نبيل البقيلي من هاليفاكس : ثورة 17 تشرين فرصة جديدة للحياة

نبيل البقيلي / هاليفاكس

في مثل هذا اليوم ، قبل عام ، كنت اتابع اولى جلسات Chemotherapy and radiation therapy

القاعة كبيرة وانا العربي الوحيد الذي جاء حاملاً وجعه الخبيث .

وحيداً وانا لا اتقن التعامل مع المرض .
وحيداً بلا وطن ولا رفاق ، ودعتهم خلسة مع ساعات الفجر مغادراً كلص يحاول ان يخفي خيانته لعاصمة حملت طفولته وطموحاته واحلامه وثورته .

لم نملك الثورة حينها ، كنا نحلم بظل الثورة الفلسطينية رافعين الشعار المقدس فلسطين اولاً ..

تتدلى الامصال ذات الاكياس الداكنة ولا ادري كيف سأواجه الأمر لدى عودتي الى حيث اقيم .والرحلة طويلة كالمسافة بين هاليفاكس وبيروت ..

ساعات طويلة وانت تراقب النقاط تسقط في شرايينك الرئوية كقطرات الندى الطازج ، بينما الضجيج المقدس يعلو هناك ..

وحدي والرفيقة المترجمة الطبية ومجموعة من المرضى الذين يحاولون الحصول مثلي على فرصة جديدة للحياة..

ماذا يحدث يا يوسف.. هل ستنتصر الثورة التي خدعتني بتوقيتها ؟ …
أسأل من بعيد!

الحشود وهتافاتها في ساحة الحرية تتسلل الى يدي اليسرى وتخترق مسامي وتمتد الى رأسي وتسقط احياناً كدمعة لا تلبث ان تثير فضول احدى الممرضات:
هل انت تبكي.. هل تشعر بالألم ، بالخدر عليك ان تخبرنا؟
تلازمني الممرضة ..
مهمتها تنحصر في ملاحظة اي تقلب في ملامحي او مزاجي خوفاً من ردود فعل العلاج .
اسألها .. ما الأمر؟
لا تتحرك ولا تجب .. بل تبتسم بصمت ساحر.

ماذا يحدث يا زين هل ستنتصرون ؟

كانت بيروت تمر امامي بفجرها وليلها ونهارها وازقتها ..
كل شيء فيها يعبر في شرايني ويوقظ انسجة المناعة في روحي ..

كانت ساحات بيروت المنتفضة تقتحم الورم في صدري وتقف سداً بوجه انتشاره في كامل جسدي..

والثوار كفرسان الفجر يعبرون الخلايا الفاسدة في رئتاي المتفحمة ويبثون الهواء النقي الطاهر العذب كشعارتهم المحقة ، كوجوههم المكللة بالطفولة ، كصراخ الصبايا الثائرات الجميلات ، الملثمات بالقبضة النبيلة .

في مثل هذا اليوم ولد وطني ومعه حظيت بفرصة جديدة للحياة .

بين هاليفاكس وبيروت ولدت مسافة جديدة من الحياة ..

هناك تجدد الثورة عطاءها وهنا يتجدد نبض الشرايين ليذكرني بأن الثورة لم تكن هلوسات ، او مجرد تهيؤات آتية من سخونة وجلافة مرض خبيت. ..
هي الثورة الواعدة التي انتظرناها طويلاً تعود إلى أهلها بعد أن تعرض لها فيروس خبيث يطلقون عليه كوفيد ٩ ، تمكن من العالم كله وارجأ مسارها زمن ..

هاهي الساحات المستعادة من شيوخ وامراء الطوائف عباقرة عصر الفساد ..
ها هي الثورة تنجو وترفع قبضتها مجددا من ميناء مدمر ومدينة فقدت جزء من ذاكرتها وامكنة فرحها وتعطينا فرصة جديدة للحياة

ها هي الثورة تصدر بيانها الجديد : لبنان لن يموت !