تجربة فنية توثق الصراعات الداخلية، ولكن أيضاً لحظات المصالحة والتسامح التي تضيء عتمة الماضي (الخدمة الإعلامية) ثقافة و فنون “قيمة عاطفية” في “كان”… السينما كبلسم للجراح by admin 24 مايو، 2025 written by admin 24 مايو، 2025 17 الفيلم شهادة على هشاشة الروابط العائلية وكأن مخرجه أراد التحذير من التفريط بها على المستويات النفسية والاجتماعية وحتى السياسية اندبندنت عربية / هوفيك حبشيان لا تزال السينما الإسكندنافية تحفر لنفسها مكانة خاصة بفضل رؤاها الإنسانية الدقيقة وأسلوبها الذي يوازن بين الحميمية وتشخيص الشرط الإنساني. وبعد فوز فيلم نرويجي في مهرجان “برلين” الأخير بـ”الدب الذهبي“، ها نحن أمام عمل جديد من النرويج قد يصل إلى لائحة الجوائز، إنه “قيمة عاطفية” للمخرج النرويجي يواكيم ترير الذي عرض في مهرجان “كان” السينمائي، من الـ13 إلى الـ24 من مايو (أيار) الجاري، فارضاً نفسه كأحد أعمق وأثرى الأعمال التي جمعت بين نسيج درامي متين وحس بصري يلامس أعمق طبقات النفس الإنسانية. على غرار أعمال كبار سينما هذه المنطقة، مثل إنغمار برغمان ولارس فون ترير، يقدم ترير قصة تلتقط الخيوط المعقدة للعلاقات العائلية، إلا أن نهجه الخاص في بث التفاصيل الساخرة يموضعه في مكان خاص جداً، ويضع ترير يده على تطور العلاقة بين أب وابنتيه، مقدماً تجربة فنية توثق الصراعات الداخلية، ولكن أيضاً لحظات المصالحة والتسامح التي تضيء في عتمة الماضي. ندوب العائلة تدور أحداث الفيلم حول شخصية الأب (ستيلان سكارسغارد)، مخرج أفلام غائب عن حياته العائلية منذ أعوام، يعود بعد وفاة الزوجة حاملاً نصاً سينمائياً يريد أفلمته. ويستحضر النص ذكرياته مع أمه الراحلة التي كانت انتحرت عندما كان هو في السابعة، وتتشابك حياة الأب مع ابنتيه، نورا (ريناته رنسفي) الممثلة الشابة التي تمر بأزمة هوية وهي على مقربة من الـ40، وأغنيس (إينغا إيبسدوتر ليلياس) أستاذة التاريخ التي توازن بين أدوارها كأم وامرأة ناضجة، مشكلة مع نورا محوراً للحكاية. الأب والابنة والمصالحة من خلال الفن (الخدمة الإعلامية) العودة المفاجئة للأب تحرك المياه الراكدة في حياة العائلة، فتندلع التوترات التي كانت مكبوتة ولكنها خلال الوقت نفسه تفتح المجال أمام محاولات فهم وإعادة بناء ما تهدم من روابط. والسينما ستتدخل هنا لا باعتبارها حرفة تمارسها الشخصية الرئيسة (الأب)، بل أداة للتفاهم والتصالح ووسيلة لاستعادة الذات ومواجهة أشباح الماضي التي لا تزال تحوم حول العائلة عبر ثلاثة أجيال. تتسم شخصيات الفيلم بعمق نفسي نادر وواقعية مدهشة. نورا ليست مجرد ممثلة تكافح لتحديد هويتها، بل حال إنسانية أوسع تجسد البحث عن الذات وسط الندوب العائلية. حضورها في الفيلم محاط بهالة من القلق والتوتر، وهي تطل علينا بمشهدها على المسرح، إذ ترتجف بين الإضاءة والشكوك، مما يعكس صراعاتها الداخلية. أغنيس، في المقابل، هي الوجه الآخر للعائلة، إذ الاستقرار والهدوء النسبي، وهو نوع من الحصانة النفسية التي تبنيها لتجنب الانهيار. هي الأم الحانية، ولكنها ليست خالية من الجراح. وجودها يوفر توازناً بين التوترات التي تجلبها نورا في ظل عودة الأب. أما الأب فيعاني الندم والتقصير، محاولاً بوسائل فنية أن يصنع جسراً نحو ابنتيه. أداء سكارسغارد يتسم بصدق مؤلم، فلا يظهر كأب نموذجي بل كإنسان معرض للخطأ، محاولاً التكيف مع الماضي المؤلم، من خلال مزيد من الحضور بين ناسه بعدما تجاوز الـ70. ولن يأتي معتذراً بل متسللاً، وهذا في ذاته اعتذار. البيت الذي تدور فيه الأحداث الموزعة على صورة فصول، لا يقل أهمية عن الشخصيات. إنه الذاكرة الحية للعائلة، ويعكس صدى الماضي وحجم الجراح المدفونة في جدرانه. ترير يصوره ليس كمجرد مساحة مادية، بل ككيان حي يحمل في طياته طبقات من الألم، الحنين والأمل. داخل هذا المكان تتكرر اللقاءات، وتتصاعد المواجهات التي يخلو معظمها من أي صدام، وتتجلى الفصول المتعددة للعلاقة الأسرية. جدران المنزل التي شهدت أجيالاً من التجارب العائلية، تصبح فضاء للحوار الصامت بين الماضي والحاضر، الذكريات والواقع. سينما للشفاء يفرض الفيلم لغة بصرية طاغية. الحوارات كثيرة، لكن الكاميرا تلتقط التفاصيل فتصبح أشبه بحوارات موازية: نظرات مختلطة بين الحزن والأمل، حركات الأيدي وتوتر الأجساد. كل هذا يجعل المشاهدين يشعرون بما لا يقال، ويمنحون مساحة لاستبطان المشاعر المكبوتة. وهذا الأسلوب يخلق مناخاً من الكبت العاطفي الذي يتحرر تدريجاً مع تقدم الأحداث. كوننا في النرويج، يعني أن لا عواطف جياشة وإنما مشاعر محتجزة تخترق القلب بصمت، وهذا التوازن يجعل تجربة المشاهدة أكثر حميمية وواقعية. الممثلة ريناته رنسفي والمخرج يواكيم ترير خلال التصوير (الخدمة الإعلامية) يركز الفيلم على المصالحة باعتبارها حجر الزاوية في إعادة بناء العلاقات العائلية. المصالحة هنا ليست مجرد عملية ترقيع للجراح، وإنما رحلة تتطلب الصراحة والفهم والقبول. لكن الأهم، أن هذا كله سيمر عبر الفن ليصبح الفيلم في النهاية رد اعتبار إلى السينما كوسيلة للشفاء. ترير لا يقدم مجرد قصة عائلية نمطية، بل يصوغ نصاً عن الفن كوسيلة علاجية، وعن السينما كفضاء يسمح للأب بالتعبير عن ذاته والتواصل مع ابنتيه. الفن يصبح الملاذ، والطريق الوحيد نحو الاعتراف والتفاهم. تتجلى براعة التمثيل في كل مشهد، مع توازن دقيق بين التوتر والحب، الغضب والحنان. ويبقى الممثلون دائماً على الخط الفاصل بين المشاعر وردود الفعل. أما ستيلان سكارسغارد، فيمنح شخصية الأب أبعاداً معقدة تبرز من خلالها ضعفه خلف قناع الصلابة. فيلم ترير الذي هتفت له قلوب النقاد، شهادة سينمائية على هشاشة الروابط العائلية. وكأن المخرج الخمسيني أراد أن يحذر من تداعيات التفريط بها على المستويات النفسية والاجتماعية، وحتى السياسية، بيد أن الأجمل من هذا كله هو إيمانه بمساحة الخيال عند الإنسان لتعزيز التواصل بين الأجيال والأزمنة والأفكار، على رغم كل الجراح. المزيد عن: مهرجان كان السينمائيالسينما الإسكندنافيةفيلم قيمة عاطفيةالنرويجالروابط العائليةأشباح الماضي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post N.S. Power says hackers have published stolen data from ransomware attack next post مخرج إيراني “قلق” من العودة إلى بلده بعد عرض فيلمه في “كان” You may also like مخرج إيراني “قلق” من العودة إلى بلده بعد... 24 مايو، 2025 “المخطط الفينيقي”: مغامرة بصرية برؤية ويس أندرسون الخالصة 24 مايو، 2025 لوحات ابن البندقية فيرونيزي… جماليات الضخامة المفرطة 24 مايو، 2025 إيمانويل تود يعيد قراءة المشهد العالمي في “هزيمة... 23 مايو، 2025 “متجول بين عالمين” رواية أخرى عن حرب لا... 23 مايو، 2025 “عميل سري” و”صراط”… سينما “كان” المشعة بقلق الوجود 22 مايو، 2025 كيف يستفيد الروائيون العرب من الواقعية السحرية؟ 22 مايو، 2025 “المنحرفون” الفيلم الذي أودى بنجومه إلى نهايات بائسة 22 مايو، 2025 محمد السيد إسماعيل… ثقل إبداعي خفيف الوقع 22 مايو، 2025 الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية... 21 مايو، 2025