الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » جهاد الزين: رسالة إلى القيادة الإيرانية عبر سفارتكم حصراً: ماذا تفعلون في لبنان؟

جهاد الزين: رسالة إلى القيادة الإيرانية عبر سفارتكم حصراً: ماذا تفعلون في لبنان؟

by admin

النهار / جهاد الزين

اخترعت المخيلة اليونانية تراجيديا قتل الإبن لأبيه. قتل أوديب لأبيه. لكن المخيلة التاريخية الفارسية اخترعت تراجيديا قتل الأب(رستم) لابنه (سوهراب).

أحاول أن أتأمل إلى أي تراجيديا تنتمي رمزياً التراجيديا اللبنانية اليوم؟

أين تقع هذه التراجيديااللبنانية الجارية بين تلك الأسطورتين العقدتين. لن يقتل لبنان “أباه” الفرنسي الذي أنجبه قبل مائة عام وعاد إليه لينقذه في عمر المائة لأن الإبن بات يرغب في علاقة سوية بل وصائية مع الأب الفرنسي، وهو الأب المتوفِّر !، لكن الأرجح أننا سنكون أقرب إلى التراجيديا الفارسية عندما سيقتل (النظام الديني) الإيراني “ابنه” الذي يدّعيه نَسَباً أو يرغمه بأشكال “رضائية” مختلفة على الانتساب إليه (الشيعة اللبنانيون)… سيقتله في الإصرار على قيادة هؤلاء الشيعة في مغامرة سياسية عسكرية تودي بهم إلى نوع من الانتحار الأكيد أمام الأفق المسدود المحلي الإقليمي الدولي الذي تأخذهم إليه وتأخذ معهم بقية اللبنانيين؟ سؤال الرئيس الفرنسي هو، وليس بالصدفة، سؤال الكثيرين من اللبنانيين والكثيرين من داخل الطائفة الشيعية منذ فترة طويلة: إلى أين تأخذون الشيعة؟ وهو، أي الرئيس الفرنسي، كان صارما مع كل فساد الطبقة السياسية كما كشف أيضا تجاوزات الطبقة المصرفية وتهريبها الأموال خارج لبنان.

لا يمكن استمرار التوتير والضغط على اللبنانيين ( واللبنانيين الشيعة ضمنهم) إلى ما لانهاية.

بعيدا عن الأيديولوجيا والخطاب التعبوي بلغ السيلُ الزبى في رهن لبنان ضمن سياسة الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية وجزء كبير من العرب وإسرائيل. والآن تُضمّ فرنسا إلى مسلسل غامض من استهدافات الضغط التي يشكّل اللبنانيون مادتها والشيعة منهم حصانها السهل.

انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر جزءا كبيرا من العاصمة بيروت ولاسيما في شرقها ووسطها المطلَّيْن مباشرة على المرفأ في 4 آب، هو نقطة تحوّل في مدى ما يستطيع لبنان أن يتحمّل من نتائج هذا الرهن الإيراني لحاضره وبالتالي لمستقبله. إنها نقطة تحوّل يجب أن تكون في الدرجة الأولى أخلاقية بالنسبة للقيادة في طهران وهي تدير سياستها “اللبنانية” على مسافة ألف وخمسمائة كيلومتر تفصلها عن بيروت وباتت في الواقع طريقاً من ألف وخمسمائة كيلومتر من الحروب الأهلية والفلتان والجيوش الغازية والقبائل والطوائف المتذاهلة الرعب والمتناهبة النفط والغاز والدول المنهارة.

ليس لديّ ما يحمّل طهران مسؤولية الانفجار المباشرة، لديّ مثل الكثيرين غيري شكوك في كون تخزين هذه المادة المنفجرة كل هذه السنين له صلة ما بشبكة الخروج على القانون التي أصبحت الدولة اللبنانية تحت أسرها، وفيها من هم زبائن لإيران وفيها من هم أخصام لكم أيضا. مع العلم أن الشكوك الأهم تدور حول التخزين لاالتفجير، الأدق القول التخزين الذي سمح بالتفجير أياً يكن المفجِّر فاسدا أو عدوا أو غبياً.

المسألة المطروحة على القيادة الإيرانية هنا هي ضرورة أخذ مبادرة جادة للتخفيف على اللبنانيين، والشيعة من ضمنهم، من عبء حضور إيران السياسي والأمني والتعبوي والعسكري والمالي، هذا الحضور الذي تخطّى منذ زمن طويل كونه أحد عناصر تنوع لبنان ليصبح تنظيما ورموزا ومشروعا ما يمكن اعتباره، ولا أبالغ، خروجا أكيدًا عن النسيج اللبناني الذي هو رغم هشاشاته نسيج حقيقي بمحصلات سوسيولوجية وسياسية ونمطية.

لسان حال أي مخاطبة لصانعي السياسة الإيرانية أنهم يجب أن يُصدّقوا ويصْدقوا هذا النوع من الكلام. هذا ليس كلام ضعف لأن اللبنانيين بمختلف مناطقهم وطوائفهم ودياسبوراهم بما تعنيه من مهاجرهم القديمة والجديدة، والشيعة اللبنانيون من ضمنهم من النجف إلى واشنطن، لديهم طاقات فردية وجماعية على استيعاب مخاطر القسر أكان تغييرا داخليا أو إحلالاً داخليا أو احتلالا خارجيا. الإيرانيون في مزيج حضورهم الأمني الثقافي الذي نقل إلينا خبرات إرث هضبة آسيا الوسطى في التنظيم السري وكفاءاته يمثًّلون اليوم نوعاً من الإحلال الذي لا يزال يجعل من الذراع الأهم لديهم في لبنان تنظيما سريا بالمعنى الكامل للسرية حتى لو كان يقوم بمهمات علنية، إلا أن الفلسفة الإيرانية للعلنية تعتبر هذه العلنية حقلا من الغموض الذي تتداخل فيه تقاليد عريقة ومتنوعة في القِدَم.

النسيج اللبناني الهجراوي المركنتيلي الجبلي المطل على البحر المتوسطي والسهلي العربي المفتوح على مرافئ صحراوية ، والشيعة من ضمنه، والمبني على شبكة من المؤثِّرات الثقافية التي لم تعد تدور على نفسها منذ وضَعَنا الفرنسيون ونخبة تعليمية اقتصادية من المسيحيين الشرقيين في بوتقة اندماج صراعي، هذا التركيب حتى وقد وجدت السياسة الإيرانية مظاهر قاعدة اجتماعية واسعة داخله، هي مظاهر مقبوضٌ عليها ويجري تجديدها يوميا لأنها خارج النسيج الطبيعي للأشياء والاجتماع المتوسطي. كل أنهارنا تصب في بحار قريبة مجاورة، النهر الإيراني ومياهه الجوفية يصبّان في بحار بعيدة وراء الصحارى.

المفارقة التي تحجبها معادلات علاقات الدول وجيوبوليتيك المنطقة أننا بهذا النوع من الحساسية اللبنانية، الديموقراطية بالنتيجة، أصبحنا جزءا من حركة الاعتراض على النظام الأيديولوجي الرجالْ ديني الإيراني داخل إيران وهو الذي فرّغ شحنات إيران المعاصرة واليوم يعاني في العمق جفافاً في مياهه الجوفية التي تملّحت في أفواه وعقول ملايين الشباب والشابات الإيرانيين كما يكاد ينضب نهر زاينده رود في أصفهان ويهدد معنى وجمال وفائدة جسوره المميزة.

علًمتنا تجربة الاتحاد السوفياتي أنه لا يمكن لنظام سياسي مهما اتسع نفوذه أن يعيش ويستمر وهو يخاف من إضراب هنا أو هناك أو تظاهرة هنا أو هناك. هذه هي قوة الغرب التي تجعله قادرا على المرونة والتكيف مع الاعتراض بصفة هذا الاعتراض تعبيرا تكوينيّاً يوميا عن حركة الحياة السياسية والاجتماعية. مظلومية الفلسطينيين التي تعرضوا لها من إسرائيل ولا زالوا لا تلغي ولا يجب أن تلغي حقيقة اعترافِنا بِ وفهْمِنا لقوة الغرب الهائلة بصفتها قوة تفوّقِه الحضاري الذي يجعل الشارع الاعتراضي من هونغ كونغ وبيكين إلى طهران وعبادان إلى موسكو وبطرسبرغ حليفا تلقائيا للغرب.

تضعكم النخب الليبرالية اللبنانية المتعددة الطوائف في خانة السلطات الخائفة من شوارعها لأن الواقع هو كذلك. أداتكم التنظيمية الأولى في لبنان، ومادتها الخام لبنانية عربية، وخبراتها وثقافتها ونجاحاتها الأمنية والسياسية إيرانية، هذه الأداة كانت صامتة بمعنى غير متعاطفة مع الحركة الإصلاحية الشعبية التي شهدتها إيران عام 2009 وبالتالي متواطئة ضدها، ستجد نفسها مع وصول “الربيعين” الإيراني والعربي إلى لبنان في 17 تشرين 2019 في موقف مضاد في العمق للثورة الشبابية البادئة يومها بل أكثر من ذلك في خط الدفاع الأول عن المنظومة السياسية الحزبية المسيحية والمسلمة، الطائفية والميليشياوية، التي استنفدت طاقات وموارد الدولة اللبنانية ونَهَبَتْها وأوصَلَتْها إلى الإفلاس.

هكذا نشأت مفارقة أخرى مذهلة هي كون أداتكم التنظيمية باتت جزءا من النسيج السلطوي البشع بل باتت حاميةً له فيما هي تغرِّد ثقافيا وأمنيًا وسياسيا خارج النسيج الاجتماعي اللبناني. هذه المفارقة هي جزء من التباسات التاريخ وأوجهه غير المنبسطة والمعقّدة. والدهاء الإيراني قادر ليس فقط على فهم التعقيدات ولكن أيضا على إنتاجها فيما أنتم كنظام سياسي رجالْ ديني عشتم وتطمحون إلى تكرار تجربة التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية من حيث أنكم وأنتم تسعون من خلال هذا التفاهم إلى رفع العزلة الاقتصادية الخانقة عنكم وتكريس بعض مكاسبكم الجيوسياسيّة، تَسْعون أيضا إلى إرضاء أكثرية شبابية مدينية إيرانية تريد أكثر من الهدنة مع الغرب، تريد التفاهم معه لأنها موالية له ثقافيا وأنتم تدركون ذلك. أنا أظن ولا أزال أن الاتفاق النووي الإيراني كان يعني بصورة ما قبول نظامكم بالخروج من الصراع مع إسرائيل مقابل مكاسب الإفراج الاقتصادي عنكم وقبول بعض امتداداتكم الإقليمية الأساسية أو التي تعتبرونها أساسية. دمّر دونالد ترامب كل شيء وربما أنقذكم كنظام وليس كبلد!! بينما نحن في لبنان مهددون ومستضعفون بالمعنى الكامل للكلمة، خارجيا من صراع مصالح عملاقة تدوسنا، وداخلياً من طبقة سياسية فاسدة وقوية.

هذه معضلة نظامكم. نحن معضلتنا معكم، كلبنانيين، أنكم فضلاً عن المغامرات العسكرية الخطرة والتدميرية التي تُدخلوننا بها رغم كوننا بلدا صغيرا فإنكم تساهمون في تبطيئ (إبطاء) التحاقنا بركب التقدم التاريخي وتفرضون علينا نمطاً من الانحياز الذي يمنع مساهمتنا السلمية الأصيلة والخلاقة والضرورية في دعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني الشقيق.

أخاطب هنا ما أظن أنه الدهاء الإيراني لا خطابكم الأيديولوجي.

للشاعر الإيراني العظيم حافظ غزلية تقول: “من أجل قبلةٍ من شفتيكِ أنا مستعدٌ للتضحية بخراج مصر”. وقد دقق مصدرَها برجاء مني قبل سنوات المرحوم الدكتور فيكتور الكك عالم اللغة الفارسية الماروني اللبناني المعروف.

نعرف أنكم غير مستعدين للتضحية بخراج لبنان قبل القبلة الأميركية.. لكن هل يمكن تخفيف هذه الضريبة وقد بات هناك من الناحية السياسية خياران يمكن فصلهما: خيار سلاح حزب الله وخيار امتداد هذا السلاح إلى النزاعات العربية. ما صار يسمّى الانسحاب من سوريا واليمن. والكثيرون يعرفون أن هذه الفتوى الأخيرة – الفصل بين السلاح بذاته ووظيفته – هي موضع وستكون موضعَ مقايضات خبيثة ومضنية لاحدود لها وأرجو أن لا تكون لا طائل منها.

أخيرا سأختم برباعية لعمر الخيام من ترجمة الشاعر الصافي النجفي، وهي على الأرجح الترجمة الأفضل للرباعيات إلى اللغة العربية(ربما تفوقُها يعود إلى أن النجفي كان الأكثر إتقانا للغة الفارسية بين كل مترجميها إلى العربية ولشاعريته المميّزة أيضا).

الرباعية هي التالية:

لو كان لي كالله في فلكٍ يدٌ

لم أُبْقِ للأفلاك من آثارِ

وخلقتُ أفلاكاً تدور مكانها

وتسير حسب مشيئة الأحرارِ

 

 

You may also like

3 comments

Chante 30 سبتمبر، 2020 - 7:54 ص

Please let me know if you’re looking for a article author for your
site. You have some really good articles and I feel
I would be a good asset. If you ever want to take some of the load off, I’d absolutely love to write some material for your blog
in exchange for a link back to mine. Please send me
an e-mail if interested. Kudos!

Also visit my web site mobile legends diamond hack apk

Reply
Pilar 30 سبتمبر، 2020 - 2:29 م

You actually make it seem so easy with your presentation but I find
this topic to be actually something that I think I would never understand.
It seems too complex and very broad for me. I am looking forward for your next post, I will try
to get the hang of it!

Feel free to visit my blog post – mobile legends hack download

Reply
Samira 30 سبتمبر، 2020 - 6:08 م

Hi there, I check your new stuff on a regular
basis. Your story-telling style is witty, keep it up!

Visit my blog post mobile legends hack download

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00