الأربعاء, يناير 15, 2025
الأربعاء, يناير 15, 2025
Home » عايدة الجوهري : عن الذي جمعني ونوال السعداوي في كتاب

عايدة الجوهري : عن الذي جمعني ونوال السعداوي في كتاب

by admin

الحوار المتمدن / عايدة الجوهري

إنّ كتابي «نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الأنوثة والذكورة والدين والإبداع»، كان محطةً مثيرة في حياتي ككاتبة، إذ جاء مشروع الكتاب المشترك تلبيةً لرغبتي الجامحة في محاورة نوال السعداوي ومجادلتها ومعرفتها عن كثب.

بدايةً، أنا من اللواتي لا يتنكّرون للأثر العميق، الذي تركته نوال السعدواي في عقولهنّ ووجدانهنّ، للصدمة الإيجابية التي أحدثتها، خلافًا للواتي يخفنَ لسعَ جرأتها، وجسارتها على التوغّل في المناطق الممنوعة من التفكير والعلانية، فما بالك، بالمناقشة والتحليل والنقض، وخلافًا كذلك للواتي يحرصنَ على صورتهنّ التسووية، المهادنة.

قرأتُها في عمر مبكر، اختلستُ كتبَها من مكتبة العائلة، عزّزَتْ فيَّ، بالإضافة إلى مرجعيات ثقافية أخرى، جذورَ التمرُّد، بلورتْها وسوّغتْها.
فثمة حبلٌ سري، غير مرئي، يشدّك إلى الذي يُدرّبك على بناء تمرُّدك ووجدانك وربما خيالك على أسس معرفية، فمن حرية العقل والوجدان تتناسل سائرُ الحريات. علّ هذا الحبل السري هو فرحُ التمرُّد الذي يزرعه فينا المتمرّدون في التاريخ البشري.

فالتمرُّد كأسلوب للتفكير والحُكم والشعور والتخييل، ينطلق من فكرة أنّ الطاعة المطلقة للسائد، هو إنكارٌ للعقل، كأداة للتمييز والتحليل والاستنباط، وإغفالٌ للإرادة البشرية الحرة، وللأنا الفريدة المستقلة، فالإنسان يجد نفسَه أمام خيارين لا ثالثَ لهما: إمّا العبودية وإمّا الحرية.
في ستينات القرن الماضي جاءت نوال السعداوي بلُغة جديدة، وكلام جديد، وموضوعات جديدة شائكة، تُدمي أصابعَ من يكتب فيها، خاضت في دلالات عادة الختان وفظائعها، في أصل البغاء وفصله، في مفهوم العذرية وإشكالياته، في مظلومية الأطفال اللقطاء، في تداعيات مؤسسة الحجاب، في مسألة تنظيم النسل، في مفهوم الزواج التقليدي، في قضية تعدُّد الزوجات، في قوانين الأحوال الشخصية عمومًا، في حيثيات خط النسب الأبوي، وإنكار خط النسب الأمومي، في مفاهيم الأنوثة والذكورة، وتعقيداتها، في مقولات الرجولة الحقّة وعلاقتها بمفهوم الشرف كما هو متعارف عليه، في صحة المرأة العربية البدنية والعقلية والنفسية، وغيرها من الموضوعات الجوهرية التي عالجتها في نصوصها البحثية والأدبية.

هذا التنوّع في الوحدة، وهذه الغزارة الفكرية والإنتاجية، حوّلا نوال السعداوي إلى مرجعية متعدّدة الأبعاد، إلى مؤسسة ثقافية، وفي حفريّاتها المعرفية اعتمدت مصادر ومناهج متنوعة. استمرتْ في علوم الطب وفي علم النفس والاجتماع والأنتربولوجية وعرّجت في مسارها على الفلسفة، ولتجسيد مشروعها الفكري الإبداعي، زاوجت بين الدراسات العلمية والأنواع الأدبية المختلفة، كتبت القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية، والمذكرات، وأدب الرحلات، والمقالة، حتى ناهزت كتبها الخمسين.

بهذه الخيارات خرجت نوال السعداوي عن منهج التوفيق بين الأفكار الموروثة والأفكار المعاصرة، أي أنّها لم تسعَ إلى إعطاء مشروعية معاصرة لأفكار قديمة، كما فعل معظم من سبقها من المفكرات والمفكرين النسويّين، اضطلعت بما تجوز تسميته بالقطيعة المعرفية مع الموروث، وانحازت بكتاباتها لمبادئ الملاحظة والمشاهدة والتجريب والسببية، أي للواقع، وقاربت هذا الواقع على ضوء القيم التنويرية والإنسانوية، التي تقول بأنّ الإنسان، ذكرًا أم أنثى، هو غايةٌ بحد ذاتها، وبأنّه ذاتٌ مستقلة، وحرة، وقيمته مطلقة، وكرامته كذلك، وبما أنّه كذلك، يُفترض أن تتساوى حقوقه وفرصه، بحقوق أي إنسان آخر وفرصه، ولكنّها توجّست من النهج الذي يبالغ في التأكيد على مركزية الإنسان الفرد، فاختارت النهج السياسي الذي يُخفّف من غطرسة الفرد وغيّه لصالح الجماعة.

لذا، ناصرت الفقراء والمهمشين والمضطهدين، فتحوّلت إلى «ثورة دائمة» سبقت «ثورة 25 يناير» بعقود بل بنصف قرن.

وفي جميع الأحوال، لم تعالج نوال السعداوي قضايا المرأة العربية كقضايا منفصلة عن قضايا الرجل، أو المجتمع بأكمله، فقضاياها تقع في صميم سؤال الديمقراطية، وسؤال التنمية، وسؤال العدالة الاجتماعية، وسؤال التناقضات، فانتفضت ضد كل العهود السياسية المصرية، بدءًا من حكم الملك فاروق حتى حكم الإخوان المسلمين الخاطف، ولا أستبعد أن تكون متحفّظةً على حكم العسكر وحكم السيسي، وعلى الدستور الجديد، الذي لا يشبه في مطارح عديدة، الروح التجديدية للثورات ولروح «ثورة 25 يناير» العميقة.

… نعم، انتفضت نوال السعداوي ضد الاستبداد السياسي، واعتقال الأفكار والطموحات والمشاعر، وضد الفساد على أنواعه، وضد قهر الفقراء، والكادحين، والضعفاء، وقليلي الحيلة، وكلّفها تمرُّدها أثمانًا باهظة، سُجنت وهُدِّدت بالقتل، وضعها الإخوان المسلمون على لوائحهم السوداء، وقوطعت وحوصرت ثقافيًّا، وتواطأت على عقابها الأجهزة السياسية والدينية والثقافية، على حدٍّ سواء.

في المحصّلة، توغّلت نوال السعداوي في أدغال اللامباح والمحظور، المسكوت عنهما، وفكّرت في ما لا يُفكَّر فيه، واضعةً نصوصها الجريئة، ومواقفها على تماس مع ثالوث المحرمات العربية الشهير: الدين والسياسة والجنسانية – أفضّل استعمال مصطلح «جنسانية» لأنّ دلالته أشدّ تركيبًا وشموليةً من الأول المعهود – توغّلت في هذه المناطق المحرّمة دون تردُّد أو وجل، لأنّها تفترض ضمنًا، كما نفترض نحن أيضًا، أنّ من يملك أفكارًا تغييرية، لا يجرؤ على الإفصاح عنها، خوفًا من ردود الفعل السلبية، يُسهم في ديمومة الأمر الواقع، ولا يتميّز بشيء عن أولئك الممتثلين له، أو المتواطئين معه. فالكتابات التي من طينة كتابات نوال السعداوي تحرّض على الاستنتاج أنّ كلّ كتابة لا تتسلّل إلى المسكوت عنه واللامُفكَّر فيه، هي بمنزلة تمارين على التقليد والامتثال والطاعة.

ومن جهة أخرى، غاصت نوال السعداوي في مواجع المرأة المصرية خصوصًا، سردت وقائع عذاباتها وأشكال انتهاك جسدها وعقلها وروحها. غير أنّ وراء هذا السرد المشبع بالتحليل، تراءت وقائع عيش معظم النساء العربيات لأنّ البنى المؤسّسة للتمييز، هي عينها وإن اختلفت الاستراتيجيات والآليات، لذا تماهت معها ملايين النساء العربيات، وأضحت رمزهنّ.

بعد هذا العرض البانورامي، حان الوقت، كي أنتقل إلى كتابنا المشترك، «نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الذكورة والأنوثة والدين والإبداع».

سواء أكانت فكرة هذا الكتاب مختلفةً أم لا، جديدةً أم لا، هي وُلدت ذات ليلة صيف لبنانية، من رحم أحاديث ثنائية، وجدناها جديرةً بالتوثيق، فاتخذنا قرارَ استئنافها وتحويلها إلى كتاب حواري. ولأنّ نوال السعداوي كانت في زيارة قصيرة للبنان، قصدنا في اليوم التالي شركة المطبوعات والتوزيع للنشر، ناشرة هذا الكتاب، التي تبنّت المشروع وواكبته حتى النهاية.

كانت الغاية الأولى من حواراتنا هي التفكير معًا والتساؤل معًا، في قضايا ما تزال قيد النقاش والأخذ والرد، والحيرة، فوظائف الحوار لا تنحصر في «حل النزاعات»، كما عهدناها في لبنان، غير أنّنا وإن اتفقنا على توصيف المشاكل والإشكاليات، معظم الوقت، اختلفنا على نوعية المقاربات والافتراضات بعض الوقت. ففيما بدت لي مثلاً بعض هذه الافتراضات غير محسومة، لم تبدُ كذلك لنوال السعداوي، أو العكس.

وشئنا أن تكون حواراتنا منظّمةً، غير مشتّتة ومبعثرة، ولكن طليقة، صريحة، تلقائية، فأدرجناها تحت عناوين شكّلت مفاصل أساسية في مشروع نوال السعداوي، وهي عناوين تنهض عليها عادةً معظم المشاريع النسوية، وأعني مفاهيم الذكورة والأنوثة وما تُمليه من أدوار جنسانية مخصوصة، وعلاقة هذه المفاهيم والأدوار بالدين والإبداع.

هكذا بدأ كتابنا المشترك، الذي أُنجز بشغف كبير، هو شغف الأسئلة التي يُفترض ألاّ تستكين.

 

 

You may also like

11 comments

Terrance Stachniw 25 مارس، 2021 - 2:01 ص

obviously like your web-site however you have to take a look at the spelling on quite a few of your posts. Many of them are rife with spelling issues and I find it very troublesome to inform the truth nevertheless I?¦ll definitely come again again.

http://www.froleprotrem.com/

Reply
stornobrzinol 16 مايو، 2021 - 3:58 م

I dugg some of you post as I cerebrated they were very useful invaluable

http://www.stornobrzinol.com/

Reply
danish 28 يناير، 2022 - 3:35 م

Some really nice and useful information on this web site, as well I conceive the style and design has got fantastic features.

http://balticmedia.com

Reply
a course in miracles 14 فبراير، 2022 - 2:00 ص

I see something genuinely interesting about your website so I saved to bookmarks.

https://a-course-in-miracles.org/a-course-in-miracles/

Reply
acim 14 فبراير، 2022 - 8:48 ص

You are my inhalation, I have few web logs and infrequently run out from brand :). “He who controls the past commands the future. He who commands the future conquers the past.” by George Orwell.

https://awakening-mind.org/resources/a-course-in-miracles/

Reply
acim free audio 14 فبراير، 2022 - 11:32 ص

Some genuinely excellent info , Sword lily I discovered this. “Nothing is so bitter that a calm mind cannot find comfort in it.” by Lucius Annaeus Seneca.

https://a-course-in-miracles.net/

Reply
zomenoferidov 19 مارس، 2022 - 4:36 ص

I reckon something genuinely special in this site.

http://www.zomenoferidov.com/

Reply
zorivare worilon 2 يوليو، 2022 - 4:23 م

so much good info on here, : D.

http://www.zorivareworilon.com/

Reply
ingatlanjogász Debrecen 20 يوليو، 2022 - 10:04 م

he blog was how do i say it… relevant, finally something that helped me. Thanks

https://dr-goz-peter-ugyved.business.site/

Reply
zmozero teriloren 23 نوفمبر، 2022 - 11:14 ص

Some really tremendous work on behalf of the owner of this internet site, utterly outstanding content material.

http:/www.zmozeroteriloren.com

Reply
zmozeroteriloren 29 نوفمبر، 2022 - 7:24 م

I absolutely love your blog and find many of your post’s to be what precisely I’m looking for. can you offer guest writers to write content for you? I wouldn’t mind writing a post or elaborating on a lot of the subjects you write concerning here. Again, awesome web log!

http:/www.zmozeroteriloren.com

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00