لوحة _العشاء في بيت ليفي_ لفيرونيزي (موسوعة الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون لوحات ابن البندقية فيرونيزي… جماليات الضخامة المفرطة by admin 24 مايو، 2025 written by admin 24 مايو، 2025 17 من فلسطين وتاريخها الديني العريق إلى الحكايات المقدسة مروراً بروعة العمران النهضوي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب على بعد أمتار قليلة من المكان الذي علقت فيه تلك اللوحة التي يمكن اعتبارها أشهر لوحة في العالم، “الموناليزا” لليوناردو دا فنشي، في واحدة من أكثر صالات متحف “اللوفر” الباريسي شهرة، هناك لوحة كان من شأنها أن تكون، بدورها، واحدة من أشهر اللوحات في تاريخ الفن، بل كذلك واحدة من أضخم لوحات ذلك التاريخ، لولا أن موضوعاً دينياً هو الذي يطغى عليها، ولولا أنه حدث لها أن غابت عن الأنظار طوال ما يزيد على 10 أعوام حين كانت ترمم. وأيضاً، لولا أن الفنان الذي ابتدعها ليست له لا شهرة دا فنشي ولا مكانته في تاريخ الفن النهضوي. ومن هنا، فإنهم قلة أولئك الزائرون الذين قد يصلون إلى “اللوفر”، وفي بالهم أن يشاهدوا تلك اللوحة، لكنهم حين يشاهدونها، وغالباً لمجرد أنها تجاور “الموناليزا“، يذهلون إعجاباً ويتحولون، بين ليلة وضحاها، إلى بعض من غلاة المعجبين بها. واللوحة التي نتحدث عنها هنا هي، بالطبع، “عرس قانا الجليل” لرسام البندقية الكبير فيرونيزي، التي لا تقل مساحتها عن 67 متراً مربعاً، مما يجعلها واحدة من أضخم اللوحات إذا استثنينا الجداريات الضخمة المرسومة مباشرة على الجدران. ولعلنا لسنا، هنا، قادرين على أن نضيف كثيراً إلى ما سبق أن أشرنا إليه وفي هذه الزاوية بالذات، بصدد هذه اللوحة نفسها. غير أننا يمكن أن ننطلق منها، في حديث عن مبدعها يتناول سمة أساسية من تلك السمات التي تميز مبدعي الفنون النهضوية الإيطالية، وهي سمة تلوح أساسية في هذه اللوحة بالذات، وربما تكون هي ما يتبقى منها في بال مشاهدها حتى بعدما ينسى كثيراً من عناصرها الأخرى، وربما، بصورة خاصة، العنصر الديني. فيرونيزي (1528 – 1588) كما صور نفسه في لوحة له (متحف الأرميتاج) محلية المكان فحتى ولو أن موضوع “عرس قانا الجليل” موضوع ديني يعزز من صفته هذه كون اللوحة نفسها قد رسمت لحساب أحد أديرة منطقة البندقية عند منتصف القرن الـ16 تقريباً، وتحديداً بين عام 1562 والعام التالي له، من حول الموضوع الشهير المتعلق بذلك العرس الذي حضره السيد المسيح في شمال فلسطين، فإن العنصر الأساس هنا هو المكان، بل تحديداً هندسة المكان الذي صور فيرونيزي ذلك الحدث فيه. فنحن لسنا هنا، بأية حال من الأحوال لا في فلسطين الأعوام الأولى لولادة المسيحية، ولا في أية قرية فلسطينية على الإطلاق، بل نحن في إزاء هذه اللوحة في البندقية نفسها، بل حتى في البندقية المتخيلة متولدة عن خيال الرسام الذي كان هو نفسه، وكما حال العدد الأكبر والأساس من الفنانين النهضويين، مهندساً عمرانياً إلى جانب كونه رساماً، وفناناً دنيوياً إلى جانب كونه مطبوعاً بالحكايات الدينية وأساطير الأقدمين وحكايات التاريخ. يفيدنا جورجيو فازاري، الفنان ولكن أيضاً، الكاتب النهضوي الإيطالي، والذي كان، بدوره رساماً وعمرانياً إلى جانب كونه كاتباً مؤرخاً، كيف أن فيرونيزي (واسمه الحقيقي باولو كالياري، وهو من مواليد عام 1528 في مدينة فيرونا كما يدل اللقب الذي طغى على اسمه، فيرونيزي)، كان منذ بدايات انطلاقته الفنية في محترف معلمه دي كارباتشيو، مهتماً بهندسة المكان بقدر اهتمامه بسرد تلك الحكايات التي كانت العائلات البندقية الكبرى، ومسؤولو الأديرة والقصور يوصونه عليها، وذلك بالتحديد لأنه كان قد قرر منذ البداية أنه سيحترف الهندسة المعمارية، ولكن، أيضاً، لأن كارباتشيو نفسه كان لا يرى أن الفوارق كبيرة بين الرسم والعمران وأنهما معاً، إضافة إلى النحت طبعاً، تشكل نوعاً من إعادة الهندسة للمكان. ومن هنا، من الواضح أن فيرونيزي أسوة بالآخرين من رفاقه، كان يرى أن في إمكانه حين ينقل حكاياته من الكتب المقدسة أو من التاريخ غير المقدس، ليس عليه أن يقوم بأبحاث تتعلق بتاريخية الأمكنة بالنظر إلى أن البندقية، وغيرها من الأمكنة الإيطالية يمكنها أن تفعل ذلك. لوحة “عرس قانا الجليل” لفيرونيزي (موسوعة الفن الكلاسيكي) قدسية مستعارة بل بالأحرى، ينبغي أن تفعل ذلك، وليس فقط توخياً لإضفاء مسحة من أناقة أو معاصرة على المواضيع المعهودة، بل كذلك على الأرجح، توخياً لإضفاء قدر ما من القداسة على المدينة المعاصرة نفسها. ومن هنا، في لوحات لفيرونيزي عرفت بضخامتها وتلوينها الواقعي بإفراط، وأبعادها المسرحية، والتي قد لا نتوانى اليوم عن وسمها بكونها سينمائية، بل لا يتوانى مهندسو ديكورات الأفلام التاريخية الكبرى، منذ “كابيريا” الإيطالي، إلى “كليوباترا” مانكيفيتش، مروراً بـ”التعصب” لغريفيث على سبيل المثال، بل منذ وجدت السينما مع بدايات القرن الـ20، عن استعارتها لتصميم ديكورات أفلامهم. في تلك اللوحات، نكاد نعثر، بسهولة، ليس فقط على استذكار للمواضيع الدينية والتاريخية، كما في “عرس قانا الجليل” المذكورة آنفاً، أو “العشاء في بيت ليفي”، و”العشاء في بيت سيمون”، وكذلك في لوحة تاريخية لا تقل شهرة عن تلك اللوحات هي “أسرة الإسكندر المقدوني”، نفاجأ أول ما نفاجأ بالمكانة الأساسية التي يشغلها الديكور وتحديداً الهندسة المكانية للموقع الذي يجري الحدث فيه، سواء كان حدثاً داخلياً أو في الهواء الطلق. غير أن هذا الواقع يفرض علينا، هنا، ما يجدر بنا أن نرى فيه، ليس، تماماً، تصويراً لواقع عمراني موجود وحقيقي، بل لعمران مؤمثل. وبكلمات أخرى: للترتيب المكاني المتخيل والممكن الوجود، وهو غالباً ما يتجلى كنوع من المزيج بين عمرانين متكاملين، هما العمران الإغريقي والعمران الروماني، حتى وإن كانت ثمة في هذه الزاوية أو تلك، لمسات مصرية أو فارسية وحتى “صينية”، ونضع هذه بين معقوفتين بالنظر إلى أنه لئن كانت اللمسات المصرية والفارسية تبدو مستقاة من رصد ميداني ممكن، للقرب الجغرافي نسبياً بين إيطاليا النهضوية ومصر وفارس، فإن الإضافة الصينية تبدو متخيلة تماماً وربما مستقاة، على الأرجح، من التوصيفات المزيفة التي أوردها الإيطالي ماركو بولو في كتابه الشهير… والشهير على رغم أنه متهم، منذ زمن بعيد، بأن مؤلفه كتبه من دون أن يزور الصين! المهم، هنا، بالنسبة إلينا هو العودة إلى ذلك الجانب الهندسي في لوحات فيرونيزي كتعبير عن اهتمام نهضوي عام بالتضافر بين تلك الفنون جميعاً. البحث عن مثل أعلى ومن الواضح أن فيرونيزي نفسه يقدم لنا النموذج الأكثر قوة على ما نرمي إليه، وهو أمر يسهل علينا اليوم تلقيه وفي انفصال بحثي تام، عن البعد الحدثي لموضوع اللوحات، بل تحديداً عبر العلاقة بين العنصرين النهضويين الأساسيين المتجليين من خلال معظم ما رسمه ذلك الفنان الذي لا بأس من التأكيد، مرة أخرى، على جمعه الخلاق بين الرسم والهندسة، ولكن انطلاقاً من خياله وليس من الواقع المرسوم نفسه. ولعل ما يجدر التنبه إليه في هذا السياق، هو أن لا فازاري ولا أي باحث آخر في فن فيرونيزي أو فن أي واحد آخر من بين النهضويين الذي جمعوا الإبداعين معاً، حدثنا عن قصور معينة أو ساحات أو فضاءات معروفة استعيرت لتتموضع الأحداث الدينية أو التاريخية فيها، بينما نعرف، مثلاً، كيف أن رافائيل، أحد كبار الكبار في الفن النهضوي قد جعل من بعض لوحاته، ومنها على أية حال، رائعته “مدرسة أثينا”، مكاناً للتعبير عن “المدينة الفاضلة” كما يتصورها فلسفياً وعمرانياً، في سياق بحثه عن فلسفة للعمران يمكن أن تقود الخطى على طريق التصور الخلاق لمكان الحكم والتفكير والعبادة وربما العيش أيضاً. ومن هنا يكون رافائيل وعلى خطاه فيرونيزي، بل حتى العدد الأكبر من أساطين الفن والفكر والعمران في العصر النهضوي، قد نقلوا إلينا، وبالصورة تحديداً، تصوراً لذلك الحيز المكاني الذي يحمل في الفلسفة اليوتوبية، بل حتى في ما سيعرف بالخيال العلمي، تصورهم للمكان كمستقر للاجتماع البشري، وتحديداً من خلال تصويرهم الفذ الحكايات والأساطير لمواضيع أخلاقية وأمثولات وما إلى ذلك ما يمكننا من أن نعتبر الفن التشكيلي، لا سيما النهضوي منه، نوعاً من المساهمة، ولو المواربة، في مسار البحث الإنساني عن المثل العليا. المزيد عن: فيرونيزيالعشاء في بيت ليفيعرس قانا الجليلالموناليزااللوفرجورجيو فازاري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل منح الجمهور صك الغفران لفضل شاكر بعد التوهج الفريد بـ”أحلى رسمة”؟ next post “المخطط الفينيقي”: مغامرة بصرية برؤية ويس أندرسون الخالصة You may also like مخرج إيراني “قلق” من العودة إلى بلده بعد... 24 مايو، 2025 “قيمة عاطفية” في “كان”… السينما كبلسم للجراح 24 مايو، 2025 “المخطط الفينيقي”: مغامرة بصرية برؤية ويس أندرسون الخالصة 24 مايو، 2025 إيمانويل تود يعيد قراءة المشهد العالمي في “هزيمة... 23 مايو، 2025 “متجول بين عالمين” رواية أخرى عن حرب لا... 23 مايو، 2025 “عميل سري” و”صراط”… سينما “كان” المشعة بقلق الوجود 22 مايو، 2025 كيف يستفيد الروائيون العرب من الواقعية السحرية؟ 22 مايو، 2025 “المنحرفون” الفيلم الذي أودى بنجومه إلى نهايات بائسة 22 مايو، 2025 محمد السيد إسماعيل… ثقل إبداعي خفيف الوقع 22 مايو، 2025 الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية... 21 مايو، 2025