الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » عبد الرَّحمن بسيسو في أَقْنِعَة كُوْفِيدْ (VIII)

عبد الرَّحمن بسيسو في أَقْنِعَة كُوْفِيدْ (VIII)

by admin

(VIII)

بِلَا صَرْخَةِ مِيْلَادٍ، بِلَا شَهْقٍ، وبِلا زَفَيْرْ!

أَبْصَرَتْني أَجْنِحَةُ مُخَيِّلَتيَ الْمُحَلِّقَةُ عَلَى حَافَّةِ هَاتِهِ الشَّرْفَةِ الْمُسَيَّجَةِ بِالْهَلاكِ مَشْدُوهَاً كَظِلِّ ظِلٍّ مَكْرُوبٍ ذَاهِلٍ عَنْ نَفْسَهِ، فَزِعٍ وَمُرتَاعٍ، أَوْ كَشَبَحٍ رَمَادِيٍّ مُسَمَّرَ الْيَدَيْنِ مَشْبُوحَاً، مَشْدُودَ الْأطْرَافِ، مُمَدَّدَاً عَلَى أَرْضٍ شَوْكِيَّةٍ مُسَيَّجَةٍ بِظِلَالِ جُنُودٍ مُقَزَّمِيْ الظِّلَالِ إلِى حَدٍّ يُغَيِّبُ ظِلَالَهُم: جُنُودٍ بِلَا وُجُوهٍ؛ بِلا أَقْنِعَةٍ؛ بَلا كَمَائِمَ وَاقِيَةٍ وقَفَّافِيْزَ؛ بِلَا أَفْوَاهٍ ذَاتِ شِفَاهٍ وفُكَوكٍ وأَنْيابٍ وضُرُوسِ وأَلْسِنَةٍ وحَناجِرَ وحُلُوقٍ وأَسْنَانْ؛ بِلَا أَذْرُعٍ؛ بِلَا سِيْقَانٍ؛ بِلَا أَكْتَافٍ؛ بِلَا صُدوْرٍ، بِلَا أَضْلُعٍ، بِلَا عُيُونٍ، وبِلَا مَا قَدْ يَشِيِ بِوُجُودِ آثَارِ أَنْفُسٍ كَانَتْ حَيَّةً وذَاتَ أَنْفَاسٍ وأَشْواقْ، أَو بِظِلَالِ رُؤُوسٍ كَانَ ضَوْؤهَا يُنِيرُ أَجِسَاداً تُحَرِّكُهَا رُؤُوسٌ ذَاتُ قَرْعٍ وقَّادٍ، وطَنِيْنِ أَجِرَاسٍ، وَتَرَدُّداتِ رَنينْ!

***

أَبْصَرَتْني أَجْنِحَةُ مُخَيِّلَتيَ الْمُحَلِّقَةُ إذْ كُنْتُ ذَاهِلاً مَشْدُوْهَا عَلَى حَافَّةِ هَاتِهِ الشُّرَفَةِ الكَونِيَّةِ الصَّغِيرَةِ الْمَهَدَّدةِ بِسُقُوطٍ مُرِيْعِ فِي هُوَّة جَحِيمٍ؛ وَأبْصَرَتْني إِذْ كُنْتُ قَابِعَاً فِي دَهَالِيزِ عُزْلَتي مَأْخُوذَاً بِضيْقِ وِحْدَتِي وشَسَاعَة رُؤَايْ؛ وَأبْصَرَتْني إِذْ كُنْتُ أُحَفِّزُ نَفْسِي، وإِذْ كَانَتْ نَفْسُ نَاصِحِي وقَريْنِي تُحَفِّزني، عَلَى تَلْبِيَةِ نِدَاءَاتِ الأَصَابِعِ والْأَقْدامِ الصَّارِخَةِ بِأَنْوَالِ التَّبَاعُدِ والْعُزْلَةِ أَلَّا تَكُفَّ عَنْ نَسْجِ ثَوْبِ زِفَافِ حَيَاةٍ إِنْسَانِيَّةٍ حَيَّةٍ عَلَى وُجُودٍ إِنْسَانيٍّ خَلَّاقٍ سَيَصْعَدَانِ، سَوِيَّةْ، مِنْ قَاعِ كُلَ حَجْرٍ واحْتِجَازٍ، وَسَوِيَّةً سَيَأْتِيَانِ منْ وراءِ كُلِّ حَاجِزٍ، وسُوْرٍ، وسِيَاجْ!

***

وإِذْ أَبْصَرْتُ مُخَيَّلَتي تُبْصِرُنِي فِي كُلَّ تَحَوُّلَاتِي وتَبَدُّلَاتِ حَالَاتيِ وأَحْوَالي، وإِذْ أصْغَيْتُ لِصَوْتَيْنَا يَتَبَادَلانِ الْهَمسَ وَوُرودَ الرُّؤى والنِّداءَاتِ، أَبْصَرتُ “الدَّانُوبَ” مُمَدَّداً، بِلا نَأْمٍ، فِي قَاعِ نَفْسِهِ الْجَرِيْحَةِ الْمُمدَّدِةِ، سَاكِنَةً، مَكْسُورَةَ الْقَلْبِ والأَجْنِحَةِ، أَمَامِي:

Digital painting by nabil elbkaili

كانَ الدَّانُوَبُ الرَّمَادِيُّ، الْمُخْضَرُّ، المُزْرَقُّ، الْحَائِلُ اللَّوْنِ مَهْمَا تَلَوَّنَ،

كَانَ هَادِئَاً سَاكِنَاً، فِي كُلِّ ألْوَانِهِ وحَالاتِهِ وأَحْوَالهِ، أَمَامَ نَفْسِه، وأَمَامِيْ،

وكَأنِّي بِهِ قَدْ كَانَ مُمَدَّدَاً، فِي شُرْفَةِ مِعْزَلِهِ، يَتأَمَّلُ نَفْسَهُ، بِصَمْتٍ مُسْتَبْطِنٍ، ويَتَأَمَّلُنِي،

وكَأنِّي بِهِ كَانَ يُهَامِسُ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وعَنْ أَقْرَانِهِ، وعَنْ آخَرِيْهِ، وعَنْ أَسْوائِهِ، وَعَنِّي!

***

كَانَ “الدَّانُوبُ” الْحَبِيْسُ، مِثْلِي، مُمَدَّداً، بِلَا نَئِيْمٍ، أَمَامِي،

وَعَلَى يَسَارِيَ كَانَتِ الشَّمْسُ تَسْتَنُهِضُ قُوى ضَوْئِهَا لاسْتِكْمَالِ إِشَرَاقٍ عَسِيرْ،

وَكَانَ الْقَمَرُ عَلَى يَمِيْنِيَ يُقَاوِمُ قُوَىً شَرَعَتْ تَدْفَعُهُ، بِقَسْوَةٍ، صَوْبَ تَلَاشٍ، وغِيَابْ،

كَانَ الْقَمَرُ مُنْطَفِئَ الأَسْرِجَةِ، حَائِلَ اللَّونِ، كَامِدَ الْوَجْهِ بِلَا هَالَةٍ، وبِلَا وَمْضِ ضَوْءْ!

ومَا كَانَ وَجْهُهُ الْجَعِدُ إِلَّا مِرْآةَ نَهَارٍ مَنْهُوكٍ يُكَابِدُ عُسْرَ اكْتِمَالِ تَكَوُّنٍ فِي رَحِمِ شَمْسٍ أَسِيْرَةٍ؛

وكَأنِّي بِهِ لَا يُريدُ لِنَفْسِهِ انْبِثَاقَاً، فِي أَيِّ حَيْثٍ وَحِينٍ، بِلَا صَرْخَةِ مِيْلَادٍ، وبلَا شَهْقٍ، وبِلَا زَفَيْرٍ،

وبِلَا نَئيمٍ يُبَلْبِلُ هَدْأَةِ بَالِ آلَهَةِ إِحْيَاءِ الْمُوتِ فِي رَحْمِ حَيَاةٍ مَأْسُوْرةٍ فِي قَبْضَةِ وَحْشٍ بِلَا عُيُونْ!

***

تَوَارَى القَمَرُ الأبْيَضُ الْحَائلُ اللَّوْنِ، وآحْتُجَزَتِ الشَّمْسُ، وتَكَلَّسَ الْهَوَاءُ؛

وَأَمَامَ عَيْنَيَّ الْمَفْتُوحَتَيْنِ عَلَى وُسْعِهِمَا، وقَفَتْ سَحَابَةُ دُخَانٍ سَوْدَاءُ، وتَصَلَّبْتْ؛

ومِنْ أَعْلَى سَمَاءٍ مُحْتَجَزةٍ فِي قَبْضَاتِ “سَاسَةٍ فَاسِدِينَ”، و”عُدَمَاءِ خُلِقٍ ضَمِيْرِيٍّ ودِيْنْ”،

سَقَطَ عَلَى شُرْفَتي الْمًسَيَّجَةِ بُسْطَارَانِ مِنْ ذَوِيِّ الْمَخَارِزِ الْمَغْرُوزَةِ  فِي الْخَلْفِ عِنْدَ أَعَالِي الْكُعُوبْ،

وفَي مُوازاةِ عَيْنِيِّ رَأْسِيَ الْمَقُلُوبِ رَأْسَاً عَلَى عَقَبٍ، تَمَوْضَعَا مُتَأَهَّبِيْنِ لإتْمَامِ انْغِرَازٍ مُنْتَظَرٍ مِنْهُمَا،

ومَا كَانَ بِوسْعِ عَيْنَيَّ تَفَادِي هَذَا المُنْتَظَر وُقُوعُهُ في أَيِّ لَحْظَةٍ، فَلَاذَتَا، مِنْ فَوْرِهِمَا، بِالإِغْمَاضْ،

فَأَيْقَنْتُ أنْ لَا شَيءَ يُنْبِئُ بِإمْكَانِ تَخَلُّق فَجْرٍ حَقٍّ فِي رَحْمِ عَدَمٍ كِلْسِيٍّ حَالِكٍ وعَقِيمْ؛

وَأَنْ لا شَيءَ يُنْبئُ بِمِيْلَادِ فجْرٍ ذِي ضَوءٍ قَدْ يُزِيحُ، بِأيِّ حَالٍ، سَوَادَ هَذَا اللَّيْلِ السَّدِيْم؛ 

وأَنَّ مَا قُسِرَتْ عَلَيْهِ عَيْنَايَ مِنْ إِغْمَاضٍ لَنْ يَقِيَهُمَا شَرَّ انْغِرَازَ الْمِخْرَزَيْنْ فِي لُبِّ بُؤْبُؤَيْهِمَا؛ 

وأَنْ لَيْسَ لِمَا قَسَرَهُمَا أَنْ يُلْزِمَ، بالْخُنُوعِ، صَوْتَ عَقْلِي، وصَفْوَ مُخَيَّلَتِيْ، وبَسَالَةَ ضَمِيْرِيَ!

***

مَا مِنْ شَيءٍ يُنْبِئُ، الآنَ، بِمِيْلادِ فَجْرٍ صَادِقِ الْبُزوغِ يُنْبئُ بَمجَيئِ نَهَارٍ يَعْقُبُهُ نَهَارٌ آخَرْ؛

ومَا لِمثْلِ هَذَا الفَجْر أَنْ يَبْزَغَ في أيِّ مَدارٍ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ، أَو جَانبٍ، أَوْ اتِّجَاهٍ، أَو صَوْبْ؛

ومَا لَهُ أنْ يَتَبَدَّى عَلَى خَطِّ أُفُقٍ بَعِيدٍ تَراهُ عَيْنٌ مُبْصِرَةٌ، أَوْ لَا تُبْصِرهُ إِلَّا مُخَيِّلةٌ طَلِيْقةْ؛

وَلَيْسَ لِحُضُورهِ أَنْ يَتَجَلَّى فِي أَحْيَازِ أُرُوضٍ يَتَهَدَّدُهَا تَوحُّشٌ بَشَرِيٌّ بِإهْلاكٍ ونُضُوبٍ حَيَاةٍ؛

فَهَلْ لِفَجْرٍ بِلَا ضَوءٍ أَنْ يُنِيْرَ سَمَاءً جَثَمَ سَوادُهَا عَلَى صَدْرِ أرْضٍ لَمْ يَلِدْهَا إنْسَانٌ إنْسَانْ؟!

وَهَلْ لنَهَارٍ حَقٍّ أَنْ يُولَدَ بِلَا فَجْرٍ شَمْسِيٍّ يُنِيرُ الآفَاقَ مُنْبِئَاً الْأَكْوانَ بِصَرْخَةِ ميْلَادِ الإِنْسَانْ؟! 

وهَلْ لِفَجْرِ نَهَارٍ إنْسَانيٍّ يَتلَهَّفُ الْوجُودُ عَلَى بُزُوْغِهِ أَنْ يَبْزُغَ فِي غَيْبَةِ إِنْسَانٍ هُوَ الْإِنْسَانْ؟!

ثَمَّ مَا الَّذِي يَتَوَجَّبُ لنَهَارٍ وَفَجْرِهِ أَنْ يَتَوَافَرا عَلَيْهِ لِيَصْدُقَا، فَيَحْسُنَا فِي عَيْنِ عيْنِ الْوجُودْ؟!

وهَلْ لِلْبَيَاضِ الْمُعْتِمِ الْبَادِيَ أَمَامَ عّيْنَيَّ الْمَقْلُوبَتينِ الآنَ أَنْ يُحْسَبَ عَلَى بَدْءِ فَجْرٍ ذِي نَهَارْ؟!

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00