لوحة ليوناردو دا فنشي المعنية (مواقع التواصل) ثقافة و فنون فرويد درس شخصية دافنشي انطلاقا من ترجمة خاطئة by admin 8 أبريل، 2025 written by admin 8 أبريل، 2025 25 مؤسس التحليل النفسي خلط بين الحدأة والعقاب مستنتجاً عُقداً نفسية حكمت سلوك الرسام منذ طفولته اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب تعد الدراسة التي وضعها رائد التحليل النفسي عند بدايات القرن الـ20 سيغموند فرويد مستنتجاً فيها عدداً كبيراً من السمات التي طبعت شخصية الرسام النهضوي ليوناردو دافنشي وحددت سلوكه الجنسي والفني وأخلاقياته منذ طفولته، واحدةً من أشهر تدخلات ذلك التحليل في مجال تفسير الإبداع وعلاقته بحياة صاحبه. ولقد ظهرت تلك الدراسة باكراً منذ عام 1910 تحت عنوان “ذكرى من طفولة ليوناردو دا فنشي”. ونعرف أن تلك الدراسة بقيت معتمدة ليس فقط بالنسبة إلى التمعن في حياة ذلك الرسام الكبير الذي يعد الأشهر عالمياً في تاريخ الفن، وكذلك في تاريخ التشريح والهندسة العمرانية وابتكار المخترعات والصناعات العسكرية إلى آخر ما هناك. ولعلهم كُثر من يحفظون عن ظهر قلب تلك العبارات التي ترد في أول تلك الدراسة وفحواها، “إن من بين انطباعات طفولتي الأكثر قدماً، تلك الذكرى التي تعود إلى زمن كنت لا أزال فيه في المهد حين جاءتني حدأة لمست فمي بذَنَبها، ثم راحت مراراً وتكراراً تخبطني بريش ذلك الذَّنَب على شفتي”… ومن المعروف طبعاً أن هذه الفقرة إنما ترد في نص كتبه ليوناردو دافنشي ويرد في “كودكس أطلانتيكوس” ضمن سياق يتحدث فيه الرسام عن طفولته. وهو بالطبع النص الذي اعتمده فرويد كي يحلل علاقة ليوناردو دا فنشي بالمرأة بصورة عامة وبأمه كاترينا بصورة خاصة، باعتبارها العلاقة التي أيقظت مكامن الأنوثة في شخصيته فجعلته مثلياً كما يقول لنا تاريخه. والحقيقة أن هذا التفسير الفرويدي ظل سائداً ومقنعاً إلى حد كبير، ولكن فقط حتى عام 1956 كما سنرى بعد سطور، وقبل ذلك لا مفر من التوقف عند تحليل فرويد. أمان لطفل واحد فإذا كان فرويد قد بنى نظريته المرتبطة بتلك الذكرى على لوحة لدا فنشي نفسه تصور السيدة العذراء والسيد المسيح الطفل ومعهما القديسة آن، خلال رحلة الهرب إلى مصر على الأرجح ليطلع شكلياً بوجود عقاب في ثنايا اللوحة، يتشكل من ثوب القديسة ويمد ذَنَبه إلى شفتي الطفل كتعبير عن الرؤيا السابقة الذكر، وليصل مضمونياً إلى تحليل المعنى الذي تحمله صورة “العقاب”، في انطلاقة نظرية تعتمد على كون تلك الفصيلة من النسور لا ذكور لها، بل تتألف من إناث فحسب، بمعنى أن ذلك ما يفسر بحسب الأسطورة نوعاً من علاقة بين فكرة “الحمل بلا دنس”، المرتبطة بولادة السيد المسيح من ناحية أن ذلك الطير يحمل بذريته انطلاقاً مما تبذره الريح فيه وليس انطلاقاً من وجود ثنائي ذكر/ أنثى. وفرويد يطبق هنا هذه الأسطورة على دا فنشي الذي ولد كابن غير شرعي لم يعترف به أبوه، بل إنه بعدما وضعته أمه كاترينا، جاء الأب للولد بأم شرعية هذه المرة، مما جعل الطفل يربى في علاقته بأمين ما يلتقي مع اللوحة التي يرسمها لاحقاً، ليجد فيها فرويد ذلك “العقاب” الذي يتذكر دا فنشي حلمه به، وكيف أنه ربطه ومنذ صباه الواعي الباكر بالقبلات التي كانت تغدقها أمه عليه، فتذكره بالعقاب وهو يخبط فمه بريش ذَنَبه في أحلامه. والحقيقة أن تلك الصورة التفسيرية كانت، وتحديداً بحسب تفسير فرويد، من الشاعرية والجمال و… المنطق في الأقل، حتى أصدر عالم أميركي يدعى مائير شابيرو في عام 1956 كما ذكرنا، تلك الدراسة المطولة التي انطلقت من تساؤل بدا منطقياً هو الآخر وبسيطاً، لكنه يحمل في طياته نفياً قاطعاً للتفسير الفرويدي. ويقوم تحديداً على أن رائد التحليل النفسي إنما بنى نظريته كلها على خطأ في الترجمة لا يمكن دحض وجوده!. سيغموند فرويد.. غلطة الشاطر (مواقع التواصل) خطأ لا يغتفر فالحقيقة أن شابيرو عاد إلى النص الإيطالي الذي كتبه دا فنشي بخطه، متحدثاً فيه عن تلك الذكرى التي تعود به إلى حلم طفولته – الذي قد يكون حلم يقظة على أية حال – ليجد أن الطائر المذكور في النص ليس عقاباً، بل… حدأة (nibbio بالإيطالية) بمعنى أن فرويد إنما اعتمد في بناء نظريته على خطأ في الترجمة جعله يحل العقاب الذي يتوالد من الريح بدلاً من الحدأة، التي تولد بصورة طبيعية كما تولد بقية الطيور. ولئن تبدَّى ذلك صحيحاً لا شك أنه ينسف المعاني الأسطورية والشاعرية التي اشتغل عليها فرويد، وكذلك المعاني التي حملتها اللوحة التي نعرف أن مئات الدراسات قد كتبت انطلاقاً منها، وأن دا فنشي نفسه قد لقب انطلاقاً منها بـ”فتى العقاب”، وصولاً حتى إلى نسف الفكرة التي اشتغل عليها فرويد في طريقه، معتبراً أنه لئن كان دا فنشي قد عاش من دون أن يتزوج أو ينجب، فإن ذلك كان بسبب الخلط في شخصيته بين الذكورة والأنوثة، فاكتفى بـ”إنجاب لوحاته” التي غالباً ما كان يتركها دون استكمالها “تجاوباً منه مع كونه فتى العقاب”. والحال أن شابيرو، وبعد أن نسف حكاية فرويد من أساسها وبصورة مقنعة، على رغم رفض الفُرويديين تفسيراته، استكمل تحليله العلمي مستنداً، في “تأكيداته” لتهافت النظرية الفرويدية في هذا المجال، إلى ثلاثة براهين علمية هي على التوالي وكما جاء في دراسة الفرنسي دانييل آراس، في كتابه العمدة، من ليوناردو دا فنشي: لقد قرأ فرويد نص ليوناردو إذاً في ترجمة ألمانية أبدلت الحدأة بالعقاب، مما يضعف من صدقية التفسير الفرويدي، بالنظر إلى أن ما تسمح الأسطورة الهيروغليفية التي تحيط بذلك النوع من الطيور منذ أيام الفراعنة، وصولاً إلى آباء الكنيسة الذين جعلوا العقاب رمزاً للسيدة العذراء، لا يمكنه أن ينطبق على الحدأة وهي طير عادي يعرف بأبي الخطاف وفيه ذكور وإناث. وإلى ذلك وانطلاقاً منه على أية حال لا بد من القول إن الصورة المركزية التي تنطلق منها ذكريات دا فنشي هي صورة رائجة منذ أقدم الأزمنة وتتعلق بـ”الحكاية الذهبية” المتداولة في كل المعتقدات وتتعلق بالبطل الذي يولد من رؤيا تعود إلى طفولته المبكرة. وإضافة إلى ذلك كله فإن ثمة كثيراً من الوثائق التي لا يتوقف المؤرخون عن اكتشافها، والتي تتنافى مع الفرضيات التي تقول إن والد ليوناردو قد تخلى عنه منذ طفولته المبكرة فتولت أمه، غير المعترف بشرعيتها تربيته وربما شراكة مع ضرتها، وهو تفسير يصر فرويد عليه لكي يثبت التربية الأنثوية الخالصة للطفل الذي سيضحى لاحقاً واحداً من كبار فناني البشرية و”يلخص ذلك كله عبر لوحته التي حرص على جعل العقاب شخصية أساسية تتوسطها”، بحسب ما سيشرح لنا فرويد بهدوء وثقة! هو الذي أراد في نهاية الأمر أن يخبرنا كيف أن “طفولة الرسام إنما كانت استثنائية بنيت على سمات أسطورية تتعلق بعقاب لا وجود له في الواقع، عقاب لا شك أن فرويد قد “لوى عنق الواقع ليخلقه كي يتمكن عبره، من سد فجوات في تحليله المفتعل لشخصية دا فنشي” بحسب ما ينقل آراس بلغته الواضحة عن شابيرو بلغته العلمية الأكثر أناقة!. لو كان فرويد حياً بقي لنا هنا أن نتساءل عما كان في مقدور فرويد أن يرد به على التحليل والتفسير الفرنسي للتحليل، لو كان حياً؟ فالواقع أن فرويد قد رحل عن عالمنا في عام 1939 في منفاه اللندني والحرب العالمية الثانية لا تزال في منطلقاتها. أما دراسة شابيرو فلم تظهر إلا في عام 1956 أي بعد نحو عقدين من رحيل المحلل النفسي الكبير، وأكثر من نصف قرن على ظهور دراسة هذا الأخير حول ليوناردو دا فنشي، بالتالي سيبقى السؤال حائراً بخاصة أن فرويد نفسه وخلال حياته كان من النادر له أن يرد على منتقديه أو مناوئي أفكاره راداً تلك المواقف إلى مؤامرات تحاك ضده من قبل خصومه، ولكن هذا يحيلنا إلى سؤالٍ ثانٍ: تُرى بين العام الذي ظهرت فيه دراسة فرويد وذاك الذي وضع فيه شابيرو دراسته الرافضة لها، كيف حدث أن ما من أحد قد تنبه إلى ذلك الخطأ البسيط في الترجمة الذي يمكنه في حد ذاته أن ينسف نظرية متكاملة من نظريات التحليل النفسي؟ المزيد عن: سيغموند فرويدليوناردو دافنشيعصر النهضةالسيد المسيحالسيدة العذراءنظريات التحليل النفسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تطبيق جديد يهدف إلى حماية الفنانين من الذكاء الاصطناعي next post “أشخاص مستهترون” يكشف كواليس “فيسبوك” You may also like نقم… حضن صنعاء الملبد بالغيوم والنار والحديد 13 أبريل، 2025 الغزاة الاسبان واجهوا سكان أميركا الشمالية بوحشية 13 أبريل، 2025 كيف ولد كتاب ليفي ستروس الأشهر من رحم... 13 أبريل، 2025 خريطة “العودة إلى الحياة” بعدما سلبها العالم الرقمي 13 أبريل، 2025 عندما نعى جوزيف روث كابوس الإمبراطورية السعيد 13 أبريل، 2025 الفلسطيني أحمد منصور محترقاً: الواقع يهزم السينما 13 أبريل، 2025 هانز كونغ والحوار مع الإسلام 12 أبريل، 2025 مهى سلطان تكتب عن : 5 آلاف سنة من... 11 أبريل، 2025 “أطفال الإمبراطور” تعري الوسط الثقافي الأميركي 11 أبريل، 2025 بيرانديللو في “كسو العرايا” يجعل الحياة مجرد خيال... 11 أبريل، 2025