ثقافة و فنونعربي ألبير كامو… ما يقوله مترجموه إلى العربية by admin 28 يناير، 2020 written by admin 28 يناير، 2020 36 مجلة رمان الثقافية / أوس يعقوب/ كاتب من فلسطين شعاع ختمت حديثها لـ “رمان” بالقول: هناك الكثير من الأعمال المترجمة، لو تعمقنا قليلا فيما يُترجم وينقل إلى اللغة العربية، لوجدنا أنّ كثيراً من الكتب المترجمة، تتصف بالضعف أو بالركاكة سواء في تركيب الجمل أو في المبنى اللغويّ. رغم مرور ستين عاماً على رحيل الصحافي والروائي والمسرحي والفيلسوف ألبير كامو (1913-1960)، الفرنسي الأصل الجزائري مولداً، إلّا أنّه مازال يحتل مكانة مرموقة في سوق النشر العالمي عامة والعربي خاصّة، حيث صدرت ترجمات لأعماله على مدار العقود الستة الماضية عن عشرات دور النشر العربية، بترجمة حققها عدد من المترجمين والمترجمات في مشرق وطننا العربي ومغربه. “رمان” تواصلت مع ثلاثة من المترجمين العرب، من الذين ترجموا أعمال كامو الروائية والمسرحية، فضلاً عن رسائله لحبيبته ماريا كازارس، لنقف وإياهم عن جماليات وإشكاليات ومعوّقات نقل أعماله إلى لغة الضاد… فكان هذا التحقيق: «الغريب» كُتبت بلغة مغايرة البداية كانت مع القاص والروائي والمترجم المغربي محمد آيت حنّا، الذي ترجم لكامو رائعته الشهيرة «الغريب»، والذي أجاب عن سؤالنا قائلاً: من بين كلّ النّصوص التي ترجمتُها تحتلّ رواية «الغريب» لألبير كامو مكانةً خاصّة عندي، فمن بين كلّ ترجماتي كان الاشتغال على هذا النصّ بمثابة ردّ دين، ردّ دين تجّاه نصّ مدين له بجزءٍ كبير من تعلّمي اللّغة الفرنسية، ولا أظنّ أنّني الوحيد المدين لنصّ كامو وأدبه، وإلا كيف لنا أن نفسّر أنّ هذه الرّواية “الغريبة القادمة من مكانٍ غريبٍ” كما كان يقول سارتر، قد حافظت على مكانتها لأكثر من خمسين سنةً ضمن الأعمال الأكثر مبيعاً في اللّغة الفرنسية؟ يضيف صاحب «عندما يطير الفلاسفة»: لقد قدّم كامو بالفعل شيئاً مختلفاً، كتبَ بفرنسية مغايرة داخل الفرنسية، جملٍ قصيرة وبسيطة لم يألفها الأدب الفرنسيّ. وهنا جانبٌ مهمّ في فهم عمل كامو، وإدراك إشكالات الترجمة المرتبطة به. إنّ أعمال كامو هي من قبيل الأعمال التي يصعب الفصل فيها بين ما يُقال وبين الطّريقة التي يقالُ بها. فقد قدّم الأديب والمفكّر الفرنسيّ على امتداد السّنوات القصيرة التي عاشها تجارب كتابية مختلفة، لكنّها للأسف غالباً ما تُجمعُ كلّها تحت تصنيفٍ فكريّ واحدٍ، اختزاليّ غالباً، ممّا يجعل الكثير من المترجمين يركّزون على نقل المضمون دون الاهتمام بشكل الكتابة، ذاك الشّكل الذي هو في الواقع أساس فكر كامو. وأردف قائلاً: ثمّة اختلافٌ جوهريّ على سبيل المثال بين نصّي «الغريب» و«السّقطة»، على الرّغم من أنّهما معاً مكتوبان بضمير المتكلّم. إلّا أنّ الفرق الجوهريّ بين شخصية مورسو، الرّجل البسيط الذي مشكلته الوحيدة هي أنّه يقول الحقيقة، ويقولها بأبسط ما يمكن القول، وبين جون بابتيست كلامنس رجل القانون السّابق الذي يقضي وقتَه في حانات أمستردام متصيّداً الزّبائن لكي يمارس فنّ الخطابة الذي يحبّه. لم يكن ممكناً أن يُكتب النّصان معاً بأسلوبٍ وشكلّ واحدٍ، ومقابل الجمل القصيرة البارقة في «الغريب»، صرنا في «السّقطة» إلى مرافعة طويلة قوامها اللّغة الرّفيعة والأساليب البلاغية. لذا فإنّ مترجماً ينقلّ النّصين معاً إلى لغةٍ ما، بنفس الأسلوب، إنّما يجني على كامو أشدّ ممّا قد يجني عليه مترجمٌ يخطئُ في فهم مقصده من هذه الجملة أو تلك. وأعتقد أنّ إحدى إشكالات ترجمة نصّ «الغريب»، الذي حظي في اللّغة العربية بترجمات كثيرة، هي عدم إدراك بعض المترجمين لأهميّة إيقاع الجمل القصيرة من جهة، وعدم إلمامهم بالفكر الهائل المتواري خلف شخصية مورسو، الشّخصية الغريبة التي رأى فيها بعض النّقاد صورة معاصرة للمسيح. قد لا نستطيع الجزم في مسألة التلقّي، في شقّها المرتبط بالقرّاء، لأنّ الأمر بقي في نهاية المطاف مرتبطاً أشدّ الارتباط بالتّرجمة وإشكالاتها، وأيّ ترجمة بالضّبط قرأها هذا القارئ أو ذاك، لكن الواضح أنّه على مستوى الكتابة لم يؤثّر نصّ كامو في الكتابة العربية، إذ لا نجد له أثراً فعلياً، وربّما الأمر لا ينسحب على كامو فحسب، وهذه مسألة مهمّة، ذاك أنّ من وظائف التّرجمة السّعي إلى إحداث أثر ما في التّأليف داخل اللّغة المنقول إليها. يختم حنّا قائلاً: ثمّة مسألةٌ أخرى لا ينبغي إغفالها، وهي أنّ رؤيتنا لكامو في العالم العربيّ قد تأثّرت كثيراً بما كتبه فقيدنا إدوارد سعيد في مسألة اللاشعور الاستعماريّ عند مؤلّف «الطّاعون»، بحيث تشكّل نوع من النّفور تجاه الكاتب الذي ألّف رواية من أربعمائة صفحة يصف فيها أحداث الوباء الذي يجتاح مدينة وهران مصوّراً إيّاها كمدينة تخلو من العرب… لكن هذه مسألةٌ أخرى قد نتطرّق إليها في مناسبة أخرى. ما وراء لغة الفيلسوف الوجودي إلى ذلك تحدثنا مع المترجمة السورية يارا شعاع، التي ترجمة خمس روايات لكامو هي: «الغريب»، «الطاعون»، «السقوط»، «أعراس»، و«الموت السعيد»، فضلاً عن مسرحية «كاليجولا»، والتي أخذتنا لما وراء لغة الفيلسوف الوجودي قائلة: أجمل ما شدني لترجمة أعمال ألبير كامو أنّه فيلسوف وجودي، استطاع أن يعرض فلسفته في الوجود والحب والموت والثورة والحرية، عرضاً أمينا في كتبه. وأضافت: إنّه السهل الممتنع. ليس من السهل ترجمة كتبه فقد تواجه صعوبات جملة لا تستطيع نقل أفكاره بشفافية وصدق. فرغم بساطة لغته إلّا أنّ وراء ذلك عبر ومفاهيم لا يمكنك كمترجم أن توصلها إلى القارئ لو كانت الترجمة حرفية، وكذلك إن لم تكن على دراية وعلم بمضمون وشخصية ومفهوم الكاتب. من بين أهم الصعوبات التي تواجهك في ترجمة كتبه هي غناها بالألفاظ المجردة وهي التي تحيل على العواطف والأفكار والانفعالات. وهذه الألفاظ تحتمل أكثر من معنى واحد وتستوعب مفاهيم كثيرة. ونوهت شعاع إلى أنّه من الجدير بالذكر، أنّ فكره الفلسفي المتجلي بكتبه يوحي بوجود ثنائية لديه وهي “ثنائية الأضداد”. يتحدث عن الخير والشر وعن الجمال والقبح وعن الغنى والفقر، وهذه الثنائية التي ولدت قضية في أدبه من الصعب جداً أن يستطيع أيّ مترجم أن يوصلها بأمانة. وأن يجعل المتلقي باللغة المترجم إليها أن يعيش عذاب التناقض بكل ما فيه من معاني. شعاع ختمت حديثها لـ “رمان” بالقول: هناك الكثير من الأعمال المترجمة، لو تعمقنا قليلا فيما يُترجم وينقل إلى اللغة العربية، لوجدنا أنّ كثيراً من الكتب المترجمة، تتصف بالضعف أو بالركاكة سواء في تركيب الجمل أو في المبنى اللغويّ. 865 رسالة حب من كامو إلى ماريا كازارس بدوره قال الباحث والمترجم المغربي سعيد بوخليط، الذي ينتظر صدور ترجمته لرسائل ألبير كامو إلى حبيبته ماريا كازارس، إنّه: ربما انطبق حسب تخميني، على ترجمة نصوص ألبير كامو إلى العربية، وهو شأن كبار الأعلام؛ الذين أرسوا في سياقات تاريخية وحضارية مختلفة، معالم الثقافة الإنسانية، ثلاثة معايير أساسية، يلزم استحضارها قبل مباشرة أيّ محاورة مع ألبير كامو وأمثاله: أولها ضرورة تخلص المترجم قدر ما أمكنه الأمر، من جل رواسب التصنيفات النمطية الجاهزة التي ترسخت مع توالي السنوات، قصد بعث النص ثانية من سباته، ومنحه فرصة أخرى؛ كي يكشف عن مكنوناته الباطنية والظاهرية. يتابع مُحدثنا قائلاً: يلزم في هذا الإطار، أن نضع جانباً تلك النعوت الشمولية ذات النزوع الكلياني الجازم، لأنّها تقطع الطريق منذ البداية أمام كل محاولة جديدة لتطوير ممكنات النص والدفع بآفاق الكاتب صوب مستويات تتسم بالإبداع والجدة، غير مطروحة سابقاً نتيجة عقدة الجاهز المكتمل. مادامت الترجمة، قراءة مبدعة؛ كتابة مغايرة للنص الأصلي. لأنّ الأخير لا ينتهي مع توقيع صاحبه، ولا يبدأ أيضاً مع القراءات المطمئنة. إذن، وأنت تسبر أغوار نص كامو، يجدر لتحقيق نتائج أكثر فاعلية من سابقاتها؛ إعطاء الأولوية لطبيعة تفاعلك الشفاف؛ الشغوف، بغض النظر عن التأويلات المكرسة التي تنزع بك إيديولوجيا نحو هذه الوجهة أو تلك، فتلقي غباراً أمام جلاء الرؤية. وقد ظهر هذا التصور بشكل واضح، مع هذه الرسائل الغرامية إلى محبوبته الممثلة والمسرحية المنحدرة من أصول إسبانية، ماريا كازارس، بحيث نصغي إلى كامو؛ مغاير تماماً لكامو العبث؛ التمرد؛ الوجودي؛ المسرحي؛ الصحفي؛ السياسي؛ والقائد الملهم لآلاف من شباب ثورة 1968، على امتداد أوروبا بشقيها آنذاك الشرقي والغربي. لكن فقط كامو الإنسان الشفاف جداً، العاشق حتى النخاع، المتجرد إلى حد ما، غير آبه بتواتر النعوت السابقة، الوفي لنداء قلبه فقط. ثاني هذه المعايير، أنّه ربما ردّ قائل، بأنّ كامو فيلسوفاً في نهاية المطاف، أرسى دعائم نسق مفهومي، مثل كل الفلاسفة، ولذلك اشتغل مشروعه على جبهات عدة، منتقلاً في سبيل تكريس أفكاره والدفاع عنها بين التنظير الفلسفي والإبداع الأدبي والتأليف المسرحي والمقالة الصحفية ثم أدب الرسائل. فبالإضافة إلى رسائله الطويلة مع حبيبته كازارس، طيلة أربعة عشر سنة تقريباً، بحيث قاربت ثمانمائة وخمس وستين رسالة، رسخت إلى الأبد هذين العاشقين الشهيرين والمتواريين في الآن ذاته. بدأ عشقهما، يوم 6 حزيران (يونيو) 1944، تاريخ صادف نزول قوات الحلفاء إلى نورماندي، متطلعين نحو الحرية الكبرى. يلزمنا في هذا الباب أن نستحضر أيضاً بذات الزخم، مراسلاته مع أقرب أصدقائه؛ ضمن صفوف الوسط الثقافي الفرنسي آنذاك، أقصد الشاعر الكبير روني شار: (تبادل الكاتبان رسائل، لمدة ثلاث عشرة سنة، تضمنها كتاب صدر سنة 2007). روت هذه المراسلات مواقفهما المشتركة، شكوكهما، أفراحهما ثم تقاربهما. مثلما يشرح روني شار، قائلاً: “سيأخذ مسار أخوّتنا مدى يتجاوز كثيراً ما نتصوره ونعيشه. شيئاً فشيئاً، سنزعج تفاهة محتالين، يتقنون فن الكلام، ينتسبون إلى مختلف روافد حقبتنا. جيد، أن تنطلق معركتنا الجديدة ومعها مبرر وجودنا”. المعيار الثالث والأخير، يقتضي الانتقال بنص كامو إلى العربية، وهو الشأن مع النصوص التأسيسية الكبرى؛ والقوية التي اهتدت بالبشرية نحو صنيع المبادئ والقيم الخالدة، التسامي بهذه الأفكار عن تلك المحفزات الصغيرة ذات الهواجس المادية الربحية (كامو اسم ينشط بقوة في سوق الكتاب وأسهمه مرتفعة عند الناشرين)، ثم التعامل مع النص بشغف وعمق؛ مما يدعو إلى اكتساب وعي خاص؛ لا يتأتى سوى لمترجم ينحدر من نفس طينة كامو؛ أي صاحب رؤية وجودية ومعرفية جمالية غير نمطية تماماً. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الرّد بالكتابة أو البناء على الهفوة next post جمال ضاهر: لا أدب دون فلسفة You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.