إسبانيا خلال الاحتلال النابليوني (غيتي) ثقافة و فنون بول موران يعود في “جلاد إشبيلية” إلى علاقة نابليون بالنخبة المتنورة في بلاد الجوار by admin 27 مايو، 2025 written by admin 27 مايو، 2025 25 الرحالة والدبلوماسي الفرنسي يطرح في روايته “الإسبانية” الكبرى هموم فرنسا الخارجية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حتى وإن كانت رواية بول موران الأكثر شهرة “الرجل المتعجل” (1941) قد حظيت بشهرة ومقروئية واسعتين في فرنسا، وطن الكاتب، كما في ترجمات أوروبية عديدة لها، كما حولت إلى فيلم من تمثيل آلان ديلون، وحتى إذا كان مارسيل بروست نفسه، قد كتب تقديماً حماسياً لواحدة من أولى المجموعات القصصية التي أصدرها هذا الكاتب باكراً منذ عام 1921، فإن موران لم يكن من الروائيين الفرنسيين الكبار. في أحسن أحواله، كان واحداً من مجموعة كتاب ظهرت في مرحلة ما بين الحربين لتسد فراغاً تصنيفياً، ظهر بين غلاة كتاب اليسار ومتطرفي كتاب اليمين في فرنسا، خلال تلك المرحلة. ويضم إلى جانبه كلاً من روجيه نيمييه وميشال ديون وأنطوان بلوندان وجاك لوران، وهم جميعاً على أية حال من كبار مبدعي الصف الثاني على شاكلة موران. ولكن، في المقابل تميز بول موران (1888 – 1967) بكونه كاتباً رحالة من طراز رفيع، وأيضاً بوصفه دبلوماسياً كبيراً في تاريخ الخارجية الفرنسية، لا سيما حين عين سفيراً لبلاده لدى سويسرا، خلال الحرب العالمية الثانية حين كانت السفارة لدى سويسرا تمثل “كل” الدبلوماسية الفرنسية. والحقيقة أن ثمة عملاً روائياً لموران نتناوله هنا، يمكنه أن يختصر بشكل أو بآخر صفاته الثلاث معاً، كروائي ورحالة ودبلوماسي همه الدفاع عن الفكرة الفرنسية حيثما تدعو الحاجة. وهذا العمل يحمل عنواناً شديد الإسبانية على أية حال هو “جلاد إشبيلية” صدر في عام 1951 ونال مكانة لا بأس بها في مضمار الرواية التاريخية الفرنسية حينذاك. ازدواجية فرنسية منذ البداية، قد يمكننا أن نقول إن “جلاد إشبيلية” ليست من الروايات الكبرى حتى في مجالها التاريخي، لكنها في المقابل رواية بالغة الأهمية بالنسبة إلى الرسالة الفكرية، وربما أيضاً السياسية التي تحملها. فهي أولاً وأخيراً تتناول قضية بالغة الأهمية والواقعية، كثيراً ما طرحت من حول الصورة “المزدوجة” التي لفرنسا في الخارج، لا سيما لفرنسا بوصفها دولة كولونيالية– استعمارية. ويمكن اختصار هذا الأمر هنا بتلك “الحيرة” التي تنتج لدى النخب الأكثر تنوراً وعقلانية في البلدان، بل لنقل: في المجتمعات التي يحدث لها في ظروف معينة، أن تقع تحت ربقة احتلال بالتالي، استعمار فرنسي ما، فتجد نخبتها الأكثر التصاقاً عادة بالثقافة الفرنسية والأكثر تجاوباً مع نمط العيش الفرنسي، تجد نفسها أمام حيرة بالغة مزدوجة النظرة، بين تطلع إلى ارتباط منطقي بفرنسا من ناحية ورفض وطني للاستعمار الفرنسي من ناحية أخرى. ولعل في إمكاننا هنا أن نعود بالذاكرة إلى الحملات النابليونية التي اجتاحت بلدانا مثل ألمانيا وإيطاليا وصولاً طبعاً إلى مصر، في خضم “انتصارات” الثورة الفرنسية وتنويريتها التي راقت للنخب في تلك البلدان، لكن هذه الأخيرة تراجعت عن ذلك الموقف ما إن تبين لها أن “التنوير على الطريقة النابليونية” هو استعمار حقيقي وغزو بأكثر مما هو نشر للثقافات العقلانية كما كان كبار نخبويي الإبداع الأوروبي وغير الأوروبي يتوقعون. ولنتذكر هنا مواقف مبدعين من طينة غوته وبيتهوفن… من دون أن ننسى كيف أن ليون تولستوي سيكون في “الحرب والسلام” من أفصح الذين عبروا عن كل ذلك. ولئن كنا نادراً ما طالعتنا مواقف فرنسية واضحة في هذا السياق، وطبعاً قبل انتفاضة المبدعين الجزائريين وعلى خطى جان بول سارتر، ضد الحرب الفرنسية في الجزائر والتي أتت لاحقة جداً، فإن رواية بول موران التي نحن في صددها هنا، تأتي وافية بالغرض في هذا السياق. بول موران (غيتي) بين إسبانيا وفرنسا لقد أشرنا قبل سطور إلى أن لرواية موران ثلاث صفات كونها تنتمي إلى ما تركه أدب الرحلات على مسار الكاتب الإبداعي وما فرضته عليه اهتماماته الدبلوماسية ولكن خصوصاً مكانة هذه الرواية في المسار الروائي للكاتب، ومن هنا تأتي أهميتها المطلقة في تاريخ هذا الكاتب الذي يبدو في بعض الأحيان منسياً، لكنه سرعان ما يطفو على واجهة الأحداث الأدبية في مناسبات معينة. المهم أن الرواية تدور أحداثها في إسبانيا بدايات القرن الـ19، خلال الحقبة التي غزا فيها نابليون هذا البلد المجاور بقواته، ليعين أخاه جوزيف ملكاً عليه. ونعرف تاريخياً طبعاً أن الإسبان انتفضوا في عام 1808 على ذلك التعيين، كما انتفضوا على الغزو النابليوني. لكن تلك الانتفاضة لم تكن على مزاج كل الإسبانيين، تماماً كما أن الغزو نفسه لم ينل إجماعاً إسبانيا لا تأييداً ولا مناوأة له. فالإسبان كما حال شعوب أوروبية وغير أوروبية كثيرة، كانوا ينظرون إلى المسألة نظرة نسبية تأخذ في حسبانها وعود الثورة الفرنسية ومنجزات العقلانية الفرنسية. وتفيدنا رواية موران بأن الأمر كله قد أحدث شروخاً بل تمزقات حتى داخل عائلات ومجتمعات واحدة لا سيما، في الرواية، في وسط عائلة أرستقراطية من إشبيلية هي عائلة الدون لويس الذي لتأييده الفرنسيين انطلاقاً من انتمائه إلى ثقافتهم، وجد نفسه يفر مع زوجته ماريسول إلى مدريد، كي يفلت من انتقام أحس أن الوطنيين المنتصرين في مدينته يتوعدونه به. وهناك في العاصمة نراه يحضر مؤيداً، تتويج جوزيف بونابرت ملكاً على إسبانيا. وفي غمرة ذلك التأييد يوافق الدون لويس على خدمة الملك الجديد بل ينضم إلى حاشيته ويرافقه إلى منطقة فكتوريا في بلاد الباسك، مرحباً هناك بوصول جيوش نابليون التي أتت لمقاومة الانتفاضة الإسبانية وتوطيد السيطرة الفرنسية على هذا البلد. وهنا في وسط زخم تلك الأحداث السياسية وإذ بتدخل الإنجليز لتبديل ما استجد من أوضاع، تترك ماريسول الدون لويس عائدة بغضب إلى إشبيلية، حيث يكون الإنجليز قد طردوا الفرنسيين وسيطروا على الإسبان الذين يفترض أن يكونوا حلفاءهم الآن. ولكن في وقت كان فيه الدون لويس يسعى إلى الانضمام إلى زوجته تختفي هذه بطريقة غامضة. دلالات سياسية من الناحية الروائية، يكاد يكون ما اختصرناه أعلاه في عدد محدود من العبارات، كل ما يحدث في الرواية بالنسبة إلى المسار العائلي الذي يتوخى بول موران التعبير عنه، لتوصيف ردود الفعل “المحلية” الإسبانية تجاه الحراك الفرنسي، الذي ينظر إليه، كما في الواقع التاريخي، تلك النظرة المزدوجة. غير أن المهم هنا هو ذلك التوصيف السياسي المستند إلى التاريخ الواقعي الذي جعل همه تصوير تلك النظرة، التي ربما من خلال هذه الرواية مثلاً ومن خلال رصد بول موران لدلالاتها السياسية، حيث يمكننا ليس فحسب، وعلى سبيل المثال، أن نفهم ما لم يبدُ واضحاً تماماً في حوارات “الحرب والسلام”، بصدد الموقف من فرنسا، الذي عبر عنه تولستوي في تلك الرواية الكبيرة كتمزق روسي بين تعاطف مع الفكرة الفرنسية والممارسات النابليونية، واستطراداً أن نفهم تماماً اندفاع مبدع ألماني كبير كبيتهوفن ممزقاً نوطات كونشرتو كان يكتبه لتمجيد نابليون، ما إن وصلت جيوش هذا الأخير غازية الأرض الألمانية. فهنا في “جلاد إشبيلية” ومن دون أن يتخلى عن فرنسيته ومن دون أن يلقي بأية لائمة على أولئك الذين قاوموا نابليون، ولكن من دون أن يجعل من الدون لويس نفسه موضع ملامة أو عتاب حتى، ها هو الكاتب الفرنسي الدبلوماسي الذي يعرف إسبانيا معرفة جيدة كرحالة راصد حاد النظرة، ها هو يمجد الذهنية الإسبانية بصرف النظر عن نظرتها إلى الجيران الفرنسيين، مركزاً على سمو تلك النظرة، غير ناس أن إسبانيا هي في تاريخها الخاص أرض التناقضات لا سيما انطلاقاً من كون شعبها محتلاً من قبل شعوب أخرى، إسبانيا المسلمة، ومحتلاً لمناطق لها تاريخها هي الأخرى، احتلال إسبانيا قبل قرون أميركا الجنوبية، وهو ما يوفر لهذا الدبلوماسي ذي النزعة التحليلية الإنسانية وذي الاهتمام البادي بسيكولوجيا الشعوب، فرصة طيبة للغوص في تحليل الذهنية الإسبانية التي كان كثيراً ما يقول عنها، وفي مناسبات عديدة إنها واحدة من أكثر الذهنيات تعقيداً وتركيباً في أوروبا… وهو عبر عن ذلك بجملة فائقة الأهمية يضعها في واحد من فصول الرواية على لسان ابن عم للدون لويس، مناوئ للفرنسيين، إذ يقول بوضوح “إنني أفضل أن أرى في موطني بيرقاً يحمل هلال المسلمين على أن أرى علماً فرنسياً…”. المزيد عن: نابليونفرنساإسبانياإشبيليةجلاد إشبيلية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهى سلطان تكتب عن: الهوية والذاكرة في الفن الكوري المعاصر next post سامي عمارة يكتب عن: موسكو تقر بهجوم أوكراني بالمسيرات استهدف مروحية بوتين You may also like شوقي بزيع يكتب عن: «دون جوان» صديق المرايا... 28 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: قطع عاجية من موقع... 28 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: الهوية والذاكرة في الفن... 27 مايو، 2025 نتائج سياسية للدورة الـ78 في «كان» 27 مايو، 2025 الرواية وخطابها في “صلاة القلق” لمحمد سمير ندا 27 مايو، 2025 كيف توزعت جوائز مهرجان كان السينمائي؟ 27 مايو، 2025 “عائشة لا تستطيع الطيران” في قاهرة الغربة 25 مايو، 2025 “أسطورة العود الأبدي”… تأسيس للموسوعة الكبرى في تاريخ... 25 مايو، 2025 الموسم السابع من “بلاك ميرور”… في مديح الحب؟ 25 مايو، 2025 مراسلات الأربعة الكبار في الأدب الأميركي اللاتيني 25 مايو، 2025