بعد انتهاء الحرب سجلت حركة نزوح من الضاحية الجنوبية لبيروت للبحث عن أماكن سكن دائمة خارجها (ا ف ب) عرب وعالم هل تفرغ ضاحية بيروت الجنوبية من سكانها؟ by admin 19 مايو، 2025 written by admin 19 مايو، 2025 14 الضربات الإسرائيلية الأخيرة زلزلت الإحساس بالطمأنينة اندبندنت عربية / فدى مكداشي صحافية @FidaMikdashi ليست الضاحية الجنوبية لبيروت في حاجة إلى من يذكرها بثقل الذاكرة. فالوجوه تغيرت، ومعها الشوارع وحتى الهواء تغير، في الأزقة التي كانت تضج بالحياة وتفيض بحكايات الانتصارات والخسارات، بات الفراغ جزءاً من المشهد، والتوجس سيد اللحظة. الضربات الإسرائيلية الأخيرة لم تسقط فقط على الأسمنت، بل زلزلت الإحساس بالطمأنينة، وفتحت الباب واسعاً أمام سؤال موجع: هل بدأت الضاحية تفرغ من أهلها، وهل النزوح الجاري مجرد استراحة موقتة بانتظار الترميم، أم هو الفصل الأول من تحول ديموغرافي هادئ يعيد رسم حدود المكان والهوية؟ مشهد لسوق الخضراوات في منطقة برج البراجنة (الضاحية) وسط ازدحام السير خلال النهار (اندبندنت عربية) بين باسل الذي أغلق باب بيته وتوجه نحو بعبدا (جبل لبنان)، وأبو حسين الذي لا يزال يطارد رزقه برائحة القهوة، وبين متجر يرمم وآخر يقفل بصمت تتوزع الروايات، وبعض هؤلاء يعدون البقاء نوعاً من “مقاومة”، وآخرون يرونها مقامرة مكررة في مكان لا يعد بالاستقرار. من النزوح الموقت إلى قرار دائم بالمغادرة يروي باسل، أحد سكان الضاحية الجنوبية، مسار خروجه من المنطقة قائلاً “في الحقيقة، غادرنا الضاحية منذ اغتيال القيادي في ’حزب الله’ فؤاد شكر. لجأنا حينها إلى بحمدون في جبل لبنان، ثم انتقلنا لاحقاً إلى الجنوب، حيث شعرنا بشيء من الأمان كون المنزل هناك يبتعد عن مناطق التوتر”، وتابع “مع عودة العام الدراسي، بدأنا نبحث عن منزل بديل. وعندما اندلعت الحرب كنا في سفر. ما إن عدنا حتى قررت استئجار شقة في الأشرفية (بيروت)، حيث أمضينا فترة الحرب. لكن بعد انتهائها لم يكن من الممكن الاستمرار هناك، فالموقع بعيد من مدارس الأولاد، مما دفعنا إلى الانتقال إلى منطقة بعبدا”. وعن العودة إلى الضاحية، يقول باسل “تعرض منزلنا لأضرار جسيمة جراء ضربة وقعت مباشرة أمامه. صحيح أنه لم يدمر بالكامل، لكنه بات غير قابل للسكن. قدرت فترة الترميم بأربعة إلى خمسة أشهر، لذلك أول ما فعلته هو البحث عن منزل خارج المنطقة. اليوم، نحن نرمم منزلنا لتأجيره، لا السكن فيه، فالبيع أو الشراء باتا غير منطقيين بسبب انهيار الأسعار. التجربة علمتنا كثيراً، واتخذنا قراراً نهائياً بعدم العودة إلى الضاحية، بغض النظر عن الوضع الأمني. ببساطة، لا نريد تكرار المعاناة كل 10 أعوام، بين إعمار جديد ونزوح آخر”. وعن هذا النزوح الجماعي، يؤكد باسل أننا “لسنا وحدنا. مئات العائلات غادرت. كل من لديه القدرة المادية للخروج، فعل ذلك. من استطاع الانتقال إلى بيروت أو مناطق محيطة كالشويفات، عرمون، بشامون، بعبدا، الحازمية، فرن الشباك، فعلها. أما من بقي، فإما لا يملكون خياراً، أو مرتبطون بأعمال داخل الضاحية، أو من الملتزمين حزبياً، أو ببساطة اعتادوا على نمط الحياة هناك”. ازدواجية في المشهد الاقتصادي يرى آخر من سكان منطقة برج البراجنة (الضاحية) أنه “على رغم تراجع عدد السكان، لا تزال الضاحية تحتفظ بأكبر سوق شعبية، خصوصاً لجهة المواد الغذائية والملابس. الأسعار منخفضة مقارنة بباقي المناطق، مما يجعلها وجهة للشراء حتى لمن غادرها. شخصياً، أعود أحياناً للتسوق لأن كلفة الحاجات أقل بكثير. مثلاً، ما أشتريه بـ60 دولاراً في بيروت، أحصل عليه بـ25 في الضاحية”، ويضيف “أهل الضاحية، بطبعهم، يحبون الإنفاق ولا يبخلون على أنفسهم. حتى أثناء النزوح، كان الناس يشترون كميات كبيرة من الطعام”. وعن تداعيات الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية اقتصادياً، يقول “كل ما يتعلق بالطعام والألبسة لم يتأثر كثيراً. لكن القطاعات المرتبطة بالتجديد والترميم توقفت بعد أول شهرين، حين صرف الحزب التعويضات. بعدها، توقف الناس عن تجديد أثاثهم أو ترميم بيوتهم. المحال عادت تعمل جزئياً، لكن المشاريع الكبيرة توقفت. وبقيت الحاجات الأساسية تباع بنشاط لأن السكان، سواء العائدون أو الباقون، في حاجة إلى الأكل والشرب”. في أحد أحياء الضاحية، يقف أبو حسين أمام محله الصغير لبيع القهوة، يراقب حركة المارة بعين متعبة ويسترجع في ذهنه أيام الذروة. يقول “الوضع ضبابي، فالمسؤولون يقولون إن السوق بخير لكن الحقيقة مغايرة. أعمل في بيع القهوة منذ أعوام، وأعرف نبض الشارع من رائحة البن. حركة البيع خفت والناس تغيروا، وكثر غادروا ولم يعودوا”، مضيفاً “صحيح أن هناك من لا يزال يردد أن الأمور على ما يرام، لكنني أراها تتراجع شيئاً فشيئاً، لم يعد العمل كما كان في السابق، فالإيقاع تبدل، والضاحية ليست كما كانت”. أنقاض مبان مدمرة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت في 10 أكتوبر (أ ف ب) الاعتبارات الأمنية الدافع الأول للنزوح في حديث مع أحد سكان حارة حريك، وتحديداً من حي السفير، يروي عبدالله تجربته قائلاً “الاعتبارات الأمنية كانت الدافع الأول الذي جعلني أفكر جدياً في مغادرة الضاحية. فعندما تقع عملية اغتيال، لا يسبقها إنذار ولا تحذير، بل تحدث فجأة، وقد تقع على مسافة قريبة جداً من منزلك، كما حدث معنا ذات فجر، حين استهدفت المنطقة نحو الساعة الرابعة صباحاً، وشعرنا حينها أننا في قلب المعركة”، ويتابع عبدالله الذي يعيش في الضاحية مستأجراً لا مالكاً “حاولت الاستئجار خارج الضاحية، لكن الكلفة كانت باهظة. الإيجارات مرتفعة، وكلفة النقل والمصاريف اليومية تزداد. لذلك، كان الخيار صعباً. كثر من السكان غادروا، خصوصاً من يملكون منازل في مناطق قريبة كمنطقة بعبدا أو محيطها”. ولدى سؤاله إن كانت الضاحية قد خلت من سكانها، أجاب “لم تهجر بشكل كامل، لكن عدد السكان تراجع. بعض الأبنية تضرر أو دمر بالكامل، وسكانها اضطروا إلى المغادرة. بعضهم بقي ضمن الضاحية، وآخرون انتقلوا إلى مناطق أكثر بعداً، كما أن النشاط التجاري تأثر، فقد أغلقت متاجر عديدة، خصوصاً تلك التي كانت تقع أسفل المباني المستهدفة، من مطاعم وسوبرماركت وصالات”. اقتصاد الضاحية: بين التراجع والتأقلم يصف عبدالله تغير المزاج الشعبي بعد الحرب الأخيرة، قائلاً “في البداية، ساد شعور عام برغبة في إنهاء الحروب والتخلي عن السلاح. الناس كانوا يقولون: اكتفينا، لا نريد سلاحاً أو مقاومة بعد الآن. لكن مع تطور الوضع في سوريا وتراجع التهديدات الإسرائيلية، عاد القلق مجدداً، وبدأ البعض يطرح أسئلة: إذا سلمنا السلاح، من يحمينا، هل يتكرر سيناريو السلاح الفلسطيني؟ وهكذا تغير المزاج تدريجاً”. أما عن الوضع الاقتصادي فيقول، “المطاعم والمقاهي عادت للعمل، وبعضها افتتح مجدداً بعد الحرب. أسواق الخضراوات، الأفران، والنوادي الرياضية لا تزال نشطة، لكن متاجر الملابس والأثاث تراجعت”. وعن انحسار التهريب وارتفاع الأسعار، يشير عبدالله إلى أنه “قبل الحرب، كانت البضائع الصينية تدخل إلى الضاحية عبر طرق تهريب غير رسمية من سوريا، لكن بعد إغلاق المعابر وتوقف التهريب، ارتفعت الأسعار وتأثرت الحركة التجارية بصورة كبيرة”. مطعم وسط الركام… رهان على الحياة في أحد شوارع حارة حريك، وتحديداً على بعد مئات الأمتار من أحد الأبنية المتضررة، افتتح أحد الشبان، وهو خريج إدارة أعمال، مطعماً صغيراً للمأكولات السريعة. يقول طارق إن الناس وصفوني بالمجنون لإقدامي على هذه الخطوة، “صحيح الوضع الأمني مرعب، لكن الحياة مستمرة، والناس لا يزالون يريدون أن يأكلوا ويشربوا”. ويضيف طارق “الضاحية لا تزال تنبض بالحياة، وفيها من لا يزال يتمسك بها ويحب العيش فيها، وأنا أعمل لأجل هؤلاء”. الأبنية المتضررة رئيس بلدية حارة حريك زياد واكد يكشف لنا أن “الحديث عن تفريغ سكاني مبالغ فيه”، موضحاً بالأرقام واقع الأضرار ونسب العودة التدريجية للسكان، ويقول “مع توقف العمليات العسكرية في ديسمبر (كانون الأول)، بدأ السكان بالعودة تدريجاً، لكن ليس جميعهم. في نطاق حارة حريك وحدها، لدينا نحو 4500 وحدة سكنية متضررة، بينها 500 مهدمة بالكامل، موزعة على نحو 130 مبنى. أما الأبنية المتضررة جزئياً فعددها يقارب 4 آلاف”، مضيفاً “من تمكن من إصلاح منزله عاد، أما من تهدم منزله كلياً أو فقد جزءاً أساساً منه، فلا يزال ينتظر بدء إعادة الإعمار. نحن بانتظار التمويل الخارجي لتبدأ الدولة بالمساعدة”. وعما إذا كانت هناك حركة نزوح دائمة، قال “لم نلحظ مغادرة جماعية ممن يملكون منازل صالحة للسكن. البعض غادر إلى منازل يملكها في الجبل أو في مناطق مجاورة، لكن لا يمكن الحديث عن ظاهرة. من يملك بيتاً سليماً لم يغادر ليستأجر خارجه. هذه حالات نادرة”، وتابع “صحيح أن هناك تراجعاً في الكثافة السكانية نتيجة تضرر بعض الأبنية، لكن على الأرض، الحركة لا تزال قوية: المدارس مفتوحة، الأسواق نشطة، والمحال تعمل بنسبة تفوق 90 في المئة. الأحياء التي شهدت ضرراً مباشراً تأثرت حتماً، لكنها لا تعبر عن حال الضاحية ككل”. الضاحية لا تزال مركز جذب وعن الحركة الاقتصادية أكد أنها “لم تتوقف”، معتبراً أن “الضاحية مدينة مكتفية تجارياً، يقصدها الناس من خارجها، فيها تجارة جملة ومفرق، ومؤسسات صحية وخدمية ومصانع صغيرة. كما أن حركة الإيجارات مستمرة، والطلب مرتفع، ولا تجد شقة شاغرة بسهولة، سواء داخل الضاحية أو في محيطها”. وعن الخدمات الاجتماعية والأمنية، أكد أن “المراكز الصحية في الضاحية تعمل بكفاءة، ولدينا مستشفيان فاعلان هما بهمن والساحل. كما ننسق يومياً مع القوى الأمنية ووزارة الداخلية لضبط المخالفات ومعالجة أي تجاوزات. هناك وجود دائم للدوريات، والتنسيق مع مخافر الضاحية نشط جداً”. لا تغيير ديموغرافياً وشدد رئيس بلدية حارة حريك على أن “ما يحصل ليس تحولاً ديموغرافياً بل هو ظرف أمني”، وقال “لا يوجد تغيير ديموغرافي. لا أحد غير قيده أو سجل نفسه خارج الضاحية، لا من الطائفة الشيعية ولا من إخواننا المسيحيين الذين يسكنون في أطراف الضاحية منذ عقود”. وتمنى وأكد “السلام لهذا البلد المنهك. اللبنانيون تعبوا، وهم لا يطلبون المساعدة المالية، بل فقط أن يرفع الضغط عنهم. حينها، سنعرف كيف ندبر شؤوننا”. المزيد عن: الضاحية الجنوبية لبيروتالضربات الإسرائيليةحارة حريكحرب لبنانأسلحة حزب الله 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post طفل في حضن أبيه يلهم شوبرت موسيقى مفعمة بالحياة next post كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة You may also like سرقة نحو 5 ملايين دولار من منزل سيدة... 19 مايو، 2025 بريطانيا وفرنسا وكندا تهدد بخطوات ضد إسرائيل إذا... 19 مايو، 2025 تسللت بملابس مدنية… قوة إسرائيلية خاصة تغتال قيادياً... 19 مايو، 2025 استعادة أرشيف كوهين بادرة “حسن نية” سورية أم... 19 مايو، 2025 أوجلان: إصلاح العلاقات التركية- الكردية يحتاج إلى “تحول... 19 مايو، 2025 كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات... 19 مايو، 2025 “الجمعية”… اقتصاد “القرض الدوار” ينشط بصمت في مصر 19 مايو، 2025 حكم إيراني بإعدام 3 أشخاص لدورهم في هجمات... 18 مايو، 2025 «الشاباك» يحبط محاولة تجسس «إيرانية» على بينيت 18 مايو، 2025 إسرائيل تلاحق سكان جنوب لبنان بـ«القنابل الصوتية» 18 مايو، 2025