جواكينو روسيني (1792-1868) (ويكيميديا) ثقافة و فنون هل من المسلمات أن الإيطالي روسيني تفوق على موزارت بتلحين بومارشيه؟ by admin 13 مايو، 2025 written by admin 13 مايو، 2025 12 من المؤكد أن “حلاق إشبيلية” أوسع شهرة من “زواج فيغارو”… فهل هي الأفضل؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هما في الأصل مسرحيتان انتقاديتان اجتماعيتان كتبها الفرنسي بومارشيه (بيير أوغستن كارون دي بومارشيه) (1732 – 1799) في العامين المتباعدين 1775 و1784، ليوجه فيهما نوعاً من النقد الحاد للحياة الاجتماعية في بلده عشية الثورة الفرنسية ضمن إطار مواقفه السياسية التي كانت تقدمية في ذلك الحين، وتوجه غمزات قاسية إلى التفاوت الحاد بين الطبقات الاجتماعية، تفاوت لا ريب أنه سيكون في خلفية تلك الثورة. ومن هنا اعتبار النصين من الأعمال الإبداعية التي مهدت لها. ونحن نتحدث هنا طبعاً عن “حلاق إشبيلية” و”زواج فيغارو” بالتأكيد، المعتبرتين من أشهر النصوص المسرحية الجامعة بين الجدية والهزل. لعل القاسم المشترك الأساس بين العملين هو أنهما من إنتاج إثنين من كبار موسيقيي الأوبرا عند نهايات القرن الـ18، موزارت (فولفغانغ أماديوس موزارت)، وبدايات القرن الذي يليه، روسيني (جواكينو روسيني)، إذ كانا هما من تصديا لموسقة هذين العملين بفارق 30 سنة بين العمل الأول، “زواج فيغارو” (1786) لموزارت، والثاني “حلاق إشبيلية” (1816) لروسيني. والحال أن تكامل العملين في نصي بومارشيه واستباق موزارت لروسيني بكل تلك الأعوام والمكانة التي يحتلها فن كل منهما في تاريخ الموسيقى والأوبرا بصورة خاصة، جعل دائماً من المقارنة، وربما أيضاً المفاضلة، بين العملين شغلاً شاغلاً لنقاد الموسيقى ومؤرخيها. هل تفوق التلميذ على أستاذه؟ من البديهي طبعاً أن نسارع هنا إلى تأكيد أن المقارنة لا تسري على كل المسار الموسيقي لكل منهما. فلئن كان من البديهي القول إن إنجازات روسيني لا يمكن، بصورة إجمالية، أن تقارن بإنجازات موزارت التي تضع هذا الأخير في الصف الأول المميز بين موسيقيي كل الأمم وكل الأزمنة، فإن تميز روسيني، ولكن ليس عن موزارت على أية حال، يبقى محصوراً في كونه يحتل مكانة متقدمة فقط في الفن الأوبرالي، وفقط بعد خلفه الكبير جوزيبي فيردي، لكن أوبرا “حلاق إشبيلية” تقف، وحدها، متفردة خارج إطار هذا التقييم، وليس فقط من ناحية التلقي الجماهيري العام لها، بل من الناحية الموسيقية البحتة أيضاً. فهي ليست فقط أكبر أوبرا كتبها روسيني مبدعاً فيها تجديدات كثيرة لافتة، بل من النوع الذي يفرض نفسه على الأجيال التالية ويخلق لفن الأوبرا، بصورة عامة، آفاقاً لا سابق لها. ناهيك باعتبارها أعظم عمل “كوميدي جاد” في تاريخ هذا الفن. ومن المؤسف حقاً أن يكون بومارشيه نفسه قد رحل عن عالمنا قبل سنوات عديدة من ظهور “حلاق إشبيلية”، هو الذي أثار إعجابه حقاً تلحين موزارت النص الأول، وأبدى رغبته في مشاهدة النص الثاني مموسقاً على الشاكلة نفسها. لو كان بومارشيه حياً لعبر عن سروره بما حققه روسيني، وهو المعروف بذوقه الفني البورجوازي المرهف، البورجوازي مع رغبة في أن تصل فنون طبقته هذه إلى الجمهور العريض. والحقيقة أن ذلك ما حققته أوبرا روسيني على العكس من أوبرا موزارت على أية حال. وهو أمر يجمع عليه المعلقون، ولم يبدلوا رأيهم في صدده طوال القرون التالية. وفي هذا السياق قد يمكننا أن نقول إن القسمة بين العملين كانت عادلة: لموزارت أناقة الفن ونخبويته والضحكات الرصينة، بينما لروسيني السخرية الشعبية والجماهير العريضة والوقفات والقفشات التي تكاد تكون تحديثات بديعة لأجمل ما في الكوميديا “ديلارتي” من قدرات اجتذاب، والمساعدة على تمضية وقت رائع في حضرة ممثلين – مغنيين يسرحون ويمرحون على الخشبة مشعلين الطمأنينة في الأفئدة والغضب الطبقي في العقول. خارج الحسابات المسبقة ولكن من المؤكد أن جواكينو روسيني (1792 – 1868) لم يقصد الوصول إلى تلك النتيجة التي قد يمكننا أن نقول عنها اليوم إنها كانت رمية من غير رامٍ، فهو في حقيقة أمره لم يكن مناضلاً وذا مواقف اجتماعية، ولا ساعياً لأية مثل سياسية عليا. كان مجرد فنان كبير لا يهتم إلا بفنه والتفوق فيه. وهنا كان كل همه أن يقول الناس إنه تفوق على كبير الكبار في فن الأوبرا الذي كان، كالناس جميعاً، يعتبره فناً إيطالياً يحاول الألمان “سرقته” و”لا بد من استعادته منهم”، وهو على أية حال الموقف الذي سيرثه فيردي فيه ساعياً هو الآخر لاستعادة هذا الفن من الألمان، ولكن هذه المرة من طريق الكبير فاغنر (ريتشارد فاغنر) الذي سيكون منافسه الرئيس سنوات وسنوات، بيد أن هذه حكاية أخرى على أية حال. حكايتنا هنا هي إذاً روسيني، وهذه الأوبرا التي قدمت في عرضها الأول، يوم الـ20 من فبراير (شباط) 1816 على مسرح “أرجنتينا” الروماني بقيادة للأوركسترا قام بها روسيني نفسه، وكان لا يزال في الـ24 من عمره، وهي منذ ذلك الحين واصلت حضورها المدوي على معظم المسارح الأوبرالية في شتى أنحاء العالم ولا تزال تفعل حتى الآن. ولعل اسم بومارشيه لم يخلد على أية حال إلا بفضل هذه الأوبرا، كما بفضل أوبرا موزارت التي كانت النموذج الذي احتذاه روسيني، علماً أن العملين يشكلان من ناحية النص جزأين من ثلاثية لبومارشيه يبدو ثالثهما، وعنوانه “الأم المذنبة”، منسياً اليوم. علماً أنه حتى وإن كان موزارت قد اختار لأوبراه النص الثاني فيما كان النص الأول هو اختيار روسيني، فإن أحداث هذا الأخير تأتي سباقة على أحداث “زواج فيغارو”، من دون أن ننسى أن فيغارو، الذي تحمل اسمه اليوم واحدة من أقوى صحف اليمين الفرنسي، هو البطل المشترك للعملين معاً. وما فيغارو سوى حلاق الدكتور بارتولو الذي يهيم بغرام الحسناء روزين الخاضعة لوصاية الكونت المافيفا أحد كبار المجتمع الإسباني. ومهما يكن من أمر هنا، وحتى وإن لم يكن فيغارو الشخصية المحورية، أي العاشق كالعادة، فإنه هو محرك الأحداث والوجه الكوميدي الانتقادي الصارخ والصاخب في هذه الأوبرا برمتها، وذلك ما يبديه روسيني واضحاً منذ المشهد الأول الذي يسير بالتواكب مع الافتتاحية، حيث تدخل الموسيقى وغناء فيغارو مباشرة في صلب الحبكة، مما شكل فرادة، وخلد شخصية فيغارو وتلك الأوبرا إلى الأبد. وربما لا نكون هنا في حاجة إلى الإسهاب في وصف الأحداث، فهي هنا كما تلوح دائماً في ما يسمى “أوبرا بوفا”، وتتوزع على مناورات ومغامرات ومواقف تصل في أصحابها إلى حد التهريج، غير أنه تهريج اجتماعي يبدو صارماً هنا. ولعل صرامته تنطلق مع إشعارنا، في مجال الغناء كما في مجال الموسيقى، بأن فيغارو هو في الحقيقة سيد اللعبة، وإن كان يلعبها لحساب معلمه الذي لا يعدو كونه عاشقاً ولهاناً لروزين، يعرف أنه لن يكون قادراً على الوصول إلى خطب ودها إن لم يعاونه حلاقه على ذلك. ومن هنا تنقلب لعبة السيد والمسود بصورة متعمدة، تجاوز في الأزمنة التالية هذه “الصدفة” في مجال القلبة الاجتماعية، ليصبح نوعاً من قاعدة في اللعبة الدرامية، قاعدة سيكون لها شأنها في الحياة الاجتماعية نفسها. ويمكننا أن نقول هنا إن جزءاً كبيراً من أهمية هذه الأوبرا، إنما يكمن هنا كما يكمن بالنسبة إلى الموسقة التي قام بها روسيني على مبدأ تكريس الموسيقى الأكثر حيوية في ألحان “حلاق إشبيلية” للحلاق نفسه، إذ من الواضح أن كل دخول أو تدخل له في مجرى الأحداث، يتواكب مع هبات واندفاعات موسيقية مدهشة تجعل مشاهده تبدو وكأنها توقظ جمهوراً ساهياً، بالتالي تجعل له في العمل ككل، بطولة، فنية إن لم تكن عاطفية، معقودة، له مُضفية على الأوبرا طابعاً ربما لم يكن ليحلم به أحد غير بومارشيه نفسه تحديداً عشية الثورة الفرنسية. المزيد عن: أوبرا حلاق إشبيليةجواكينو روسينيزواج فيغاروبومارشيه 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post القوة الأممية: عثرنا على 225 مخبأ سلاح في جنوب لبنان وأحلناها للجيش next post أساطير علاج السرطان بالطرق البديلة You may also like رحيل كافون صوت الشباب المهمش في تونس 14 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: شاهدان جنائزيان من البحرين... 13 مايو، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: تريستان وإيزولد يرسمان للعشق... 13 مايو، 2025 “حي بن يقظان” ما زال يعاصرنا بعد 850... 13 مايو، 2025 يوم زاوج بلزاك في “الجلد المسحور” بين الفانتازيا... 13 مايو، 2025 “بيبي جيرل” الانتصار للرغبة ولو بكسر القواعد 13 مايو، 2025 «جماليات الإفصاح الوجداني»… قراءات في الأدب الألماني 12 مايو، 2025 “العروس الشابة” رواية فانتازية للإيطالي أليساندرو باريكو 12 مايو، 2025 مونتسكيو يخرق صرامة “روح الشرائع” بكتابة لئيمة ساخرة 12 مايو، 2025 تاريخ بأسره وإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وفيلم... 11 مايو، 2025