ثقافة و فنونعربي وائل حلاق ناقداً لـ إدوارد سعيد في قصور الاستشراق by admin 1 أغسطس، 2020 written by admin 1 أغسطس، 2020 88 موقع كوة / التاه محمد حرمه منذ صدور سفره المهم الاستشراق واجه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد عدة انتقادات، لعل من ابرزها نقد المفكر الماركسي الهندي،إعجاز أحمد، وآخر هذه النقودات، نقد البروفيسور، وائل حلاق في كتابه قصور الاستشراق: منهج في نقد العلم الحداثي. إن كتاب الاستشراق لسعيد هو نقطة انطلاق حلاق، إذ يحاول الاستفادة من الانتقادات الموجهة له، ثم يوسع دائرة بحثه حوله، مضيفاً أبعاداً تاريخية وفلسفية، ومنتهياً بإلغاء سرديته وأسانيدها السياسية التقليدية. يزعم حلاق أن قراءة سعيد للاستشراق لاتعدو كونها سياسية وهو أحد الأسباب التي تجعله يجد مشروع سعيد قاصراً وغير مُرضٍ . فالاستشراق ليس مجرد مشروع سياسي كما أعتقد سعيد. وعلى الرغم من نقده المتواصل والحاد الذي وجهه هو لسعيد فإنه يسجل امتنانه له ولسيرته الباقية. ويعترف بتأثيره عليه ويشك في إمكانية تحقق كتابه هذا لولا إسهامات إدوارد سعيد. كما يعتبر أن أي نقد سياسي صحيح للاستشراق لابد أن يبدأ بالأسس التي خلقت تصوراً معيناً للطبيعة والليبرالية والرأسمالية والإنسانية، إذ يرى أن نقد سعيد ظل سياسياً بالمعنى التقليدي و السطحي الذي لم يسائل أياً من الأنماط الفكر والحركة الأساسية والمؤسسة التي خلقت مشكلة الاستشراق، فضلاً عن أمور كثيرة ظلت مهملة. في معرض نقده يوضح أهم الأسباب الذي أدت إلى فشل سعيد (ومعه حقل الخطاب الواسع الذي أنتجته كتاباته) في إجراء بحثٍ أعمق كان سيصطدم حتماً مع موافقه ليبرالي، أو حتى إنسانوي علماني. ويسرد أهم الأسباب التي استند عليها هذا النقد، ويذكر منها افتقاد الكتاب بشدة للمنهج التاريخي نظراً لكون سعيد ناقداً أدبياً بلاخبرة تأريخية. اعتراض صحيح على سعيد الذي يفتقد لحس تاريخي. في استهلال الفصل الأول ينتقد حلاق ربط سعيد بداية الاستشراق باليونان القديمة. وتعميمه الجغرافي والزمني الجارف، ونظرته الخاطئة في مايخص الروائي اليوناني إيسخيليوس ودانتي. كما يبرهن في هذا الفصل على أن سعيد أساء فهم فوكو، ويزعم أن فهم سعيد للمؤلف كان سبب أكثر المشكلات التي أحاطت بكتاب الاستشراق أو حتى كلها. وبسبب نقاط القصور هذه، ظل فهم سعيد لما يعنيه التشكل الخطابي يكدح على سطح القضية فقط من دون الغوص في أعماقها. مثلما يأخذ حلاق على سعيد عدم اكتراثه بالاستشراق الذي ركز على الشريعة الإسلامية. في الفصل الثالث يتسائل حلاق عن إِفْراد سعيد لمستشرقين اثنين فقط، وهما جبْ وماسينيون اللذان اتصفا بالحساسية في تناول موضوع دراستهما الأكاديمية- أي الشرقين المسلمين-ولكن كان الحكم النهائي عليها سلبياً. وفي هذه الحالة لن يكون من المستغرب إذاً في ضوء الاتهام الجاهز بالاستشراق لكل من يكتب أي شيء عن الشرق – أنه حتى الكتابة «عن مجد [الشرق] الحضاري» تصبح مجرد تعبير عن افتتان ناتج عن اختزال الشرق في صورة الشيء الغريب والخرافي. يظهر التسييس في كل هذا في حقيقة أن سعيداً واتباعه لم يحددوا الشروط اللازمة للحكم القائم على دليل أو للتمييز بين مستشرق ينتمي إلى نطاق نموذجي معين وآخر لاينتمي إليه. ويرى حلاق أن سعيد يوسَّع من تعريفه لـ«الاختلاف» ليشمل صفات إيجابية أعلوها – صراحة -على الحالة الأوروبية. غير أن سعيداً، كما (رأى حلاق) رأى في هذا الموقف وصفاً للشرق باعتباره غريباً وأسطورياً، مايجعلها سمة سلبياً في نهاية المطاف. ولكي نفسر هذا نرى أن الإنسانوية العلمانية والقيم الديمقراطية والنموذج الثقافي العام للغرب -وهي كلها أمور أعجب بها سعيد بصورة علنية- حاضرة بشدة في تفكير سعيد لدرجة أن أي زعم بتميز الشرق لايمكن بالنسبة إليه أن يتضمن عدم النظر إلى الغرب بوصفه مقياساً ومعياراً. اتخذ سعيد إذاً الحداثة الغربية معياراً؛ ففي الوقت الذي أدان فيه الاستشراق، مجَّد الحداثة الغربية وإنجازاتها باعتبارها المعيار الحصري. إذ يرى حلاق أن سعيد مُحابٍ للغرب حتى في ذوقه الأدبي والموسيقي، لقد كان الأدب الذي قدره سعيد أجل التقدير هو أعمال جوزيف وروديارد كيبلينغ، وليس أعمال مواطنيه كغسان كنفاني أو «الشرقي» الآخر عبد الرحمن منيف. كما أن الموسيقى التي استولت تماماً على سعيد وعزفها بنفسه كانت موسيقى باخ وبيتهوفن، وليست موسيقى محمد عبد الوهاب أو الرياض السنباطي أو سيد الدرويش. وفي تقديمه للمستشرق الفرنسي رينيه غينون يلاحظ حلاق أن غينون لايظهر في كتاب الاستشراق لسعيد ولو حتى بإشارة سريعة، وذلك على الرغم من أنه – بوصفه مستشرقاً كلاسيكياً- يؤشْكل هو وكتاباته مفهوم الاستشراق بالطريقة التى أدى بها إلى نشأة شكل من الهدمية التي تجاوزت حياة المؤلف نفسه. ويعقد المؤلف مقارنة بين غينون وسعيد ويوضح الفرق بين النقطة التي بدأ بها غينون وسعيد بحثيهما. فعلى رغم من أن غينون كتب قبل سعيد بما يقرب نصف قرن إلا أنه يبدأ حيث انتهى سعيد. حيث يرى حلاق أن سعيد لم يصل حتى إلى فهم غينون المحدود عن تورط الاستشراق «الحميد» في «الاعتبارات السياسية». كما لايقترب سعيد من نمط التفكير الذي وضعه غينون، مايجعله من الواضح أن وظيفة الاستشراق في «الحضارة الغربية» جدلية بصورة أساسية، وهي الجدلية التي تقع في بنى الاستشراق العميقة وبنى أوروبا بوصفها مشروعاً حديثاً بكل مايتضمنه من مادية وعلم وفلسفة كونية وما إلى ذلك. كما يؤكد أن طرح سعيد يفتقر إلى هذه الجدلية، حتى عندما يربط سعيد الاستشراق بتشكلات القوة الكولونيالية والسياسية والاقتصادية. فطرح سعيد أحادي الاتجاه، إذ يبدأ من الكولونيالية ليتجه إلى المستشرقين الذين ينخرطون في تزييف الصور. وحتى حين يظهر في طرحه بعض آثار العلاقة تبادلية، فإنها تظل غامضة غموض تحليله لـ«القوى الثقافية» التي يعمل فيها الاستشراق؛ فلايخبرنا سعيد بموقع الاستشراق في الحداثة ككل، وفي الأكاديميا والليبرالية والرأسمالية والممارسات الكولونيالية على الأرض، وفي إعادة تشكيل الذات الخاضعة للكولونيالية، وكذلك في مفهوم السيادية القانوني -السياسي وممارسته، وفي الإبادة، وفي غيرها من أمور أخرى كثيرة، كما لانجد تحليلاً لسبب وجود الاستشراق في المقام الأول إذ يتم تناوله كظاهرة مُسلم بوجودها، تماماً كما هي الحال مع الليبرالية والرأسمالية والإنسانوية العلمانية والأنثروبولوجية والعلم وعلم الاقتصاد والقانون. وهكذا لايتجاوز مشروع غينون التحليلي نقد سعيد في قدرته التحليلية للمعرفة الاستشراقية والغربية وأصولها فحسب، بل إنه يفتح آفاقاً للمستقبل تتسق مع عمق تشخيصه. يستنتج حلاق أن الأزمة -بالنسبة لسعيد- كانت سياسية بطبيعتها في المقام الأول، وترتبط بسقوط الإمبراطوريات ( البريطانية والفرنسية والهولندية) التي كانت وحيدة -على الأرجح- في التفكير في سقوطها بوصفه أزمة. ويضيف: لم يفكر سعيد قط في أن كل هذه المشكلات تنبع من المصدر نفسه، أي بنى الحداثة المعرفية العميقة التي منحته إنسانويتَه العلمانية وقيمه الليبرالية. أما غينون المستشرق، فقد استطاع -من خلال الحفر بعمق في ظاهرة الحداثة بمجملها- ليس فقط توجيه نقد قوي لها، بل وصياغة حلول في قوة وعمق القوى التي جعلت «شذوذ» الحداثة ممكناً. ويتوصل حلاق إلى أن سعيد وغينون يمثلان الصنفين آخرين من المؤلفين، ألا وهما «المؤلف المعارض» و«المؤلف الهدام». يمثل سعيد في سياقنا هنا النوع الأول بينما يمثل غينون النوع الثاني. ويفرد الكاتب جزء من الفصل الرابع قبل الأخير من كتابه للحديث عن ثنائيات الحديث والتقليدي أو«الحضارة القديمة» والحداثة. فهذه الثنائيات حين تظهر في أي نص -تبدو مصدر إزعاج شديد لسعيد؛ ففئات مثل«الدين» و«التراث» و«التصوف» و«القديم» ليست قابلة لدراسة التحليلية بسهولة، ولايمكن حتى اعتبارها موضوعات لدراسة الجادة. وينقل حلاق هنا كلام عن الناقد وليام ميتشل إذ يقول بحسرة يعرف سعيد الدين«في ضوء أفكار نمطية اختزالية» بوصفه «متزمتاً ومتعصباً ومفتقداً للعقلانية والتسامح ومهووساً بالخرافة والتعتيم وبفكرة غياب قدرة الإنسان في وجود خطة إلهية (أو شيطانية) لايمكن سبر أغوارها». وعلى خلاف شيلر وفيكو(الذي يرى حلاق أن سعيد أعجب به كثيراً) وغيرهما ممن اعترفوا بقدرة الدين على فهم العالم مثل العقيدة العلمانية الإنسانوية تماماً، ينبذ سعيد التراث والدين بصورة تامة تنسخ عملياً التحيزات نفسها التي ينتقدها سعيد نفسه في كتاب الاستشراق. يعرج المؤلف في هذا الفصل ليناقش هنا بإسهاب مفهوم الإبادة ويدعم الرأي القائل بأن الإبادة الجماعية والمعرفة التي تمكن لها داخل بنية فكرية مصوغة بالكامل من سيادة معرفية وذلك على خلاف من يركز في الدوافع المادية والاقتصادية للاستعمار ونزعاته الإبادية الأصلية. هنا يشير حلاق على أن حقل الاستشراق الإسرائيلي -المِزْرحَنوت- قد رتبط بنيوياً ومازال باستخبارات الدولة وجهازها العسكري، جيش الدفاع الإسرائيلي. وكما هي الحال في أقسام أخرى من الأكاديميا، يُعد المـِزْرَحَنوت امتداداً للاستشراق الغربي ومساهم فيه. كانت أهم مجموعة في هؤلاء الشرقين هم «العرب» وقد تم تصويرهم دائماً على أنهم مستكينون ومنبطحون وبلداء وغير عقلانيين، وهي كلها سمات معادية للحداثة ولأفكار عصر التنوير، مايجعل العرب قابلين للكولونيالية بطبيعتهم. فمثلما هي حال اليهودي الأوروبي، يعد الفلسطيني العربي «عربياً قذراً» بالتعبير الإسرائيلي السائد والمقزز. ويعد التعليم في المِزْرَحَنوت وسيلة مضمونة للترقية السريعة في الجيش، ومسوغاً أساساً من مسوغات الانضمام إلى وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد). كما أن التيار بين المِزْرَحَنوت ليس أحادي الاتجاه، بل هو جدلي؛ فليس من غير المعتاد أن يعمل ضابطُ في الجيش كأستاذ جامعي في الوقت نفسه، بل وقد يظهر هذا الضابط في قاعة المحاضرات بزيه العسكري الكامل في دلالة واضحة على الطبيعة العسكرية للأكاديميا. ويخلص حلاق إلى القول أن سعيد لو بدأ بهذه العلامة الدلالية – الواقعة في الجامعة، والمتجذرة في تشكلات خطابية راسخة وفي نظم قوة تنبع من فهم للعالم بوصفه مادة يمكن الاستغناء عنها وتطويعها حسب الرغبة البحتة- لبدأ مشروعه في مكان آخر، ولأنهاه بتحليل للمشروع الحديث بوصفه سيادة إبادية، أو سيادة معرفية في المقام الأول، ولأدرك كذلك أن سوء التمثيل وتزييف الصور ليس إلا أداة من مجموعة أدوات توظفها الحداثة الإبادية. في الفصل الخامس والأخير يبين حلاق أن تحويل الاستشراق بوصفه نموذجاً أولياً من المعرفة الأكاديمية المتخصصة إلى مجال للبحث المتسم بالإنسانية جائز الحدوث، ولكن بعد أن ينفض عن نفسه نزعات الإنسانوية العلمانية والتمركزية الإنسانية والقدرة الكولونيالية والمعرفة السيادية. كما لايقترح حلاق توجها مؤسسياً، بل توجهاً يبدأ من إعادة التكوين الأخلاقي للفرد الذي يكون المؤسسي. كما يؤكد في ذلك على استحالة أي عمليات لتكوين الذات الأخلاقية من داخل إطار الليبرالية. وفي طرحه لإعادة صوغ الاستشراق وصوغ الفرد، ينبه حلاق أن على الاستشراق أن يعيد النظر في اهتماماته بحيث يضع المفعول مكان الفاعل وهو مايعيد بمثابة فيلولوجيا جديدة تتمركز حول مايمكن أن نطلق عليه «التاريخانية التوجيهية». هنا ينتهي التعامل مع المنظومات التراثية الشرقية بوصفها مستودعاً للفكر الذي يمكن له أن يوجهنا في إعادة تصميم الذات الاستشراقية. تعتبر هذه طريقة أخرى للتصريح بأن عمل الاستشراق الفيلولوجي سيمثل الوسيلة البناءة التي يمكن من خلالها للذات السيادية – أي الإنسان الحديث – البدء في مشروع الحفاظ على الروح أثناء عملية تأسيس تقنية جديدة للنفس توفر نموذجاً تسير على نهجه سائر الجماعة الاستشراقية. لن تكون هذه العملية إذاً عن الشرق أي عن فهمه «حتى يتسنى لنا تعامل معه» بل ستمثل عملية متمركزة أخلاقياً لما أطلق عليه فوكو«الاهتمام بالنفس» واستعادة ماقد«بهت وخفت». كما يؤكد حلاق أن ليس ثمة سببُ لبقاء الاستشراق اليوم إلا إذا خدم هذا الهدف. وفور تحقّق هذا الهدف، فإن الباقي – بما في ذلك الكتابة التاريخية الإنسانية والطريقة الفيلولوجية التعاطفية وغيرها من أمور تتطلب المنظومة العلمية – يتحقق بدوره وبصورة تلقائية. ختاماً، أرى أن حلاق بالغ في نقده لسعيد، وحاول تحرر بطريقة مستفزة من شبح سعيد، ليصل الأمر به إلى مفارقة مفادها أن سعيد نفسه كان مستشرقاً. كما يغفل حلاق عن إسهام سعيد ودفاعه عن القضية الفلسطينية. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أخيرا.. قنص أول “دبور قاتل” وخطة ذكية لتدمير مستعمراته next post ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ؟ You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.