مؤتمر عموم أوروبا في فيينا عام 1926 (غيتي) ثقافة و فنون الوحدة الأوروبية أجهضت قبل أن تولد مرة ثانية by admin 13 فبراير، 2025 written by admin 13 فبراير، 2025 18 مؤتمر “عموم أوروبا” انعقد في فيينا عام 1926 بجهود مفكر تشيكي غريب الأطوار وتحت صور لكانط ونيتشه ونابليون كضمانة نجاح اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب متى ولدت الفكرة الأوروبية متحولة من حلم داعب مخيلة مفكر تشيكي غريب الأطوار إلى محاولة تأسيسية جدية عبر مؤتمر صاخب عقد في فيينا؟ سؤال ذو تفاصيل قد يستغربه كثر اليوم من بين أولئك الذين يبدون دائماً على يقين من أن أوروبا إنما ولدت على يد الدبلوماسي الفرنسي روبير شومان أواسط العقد الخمسيني من القرن الـ20 في صيغتها الضيقة الأولى، ثم في صيغتها الأوسع عند بدايات القرن الـ21 حين باتت تضم 25 دولة ولها نشيد وطني. يومها كانت المفاجأة الكبرى اختيار لحن بيتهوفن الوارد في الحركة الأخيرة من سيمفونيته التاسعة، الذي هو عبارة عن موسقة لقصيدة شيلر “نشيد إلى الفرح” لتلك الغاية. أو من سواهم من الذين يعودون عميقاً في التاريخ ليعيدوا البداية إلى الفيلسوف الألماني كانط أو حتى إلى الإمبراطور الفرنسي نابليون. غير أن الولادة الحقيقية لأوروبا لم تكن لا هناك ولا هنالك، بل قبل قرن كامل من الزمن بحيث إن الذكرى الحقيقية كان ينبغي أن يجري الاحتفال بها طوال هذا العام الجديد تحديداً. وهنا الحكاية. مؤتمر تحت رعاية تاريخية في عام 1925 كان الكونت التشيكي ريتشارد فون غودنهوف – كاليرجي منهمكاً في التحضير الدؤوب لحدث كان يسعى إليه ويشغل باله منذ أعوام طويلة وهو فرح بأن الحدث سيتجسد حقيقة لا مراء فيها خلال الأشهر التالية. ولم يكن الحدث أقل من… ولادة الدولة الأوروبية الشاملة الواحدة. صحيح أنه كان يعرف أن ثمة دولتين كبيرتين لن تشاركا في الحدث وهما إيطاليا التي تحولت بتحول زعيمها الاشتراكي موسوليني إلى الفاشية بعد أعوام قليلة من الحرب الكبرى، وتستعد لاختيار النازيين الهتلريين عما قريب حلفاء لها، والاتحاد السوفياتي المرتاح لنصره الكبير في ثورته البولشفية ويبدو أنه ينوء باتساع رقعته ولا يتحمل مزيداً منه. ثم إن الفكرة الأوروبية نفسها التي يشتغل عليها الكونت غودنهوف تقف بالتعارض مع كل هيمنة أيديولوجية كما تتناقض مع ما تسعى إليه قوى الهيمنة الكبرى في العالم لا سيما منها الاتحاد السوفياتي عينه، والولايات المتحدة الأميركية الخارجة حديثاً إلى العالم بعد ما حققته في تلك الحرب نفسها، ولكن أيضاً الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تزال تعد القوة الإمبريالية الوحيدة الباقية والمرشحة أكثر وأكثر للبقاء بعدما بدأت القوى الإمبريالية الكبرى بالانهيار… والحقيقة أن هذا كله كان يعمل في فكر الكونت التشيكي وهو يرتب مع مساعديه التحضيرات التنظيمية للمؤتمر الكبير الذي وقف وراءه وأمن له دعماً كبيراً من القصر الإمبراطوري النمسوي كونه سيعقد في فيينا عاصمة النمسا. وهو سيعقد بعد شيء من المماطلة والتأخير تحديداً في أكتوبر (تشرين الأول) من العام التالي 1926، مما يفترض أن يجعل من ذلك التاريخ عيداً وطنياً حقيقياً للاحتفال بالولادة العملية للوحدة الأوروبية. ولكن ألم نقل دائماً إن ذاكرة البشر قصيرة؟ الكونت غودنهوف بين الفكرة والحقيقة (الموسوعة البريطانية) كبار أوروبا في حفل صاخب منذ البداية كان الكونت غودنهوف يعرف أنه كلما كان الصخب من حول “مؤتمره” كبيراً بدت الفكرة منطقية وحقيقية أكثر، ومن هنا حرص على أن يوجه الدعوات لحضوره بنفسه لتشمل العدد الأكبر من الشخصيات السياسية والاجتماعية والفكرية الأوروبية وأحياناً غير الأوروبية أيضاً. ومن هنا لم يكن غريباً أن يكون بين الحضور مستشارا ألمانيا والنمسا السابقان إينياس شيبل وجوزف فيرث، ورئيس مجلس النواب الألماني بول لوبي الذي طبعاً حضر بوصفه ممثلاً عن الشعب الألماني لا عن السلطات الألمانية. وكذلك الوزير الفرنسي السابق إيفون ديلبوس وممثلون عن اليونان وعصبة الأمم… وممثلون رسميون عما لا يقل عن 24 أمة أوروبية أبدت من خلال ذلك التمثيل رغبتها في الانضمام إلى تلك الوحدة بصيغة رسمية من خلال حضورها… غير أن ما كان لافتاً أكثر هي تلك المنصة الضخمة التي أقيمت عند الجانب الرئيس من القاعة التي خصصت للمؤتمر في فيينا، وقد ارتفعت فوقها يافطة مذهبة ضخمة حملت عنواناً واحداً هو “عموم أوروبا” من ناحية كغاية وحيدة لذلك الاجتماع الضخم، ومن ناحية ثانية، أكثر غموضاً، للتذكير بالعنوان الذي حمله منذ نشره في عام 1923 الكتاب الذي أجمل فيه الكونت غودنهوف فكرته الأوروبية بعنوان “عموم أوروبا”، وإلى جانب ذلك كله كانت ثمة لوحات ضخمة تشمل بورتريهات لعدد من كبار المفكرين والقادة التاريخيين الذين كانت الفكرة الأوروبية نفسها شغلهم الشاغل، ومن بينهم طبعاً الأب دي سان بيار، وإيمانويل كانط، ونابليون بونابرت وطبعاً فردريك نيتشه وفكتور هوغو، وسواهم. لقد حرص صاحب الفكرة على أن تكون الرموز حاضرة والأفكار حاضرة. وهو نجح في ذلك بشهادة الصحافيين الذين كانوا حاضرين بكثافة وإيجابية. ظرف تاريخي ملائم والحقيقة أنه مهما كان الطابع الفردي منطبقاً على ما قلناه أعلاه ويتعلق بالجهود التي بذلها الكونت غودنهوف في سبيل إنجاح مشروعه، فإن المشروع يرتبط في الحقيقة، وكما يقول المؤرخ الفرنسي جان ميشال غوييه الذي نستند إليه في بعض نقاط هذا النص، بدينامية أكثر فصاحة وتوسعاً تتعلق بذلك الارتخاء والليونة اللذين طبعا العلاقات الأوروبية إثر توقيع اتفاقات لوكارنو في العام السابق لانعقاد مؤتمر فيينا، الذي كان أبرز ما شهده مصافحة ذات دلالة بين ممثل عن الشبيبة الألمانية وآخر عن الشبيبة الفرنسية، وهي المصافحة التي سيقول الكونت غودنهوف لاحقاً إنها هي التي فتحت الطريق له للعمل على تحقيق مشروعه. المهم أن مؤتمر فيينا لم ينته إلا بتوقيع الحضور على ذلك البيان التاريخي الذي دعا إلى قيام كونفيدرالية أوروبية تتضمن محكمة عليا فيدرالية وهيئات دفاع مشترك وتشكل الأمم الأعضاء فيها اتحاداً جمركياً، وتعمل جميعاً على “إعادة النظر في أساليب التعامل الكولونيالية القائمة”. لقد كانت كلها أمنيات أثارت حماسة وتصفيقاً ولكن فقط على المستوى الإعلامي. وذلك بالتحديد لأن الحكاية كلها سرعان ما نسيت خلال الأسابيع التالية إذ لم يتابع أحد العمل على تنفيذ أي من البنود “المتفق عليها”. وكيف يمكن تنفيذها فيما كل المشاركين في ذلك الحدث التاريخي الضخم كانوا إما أنهم مسؤولون سابقون أو من القوى المعارضة في بلادهم، بمعنى أن ليس ثمة من بينهم من يمكنه اتخاذ قرار وتنفيذه؟ ومهما يكن من أمر، فلا شك أن المنتصر الوحيد يومها كان الكونت غودنهوف وحده. لماذا؟ بكل بساطة لأن همه الأساس كان لا يتجاوز الترويج لنفسه ولدوره “التاريخي” في قيام ذلك الحدث بصرف النظر عما ستؤول الأمور إليه، هو الذي كان يعرف أن أي تجسد جدي للفكرة سينحيه جانباً ويحول بينه وبين أن يكون في الصدارة. ومن هنا ما إن انطوى المؤتمر وانتهى مفعوله، حتى راح يكثر من التصريحات والأقوال والوعود التي كانت هي في واد، فيما تطورات أحوال العالم في واد آخر تماماً… وبات على الفكرة الأوروبية أن تنتظر قبل أن تتحقق ميدانياً، عقوداً أخرى من السنين لم يعد خلالها للكونت المتحمس أي ذكر أو وجود! المزيد عن: الوحدة الأوروبيةالدبلوماسي الفرنسي روبير شومانالكونت التشيكي ريتشارد فون غودنهوفموسوليني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post اتهامات مفبركة ضد كراوتيين مجنسين في “مسكوت عنه” You may also like اتهامات مفبركة ضد كراوتيين مجنسين في “مسكوت عنه” 13 فبراير، 2025 تحويل منزل فيروز إلى متحف قريبا… صور ومقتنيات... 13 فبراير، 2025 ندى حطيط تكتب عن: هل كان كارل يونغ... 13 فبراير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: صيد الأسود على وعاء... 12 فبراير، 2025 محمد أبي سمرا عن : حوار غير منشور... 12 فبراير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: ما يرويه ألمودوفار عن... 12 فبراير، 2025 إيطالية من البندقية تؤسس الكتابة النسوية في فرنسا 11 فبراير، 2025 «خلّ التفّاح» القاتل… تجرّعَته الضحية والجلّاد الدجّال 11 فبراير، 2025 بوب ديلان يتألق غناء وشعرا في فيلم “مجهول... 10 فبراير، 2025 “سر الأسرار”… هل يكشف دان براون لغزه الأخير؟ 10 فبراير، 2025