أرتيميسيا في بورتريه ذاتي بين المعروضات الباريسية (ويكيبيديا) ثقافة و فنون أرتيميسيا تلميذة كارافاجيو التي تفوقت عليه تستعيد مكانتها إنسانة وفنانة بعد نسيان by admin 10 مايو، 2025 written by admin 10 مايو، 2025 26 الحركات النسوية التفتت إليها وإلى إبداعها ولكن فقط على ضوء المواساة التي عاشتها اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قبل ما يزيد قليلاً على نصف قرن من الزمن، وفي عز الحركات النسوية العالمية التي اندلعت في العالم أجمع، ولكن خصوصاً في أوروبا، حدث أن نسويات ذلك الحراك اكتشفن بطلة جديدة لهن بالكاد كان بعض منهن سمعن بها قبل ذلك. ومع هذا كانت تلك “البطلة” معروفة للحلقات الضيقة من الحياة الفنية الإيطالية منذ عصر النهضة المتأخرة، غير أن المشكلة كانت تكمن قبل ذلك في أن شهرة البطلة المعنية، ارتيميسيا جنتلسكي، لم تكن قائمة على تراثها الفني، بل على ذلك الجزء من سيرة حياتها، المنطلق من المأساة التي تعرضت لها في زمن مراهقتها، وما نتج من ذلك من صراعات ومحاكمة سنتحدث عنها بعد أسطر. أما هنا فلا بد من أن نتوقف عند تلك الاستعادة لفن تلك السيدة، التي كان سبق أن أشرنا إليها في هذه الزاوية من خلال حديثنا عن واحدة من لوحاتها. ولعل في مقدورنا أن نتوقف هنا عند أبعاد ثلاثة تكون تاريخها الفني: من ناحية كونها ابنة واحد من كبار فناني النهضة في القرن الـ17، وثانياً كونها وهي امرأة، وهو أمر نادر بالطبع قبل القرن الـ20، تلميذة نجيبة للرسام النهضوي الكبير كارافاجيو، يرى كثر من المؤرخين والمعلقين أنها تفوقت عليه في النكهة النسائية ونكهة الغضب التي تلوح من لوحاتها، وبعد ذلك بالنسبة إلى كونها رسامة كوزموبوليتية في زمن لم يكن فيه لمثل تلك النزعة الجوالة بين الأمم وجود، ولا سيما بالنسبة إلى النساء. فهي ولدت وترعرعت في فلورنسا لتبارحها بعد “الفضيحة التي طاولتها”، متوجهة إلى روما، حيث عاشت ورسمت سنوات طويلة، لتنتقل بعد ذلك إلى لندن في رحلات متقطعة مارست تأثيراً كبيراً في فنها، قبل أن تعود وتستقر أخيراً في نابولي منذ عام 1640 وحتى نهاية حياتها في عام 1656. أجزاء من حياة عاصفة ولئن كان انخراط أرتيميسيا في الرسم يبدو لنا أمراً غير عادي، في زمن لم يكن فيه للمرأة أي وجود خارج بيتها وأسرتها، فإن الأغرب من ذلك تجوالها لمساحات زمنية طويلة في ذلك العالم الشاسع الذي جعلته عالمها. ودائماً متكلة على فنها وعلى نفسها، تراقب العالم وأحواله عبر بصيرة نفاذة وقلق وجودي كبير، كما قد تقول لنا لوحاتها التاريخية، التي رأت فيها نسويات القرن الـ20 معركة مبكرة فاقعة ضد الذكور، ولو عبر حبكات دينية وتاريخية، وذلك موضوع آخر على أية حال، لا بد من العودة له دائماً لأهميته. وهنا وعلى عكس ما كان سائداً طوال القرن الـ20 من حول أرتيميسيا وحكايتها الفنية، سنحاول أن نرجع بعض الشيء إلى ما راح يبدو منسياً من جديد في سيرتها: المحاكمة نفسها والمواساة الكامنة وراء تلك المحاكمة. أما المناسبة فمدهشة، إذ من دون تمهيد تقريباً، ها هي العاصمة الفرنسية تشهد اليوم، ومنذ مارس (آذار) الماضي حتى بدايات أغسطس (آب) المقبل، وفي متحف جاكمار – أندريه الذي اعتاد أن يقدم النهضويين وأعمالهم، عرضاً لنتاجات أرتيميسيا تضم ما يمكن اعتباره أكبر مجموعة من اللوحات التي رسمتها خلال حياتها، مع إطلالة على فن أبيها، الذي يبدو أنه اليوم لا يتمتع ولو بجزء من الشهرة التي باتت هي تتمتع بها منذ بدايات القرن الـ20، على أية حال، وليس تماماً منذ “اكتشاف” النسويات لها. ولكن لماذا منذ بدايات القرن الماضي؟ ببساطة لأن مؤرخ فن كبيراً، هو روبرتو لونغي، أصدر في عام 1916 نصاً عنوانه “آل جنتيلسكي، أباً وابنة” نسف فيه ذلك النسيان، الذي ظل يغمر ذكرى ارتيميسيا طوال ما يزيد على قرنين من الزمن. وما كشف عنه لونغي في نصه إنما كان الموهبة الكبيرة التي حكمت أعمال ارتيميسيا، التي كانت دائماً مشتتة في المجموعات الخاصة، بعيدة من المتاحف التي نادراً ما كانت تهتم بالفنون النسائية. صحيح أن الكشف كان يومها مذهلاً، لكنه بقي محصوراً داخل الحلقات الضيقة. بل إن الشهرة التي طاولت “قضية” أرتيميسيا مع اهتمام نسويات مايو (أيار) 1968 بها، لم تنعكس على مكانة لوحاتها حتى عام 2017 حين دفع ناشنال غاليري اللندني نحو 3 ملايين يورو (حوالى 3,368 مليون دولار) ثمناً لواحدة من بورتريهاتها الذاتية، ليتلوه متحف بروكلين، ويشتري بعد حين لوحتها “لوكريتشيا” بنحو 5 ملايين يورو. (حوالى 5,613 مليون دولار) وسيعبر المتحف البريطاني عن فخره بعملية الشراء تلك في المعرض الشامل لأعمال ارتيميسيا في عام 2020، الذي عرض فيه تلك اللوحة لمرة نادرة أمام الجمهور العريض. جزء مكون من تراث نهضوي وهكذا خلال أكثر قليلاً من قرن من الزمن، تمكنت أرتيميسيا من استعادة مكانتها، ولكن ليس فقط على حساب أبيها الذي لم يعد يذكر إلا بمناسبة الحديث عنها، فيتنبه الهواة إلى ذلك التطابق ليس فقط بين أسلوبيهما الفنيين، بل حتى بين المواضيع التاريخية وحتى التوراتية التي يتطرقان إليها في فنيهما. بل كذلك على حساب حكايتها “الأخرى” التي باتت إلى حد ما منسية، في زحمة تلك الاستعادة لفن يزدحم بالجمال والموهبة. صحيح أن هذا ما كانت تتوخاه الفنانة نفسها بعدما أنهكتها القضية وأتعبتها المحاكمة، وراحت تحس أن ضرراً كبيراً لحق بها من جراء ذلك كله. وهي حتى إذ تركت فلورنسا وهاجرت إلى روما حينها، ظلت الحكاية كلها أشبه بجرح يدمي فؤادها وكرامتها، فما الحكاية؟ ببساطة حكاية يمكن أن تحدث في أي مكان وزمان: فأورازيو لومي جنتلسكي والد أرتيميسيا الذي كان شديد الانشغال بفنه وبدعم عائلته، حين آنس من ابنته المراهقة ارتيميسيا، ذات 17 ربيعاً في ذلك الحين، اهتماماً وموهبة فنية استثنائية سأل صديقه وزميله الفنان أغوستينو تاسي أن يهتم بها ويلقنها أصول الرسم وتركيب الألوان وأسرار المنظور، وما إلى ذلك من شؤون كان تاسي معروفاً بقوة باعه فيها، لكن ما لم يكن مشهوراً به إنما كان نزواته كزير نساء لا يتورع عن الإقدام. وهكذا تمكن من إغواء الصغيرة الفاتنة، واغتصبها يوم دخل منزل عائلتها ولم يكن فيه غيرها. وهو بعد أن اقترف ما اقترف وأغوى المراهقة وعدها بالزواج، وهي استكانت لوعده وراحت توافيه بحسب ما راح يطلب منها في جولات ريفية، وهي واثقة من أنه عما قريب سيصبح زوجها، لكن الأسابيع والأشهر راحت تمضي وهو يكثر من الوعود قبل أن يختفي. وفي النهاية أدرك ما حدث وتوجه إلى بابا روما شاكياً إليه ما فعله تاسي في حق ابنته وتلطيخه شرفها، وقال أورازيو الأب في شكواه إن ثمة متهمين آخرين بالتواطؤ مع الجاني: امرأة كانت مكلفة بالإشراف على أرتيميسيا، وموظف كبير في الفاتيكان كانت تهمته من ناحيته أنه خدع أرتيميسيا كي تعطيه مجاناً لوحة من لوحاتها ليتستر عليها! وهكذا افتتحت المحاكمة التي اتهم فيها تاسي بما اعتبر “اغتصاباً لفتاة قاصر، وحض على الدعارة”. وبالفعل حكم على تاسي الذي اعتقل وأودع السجن، ولكن ماذا عن ارتيميسيا التي بات واضحاً أن شرفها تلطخ بالخطيئة انطلاقاً من أن تاسي لم يغتصبها مرة واحدة بل طوال ما يقرب من عام؟ بل ماذا عنها بعد ذلك بعامين حين قام كاردينال يدعى تشيبيوني بورغيزي باستئناف الحكم ضد تاسي، وتبرئته واضعاً اللوم كله على الفتاة؟ على تلك الشاكلة إذاً، باتت أرتيميسيا التي لم تكن بلغت الـ20 من عمرها في ذلك الحين، الضحية الوحيدة للحكاية كلها. صحيح أن ما من محكمة نطقت حكماً في حقها، وصحيح أن أباها وقف إلى جانبها وظل يدافع عنها، لكنها هي ستظل طوال حياتها الباقية لسنوات وعقود تشعر بوخز ذلك الجرح المزدوج الذي مزقها مرتين، مرة حين صدقت معسول كلام تاسي وأحبته وسلمته نفسها فغدر بها، ومرة أخرى حين سلمت قضيتها وشرفها للقضاء فتعاطف معها، ولكن فقط لفترة قصيرة قبل أن يتخلى عنها تاركاً إياها لعارها. المجروحة تنتقم لكن أرتيميسيا لم تستسلم لقبح مصيرها كما بتنا نعرف، بل إنها انتقمت ليس تماماً ممن أساء إليها، بل من المجتمع ككل. ولعل في مقدورنا أن نتعمق في ثنايا هذا الانتقام عبر تجوال نقوم به في معرض لوحاتها الباريسي، لندرك أن تلك المأساة وذلك الجرح لم يكونا فقط حدثين تاريخيين مدمرين في حياة أرتيميسيا، بل منطلقاً للفتاة التي وجدت في الفن منجاة لها، فعبرت في لوحاتها الذاتية الكثيرة مثلاً عن شموخها وعلو كرامتها، كما “انتقمت” من الرجال في لوحاتها التاريخية الدينية، مصورة تفوق “كيد المرأة” على مكرهم، عبر مشاهد صحيح أنها استقتها من التاريخ سائرة في ذلك على خطى أبيها، ولكن خصوصاً على خطى كارافاجيو، لكنها أتت لديها أشبه بلوحات ذاتية وتطلعات للانتقام من ظلم الرجال لبنات جنسها. المزيد عن: كارافاجيوأرتيميسياروبرتو لونغيالمتحف البريطانيبابا روما 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فؤاد السنيورة: سقطت كل حجج حمل السلاح next post أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر مايو 2025 You may also like عن الازدراء الفلسفي للوجود بعين الكاميرا السينمائية 10 مايو، 2025 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر مايو 2025 10 مايو، 2025 شعراء من العالم يلتقون في مهرجان كازابلانكا الدولي 10 مايو، 2025 تاريخ إيران من خلال مئة ألف بيت من... 10 مايو، 2025 صناعة السينما في بريطانيا تئن تحت وطأة رسوم... 10 مايو، 2025 القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها... 8 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: متحف نابو يوثق ذاكرة... 8 مايو، 2025 هاملت: من شخصية مسرحية إلى مادة لشتى الدراسات 8 مايو، 2025 رحيل محمد الشوبي الفنان المغربي الأكثر إثارة للجدل 8 مايو، 2025 لماذا سمى بودلير ديوانه «أزهار الشر»؟ 8 مايو، 2025