلالات والمستويات المعرفية، ومن المجاز المفارق غير الاعتيادي، وهو نمط صعب تفرد به قرني عن مجايليه. فالشعر عنده هو انتزاع من اللحم الحي، من دون أن يوقعه ذلك في غواية “السياسي” المباشر، وإن ظلت قصيدته حاملة – بالضرورة – لهذا البعد. ولعل مقولة ستيفن سبندر التي أوردها قرني في تقديمه لمختارات من دواوينه صدرت أخيراً تحت عنوان “أبطال الروايات الناقصة” (دار الأدهم – القاهرة) “خلق السبت للإنسان ولم يخلق الإنسان للسبت”، تكون معبرة عن توجهه الشعري، حين أدرك مبكراً أن “النظام السياسي خلق ليخدم الإنسان، ولم يخلق الإنسان ليخدم النظام السياسي”.

أسئلة الوجود

إن مهمة الشعر الأولى كما يرى قرني هي “تأمل أسئلة الموت والميلاد والوجود جملة”. ومن هذه الزاوية، نلاحظ علاقة الذات بالعالم؛ الذات المنتهكة مسفوحة الدم، والعالم الكسيف المدجن بالسرايا والجنود، بما يعني أننا أمام رؤية تراجيدية للوجود. يقول في “خيول على قطيفة البيت”: “هي ليلة لدم المغني/ ثم تحزم راحة العشق الخطى/ وتغوص في المدن الكسيفة/ إنه غاب من الأفق المدجن بالسرايا والجنود العاشقين/ الأفق يزحف تحت نير المركبات/ وحبيبتي تشكو إلى زمن خلاء/ أغنيات ليس يعرفها الفناء الدائري”.

تبدو “الأغنيات” المنزوفة من “دم المغني” المقابل الوحيد لهذه التراجيديا الوجودية، واختيار “الأغنية” تحديداً؛ ليس فقط لأنها “مضمار” الشعر، كما يقول الشاعر القديم، بل لكونها نزوعاً فردياً في مقابل “الفناء الدائري” الذي يتوالد من نفسه محولاً سعة الخليقة إلى الضيق والذبول، حين يرى الشاعر “قبلة تمتد من سعة الخليقة للذبول”. وتبدو هيمنة تيمة “الزوال” حين تتكرر مرة أخرى في قصيدة “حبيبتي وأقانيم الزوال”: “تأتينني بين الدم المنحاز/ واللغة القتيلة والقرى المتخثرات”، ومن الواضح أن هذه السطور تحيلنا إلى ثلاث دوائر دلالية تبدأ بالذاتي – الدم المنحاز المنتمي غير المحايد، مروراً بالإبداعي – لغة الشعر القتيلة بما يناقضها في الواقع، والواقعي ممثلاً في القرى المتخثرات، ما يجعل الزوال المذكور صراحة في العنوان يتجلى ضمنياً من خلال هذه السطور.

ومن الواضح أن دلالة “الأقانيم” يستدعي البعد الديني، وهو ما ينطبق على دلالتي “المزامير”، و”المرتد”، والبعد الصوفي المتمثل في أسماء “المحبوب”. يقول: “خلت الأقانيم الكسيرة من هزيم النهر، وامتدت مزامير المساء إلى الدم المرتد في زرد السلاسل/ فاكتري لقصائد الغرقى مخيماً/ هذي عصافيري، وهذا وجهي المسجون في أسماء محبوبي”.

كتاب المختارات (دار الأدهم)

ويلفتنا هذا التحول من الدم المنحاز إلى القرى المتخثرات إلى الدم المرتد في زرد السلاسل، وكأننا أمام علاقة سببية، فانحياز الدم تمهيد وسبب؛ لأن يرتد في زرد السلاسل، على أن أكثر ما يلفتنا هو التركيب الإضافي في “قصائد الغرقى”؛ لأنه سيصبح عنوان أحد دواوينه اللاحقة، ما يعني أننا مع مشروع شعري يتنامى، لا قصائد، أو حتى دواوين متفرقة.

ميلاد الشاعر

ويعد “ميلاد الشاعر” تيمة أخرى متكررة، وهو موضوع أشاعه علي محمود طه بقصيدته الشهيرة “ميلاد شاعر”… “نزل الأرض كالشعاع السني/ بعصا ساحر وقلب نبي”، غير أن الجديد عند محمود قرني هو أنه ينزع هذه الهالة عن الشاعر ويجعله واحداً من عوام الناس حين يقول: “في أول الأسفلت/ يفعلها أبي وتهز أمي جذع نخلتها/ فيسقط من دم العرجون/ شاعر”.

وغني عن الذكر أن نشير إلى أن السطور تستدعي قصة مريم في القرآن، لكن ما يسقط من دم العرجون في حالتنا الراهنة هو الشاعر نفسه، وهكذا يستمر جدل المغايرة والتماثل قائماً بين الحالتين، ولأننا أمام قصائد تتجاوب دوالها فإن الشاعر يتوقف أمام دال “النخلة”، ويجعلها عنوان إحدى قصائده؛ ربما لكونها أحد رموز الأصالة، أو لكونها مذكورة في قول الرسول “أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم”.

تأخذ النخلة في القصيدة صورة الأنثى المشتهاة حين صعد الرجل إلى رأسها… “كلمها وناداها/ سكب في قلبها حليب أصابعه/ وعندما هبط كان صدره المعطوب/ يعلو ويهبط في هياج/ كأنه فرغ للتو من مضاجعة طويلة”. وكما نزع شاعرنا هالة النبوة عن الشاعر فإنه في قصيدة أخرى يستعير سطوراً للشاعر الروسي درغانين يصور فيها طبيعة الشاعر الجامعة بين المتناقضات… “إننا الشعراء/ نصلح قياصرة/ عبيداً/ دوداً/ وآلهة”.

رسالة الغفران

غير أن التناقض بين الشاعر وأبناء القناصل يظل هو التناقض التام الذي يصل إلى درجة الصراع والموت. وفي ذلك يستعير شاعرنا قصة بوشكين “النظام الأكبر”… “وصل في كامل حلته إلى فراش الموت/ بعد أن صرعه أبناء القناصل/ وسط الحلبة/ أبناء القناصل أكلوا وتدربوا جيداً/ أما الشاعر فكتب قصيدة، لكنها سرعان ما تضرجت بالدماء”.

ويستمر تصوير مأزق الشاعر عموماً حين يستعير قرني قصة جون كيتس؛ أحد رموز الرومانسية الذي مات بمرض وراثي في الصدر، ويتمثل في هجوم النقاد الأرستقراطيين المدرسيين الذين اعتبروه “كلب الرومانسية الأجرب”، وقوانين العلم التي اعتبرته “رعوياً فر من قسم الحفريات/ في حديقة الحيوان”.

وما أظنه هو أن هذا هو مأزق الشعر، وليس شعرية كيتس فقط، حيث يظل قائماً على هذا الرافد الرومانسي بوصفه ربيب الفطرة والبكارة والرعوية، ما يجعله موضع رفض دائم من النقد الأرستقراطي المتعالي على هذه الفطرية، والعلم بنزعته المادية. ولأن الشعر ربيب الفطرية فهو على النقيض من الرأسمالية التي تقوم على تسليع كل شيء واستباحته، بدءاً من الفرد، وصولاً للأوطان. فها هو كيتس، طبقاً لمخيال قصيدة “قوس قزح” يكتب رسالة مؤثرة إلى نيوتن: “يحدثه فيها عن الهراء البادي في الملابس الداخلية لنساء الإمبراطورية/ بعد أن علقن قوس قزح على فروجهن /…/ كما حدثه عن الشركات الكبرى التي احتكرت أفخاذ العذارى واستأجرت أجسادهن”، ولما خاطبه نيوتن بلهجة تليق بخازن للأموال الإمبراطورية… “نسي الشاعر عقله على الطريق، وشكر الرب على أنه فقد حقيقته”. ووسط العولمة الجبرية يأتي حديث الشاعر كثيراً – كرد فعل – عن الأب والأم والشقيق والعادات المصرية بوصف الهوية المصرية هي دائرة الانتماء الأولى التي تتسع للهوية العربية، حين يتوقف أمام خولة المالكية صاحبة طرفة، و”رسالة الغفران” للمعري، ثم الدائرة الإنسانية في استدعائه لغينسبرغ وإليوت وكيتس، وغيرهم، ما يعني أننا أمام هوية منفتحة على الآخر، لا على العداء المجاني له.

المزيد عن: كتاب/مختارات/شع/رشاعر مصري/قصيدة الن/ألعولمة/شعر اميركي/شعر عالمي

 

 

You may also like

5 comments

gas engineers burnley 13 أبريل، 2021 - 9:41 م

Very good blog! Do you have any suggestions for aspiring
writers? I’m planning to start my own site soon but I’m a little lost on everything.
Would you recommend starting with a free platform like Wordpress or go for a
paid option? There are so many choices out there that I’m totally overwhelmed ..
Any suggestions? Many thanks!

Reply
google 13 أبريل، 2021 - 9:44 م

Hey! I just wanted to ask if you ever have
any issues with hackers? My last blog (wordpress) was hacked and I ended up
losing a few months of hard work due to no backup. Do you have any solutions to stop hackers?

Reply
hồ bơi ở đâu 13 أبريل، 2021 - 9:47 م

hello!,I like your writing so much! share we keep in touch extra about
your post on AOL? I require an expert on this space to solve my problem.
May be that is you! Looking forward to peer you.

Reply
ShirleyImide 14 أبريل، 2021 - 6:59 م

how to write mba essay college essay introductions how to analyze an article to write an essay

Reply
Smexia 27 مارس، 2022 - 2:36 ص

essay service scams help writing thesis statements trustworthy essay writer service

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00