الأربعاء, فبراير 12, 2025
الأربعاء, فبراير 12, 2025
Home » قراءة معمقة في توازنات حكومة لبنان الجديدة: تغيير جوهري أم شكلي؟

قراءة معمقة في توازنات حكومة لبنان الجديدة: تغيير جوهري أم شكلي؟

by admin

 

للمرة الأولى منذ أعوام يجد “الثنائي الشيعي” نفسه في مجلس وزاري لا يضم حلفاءه التقليديين

اندبندنت عربية / فدى مكداشي صحافية @FidaMikdashi

في منعطف تاريخي لم يشهده لبنان منذ أكثر من 15 عاماً، ولدت حكومة جديدة برئاسة نواف سلام لا تشبه سابقاتها، حكومة بلا “ثلث معطل”، ذلك “السلاح السياسي” الذي كثيراً ما استخدمته جهات سياسية لتعطيل الحكومات وشل مؤسسات الدولة. لم يكن ذلك مجرد تفصيل إداري، بل كان حجر زاوية في اللعبة السياسية اللبنانية، إذ أتاح لبعض اللاعبين التحكم بقرارات الحكومة عبر ما سمي “الثلث الضامن”، لكنه في الواقع لم يكن سوى “ثلث معطل”، يستخدم كورقة ضغط، ويهدد أي مسار سياسي أو اقتصادي لا يخدم مصالح القوى التي تمتلكه.

البداية كانت في الدوحة

بعد اجتياح بيروت العسكري بسلاح “حزب الله” في السابع من مايو (أيار) عام 2008، الذي عرف بـ”غزوة بيروت” رداً على قرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إزالة شبكة الاتصالات التابعة للحزب، ولد “اتفاق الدوحة” تحت رعاية قطرية، مانحاً فريقاً سياسياً نافذاً ثلث أعضاء الحكومة. منذ ذلك الحين أصبح “الثلث المعطل” قاعدة ثابتة في تشكيل الحكومات تحت غطاء “الميثاقية الطائفية”، وبات كل فريق سياسي يسعى إلى الحصول عليه لضمان نفوذه أو لحماية مكتسباته، وقد حاولت حكومات متعاقبة تفكيك هذا المبدأ، لكنها فشلت، إلى أن جاءت اليوم لحظة الحسم.

ما الذي تغير اليوم؟

يعد تشكيل الحكومات في لبنان عملية معقدة تخضع لتوازنات سياسية وطائفية دقيقة، إذ يشترط الدستور اللبناني أن تُؤلف الحكومة وفق اتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، ومنحها الثقة من مجلس النواب، ومع ذلك كثيراً ما شكل “الثلث المعطل” أداة تفاوضية بيد القوى السياسية.

دستورياً، لا ينص اتفاق الطائف، الذي عقد عام 1989، أو الدستور اللبناني على وجود “ثلث” داخل الحكومة، لكنه بات عرفاً سياسياً غير مكتوب، إذ اعتاد فريق الثنائي الشيعي مع حلفائه في الحكم على المطالبة بثلث عدد الوزراء زائد واحد، مما يمنحهم قدرة تتيح لهم عرقلة أي قرارات حكومية أو حتى إسقاط الحكومة بالكامل عبر استقالة جماعية.

هذا الوضع استمر أعواماً، لكن التوزيع الحالي للحكومة قلب المعادلة، إذ لم يستطع أي فريق سياسي منفرد تأمين هذا الثلث، مما يفتح المجال أمام إمكان عمل حكومي أكثر سلاسة، وإن كان يبقى السؤال مفتوحاً: هل انتهت فعلياً مرحلة التعطيل، أم أن القوى السياسية ستلجأ إلى وسائل ضغط أخرى عبر مجلس النواب أو المؤسسات الدستورية؟

لبنانيون يحتلفون في وسط بيروت بعد تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة (ا ف ب)

مع انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة قبل نحو شهر، أعيد رسم المشهد السياسي، كان الرهان هذه المرة مختلفاً: إنهاء إرث الدوحة وطي صفحته نهائياً، فهذه الحكومة، التي تضم 24 وزيراً، لا تمتلك فيها أي جهة سياسية الثلث المعطل، بل جاء التوزيع متوازناً بين الفرقاء. رئيس الجمهورية، الذي يدشن عهده الجديد، ليس لديه أي مصلحة في تعطيل حكومته الأولى، ورئيس الحكومة، الذي يخوض تجربته الأولى في السراي الحكومي، ليس في وارد المغامرة بفشل مبكر.

لكن التغيير لم يقتصر على إلغاء “الثلث المعطل”، بل امتد إلى شكل التحالفات، “الثنائي الشيعي” نجح في تسمية أربعة وزراء، لكنه هذه المرة وجد نفسه وحيداً، إذ خرج حلفاؤه السابقون من المعادلة، “التيار الوطني الحر”، الحليف التاريخي، لم يحصل على أي وزارة وقرر الانتقال إلى صفوف المعارضة، فيما وجد “تيار المردة” نفسه خارج الحسابات الحكومية بعدما تقلص هامش نفوذه السياسي، أما النواب السنة الموالون للثنائي الشيعي، فلم يمنحوا فرصة تسمية أي وزير، كما لم يكن لحلفاء الثنائي أي حصة وزارية، فيما حزب “الطاشناق”، القريب من الثنائي، أسندت إليه حقيبة واحدة وهي حقيبة الشباب والرياضة مع الوزيرة نورا بيرقداريان.

بهذا التشكيل تبدو الحكومة أقرب إلى حكومة متوازنة، تمتلك الظروف الملائمة للعمل والإنتاج، بلا تهديدات مباشرة بالتعطيل أو الفيتو السياسي، لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح الحكومة الجديدة في وضع برنامج فعلي لإنقاذ البلاد من أزماتها المتراكمة، أم أن التعطيل سيتخذ أشكالاً جديدة؟

مكسب وطني في التوقيت والمضمون

تعليقاً على هذه التشكيلة، يكشف أستاذ مادة القانون في الجامعة اللبنانية المحامي جاد طعمه لـ”اندبندنت عربية” أنه “بمجرد انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة بعد أعوام من التعطيل المتعمد يعتبر مكسباً وطنياً، بخاصة في ظل الظروف المالية والاقتصادية والأمنية والقضائية الصعبة التي يمر بها لبنان”، ويضيف “سيحاول كل فريق سياسي أن يعتبر نفسه منتصراً في هذه التشكيلة، ولكن الأهم هو أن يكون الوطن هو الرابح، وهذا يتجلى بمدى قدرة الوزراء على تحقيق إنجازات حقيقية في وزاراتهم”، متسائلاً “هل نحن أمام حكومة إصلاحية فعلاً أم حكومة ستكرر تجارب سابقاتها؟ الإجابة ستكون في الأداء الفعلي، والعبرة دائماً بالتنفيذ”.

وحول مسألة “الثلث المعطل” يؤكد طعمه أن “هذه الحكومة قد تحررت منه نظرياً، إذ لم يتمكن أي فريق من تأمينه منفرداً”، مشيراً إلى أن “التعطيل لا يرتبط فقط بالثلث داخل الحكومة، بل بالوضع العام في البلاد، الحكومة قد تكون بلا “ثلث معطل” لكن البلد بأكمله معطل والأوضاع الاقتصادية والسياسية عاطلة”، مشدداً على ضرورة أن “تعمل كل القوى لإنجاح هذا العهد وهذه الحكومة، بدل الاستمرار في لعبة تسجيل النقاط السياسية”، معتبراً أن “الأهم من حسابات التوزيع هو مدى قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات”.

استقلالية شكلية أم توازنات سياسية؟

بينما يترقب اللبنانيون أداء هذه الحكومة، يبقى السؤال الأساس حول تركيبتها ومدى استقلاليتها عن الحسابات الحزبية والطائفية، في هذا الإطار يشير طعمه إلى أن “الحكومة لا تضم وجوهاً حزبية مباشرة، لكنها تحوي شخصيات وافقت عليها الأحزاب، في بلد يتم فيه توزيع المناصب وفق معايير طائفية”، كذلك يلفت إلى “وجود موقف أميركي واضح بمنع تمثيل ’حزب الله‘ في الحكومة، إضافة إلى غياب أي وزراء محسوبين على ’التيار الوطني الحر‘ و’تيار المردة‘، وهو ما يعكس موازين القوى الجديدة في البلاد”.

ويتابع طعمه “نحن في جمهورية يرفض فيها أي فريق الاعتراف بالهزيمة، وتنبري الأقلام لتحويل كل مشهدية إلى انتصار بهدف التأثير في الجمهور وشد العصب الطائفي عند الحاجة، لكن الأهم هو أن يكون الوطن هو الرابح، وهذا يتحقق فقط عبر الأداء الحكومي الفعلي لا بالشعارات”.

صلاحيات رئيس الحكومة في إقالة الوزراء

عن صلاحية رئيس الحكومة في كف يد أحد الوزراء في حال لم يقم بدوره يؤكد طعمه أن “الوزير في الحكومة يتمتع بسلطة مستقلة داخل وزارته، ولا يملك رئيس الحكومة صلاحية كف يده أو إقالته، إذ يحتاج ذلك إلى توافق مجلس الوزراء أو استقالة الوزير نفسه، أما على صعيد المساءلة، فإن الوزير يكون مسؤولاً أمام مجلس النواب، إذ يحق لأي نائب أن يوجه له سؤالاً، وفي حال كان الجواب غير مقنع يمكن تحويل السؤال إلى استجواب قد يؤدي إلى طرح الثقة بالوزير أو بالحكومة ككل”.

ويختم طعمه مشدداً على أن الوزير في الحكومة اللبنانية مقيد بين مضمون خطاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب وتصريحات ووعود رئيس الحكومة، لكن في النهاية السلطة الحقيقية تكمن في قدرته على تنفيذ سياسات ناجحة.

وفي السياق نفسه يكشف الكاتب السياسي سام منسي عن أن “إقالة الوزراء ليست قراراً فردياً بيد رئيس الحكومة، بل تخضع لآلية دستورية محددة”، فيما تتطلب هذه العملية موافقة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، إضافة إلى الحصول على غالبية الثلثين في مجلس الوزراء، مما يعني أن إقالة أي وزير عملية معقدة تحتاج إلى توافق سياسي لتنفيذها.

يقرأ رئيس المجلس الوطني للإعلام عبدالهادي محفوظ في السياق نفسه ويؤكد أن “إقالة أي وزير غير ممكنة عملياً، إذ يرتبط كل وزير بتوازنات طائفية وحزبية، حتى لو لم يكن ممثلاً لحزب بصورة مباشرة، مما يجعل أي تغيير حكومي محكوماً بتفاهمات القوى السياسية”، مشدداً على “أهمية إيجاد حاضنة شعبية عابرة للطوائف تدعم الفكر المدني في لبنان، بعيداً من المفاهيم الخاطئة حول العلمانية، ومعتبراً أن النخب اللبنانية قادرة على خلق مساحة مشتركة لتعزيز المواطنة وتجاوز الانقسامات التقليدية”.

حكومة بتوازنات جديدة

على رغم تقديم الحكومة على أنها مستقلة، فإن الثنائي لا يرى ذلك بصورة واضحة، إذ يعتبر أنها تجمع بين التوجهات المدنية والطائفية، مع تأثير خارجي بارز في عملية تشكيلها.

في هذا الإطار يرى محفوظ أن “تشكيل الحكومة الجديدة يعكس مقاربة سياسية تجمع بين الواقع الطائفي والتأثيرات الخارجية، مع الحفاظ على توازنات غير مسبوقة في المشهد اللبناني. ويطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الحكومة، وما إذا كانت تحمل مكاسب حقيقية، أم أنها مجرد إعادة إنتاج للنهج السابق بصياغة مختلفة”، مشيراً إلى أن “هذه الحكومة لا يمكن تصنيفها بوضوح على أنها حكومة سياسية بحتة أو حكومة تكنوقراط مستقلة، بل هي خليط متنوع يجمع بين التوجهات المدنية والطائفية، إضافة إلى بصمات خارجية واضحة”.

ويضيف محفوظ أن “هذه الحكومة جاءت في أعقاب خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدد على دولة القانون والقضاء النزيه والإصلاح ومكافحة الفساد”. ومع ذلك يشكك محفوظ في “قدرتها على تنفيذ خريطة الطريق التي حددها الرئيس، بخاصة أن استبعاد الأحزاب عن التشكيلة جاء بصورة شكلية، إذ إن التفاوض حول الحقائب والمقاعد الوزارية جرى مباشرة مع القوى السياسية التقليدية نفسها، التي لا تزال تؤثر في قرارات الوزراء وتوجهاتهم داخل الحكومة، حتى وإن لم يكن هناك تمثيل حزبي مباشر”.

اجتماع بين رئيس الجمهورية جوزاف عون (في الوسط) ورئيس الحكومة نواف سلام (على اليمين) ورئيس البرلمان نبيه بري (ا ف ب)​​​​​​​

أما في ما يتعلق بالموقف الأميركي فيرى محفوظ أن “الاعتراض الذي عبرت عنه المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس خلال لقاءاتها مع الرئيس والمسؤولين في القصر الجمهوري في شأن بعض الأسماء الوزارية، هو اعتراض شكلي أيضاً، إذ لا تزال المعادلات الطائفية والسياسية تفرض نفسها، في ظل استمرار تأثير القوى الخارجية في طبيعة القرارات الحكومية”، معتبراً أن “التحدي الأساس الذي يواجه هذه الحكومة ليس فقط في توازناتها الداخلية والخارجية، بل في قدرتها على تحقيق إصلاحات فعلية تتجاوز المحاصصة الطائفية، وتترجم وعود رئيس الجمهورية إلى خطوات ملموسة تلبي تطلعات اللبنانيين”.

أما على مستوى الإصلاح فيعتبر محفوظ أن “النظام الطائفي هو العائق الأساس أمام أي تغيير حقيقي، إذ يولد الفساد والمحاصصة ويمنع قيام دولة المؤسسات”، ويستشهد بـ”تجربة الرئيس فؤاد شهاب، التي حاولت ربط الأطراف بالدولة وتعزيز الإصلاحات، لكنها أحبطت بسبب المعادلات السياسية والانقلابات العسكرية”.

توزيع الحصص داخل الحكومة

يرى سام منسي أن “الانتماءات السياسية للوزراء ليست محددة بوضوح، وأن تصنيف بعض الأسماء على أنها محسوبة على جهات معينة لا يعكس بالضرورة الولاء الحزبي الكامل. فبينما يقال إن بعض الوزراء مقربون من أطراف سياسية محددة، إلا أن الواقع يشير إلى أنهم ليسوا بالضرورة أعضاء منتسبين أو ملتزمين تماماً خطوط هذه الأحزاب، بل هم شخصيات تمتلك خلفيات مهنية وأكاديمية مستقلة نسبياً”.

يتوقف الكاتب السياسي عند امتلاك بعض الوزراء الشيعة جنسيات أجنبية أو علاقات بأوساط أكاديمية ودبلوماسية دولية، مما يعكس واقعاً أكثر تعقيداً من مجرد تصنيفات حزبية تقليدية.

“الحكومة الحالية على رغم كونها قد تكون أفضل الممكن وفق ظروف لبنان الراهنة، تبقى بعيدة من كونها حكومة تغيير حقيقية أو حكومة قادرة على تحقيق إصلاح جذري”، يضيف منسي، معتبراً أنها “شُكلت ضمن إطار عام يعكس الظروف السياسية الإقليمية أكثر مما يعكس حسابات لبنانية داخلية صرفة”، مشيراً إلى أن “التغيرات التي شهدتها المنطقة من غزة إلى سوريا أدت دوراً حاسماً في مسار تشكيل هذه الحكومة، وصولاً إلى اختيار قائد الجيش ورئيس الحكومة”.

ويرى منسي أن “الحكومة الحالية تتميز بربط رئيسها بين ثلاث قضايا أساس تعكس الأولويات الوطنية، وهي: تنفيذ القرار 1701 وإعادة الإعمار والحصول على الدعم العربي والدولي”، موضحاً أن “رئيس الحكومة المكلف يعتبر أن إعادة الإعمار مشروطة بتطبيق القرار 1701 بصورة كاملة، إذ يتطلب ذلك مرسوماً حكومياً يحتاج إلى توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وثلث أعضاء مجلس الوزراء”.

في ظل هذه المعطيات، تبرز تحديات كبيرة أمام الحكومة الجديدة، فهل ستكون قادرة على مواجهة الاستحقاقات المالية والاقتصادية واتخاذ قرارات جريئة، أم أنها ستواجه المصير نفسه الذي لاقته الحكومات السابقة؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

المزيد عن: حكومة نواف سلامالثنائي الشيعيالميثاقيةجوزاف عونالحكومة اللبنانيةالثلث المعطل

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili