لقطة من فيلم "زد" عن أشهر سيناريوهات سمبران (موقع الفيلم) ثقافة و فنون جورج سمبران في مواجهة ماض لا يمضي by admin 25 فبراير، 2025 written by admin 25 فبراير، 2025 16 حين يضحى التلفزيون محكمة متأخرة للنظر في القضايا “العالقة” والمسكوت عنها حول الكاتب اليساري الإسباني اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب من يذكر اليوم الوزير والكاتب اليساري الإسباني جورج سمبران الذي كان يعد في زمنه، ومن خلال الحكومات الاشتراكية التي تألفت في بلده بعد سقوط نظام الديكتاتور فرانكو، واحداً من أفضل وأنشط وزراء الثقافة الأوروبيين؟ سمبران لم يأت في الحقيقة من العدم ولا من الحزبية اليسارية، بل كان معروفاً قبل ذلك بكونه كاتباً روائياً من طراز رفيع ومتدخلاً في الإنتاج السينمائي، كاتباً للسيناريو، وتحديداً في فرنسا التي كانت منفاه وتبنى هو لغتها بحيث أصدر معظم كتاباته بها. وبات محسوباً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في الأقل، كجزء فاعل في حياتها الثقافية. والحقيقة أن انتظام سمبران في الثقافة الفرنسية جعل كثراً لا ينسون فقط أنه إسباني الأصل والفصل، بل أيضاً سمات عديدة من شخصيته تجلت خلال الحرب العالمية الثانية التي خاضها مقاوماً فرنسياً وإسبانيا في الوقت نفسه ثم معتقلاً من قبل النازيين ملحقاً بمعسكر الاعتقال في بوخنولد. ولعل نسيان هذا البعد الأخير كان لا بد منه في المرحلة اللاحقة من حياته بعدما بات وزيراً للثقافة في وطنه الأصلي ويفضل هو أن يمر على تلك الجزئية مرور الكرام في اكتفاء بالإشارة إلى أن جذوره اليهودية كانت وراء ذلك. أما اليوم وبعد نحو عقد ونصف عقد من رحيل سمبران عام 2011 عن 87 سنة، فها هي التلفزة، الفرنسية تحديداً، تأبى أن تسكت عن تفاصيل في الحكاية من المؤكد أن ذكرها ما كان في شأنه أن يسر سمبران في حياته. لماذا؟ هذا هو السؤال الذي سيرد جواب التلفزة عليه بعد سطور، أما هنا فلا بد من التعريف بسمبران كمناضل وكاتب. سينما من طراز رفيع إذا عددنا أن الأعوام التي أمضاها سمبران في المعسكر الألماني هي التي يجب النظر إليها في سيرته قبل أي شيء آخر، يجب القول إنها على أية حال الأعوام التي كونته كاتباً من دون أن تكون حقاً مصدراً لمواضيع كتاباته، خصوصاً السينمائية. ولئن كان سمبران قد فاز بجوائز فرنسية وإسبانية، عن بعض أهم رواياته، فإن جائزته الأهم كانت جماهيرية نحو نصف دزينة من أفلام كتب هو سيناريوهاتها ومن أبرزها أفلام تحمل توقيعات كوستا غافراس (“زد” و”الاعتراف”)، أو أيف بواسيه (الاغتيال) أو آلان رينيه (“الحرب انتهت” و”ستافسكي”) أو جوزيف لوزاي (طرق الجنوب)، وكلها أفلام يختلط فيها الفن بالسياسة والتاريخ بصورة لافتة. جورج سمبران ومعاناة مع نقاط ظل معيبة (غيتي) المهم أن هذا كله يمكننا المرور به بدهشة عارمة عبر فيلم تلفزيوني حقق عام 2023 لمناسبة المئوية الأولى لولادة هذا المبدع الفذ وأعيد عرضه على الشاشة الصغيرة الفرنسية قبل أسابيع من اليوم. والحقيقة أن هذا الفيلم الذي لا يزيد زمن عرضه على ساعة أو أقل قليلاً، لم يبخل في تصوير مكانة سمبران الأدبية بل حتى النضالية ناهيك بمكانته الرسمية التي تبدت ممعنة في ازدهارها واضعة نفسها في خدمة الثقافة في “وطني” سمبران الفرنسي والإسباني. غير أن المشكلة تبدأ حين يقرر صانع الفيلم، المخرج الوثائقي المعروف باتريك روتمان، ألا يكتفي بهذا. فبالنسبة إليه ثمة “مناطق ظل” تكتنف جزءاً من حياة سمبران ومساره، لا بد أخيراً من إلقاء أضواء ساطعة عليها. ثم، أفلم توجد الأفلام الوثائقية أصلاً من أجل تلك الغاية؟ حين كان سمبران حياً والحال أن هذا الفيلم التلفزيوني الذي أنجزه روتمان عام 2023 ينطلق في ترتيب تأريخي بسيط متابعاً حياة سمبران، متكلاً في ذلك بشكل خاص إلى حوارين طويلين متلفزين كانا أجريا مع سمبران يركزان على إبداعه كروائي وكاتب سيناريو بأكثر كثيراً من كونه وزيراً للثقافة في وطنه الذي عاد إليه بعد منفى طويل. ومع ذلك لئن تابع الحواران، وخصوصاً في استخدامهما من قبل صانع الشريط، حياة سمبران ونشاطاته الابداعية فإنهما آثرا أن يسكتا إلى حد ما عما سيسميه الشريط الجديد “مناطق الظل” في مسيرته. وهو ما يعود إليه اليوم بعد دزينة من الأعوام مرت على رحيل صاحب الترجمة الفيلمية. ومن هنا يبدو أن الشريط التلفزيوني الجديد المعنون “الريشة في قبضة اليد” كان فضائحياً إلى حد ما وقابلاً لأن يستخدم لتدمير السمعة الزاهية التي كانت دائماً لسمبران. وفي مقدمة ذلك ما يذكره الشريط في موضع التساؤل عما “إذا كان سمبران على دراية حين أسره الألمان في معسكر تجميع اليهود في بوخنوالد، بأنه إنما يسهم في فرز المعتقلين اليهود الجدد بشكل يجعله، ودائماً بحسب روتمان في الأقل، يدين البعض إدانات قاتلة كي ينقذ البعض الآخر؟”، و”لماذا تراه التزم الصمت لاحقاً خلال محاكمات براغ في تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية عام 1952 هو الذي لو تكلم لكان في إمكانه أن ينقذ عدداً كبيراً من المتهمين بخيانة قضية الاشتراكية لمصلحة الغرب الرأسمالي؟”. صحيح أن سمبران كان قد رد على مثل هذه الأسئلة خلال الحوارين المشار إليهما، لكن فيلم روتمان يشير إلى أن ردوده كانت “مبتسرة وسريعة وغير مقنعة”. خلاف مع مرغريت دورا ومن ناحية أخرى قد يبدو الشريط الجديد أقل إقناعاً حين يتناول، ودائماً من موقع “فضائحي” يريد أن ينال من سمبران بأية طريقة من الطرق، قضية لا تتوقف عن إثارة السجال حول سمعة سمبران في الأوساط الثقافية الفرنسية. وهي تتعلق بما ذكرته الكاتبة الفرنسية لور آدلر في سيرة نشرتها عام 1998 لمرغريت دورا، صاحبة رواية “العاشق” والحوار الشهير مع الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، حيث ذكرت، وتحديداً نقلاً عن دورا نفسها، كيف أن سمبران الذي كان خلال الحرب العالمية الثانية عضواً في الحزب الشيوعي الإسباني ويخوض النضال ضد النازيين المحتلين فرنسا، إلى جانب المقاومة الفرنسية بزعامة الحزب الشيوعي الفرنسي، كيف أنه نقل كلاماً سيئاً قالته دورا في حق هذا الحزب الأخير. هذا الكلام السيئ أدى إلى طرد مرغريت دورا وزوجها السابق روبير آنتلم ورفيقهما ديونيس ماسكولو من الحزب الفرنسي. لقد كانت هذه “الوقائع التاريخية”، بحسب توصيف فيلم باتريك روتمان، نقاط ظل سوداء في تاريخ جورج سمبران تم السكوت عنها طويلاً لا سيما خلال الفترة التي تسلم فيها هذا المثقف الكبير مقدرات الحركة الثقافية كوزير في إسبانيا عمل طويلاً على التقريب بين الفرنسيين وأبناء وطنه الإسبان. لكن “الوقت قد حان، كما قال روتمان في الفيلم، لقول ما هو مسكوت عنه”. وها هو يقوله بنفسه في فيلم لن يفوت كثر أن يقولوا إنه حاول بأكبر قدر ممكن من الموضوعية أن يقول ما لسمبران وما عليه. بوستر فيلم “زد” (موقع الفيلم) الأعمال السابقة الحقيقة أنه يبدو واضحاً أن الحيز الذي يعنيه الفيلم الجديد وصاحبه بأنه خلا مما هو “مسكوت عنه” إنما كان ذلك الفيلم الأول والذي كان روتمان نفسه قد حققه عن سمبران عام 1995 شراكة مع السينمائي لوران بيران بعنوان “الكتابة والحياة”، وكان هو نفسه الفيلم الذي استخدم الحوارين المشار إليهما واللذين أجري أولهما في مدريد وثانيهما في بوخنوالد نفسها، حيث كان سمبران معتقلاً من قبل النازيين. علماً أن ذلك الشريط الأول لم يكن مختلفاً عن الشريط الجديد في تتبعه لحياة جورج سمبران ومساراته الإبداعية والنضالية وصولاً إلى مساره الحكومي الذي ختم به حياته تقريباً. فهو تتبع مسيرة الرجل على لسانه وانطلاقاً من وثائق اختارها بنفسه ووافق عليها لاحقته منذ ولادته من أبوين جمهوريين في مدريد عام 1923 ثم تحوله إلى مناضل في الحزب الشيوعي الإسباني ونفيه إلى فرنسا بعد اعتقال النازيين له كما أشرنا وصولاً إلى تحوله إلى كاتب أبدع في مجال كتابة السيناريوهات لأبرز الأفلام السياسية التي أنتجت في فرنسا خصوصاً وفي أوروبا بصورة عامة خلال الربع الأخير من القرن الـ20. وبالتوازي مع استدعاء الحكومات الاشتراكية الإسبانية له بعد زوال حكومات فرانكو لتسليمه شؤون الثقافة في وطنه كوزير مميز وذي شعبية… تلاحقه سيرته العطرة حتى بعد مماته ليأتي الفيلم الجديد متحدثاً عن مناطق ظل في حياته تنال من تلك السمعة. المزيد عن: إسبانيافرنساأوروبا#أريد أن اتنفسجورج سمبرانالتلفزيونالحرب العالمية الثانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا يجب ألا نخاف من احتمالية اصطدام الكواكب الهائمة بالأرض؟ next post نصوص غير منشورة تكشف وجها آخر للشاعر يوسف الخال You may also like أفكار الإمبراطور الروماني أوريليوس تساعد على عيش العصر 25 فبراير، 2025 نصوص غير منشورة تكشف وجها آخر للشاعر يوسف... 25 فبراير، 2025 “مسيو أزنافور”… المغني الأرمني الراحل في فيلم فرنسي... 25 فبراير، 2025 تأملات وجودية على سرير المرض في “أوجه عديدة... 25 فبراير، 2025 مئوية إيتل عدنان… في البدء كان الشعر 25 فبراير، 2025 “كونتيننتال 25” يواجه الأنظمة المعاصرة في برلين 23 فبراير، 2025 ما سر حضور الفيلسوف كيركغارد في الثقافة العربية؟ 23 فبراير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: الرسام هنري ماتيس يعود... 23 فبراير، 2025 عندما دخلت “أفلام التحريك” عالم السياسة واللؤم الاجتماعي 23 فبراير، 2025 بول شاوول يكتب عن: “كتابة الأنا” بين الأدب... 22 فبراير، 2025