فرويد في عالم الإبداع من خلال هاملت (مواقع التواصل) فرويد في عالم الإبداع من خلال هاملت (مواقع التواصل) ثقافة و فنون هاملت: من شخصية مسرحية إلى مادة لشتى الدراسات by admin 8 مايو، 2025 written by admin 8 مايو، 2025 18 من أسئلة غوته إلى أجوبة فرويد مروراً بحيرة مئات الباحثين والفضوليين في كل مكان وزمان اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب ربما لم يعرف تاريخ الأدب وربما تاريخ الفكر الإنساني بصورة عامة، شخصيات كثيرة ابتكرها المبدعون تضاهي في قوتها وسحرها وصولاً إلى عمقها، شخصية “هاملت” أمير الدنمارك كما أعاد شكسبير اختراعه، إذا استثنينا “دون كيخوتي” و”دون جوان” وربما “يوليسيس” في العصور السابقة. ومع ذلك لا شك في أن أية تراتبية في هذا المجال، ستضع هاملت في المرتبة الأولى، ولو انطلاقاً مما أثارته تلك الشخصية من فضول دراسي منذ وجدت. وعلى رغم أن الاهتمام البحثي بهاملت بدأ منذ ظهر للمرة الأولى كشخصية محورية مسرحية في مسرحية شكسبير الأشهر، فإن الناس جميعاً يعرفون أن الشخصية تاريخية بالمعنى العلمي للكلمة بمعنى أن شكسبير لم يخترعها، بل أنه أراد اختراعها منطلقاً من حكايات معينة تتعلق بأمير دنماركي عاش تقريباً ظروفاً مشابهة لتلك التي سيعيشها بطل المسرحية. ومع ذلك لا بد دائماً لأي حديث عن هاملت الشكسبيري من أن يلفت النظر منذ البداية إلى أن شاعر بريطانيا الكبير ومسرحيها الأول لم يكن من شأنه أن يكتب “هاملت أمير الدنمارك” لو أن واحداً من أبنائه ويحمل اسم هاملت لم يمت في عز صباه مخلفاً لدى الأب جرحاً عميقاً. وهنا، قبل الوصول إلى موضوعنا، نجد أنه من الضروري أن نلفت انتباه قارئنا إلى أن الحزن الذي نتج لدى شكسبير من موت ذلك الابن هو الذي حرّكه لاستعادة الحكاية الدنماركية القديمة. وهو أمر لا شك سيخطر في بال كل من يتاح له أن يتعمق في مراجعة الحوار الذي يدور في المشهد الأول من المسرحية كما كتبها شكسبير وقدمها على الخشبة للمرة الأولى في عام 1598 أي بعد عامين من موت الابن في عام 1596 وهو في الحادية عشر من عمره. ونحن إذا أخذنا في حسباننا أن شكسبير نفسه على رغم أنه كان ممثلاً كبيراً وصاحب الفرقة يوم تقديم “هاملت” لم يلعب دور هذا الأخير بل دور الأب الشبح في حوار مريع مع ابنه، من المؤكد أننا سنجد لذلك الاختيار دلالة واضحة نعرف أن معظم المحللين الجديين لعمل شكسبير حرصوا على أخذها بكل جدية في تحليلاتهم. هاملت الشكسبيري في لوحة معبرة (مواقع التواصل) بين يدي شكسبير ومن المؤكد أن أمراً كهذا، ما كان يمكنه أبداً أن يفلت من نباهة سيد التحليل النفسي بل مبتكره منذ وقت مبكر في دراسته العلمية التي لا بد أن نذكّر دائماً بأنها اهتمت بالفنون والآداب بقدر ما اهتمت بالحالات الإنسانية المباشرة بما فيها الحالات العيادية التي صنعت الجانب الطبي من مسيرة فرويد. وهي على أي حال مسيرة لن يفاجئنا أبداً أن يكون هاملت واحدة من علاماتها المؤسسة. ففي نهاية الأمر، نحن نعرف أن هاملت قد حضر وبقوة راحت تتزايد تدريجاً منذ الكتاب الكبير والتأسيسي الأول الذي وضعه فرويد، ونعني به طبعاً “علم الأحلام” الذي صدر في عام 1900 تماماً- وأحياناً بعنوان “تفسير الأحلام”- وتُرجم إلى شتى أنحاء العالم، وإلى لغات لا تُحصى منذ ذلك الحين ليكون صنواً للفرويدية نفسها بل مؤسساً لها. ومن هنا لم يكن غريباً أن هاملت كشخصية إشكالية وفي مجالات عدة، يطالعنا في العديد من صفحات الكتاب، منتجاً ما سيستتبع لاحقاً لدى شكسبير، ذلك الاتكال على الإبداع لدراسة الكائن البشري وإشكالات وجوده، غالباً بمفرده ولكن في أحيان كثيرة أيضاً بالارتباط بالشخصية الإشكالية الأخرى… أوديب كما ابتكرها المسرح اليوناني. ويبدو لنا دائماً كما لو أن هذا الأخير إنما ابتكرها من أجل هاملت نفسه. ومن هنا طبعاً لن يكون غريباً أن نذكر كيف أن إرنست جونز، صديق فرويد ومساعده الأكثر وفاءً وكاتب سيرته، اشتغل على الموضوع مكملاً مسيرة أستاذه بخاصة من خلال كتاب عنونه “هاملت وأوديب”، وسيسير على منواله مئات الدارسين اللاحقين لهذا الموضوع الذي أقل ما يمكن أن نقول فيه إنه زاوج حقاً بين الشخصيتين الأكثر إشكالية في تاريخ البشرية. هاملت في أحلام فرويد إذاً منذ بداية دراسته حول الأحلام، يخبرنا فرويد بأن هاملت الذي “لا بد من اعتباره بطل واحدة من أكبر الأعمال التراجيدية التي عرفتها الإنسانية، له نفس الجذور التي لأوديب”، بيد أن فرويد سرعان ما ينبهنا إلى أن الصياغة الفكرية لتلك المادة حتى وإن تطابقت تماماً مع الأسطورة القديمة تكشف لنا عن الفوارق القائمة في الحياة الذهنية لتينك الشخصيتين، وبالتالي عن مستوى التقدم السيكولوجي الذي حققته البشرية بين زمن أوديب وزمن هاملت. “ففي أوديب، يشرح لنا فرويد، نجد الرغبات الفانتازية التي يفترض أنها دفينة لدى الطفل قد ظهرت وتحققت كما تتحقق الأحلام. أما لدى هاملت فإنها تبقى خبيئة مستبعدة بحيث أننا لن نعرف لها وجوداً إلا- كما في العصابات-، من خلال ضروب الكف والاستبعاد التي تخلقها”. وهنا يلفتنا فرويد في السياق ذاته إلى أن ثمة غرابة في الأمر تكمن في أنه لئن كانت دراما شكسبير دائماً ما مارست على النفوس تأثيرات جلية، لن يمكننا أبداً أن نستخلص منها بشكل واضح ما يتعلق بسمات شخصية بطلها. فالمسرحية تقوم أصلاً على ترددات هاملت تجاه تحقق الثأر الذي آلى على نفسه أن يحققه، بيد أن النص لا يخبرنا شيئاً عن أسباب تلك الترددات ودوافعها. والأدهى من ذلك أن أياً من التفسيرات العديدة التي حاولت دراسة الشخصية لم تتمكن من توضيح هذه المسألة. ومهما يكن من الأمر هنا، ها هو المفكر الألماني الكبير غوته والذي لم يكن يعصى عليه أمر إلى درجة أن فكره يعتبر قدوة وإن ما يفتي به يصبح هو المفهوم السائد، ليس هاملت سوى نموذج الإنسان الذي يعاني من كون قدرته على الحركة مشلولة بفعل التطور المفرط الذي يطاول تفكيره. أما من ناحية أخرى، فها هو فرويد يخبرنا كيف أن ثمة كثراً من الباحثين والمعلقين الذين لا يتوانون في نظر فرويد عن القول بأن الشاعر الإنجليزي الكبير، إنما أراد أن يصور شخصية إنسان مريض لا يقر له قرار وتنفرط أعصابه الهشة لدى أدنى احتكاك بالعالم الحقيقي. وفرويد بعد أن يوضح هذا السياق، يعترض عليه قائلاً “غير أننا لا نرى في موضوع المسرحية أن ثمة إشارة إلى أن هاملت يجب أن يبدو عاجزاً عن الفعل. بل أنه وفي حضورنا، يفعل مرتين: مرة حين تستبد به حركة عاطفية عنيفة فيقتل الشخص الذي أحس أنه يصغي إليه من خلف ستارة. ومرة أخرى، وبفعل متعمد لا يفتقر هذه المرة إلى الجرأة الملموسة، حين يرسل كأمير من عصر النهضة، لا يبالي بحياة البشر حقاً، إلى الموت اثنين من رجال البلاط وهو على يقين من موتهما المحقق”. سؤال فرويدي عميق وإذ يوضح فرويد ما يريد قوله في هذا السياق نراه يتساءل: “… إذاً، ما الذي يحول بين هاملت وإنجاز المهمة التي وعد شبح أبيه بإنجازها؟”. ولا بد لنا هنا من أن نتوافق، بحسب ما يستطرد فرويد، على أن ثمة طبيعة واضحة لتلك المهمة. وأن هاملت قادر على الفعل… ومع ذلك ها هو عاجز عن الثأر من الرجل الذي أزاح أباه عن العرش وحل مكانه حتى في سرير أمه. الرجل الذي حقق ما كان رغبات مخبوءة لديه هو نفسه في طفولته. ولعل ما يجدر بنا أن نلاحظه هنا، هو أن الهول الذي كان عليه أن يدفعه إلى الانتقام، إنما أخلى المكان هنا وأمامنا لقدر هائل من ضروب الندم وارتباك الضمير والألم. ترى أفلا يمكننا أن نرى إزاء هذا، يتساءل فرويد، عما إذا لم يكن هاملت أسوأ من الخاطئ الذي يريد معاقبته؟”. ولعله يجدر بنا هنا أيضاً، وعلى سبيل ختام هذا العرض الفرويدي، أن ننقل عنه ما يقوله في استنتاجه: لقد “تعمدت أن أترجم هنا بلغة واعية ما يبقى غير واعٍ وتحت رحمة الوعي الدفين في أعماق هذا البطل. ولئن سيقال بعد هذا كله أن هاملت مصاب بالهستيريا، فإن هذا لن يكون سوى واحد من الاستنتاجات التي تنشأ عن التفسير الذي آتي به… علماً بأن الاشمئزاز الذي يبديه هاملت من الجنس خلال حواراته مع أوفيليا، لا يمكنه إلا أن يتوافق مع هذه الأعراض”. المزيد عن: شكسبيرهاملتأوديبسيغموند فرويدغوتهالأدب العالمي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رحيل محمد الشوبي الفنان المغربي الأكثر إثارة للجدل next post مهى سلطان تكتب عن: متحف نابو يوثق ذاكرة المقاومة الشعبية منذ حرب فيتنام You may also like القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها... 8 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: متحف نابو يوثق ذاكرة... 8 مايو، 2025 رحيل محمد الشوبي الفنان المغربي الأكثر إثارة للجدل 8 مايو، 2025 لماذا سمى بودلير ديوانه «أزهار الشر»؟ 8 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: سرير أميرة ثاج 8 مايو، 2025 لماذا يخطئ المثقفون؟… دور التنوير في مجتمعات ملتهبة 7 مايو، 2025 رحلة مع روبرت ماكفارلين عبر الأنهار 7 مايو، 2025 بيرليوز يستلهم صائغا نهضويا في أوبرا مشاكسة 7 مايو، 2025 مرصد الأفلام… جولة على أحدث عروض السينما العربية... 7 مايو، 2025 الأوروبيون أضفوا طابعا أسطوريا على فرقة “الحشاشين” 4 مايو، 2025