ثقافة و فنونعربي عن عزلة الفلسطينيّ في زمن الكورونا by admin 25 مارس، 2020 written by admin 25 مارس، 2020 133 عرب 48 / خاصّ فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة / أحلام بشارات منذ اليوم الثاني لمنع التجوال، بدأت أفكّر في لحظة الخروج من البيت إلى الشارع، ما شكل هذه اللحظة؟ لم أفكّر في لحظتي الشخصيّة، بل في لحظة العالم، صورة الناس كلّهم في لحظة واحدة، وهم يفتحون أبواب بيوتهم ويخرجون إلى شوارع مدنهم. يخرج المُحتجَزون في الأفلام مسرعين؛ خوفًا من أن تغيّر العزلة رأيها فتشفطهم إلى داخلها، وقد يخرجون ببطء، لرغبتهم في استنفاد الشعور بالنجاة والتلذّذ بها، وليقينهم بأنّهم قد نجوا فعلًا، يطمئنّون فيسيرون ببطء، لكن في الحالتين يتلقّاهم المنتظرون بالشوق؛ فيحضنون بعضهم بعضًا، ويرتمي الحمل الثقيل على الحمل الصلب، وغالبًا في الأفلام لا أحد يبكي! ربّما يكون زمن الحجز وأهواله، حتّى لو كان مجرّد ساعات، كافيًا لأن يجمّد دموع الطرفين، مَنْ في الداخل ومَنْ في الخارج، فالحجز لا يكتسب معناه من الحائط، والمُحاصَر لا تتحدّد هويّته حسب الاتجاه، قد يُسجَن مَنْ في الخارج بانتظار مَنْ في الداخل مثله أو أكثر منه؛ فيصبح فعل الانتظار في حدّ ذاته ككلمة، مكانًا ثالثًا للعزل، لكنّ الحاجة إلى السقوط في الآخرين لا تتبدّد أبدًا، طالت المدّة أو قلّت، ومهما كان نوع الغياب، ولأيّ سببٍ كان، وبغضّ النظر عن سنّ السجين أو جنسه، طفلًا كان أو شابًّا، رجلًا أو امرأة، وبغضّ النظر عن مكانه، في سجن مجدّو أو في سجن النقب، في ولاية لومباردا في إيطاليا أو في محافظة جيلان في إيران؛ تظلّ المسافة والحائط ومسبّب العزلة ثلاثتهم الأساس لهذه العزلة، وتبديد الثلاثة هو الطريق الوحيد لتبديدها. لم يأكل فعل الاعتياد الفلسطينيّين، وهم الّذين بدوا كأنّهم اعتادوا هذا النوع من اللقاء المتكرّر للسجين مع أهله السجناء، من العزلة الأضيق إلى العزلة الأوسع، لكنّ الحقيقة أنّ هذا اللقاء لم يفقد دهشته؛ لذلك بقينا نعيش هذه الدهشة كلّ مرّة مع لقاء كلّ أسير بأهله ومنتظريه، كأنّ اللقاء يحدث للمرّة الأولى، مع خروج كلّ أسير يفتح له السجّان باب السجن ليخرج؛ فنستقبل جميعًا الشارع كأنّنا نحن كلّنا تَحرّرنا في هذه اللحظة لأوّل مرّة معه! رغم أنّنا جرّبنا أنواعًا مختلفة من هذا العزل، وبأطوال مختلفة، أيّامًا وشهورًا وسنوات، خارج فلسطين وداخل فلسطين، وفي فلسطين بأجزائها المقطَّعة والموصولة، في المدينة الواحدة، وبين القرية والمدينة، عزلًا من النوع المتقطّع ومن النوع المتكرّر، وعزلًا مفاجِئًا، وعزلًا حتميًّا، ومنه الّذي ينتظر، ومنه الهارب، ومنه ما سيحدث لأنّ سبب الذهاب إليه ما زال يتكوّن، ومنه الّذي لن ينتهي ولن يزول إلّا بزوال الاحتلال السبب الأساسيّ للعزلة! جرّبنا كلّ تلك الأنواع أو جُرِّبت علينا؛ فبدونا ككائنات اختبرت كلّ أشكال العزل، ليس أفرادًا فقط بل شعبًا، لكن هذا على قسوته أعطانا صفة التوق؛ فحوّلنا الاحتلال من حيث لا يدري إلى توّاقين دائمين إلى الخروج من العزلة، في الطريق بين الموت والحياة، بين خارج السجن وداخله، بين الإقامة والسفر، بين البيت وحسبة الخضار، بين غرفة وأخرى؛ وهكذا سجّلنا أنفسنا شعبًا بتَوق أزليّ إلى الحرّيّة، توق بدا فطريًّا، مات مع مَنْ ماتوا من أحبّتنا دون أن يختبروا تحقّقه، وقد يتكرّر معنا الأمر نفسه إن لم نسارع إلى التحرّر! لا يكتفي الأسرى الفلسطينيّون، ولا يكتفي أهاليهم، وهم يخرجون من أماكن عزلتهم، في اللقاء الأوّل، بشبه التلامس، بالتحايا عن بعد، ولا بالحضن فقط، ولا بالحضن الخالي من الدموع؛ فدائمًا ثمّة أحضان قويّة متشبّثة، وصعود على الأكتاف، وهتافات وأغانٍ ومكبّرات صوت، ودائمًا ثمّة دموع؛ فالدموع تقليد رئيسيّ مع هذا الفعل المتكرّر الّذي أصبح تقليدًا، مثلما أصبح السجن في حياة الفلسطينيّ جملة سرديّة مركزيّة، يمكن القارئ أن يحتفظ بها كملاحظة على ورقة، ويمكن الكاتب أن يُخفيها في روايته، لكن ليس بغرض الإهمال، بل بقصد القفز إلى مكان خارج العزل، وكأنّ اللغة حائط، وكأنّ المعنى مكان آخر. هذا ما أفعله حتّى في الكتابة الذاتيّة، عندما لا أذكر اسم فلسطين، أكبر مكان للعزلة، أقفز من عزلتي على أمل أن أتخطّاها، لكنّي في الحقيقة لا أنجح إلّا بطول زمن الكتابة وبقوّة تأثيرها! وهكذا؛ ففي داخل الكتابة وبواسطة المفردات، كان لدى الفلسطينيّ رغبة دائمة في أن يكون في مكان آخر، هو المكان نفسه الّذي أراد – وما زال يريد – أن يعود كلاهما إلى الآخر؛ فالفلسطينيّ والمكان مخطوفان من بعضهما بعضًا، وحالة التوق إلى العودة يشترك فيها الاثنان، وما يحدث في العالم اليوم حدث – وما زال يحدث – للفلسطينيّ منذ 72 عامًا! مع بدء وباء كورونا الّذي اجتاح العالم، كتب البعض جُملًا من هذا القبيل، أنّ العالم جرّب أخيرًا ما جرّبه الفلسطينيّون، جرّبه أيّامًا، وقد يجرّبه أشهرًا لا قدّر الله؛ فظنّ البعض أنّ هذه العبارات مبنيّة على شماتة الفلسطينيّ بالعالم! لا أعرف لماذا لم توضع هذه العبارة، أو حتّى ما قد يحلّ بديلًا عنها، في مكانها؛ فتُعتبر دعوة للمقاربة، وإن كانت دعوة في لحظة صعبة، دعوة لاختبار ما عاشه ويعيشه هذا الشعب منذ سنوات؛ فالمشاعر مثل النظريّات، لا يمكن محاكمتها بلا إخضاعها للاختبار، والحقيقة أنّ رغبة سكّان الأرض الآن هي في الخروج من عزلتهم لمواصلة حياتهم، هذا هو بالضبط ما أردناه دائمًا، وقد وُلدنا ونحن ندفع مقابل هذه الإرادة؛ فدفعنا الشهداء والأسرى والبيوت والفقد والشتات والهجران، وتحمّلنا أن نوضَع بأسمائنا، وأرقام هويّاتنا، وكواشين أرضنا، ونُمَر ثيابنا، في ملفّات حُمِلت، على مدى أعوام، تحت الخاصرة، والركض بها من عيادة إلى أخرى في مستشفى العالم الكبير. كان الفايروس في هذه الأعوام يطوّر نفسه، دون علم الجميع، وبعيدًا عن أنظارهم، وكان الفلسطينيّون ما زالوا يموتون بطرق اعتادها العالم، هذا الاعتياد الّذي لم يُلغِ صورة الموت وهو لا يغيّر اسمه ولا معناه؛ فلم يحوّل الاعتياد مثلًا الموتَ إلى نزهة، حتّى عندما سمّيناه شهادة! وانقسمنا نحن الفلسطينيّين أيضًا بين بعضنا بعضًا؛ فلم نكن أنبياء في أيّ يوم، وتنقّلنا من الصعود في دور البطولة والسقوط منها، وجرّبنا الرغبة، وربّما أعلنها بعضنا سرًّا أو علنًا، في الخروج من المسرح والهبوط عن الخشبة والتواري خلف الستارة، للبكاء بعيدًا عن عين المتفرّج، وللتحرّر من الرغبة الثنائيّة المكوّنة من انتظار البهجة من جهة المتفرّج، وانتظار التصفيق من جهة الممثّل. أردنا الخروج من بين هذين الدورين؛ فكم مُملّ أن تكون فرجة العالم لسنوات! أردنا الخروج من حياتنا مثل شخص يتسلّل من حياته إلى حياة أخرى فيغيّر اسمه، ومكان إقامته، ويصبغ شعره؛ فجرّبنا زوال الشوق وانعدامه بحيث نرى ولا نُرى، وكنّا في ذلك نحاول مثل غريق أن نخرج من هذه العزلة، ولم يكن أمامنا سوى الطرق القاسية على الدوام، ولم تُكتب لنا النجاة حتّى هذا اليوم، وحتّى بعد زوال خطر الوباء بعد عام أو أشهر، لن يحدث هذا كما سترون، سيخرج الجميع من عزلتهم وسيبقى الفلسطينيّون وحدهم داخل العزلة! لحظة الخروج، بعد أسبوعين أو في أيلول (سبتمبر)، أو في الشتاء في العام القادم أو بعده، كيف سيستقبل سكّان الكرة الأرضيّة الحياة، في الدول الّتي فرضت على سكّانها العزل حفاظًا على سلامتهم؟ سأُسمّي لحظة خروج الأسير من السجن بلحظة الخروج العظيمة، وسيفهم معظم سكّان كوكب الأرض هذا الآن بشكل أوضح، فمَنْ يستطيع أن يُنكر أنّنا الآن كلّنا أسرى؟ لحظة الخروج من العزل، هي اللحظة الّتي يريد فيها الكلّ أن يشفي غليله من هذا العزل، أن ينتقم منه، أن يعضّه في ذراعه، أو يطعنه في عنقه، أو يضربه بصخرة على رأسه، أو أن يضع قدمه في بطنه. تفرّجت على هذه اللحظات من بعيد، وشاركت في بعضها عن قرب، خروج أسرى فلسطينيّين كثيرين، لم تنقطع صور الخروج عن الشاشة، مَنْ لم يكن بلحمه ودمه داخل الانتظار كان بعينيه، والعينان حضور مضاعف في الغياب الّذي يتضاعف بغياب صاحبه، أسمع الخبر في الأخبار وأتخيّل الصورة، فيقترب الغائب من الغائب ولا يحدّ بينهما حدّ، والصورة تكبر فأفتح ذراعيّ في الخيال على سعتهما، لاستقبال غائب عن أهله لا يعرفني ولا أعرفه، لكنّي أشترك معه في العزلة، فيخرج من واحدة أصغر ليقع معي في الأخرى الأوسع والأقسى! سأُسمّي لحظة خروج الأسير من السجن بلحظة الخروج العظيمة، وسيفهم معظم سكّان كوكب الأرض هذا الآن بشكل أوضح، فمَنْ يستطيع أن يُنكر أنّنا الآن كلّنا أسرى؟ هذه اللحظة الّتي يريد فيها الأسير كلّ شيء، ولا يريد أن يفعل كلّ شيء، يريد كلّ شيء كأنّه فعله منذ زمن، لكن زمن الفعل فاته، في حين أنّ الفعل لم يسقط بسقوط زمنه؛ فتتحوّل هذه اللحظة، في أوّل اختبار لها، إلى رغبة في أن يأكل الأسير الزمن الّذي سقط منه، ثمّ يبصقه تحت قدمه، وقد يبدو أنّه يبصق عمره، لكنّه لا يحتشم ولا تردعه خسارته. حدّثني الأسير المحرَّر عصمت منصور عام 2011، وكان معزولًا في سجن النقب الصحراويّ، أنّ أوّل ما سيفعله عندما يخرج من السجن أن يركض ويركض حتّى يجد شجرة، وعندما يجد شجرته هذه سيحتضنها، وبعد أن يألف شجرته تلك وتألفه، سوف يبكي طويلًا، طويلًا بلا توقّف! وخرج عصمت منصور عام 2013، بعد أن قضى عشرين عامًا من العزلة، ولم أسأله إن كان قد وجد الشجرة، وإن كان احتضنها، أو إن كان قد بكى طويلًا بلا توقّف وهو يحتضنها، لكنّي أعرف أنّه ما زال يبكي حتّى الآن، وسيظلّ يبكي إلى الأبد! لا يوجد أسير فلسطينيّ شُفي من العزلة، كلّ أسير سوف يظلّ يُداوي عزلته، هذا ما سيفعله سرًّا حتّى عن أقرب الناس إليه، طوال حياته! لحظة الخروج من السجن إنّها لحظة الخروج الكبيرة، يريد الأسير فيها أن يتشفّى بالجدران، ويريد أن يشمت بالسجن، ويريد أهله أن ينتقموا من الطريق الطويلة الّتي امتنّوا لها وكرهوها في آن؛ فهي المؤدّية من البيت إلى العزلة، ومن العزلة إلى البيت، ويريد الاثنان أن ينتقما من الانتظار المزدوج بين السجن الكبير والسجن الصغير، ويريدان أن يهزآ بالسجّان، أمّا السجّان فلن يفقد رغبته، حتّى هذه اللحظة، لحظة الخروج، ولن يُخفي محاولاته، كأيّ فايروس خطير، لا يمتلك خريطة معروفة للأخلاق؛ لأن يهدم الحضن، ويفرّق الأيدي الّتي تسعى إليه، بين الأسير وأحبّته. كلّ أسير سوف يظلّ يُداوي عزلته، هذا ما سيفعله سرًّا حتّى عن أقرب الناس إليه، طوال حياته! لحظة الخروج من السجن إنّها لحظة الخروج الكبيرة، يريد الأسير فيها أن يتشفّى بالجدران، ويريد أن يشمت بالسجن، ويريد أهله أن ينتقموا من الطريق الطويلة... يواصل الاحتلال لعبته في العزل حتّى آخر لحظة؛ فيحاول أن يقلّل من فرصة اللقاء، ويحاول تأجيلها قدر ما يستطيع، بتغيير مكان الخروج من العزل، وبتغيير زمانه؛ فيبذل أقصى جهده في أن يهزّ لحظة الخروج ويُربكها؛ فقد يفتح باب العزلة في ساعة مبكّرة عن موعدها المحدّد، وليس قصده أن يعطي الأسير ساعة إضافيّة من الحرّيّة بالطبع، وقد تضع جيبّات الاحتلال العسكريّة الأسير المحرَّر على نقطة عبور، أقرب من المكان الّذي كان من المتوقّع أن يكون باب خروجه من العزلة، وليس القصد أن يُقرّب وصوله أيضًا، بل هي رغبة انتقاميّة من السجّان في أن يأسر الأسير، حتّى وهو يمضي خارج العزلة، إنّها محاولته في أن يسجن الطريق، بعد أن رأى الأسير يمشي منه عائدًا إلى البيت! حدّثني الأسير لؤيّ المنسي قبل مدّة، وهو أسير محرَّر، دامت عزلته في سجون الاحتلال الإسرائيليّ خمسة عشر عامًا، حدّثني أنّ السجّان بكّر موعد خروجه؛ فبدل أن يكون عند الساعة المتوقّعة، وهي الواحدة والنصف أو الثانية ظهرًا، جعلها عند الساعة الحادية عشرة والنصف، وبدل أن يكون المكان على مدخل بيتونيا، حيث يُتوقّع المنتظرون والجاهزون لضمّ الأسير وملامسته، وضعه على مدخل بيت سيرا. لقد لعب السجّان مع لؤيّ، حتّى آخر لحظة، بالزمن والمسافة، لكنّه لم يمنع خروج لؤيّ في النهاية من عزلته، ولم يمنعه من احتضان أبيه. كان هذا قبل انتشار فايروس كورونا بأشهر، قبل أن يسقط العالم كلّه في السجن، داخل عزلة تكاد تكون كاملة أحلام بشارات كاتبة فلسطينيّة، ومدرّبة متخصّصة في مجال الكتابة الإبداعيّة. لها مؤلّفات في القصّة القصيرة، والكتب المصوّرة، والروايات، والمذكّرات. تعدّ من الأسماء المهمّة في الكتابة لروايات اليافعين في العالم العربيّ. تُرجمت كتاباتها إلى لغات عالميّة كالإيطاليّة والإنجليزيّة والألمانيّة. المزيد عن : الأسرى /كورونا /عزل /منع تجوال /حظر /فلسطين /الاحتلال الإسرائيلي /جنين /وباء /فايروس /أحلام بشارات 27 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جوردان بيترسون… هل هو نبيّ اليمين المنتظَر؟ next post فيروس كورونا: من هو البروفسور الفرنسي ديدييه راوول “مكتشف الدواء” المثير للجدل؟ You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 27 comments зарубежные сериалы смотреть онлайн 23 مارس، 2024 - 4:28 م Nice post. I was checking continuously this blog and I am impressed! Very useful information specially the last part 🙂 I care for such info a lot. I was seeking this particular info for a long time. Thank you and good luck. Reply бот глаз бога телеграмм 10 أبريل، 2024 - 6:19 ص Pretty great post. I simply stumbled upon your blog and wanted to mention that I have really enjoyed browsing your blog posts. In any case I’ll be subscribing in your feed and I hope you write again soon! Reply глаз бога телеграмм 10 أبريل، 2024 - 7:35 م Hey There. I found your blog the use of msn. This is a very well written article. I will be sure to bookmark it and come back to read more of your useful information. Thank you for the post. I will definitely comeback. Reply cs:go gamble site 2024 7 مايو، 2024 - 10:33 م continuously i used to read smaller posts which also clear their motive, and that is also happening with this piece of writing which I am reading here. Reply Francisk Skorina Gomel state University 15 مايو، 2024 - 11:27 م Крупный учебный и научно-исследовательский центр Республики Беларусь. Высшее образование в сфере гуманитарных и естественных наук на 12 факультетах по 35 специальностям первой ступени образования и 22 специальностям второй, 69 специализациям. Reply гостиничные чеки Санкт Петербург 24 مايو، 2024 - 3:05 م If you desire to get a great deal from this article then you have to apply such techniques to your won webpage. Reply удостоверение тракториста машиниста купить в москве 30 مايو، 2024 - 5:37 م Hi, I think your website might be having browser compatibility issues. When I look at your blog in Safari, it looks fine but when opening in Internet Explorer, it has some overlapping. I just wanted to give you a quick heads up! Other then that, terrific blog! Reply 国产线播放免费人成视频播放 3 يونيو، 2024 - 4:12 م Great blog you have here.. It’s hard to find high-quality writing like yours these days. I really appreciate people like you! Take care!! Reply www.russa24-diploms-srednee.com 12 يونيو، 2024 - 5:23 ص Can I simply say what a relief to discover somebody who actually knows what they’re talking about online. You certainly know how to bring an issue to light and make it important. More people should look at this and understand this side of the story. I was surprised that you aren’t more popular because you certainly have the gift. Reply хот фиеста casino 13 يونيو، 2024 - 4:47 م An intriguing discussion is worth comment. I think that you should write more on this subject, it might not be a taboo subject but generally people don’t discuss such topics. To the next! Many thanks!! Reply хот фиеста 14 يونيو، 2024 - 3:35 ص Thanks for sharing your thoughts on %meta_keyword%. Regards Reply hot fiesta играть 15 يونيو، 2024 - 2:35 ص It is appropriate time to make a few plans for the future and it is time to be happy. I have read this publish and if I may just I wish to suggest you few interesting things or advice. Perhaps you could write next articles relating to this article. I want to read more things approximately it! Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 9:28 ص Thank you a bunch for sharing this with all folks you really recognize what you are talking approximately! Bookmarked. Please also discuss with my site =). We could have a link exchange agreement among us Reply Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 11:06 ص Hi would you mind stating which blog platform you’re working with? I’m looking to start my own blog in the near future but I’m having a tough time making a decision between BlogEngine/Wordpress/B2evolution and Drupal. The reason I ask is because your design seems different then most blogs and I’m looking for something completely unique. P.S My apologies for getting off-topic but I had to ask! Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 2:21 م Hi, its pleasant post regarding media print, we all understand media is a great source of data. Reply мойка самообслуживания под ключ 5 يوليو، 2024 - 10:13 م Автомойка самообслуживания под ключ – наше предложение для тех, кто ценит эффективность и инновации. С нашей помощью вы войдете в рынок быстро и без проблем. Reply строительство автомойки под ключ 8 يوليو، 2024 - 7:43 ص Франшиза автомойки позволяет предпринимателям использовать уже известный на рынке бренд и проверенную бизнес-модель для создания прибыльного дела с минимальными рисками. Reply автомойка под ключ 9 يوليو، 2024 - 7:00 ص Автомойка под ключ – простой путь к своему бизнесу. Получите современное, энергоэффективное и привлекательное для клиентов предприятие. Reply Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 4:54 م I love your blog.. very nice colors & theme. Did you create this website yourself or did you hire someone to do it for you? Plz reply as I’m looking to design my own blog and would like to know where u got this from. thanks a lot Reply Jac Амур 20 أغسطس، 2024 - 5:17 ص Hey There. I found your blog using msn. This is an extremely well written article. I will be sure to bookmark it and come back to read more of your useful information. Thanks for the post. I will definitely comeback. Reply Jac Благовещенск 20 أغسطس، 2024 - 4:06 م Hey! Do you know if they make any plugins to protect against hackers? I’m kinda paranoid about losing everything I’ve worked hard on. Any suggestions? Reply купить JAC 21 أغسطس، 2024 - 2:27 ص If you desire to improve your familiarity only keep visiting this web site and be updated with the newest information posted here. Reply Jac Амур 21 أغسطس، 2024 - 1:18 م hi!,I really like your writing so so much! proportion we communicate more approximately your post on AOL? I need an expert in this area to unravel my problem. May be that is you! Taking a look forward to see you. Reply купить JAC 22 أغسطس، 2024 - 1:57 ص It’s remarkable in favor of me to have a site, which is useful in favor of my experience. thanks admin Reply купить JAC 22 أغسطس، 2024 - 2:47 م Thanks for a marvelous posting! I definitely enjoyed reading it, you may be a great author. I will be sure to bookmark your blog and will eventually come back someday. I want to encourage you to continue your great writing, have a nice day! Reply theguardian 23 أغسطس، 2024 - 12:40 ص I couldn’t resist commenting. Perfectly written! Reply theguardian 27 أغسطس، 2024 - 7:15 م There is definately a lot to learn about this subject. I like all the points you made. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.