المفكر الأكاديمي غسان سلامة وزير الثقافة اللبنانية في الحكومة الجديدة (دارفايار) ثقافة و فنون عبده وازن يكتب عن: وزارة الثقافة اللبنانية المنهارة تنتظر إصلاح غسان سلامة by admin 14 فبراير، 2025 written by admin 14 فبراير، 2025 37 المفكر والباحث الأكاديمي والمثقف المتعدد في قلب معركة النهوض الوطني اندبندنت عربية / عبده وازن تحتاج وزارة الثقافة اللبنانية إلى المفكر والأكاديمي غسان سلامة أكثر مما يحتاج هو إليها، وخلال توليه هذه الوزارة سابقاً بين عامي 2000 و2003 استطاع حقاً أن يؤسس نواة لوزارة كثيراً ما كانت غائبة ومجهولة، واسماً من غير مسمى، وكانت تُختصر غالباً في شخص الوزير الذي يتولاها، وتمكن من توفير دعم مهم لبعض قطاعات هذه الوزارة، ومنها قطاع الآثار شبه المهجور حينذاك. وليس من المبالغة القول إن الحكومة اللبنانية الجديدة تحتاج أيضاً إليه، كي تكتسب مزيداً من الشرعية السياسية، ولو لم يتسلم حقيبة الخارجية، فمساره المتعدد المناصب يشهد على خبرة معرفية عميقة في مواجهة القضايا المعقدة. ويكفي أن تختاره سابقاً منظمة الأمم المتحدة ليكون مبعوثها إلى بغداد ثم إلى ليبيا، ويكفي أيضاً النجاح الذي حققه في تولي الإشراف على تنظيم القمة العربية في بيروت ثم القمة الفرنكوفونية في عام واحد هو 2002. لا يخفي كثير من اللبنانيين امتعاضهم من عدم قدرة سلامة على الترشح إلى رئاسة الجمهورية، لسبب واهٍ جداً هو اندراج اسمه في خانة المذهب الكاثوليكي وليس الماروني، الذي قضى العرف أن ينتمي إليه رئيس الجمهورية، علماً أن غسان سلامة هو علماني في المعنى الحقيقي، ولم يتوقف يوماً أمام هذا التصنيف المتوارث. غسان سلامة الوزير سيجد نفسه أمام وزارة أغرقتها في الأعوام الأخيرة سياسة الثنائي أمل – “حزب الله”، في “المحسوبيات” والقرارات غير الثقافية، والسياسات الضيقة جداً، من خلال الوزيرين الأخيرين. “إغواء المريخ” كتاب غسان سلامة الجديد (دار فايار) وزير الثقافة الأسبق الذي يعمل في قطاع الفندقة والعقارات ألقيت عليه أيضاً حقيبة الزراعة، فضاع بين الوزارتين المتباعدتين، فلم يمنح الثقافة جهداً، معتبراً إياها جائزة ترضية. أما الوزير السابق فبدا صاحب مواقف دونكشوتية شهيرة منها حربه القاسية وغير المبررة على المثليين، وتحديه القضاء اللبناني في شأن التحقيق مع وزير المالية علي حسن خليل في قضية انفجار مرفأ بيروت، ودفاعه الدائم عن سلاح “حزب الله”، وتكريمه إعلاميي “الممانعة” ومنهم ناصر قنديل، ودعوته إلى منع فيلم “باربي” التي لم يلبها الأمن العام بل سمح بعرض الفيلم… لكن تاريخ هذه الوزارة حافل بأمور مستغربة، فواحد من السياسيين الذين تولوها سأل مرة عن كتاب يشرح معنى الثقافة كي يلم بها، وآخر كان يظن أن جبران كاتب وشاعر وليس رساماً وفوجئ عندما علم بالأمر، وآخر كان يقلد وزيرة الثقافة السورية نجاح العطار، أما الوزير طارق متري فترك أثراً طيباً في الوزارة على رغم قصر ولايته. المهمة الشاقة أمام غسان سلامة مهمة غير سهلة في شأن إصلاح الوزارة، التي تفتقر إلى المال والدعم أولاً، وإلى الخبرات والموظفين من ذوي الكفاءة، فمعظمهم من غير أهل الاختصاص، لكن المدير العام للوزارة الأكاديمي علي الصمد الذي يحمل دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة مونبولييه الفرنسية، يستطيع أن يكون خير عون للوزير، في ما يملك من خبرة ومعرفة، وقد حاول الوزيران الأخيران استبعاده كي يمضيا في سياسة الاستفراد. من مراحل وزارة الثقافة اللبنانية (خدمة الوزارة) سيتدبر سلامة أمر المساعدات المادية حتماً التي تحتاجها الوزراة الفقيرة، نظراً إلى الثقة التي يتمتع بها أمام المؤسسات الثقافية العالمية، فالدولة اللبنانية لم تبالِ يوماً بما يسمى “ثقافة” بل هي لم تفقه يوماً معنى الثقافة والأثر الذي تتركه في الذاكرة الوطنية والدور الذي تؤديه في بناء الوطن وفي ترسيخ الفكرة الوطنية. وقد شاءت الدولة هذه الوزارة مجرد معبر يمر به الوزراء في انتظار انتقالهم إلى وزارات أخرى، وربما شاءتها أيضاً هدية لبعض الجماعات أو الطوائف، مواجهة لأي اعتراض أو احتجاج. استطاع غسان سلامة خلال توزيره السابق، أن ينتقل بوزارته من كونها “وزارة دولة” إلى مرتبة ثقافية لم تبلغها يوماً، ولو منحته الحكومة القليل من المال لمضى في مشروعه التأسيسي والتحديثي أكثر فأكثر، ولكانت وزارة الثقافة مثالاً يحتذى، لبنانياً وعربياً. ويعترف غسان سلامة أن هذه الوزارة أسندت إليه لأنه لم يملك يوماً أي دعم طائفي أو سياسي، فهذا المفكر الطليعي جاء السياسة من الاختصاص الأكاديمي والعلم والنضال السياسي والجهد الفردي والإبداع، جاء السياسة من مكان نادراً ما يأتي منه السياسيون في لبنان. وربما كان في حسبان الذين أتوا به إلى هذه الوزارة أن يوكلوا إليه مهمة إدارة القمتين، الفرنكوفونية والعربية، لكونه السياسي الوحيد القادر على الإدارة الصحيحة والتنظيم المنهجي والعمل الرسولي الذي لا يجنى منه غير التعب والإرهاق. وفي المرحلة الأخيرة من وزارته شعر غسان سلامة باليأس، وكان يواجه المثقفين والكتاب والفنانين بصراحة تامة، عارضاً في أحيان أن يمول بعض الأعمال أو الندوات من حسابه الخاص. المثقف المتعدد يمثل غسان سلامة صورة المثقف المتعدد الثقافات والحقول المعرفية والشواغل، لئلا أقول المثقف الشامل، الذي يعي أي دور يجب أن يؤدي انطلاقاً من موقعه السياسي الملتزم في المعنى الإنساني وليس الأيديولوجي، ورؤيته السياسية التي تهدف إلى الإصلاح، بعيداً من الشعارات التي استُهلكت. إنها صورة المثقف اللبناني والعربي والفرنكوفوني، الليبرالي والعلماني. عندما حاز سلامة جائزة الفرنكوفونية العالمية التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية لم تبد الجائزة تتويجاً له ككاتب فرنكوفوني فقط وإنما ككاتب عربي يكتب بالفرنسية، ونظراً إلى أدائه المثالي لدور المثقف اللبناني والعربي الذي يكتب بالفرنسية لم يشعر لحظة، كما تظهر كتبه، بأنه مستلب أو أنه مضطر إلى تقديم أي تنازل. وعلاوة على هذا يبدو سلامة من المفكرين الفرنكوفونيين النادرين الذين استطاعوا أن يخلقوا توازناً حقيقياً بين الانتماء العربي، هوية وكينونة، والانتماء الفرنسي لغة وثقافة. ولعل كتبه التي ترجمت إلى العربية ومنها “المجتمع والدولة في المشرق العربي” (مركز دراسات الوحدة العربية)، و”نحو عقد اجتماعي عربي جديد – بحث في الشرعية الدستورية” (مركز دراسات الوحدة)، و”أميركا والعالم: إغراء القوة ومداها” (دار النهار)، و”من الارتباك إلى الفعل”: التحولات العالمية وآثارها العربية” (دار النهار) عرفت رواجاً عربياً كبيراً وباتت بمثابة المراجع التي يعتمدها طلاب الجامعات والباحثون والمفكرون. فالقضايا العربية التي أثارها باللغة الفرنسية تعني القارئ الفرنسي مثلما تعني القارئ العربي، وجلها مرتبط بالأزمات التي يشهدها العالم العربي والشرق الأوسط والدول المتوسطية. وما يميز نصوص غسان سلامة أنها تجمع بين القراءة السياسية الدقيقة والمقاربة الاجتماعية ذات البعد الاقتصادي والرؤية التاريخية، وكذلك الموقف النقدي الذي يتيح له أن يعيد النظر في المعطيات الثابتة بغية تطويرها أو تحويلها وفق ما يلائم الواقع والمستقبل. وفي كتابه الجديد “إغراء المريخ – الحرب والسلم في القرن الحادي والعشرين” الذي صدر قبل أسابيع عن دار فايار – باريس، والذي جذب الباحثين والصحافيين والقراء، يرسم غسان سلامة صورة عميقة للعوامل التي تزعزع استقرار العالم، محللاً ظاهرة فشل مؤسسة النظام الدولي على هذا الصعيد: “هل يمكن أن يؤدي محو كوكب المريخ حقاً في نهاية الحرب الباردة إلى انتصار كوكب الزهرة؟ يضع سلامة النظريات العظيمة للعلاقات الدولية على المحك إزاء عودة الصراعات في جميع أنحاء العالم. فقد وصلت موجة التحول الديمقراطي إلى مرحلة الاستقرار، وتباطأت العولمة، وقمعت الثورة التكنولوجية الحرية بعدما خدمتها، واستدُعيت الثقافة للتقسيم بدلاً من الجمع، وأعيد فتح المسألة النووية، واستمرت التعددية في الأفول. لقد ضاعت بلا شك فرصة تاريخية لبناء نظام عالمي متوازن وسلمي. والآن يتعلق الأمر بفهم “إغراء المريخ” الذي يميز عصرنا والحاجة الملحة إلى مواجهته. يقدم غسان سلامة في كتابه صورة غير مسبوقة للساحة العالمية، مرتكزاً على خبرته الواسعة، معيداً النظر في ثلث قرن مضى منذ عام 1990، وساعياً إلى تصور العالم كما هو آخذ في الظهور أمام الأعين. المزيد عن: غسام سلامةمفكر لبنانيالفرنكوفوينةالنهوضالباحثوزراة الثقافةالإصلاحالمعرفةالخبرة الأكاديمية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المؤسسات الصغيرة تواجه إلغاء أو تأجيل طلبيات جراء تهديد ترامب بالرسوم next post سقوط نظام الأسد أم المحكمة الدولية… من أنصف رفيق الحريري بعد اغتياله؟ You may also like شباب المغرب يحتشدون لإنقاذ الحرف التقليدية 14 فبراير، 2025 تنيسي ويليامز يستعير شخصياته من حياته ورؤاه 14 فبراير، 2025 أسفار ويوميات ومخطوطات تحصد جوائز ابن بطوطة 14 فبراير، 2025 أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا 13 فبراير، 2025 المفكر رولان غوري: تفكيك الحضارة منطق جديد للهيمنة 13 فبراير، 2025 شابلن بدأ مشروعه بشرائط قصيرة تسخر من السينما 13 فبراير، 2025 الفيلم الفرنسي “الجدار الرابع”: بيروت 1982 في ظلال... 13 فبراير، 2025 الوحدة الأوروبية أجهضت قبل أن تولد مرة ثانية 13 فبراير، 2025 اتهامات مفبركة ضد كراوتيين مجنسين في “مسكوت عنه” 13 فبراير، 2025 تحويل منزل فيروز إلى متحف قريبا… صور ومقتنيات... 13 فبراير، 2025