ازدادت المطالبة بإقرار العفو العام في لبنان وسوريا لمواكبة المرحلة الجديدة (اندبندنت عربية) عرب وعالم فلسفة العفو العام تتحور… المصلحة السياسة أولا ثم العدالة by admin 3 فبراير، 2025 written by admin 3 فبراير، 2025 15 يعد هذا القانون محطة سنوية في بعض الدول العربية ينتظرها السجناء اندبندنت عربية / بشير مصطفى صحافي @albachirmostafa أبعد من العدالة، شهدت فلسفة “العفو العام” تطوراً على المستويين العربي والدولي، إذ دخلت في صلب العمل السياسي بوصفها أداة تلجأ إليها السلطة الحاكمة في “ظروف حساسة” كمحاولة الخروج من أزمة كبرى، أو استخدامها كوسيلة للتعبير عن “مودة” السلطة تجاه مواطنيها، أو “إعلان فرحة” عظيمة بمناسبة زواج أحد أفراد العائلة الحاكمة، أو ولادة طفل طال انتظاره. قانون واحد ومآرب عدة تتنوع الأسباب الموجبة والدوافع التي تقف خلف قوانين العفو العام في العالم العربي، وتقود عملية الرصد لقائمة من القوانين الصادرة أخيراً إلى فهم الدوافع خلفها. ويشير الدكتور عاطف النقيب في شرحه لأصول المحاكمات الجزائية أن “المقرر قانوناً هو أن العفو العام يسقط الدعوى العامة، أي يزيل عن الفعل الصفة الجرمية دون أن يسقط دعوى التعويضات الشخصية”. وشهد العراق أخيراً سجالات حادة بعد أن أصدر البرلمان قانوناً للعفو خلال الـ21 من يناير (كانون الثاني) 2025 لمعالجة اكتظاظ السجون، وتعزيز التماسك الاجتماعي كما هو معلن، إلا أن القانون تضمن أيضاً فئات مشمولة هي “الجرائم المتعلقة بهدر المال العام وسرقته شريطة إعادة المسروقة بالكامل”، إذ جاء هذا القانون ليعفو عن مرتكبي ما عرف في الأروقة الحقوقية العراقية بـ”سرقة العصر”، وتشير مواقع عراقية إلى استفادة أحد مرتكبي جريمة اختلاس عظيمة ممن يجب عليه أداء 2.5 مليار دولار من هذا القانون المستجد. ويتضح أن العفو يتخذ في بعض الدول طابعاً جماعياً لتعزيز اللحمة المجتمعية، ولكن في دول أخرى يتمتع بالطابع الاحتفالي بذكرى ما، أو مكرمة من رأس السلطة فيكون عفواً ملكياً أو رئاسياً. في مصر، يتخذ قانون العفو بعداً “احتفالياً” إذ أصدر رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي قراراً بالعفو رقم 18/2025، إذ “يعفى عن باقي العقوبة السالبة للحرية لبعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة وثورة 25 يناير. ويأتي هذا العفو تنفيذاً لصلاحية منحها الدستور المصري الصادر عام 2014، التي تنص على العفو الرئاسي عن المسجونين أو تخفيف عقوبتهم، ولا يتم العفو الشامل إلا بموافقة غالبية أعضاء مجلس النواب”. أما في المغرب، فأصدر الملك محمد الخامس “عفواً سامياً” عن 1304 أشخاص بمناسبة “ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال” خلال الـ11 من يناير الجاري، علماً أن بعض الأشخاص معتقلون، أما بعض آخر فهو موجود في “حال السراح” أي مخلى سبيلهم. وفي الموازاة، خلال الـ20 من أغسطس (آب) 2024، سبق للعاهل المغربي أن أصدر عفواً عن 5 آلاف مدان متهمين في زراعة القنب الهندي بصورة غير قانونية. وفي الجارة الجزائر، شكلت نهاية عام 2024 فرصة لتخفيف العقوبات عن 2471 محبوساً، إذ أصدر الرئيس عبدالمجيد تبون خلال الـ24 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 عفواً رئاسياً و”تدابير تهدئة”، واتخذت بعد “العفو الكلي” للعقوبة عن المحبوسين ممن تساوي عقوبتهم 24 شهراً ومن تقل عن 18شهراً، وخفض عقوبة جزئية بمعدل 18 شهراً لباقي السجناء. هذا الإجراء يعد نمطاً متكرراً في الجزائر، فقد سبق للرئيس تبون أن أصدر مرسومين رئاسيين للعفو عن 11896 مسجوناً في قضايا مختلفة، ولكن اللافت أن أحد المراسيم اتخذ بعداً إصلاحياً يستحق تسليط الضوء عليه، إذ أُصدر عفوٌ عن الأشخاص المحبوسين المحكوم عليهم نهائياً، والناجحين في التعليم والتكوين المهني وشهادة التعليم المتوسط والبكالوريا، والتخرج في الجامعة وشهادة التكوين المهني والحرفي، إذا كان باقي العقوبة يساوي 24 شهراً أو يقل عنها. وفي المملكة الأردنية الهاشمية يتخذ العفو قالب “الإرادة الملكية السامية”، ففي عام 2024 صادق الملك عبدالله بن الحسين على العفو العام الذي أقره مجلسا الأعيان والنواب، إذ عفا عن “الجرائم الجنائية والجنح والمخالفات، والأفعال الجرمية التي وقعت قبل تاريخ الـ19 من مارس (آذار) 2024”. النموذج اللبناني المتكرر أما في لبنان، فقد نظر رجال القانون إلى العفو العام بوصفه “إجراء استثنائياً” يلجأ إليه المشترع في المحطات المفصلية، إلا أن التجربة الواقعية تشي باستخدامه كأداة سياسية. ويشير القاضي عفيف شمس الدين في كتابه شرح أصول المحاكمات الجزائية إلى أن “العفو العام هو تدبير يتخذه المشترع من شأنه أن يحول دون الملاحقة إذا كانت الدعوى العامة لم يجر تحريكها بعد، وإلى إسقاطها إذا كانت قد حُركت ولم يصدر فيها قرار مبرم”، لافتاً إلى أن “مبررات العفو العام هي التهدئة الاجتماعية عبر إسدال ستار النسيان على جرائم ارتكبت في ظروف سيئة، إلى أن تحذف من الذاكرة الاجتماعية هي وظروفها كي يتهيأ المجتمع ويمضي في مرحلة جديدة، لذلك فإنه يصدر في الغالب عقب فترات من الاضطراب السياسي ويكون هدفه وموضوعه مما له صلة بهذا الاضطراب”. ينظر تيار واسع في لبنان والعالم العربي إلى أن قوانين العفو وصفة جاهزة لحل مشكلة اكتظاظ السجون (مواقع التواصل) تاريخ طويل من العفو منذ عام 1918 صدرت عشرات قوانين العفو وتكررت لتصبح أداة سياسية معتادة. وفي عهد الرئيس بشارة الخوري أول رؤساء لبنان بعد الاستقلال عام 1943، صدرت ثلاثة قوانين عفو واستمر الأمر وصولاً إلى قانون الـ26 من أغسطس 1991 الذي أعقب توقيع وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف السعودية عام 1989، وأخيراً عقب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005. ومنذ عام 2018 تقدمت كتل نيابية باقتراحات قوانين للعفو العام. ويكشف النائب ميشال موسى رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية عن “وجود ستة مشاريع مختلفة، تحمل صفة المعجل المكرر، تقدمت بها الكتل النيابية”. ويستغل النواب اللبنانيون الفرص لطرح قوانين العفو، وتشكل الفترات المشرفة على الانتخابات محطة مفصلية في هذا الشأن. وفي عام 2020 وإبان انتشار جائحة كورونا، برزت اقتراحات عدة لـ”العفو العام” بُغية “تحقيق التباعد” والحد من انتشار الجائحة في السجون المكتظة بمعدل 300 في المئة. وفي حينه، برز المشروع الذي تقدمت به كتلة “المقاومة والتحرير” برئاسة رئيس “حركة أمل” نبيه بري (رئيس البرلمان)، إضافة إلى قانون أعدته “كتلة المستقبل” تقدمت به النائبة بهية الحريري إضافة إلى قانون معجل تقدمت به كتلة “الوسط المستقل”، برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وأخيراً تقدم نواب “تكتل الاعتدال” ونواب مستقلون، و”الجماعة الإسلامية” بمشروع قانون معجل مكرر للعفو العام. وشمل المشروع الذي تقدم به النائب ياسين جابر عدداً كبيراً من الجرائم المرتكبة للفترة السابقة لتاريخ الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، جاء على صورة مادة وحيدة تضمن إقرار العفو العام عن الجرائم المحالة إلى المحاكم العدلية والعسكرية الاستثنائية أو التي صدرت بنتيجتها أحكام، بما فيها جرائم تعاطي أو تسهيل تعاطي المخدرات “دون نية الربح”. واستثنى من العفو الجرائم المحالة على المجلس العدلي وجرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك قتل المدنيين أو العسكريين أو خطفهم، وجرائم التعدي على الأموال والأملاك العامة أو الخصوصية العائدة للدولة أو البلديات، وجرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وتلك المخلة بالثقة العامة. أما مشروع “كتلة المستقبل” فحاكى هواجس أهالي الموقوفين بزمن جائحة كورونا، وأقر الإعفاءات التي لا تشمل من قاتل الجيش اللبناني وجرائم الإرهاب، والعمالة مع العدو والاتجار بالمخدرات. ومن جهته، لم يقارب مشروع “الوسط المستقل” مسألة العفو بل جاء ليدعو إلى إخلاء سبيل الموقوفين دون محاكمة، وإخضاعهم للمراقبة اللصيقة والمستمرة. وتتعرض قوانين العفو إلى انتقادات عدة، لأنها تساوي بين جرائم تتفاوت فداحتها وخطورتها الجنائية والمجتمعية. وفي حينه، أعلن “نادي القضاة” في لبنان معارضته العفو العام لأنه “أمر استثنائي وخطر يُتخذ فقط في مراحل مفصلية من تاريخ الشعوب والأوطان”، داعياً إلى إقرار قانون استقلالية القضاء، لأن ذلك مقدم على “تحرير المجرمين” تحت ذريعة حل مشكلة السجون بسبب الخوف من تفشي فيروس كورونا المستجد Covid-19. وعدَّ النادي أن إقرار العفو يؤدي إلى ضرب استقلالية القضاء، ويزيد منسوب التجرؤ على مخالفة القانون وارتكاب الجرائم. العفو حل للاكتظاظ؟ ينظر تيار واسع في لبنان والعالم العربي إلى أن قوانين العفو وصفة جاهزة لحل مشكلة اكتظاظ السجون، وتجاوز التأخر في المحاكمات. ويعبر النائب في البرلمان اللبناني ميشال موسى عن ترحيبه بقانون العفو عن بعض الجرائم انطلاقاً من مشكلة الاكتظاظ، نتيجة عدم وجود سجون كافية على رغم النداءات المتكررة بضرورة تغيير الواقع، ناهيك بالتأخير في إصدار الأحكام من قبل القضاء، إذ توجد أعداد كبيرة من الموقوفين غير المحكومين و”هذا أمر مؤسف”، متحدثاً عن قوانين مختلفة، “حاولت الكتل التوفيق بين نصوص مختلفة ولكن دون نتيجة فعلية”. ويضيف “بين الفينة والأخرى، يتم تحريك الملف ولكن لم تصدر أية قوانين بانتظار حكومة العهد الأولى، التي عليها البحث عن حلول لمشكلة اكتظاظ السجون”. ويقر موسى بوجود “دور مرجح للخلافات السياسية في تأخير إقرار الحل للمشكلات الإنسانية”، مطالباً القضاء بالإسراع في إصدار الأحكام، إذ تتخطى فترة التوقيف أحياناً المدة التي تتضمنها الأحكام، وإصدار قرارات إخلاء السبيل، إضافة إلى بناء سجون جديدة. ومن جهته، يؤكد المحامي محمد صبلوح دور قوانين العفو في رأب الصدع الاجتماعي وإغلاق جروح الماضي، مُشيراً في الحال اللبنانية إلى “جهود بُذلت أخيراً من قبل كتلة الاعتدال والنواب المستقلين عماد الحوت ونبيل بدر، لتقديم اقتراح لا يهدف إلى تبييض السجون والعفو العام بصورة غير مدروسة، وإنما يمكنه أن يسهم تخفيف الظلم”، مطالباً بتطبيق مبادئ “العدالة الانتقالية” التي تفتح الباب أمام جبر الضرر، ورفع الظلم من خلال مراجعة الدولة اللبنانية حساباتها. ويتطرق إلى ملف الموقوفين الإسلاميين الذي “تحيطه كثير من المبالغات”، وتقدر أعدادهم بـ350 موقوفاً فحسب، يتوزعون بين 170 سوري من “معتقلي الرأي” الذين وعد لبنان القيادة الجديدة بمعالجة ملفاتهم، وقرابة 180 فلسطينياً ولبنانياً. ويضيف صبلوح أنه “كان هناك تضخيم لهذا الملف وأثر تحريرهم على المجتمع، إذ خرج مئات الإسلاميين وعادوا للاندماج في المجتمع دون القيام بأعمال إرهابية”. ويلفت صبلوح إلى “صناعة الإرهاب في لبنان”، و”استعمال هذه التهمة لملاحقة المتضامنين مع الثورة السورية، الذين استعملت معهم أساليب الضرب والتعذيب، وفبركة الملفات ضد من وقف بوجه ’حزب الله‘ والنظام السوري، كما حصل في ملف عبرا، والشيخ أحمد الأسير الذي بدأ حركته بمطلب حصر السلاح بيد الجيش اللبناني”، مُجدداً السؤال عمن أطلق الرصاصة الأولى؟ في إشارة منه إلى فريق ثالث أوقع الخلاف بين الأسير والجيش اللبناني، لافتاً إلى المحاكمة غير العادلة أمام المحكمة العسكرية التي لم تحترم فيها شروط الدفاع. ويعود صبلوح إلى تقرير بعنوان “كم تمنيت أن أموت” الذي أصدرته منظمة العفو الدولية حيث “تثبتت من انتزاع اعترافات من الموقوفين السوريين بالقوة، وإحضار نسائهم وأخواتهم إلى وزارة الدفاع وتخييرهم بين التوقيع على الاعتراف أو تعريض النسوة للانتهاكات”، إضافة إلى “توقيف شباب في مجدل عنجر واتهامهم بالإرهاب لمجرد اعتراضهم شاحنات تابعة لـ’حزب الله‘ تهرب المازوت إلى سوريا إبان أزمة الوقود في البلاد”. ويعتقد صبلوح أن “تغييراً جذرياً حصل مع انتصار الثورة السورية”، مُذكراً بأنه “في السابق، كان يُحاكم بثلاثة أعوام سجناً كل من يتصل بالقيادي محمد الجولاني – أحمد الشرع أو ’هيئة تحرير الشام‘، فيما تسارع القيادات اللبنانية كافة اليوم لزيارة قائد سوريا الجديد”. من ثمَّ، فإن “هناك حاجة لعلاج الملف بحكمة والعفو عن الشريحة التي فُبركت ملفاتها، وغير الضالعة بقتل عناصر الجيش. وليس هذا بمطلب تبييض السجون”. العفو الدولي وحقوق الإنسان في نهاية الحروب والنكبات الكبرى تلجأ الدول لإقرار عفو عن بعض الجرائم التي ارتكبت خلال النزاعات المسلحة على مستوى المحاربين، بغية الوصول إلى تسوية ومصالحة اجتماعية. ويتعامل القانون الدولي بحذر مع اقتراحات “العفو العام”، إذ يقول الدكتور نضال الجردي وهو متخصص في القضايا الجنائية الدولية إن “العفو العام محظور على مستوى الجرائم الدولية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، في مقابل مقاربة براغماتية للتعامل مع الانتهاكات العادية التي تتخلل النزاعات، وحالات الفوضى والتحول الديمقراطي، إذ تبرز معايير العدالة الانتقالية التي تتضمن مزيجاً من الإجراءات التي يمكن أن تتضمن العفو المشروط لمرتكبي الجرائم العادية، وليس الدولية الجسيمة”. ويضيف “في الصراعات التي تطول زمنياً وتتصف بالكثافة ويصعب فيها الوصول إلى المرتكبين كافة، إذ درج الأمر على اعتراف المسؤولين، القيادات، بانتهاكاتهم والاعتذار عن أخطائهم مقابل عفو مشروط، إذ نتجه نحو جبر للمجتمع والمصالحة دون الإفلات من العقاب”، من ثمَّ “لا عفو عن كبار القادة والمسؤولين والمجرمين الكبار لأن ذلك مخالف لحقوق الإنسان والمعايير الدولية، مع إمكانية العفو عن العناصر العادية”. العفو يجافي العدالة؟ يعارض تيار واسع من الحقوقيين اللبنانيين والعرب قوانين العفو العام، إذ تعرب الخبيرة بالعدالة الانتقالية كارمن أبو جودة الأستاذة الجامعية في جامعة القديس يوسف عن معارضتها المبدئية لقوانين العفو العام، إذ “من غير الجائز إقرار قانون العفو بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية”. وتوضح أبو جودة “في بعض الدول التي عانت حروباً أو واجهت سقوط أنظمة ديكتاتورية، يصدر قرار سياسي عبر قانون بالعفو العام عن جرائم سابقة، ويكون بمثابة التسوية خلال المرحلة الانتقالية، متطرقة إلى ما سبق أن حصل في لبنان عام 1991 عقب انتهاء الحرب الأهلية”، منتقدة “قانون العفو غير المشروط الذي أعطى استثناءات وميز بين الضحايا أنفسهم، بين ضحية عادية، وضحية غير عادية – مهمة مشمولة بالمجلس العدلي”. وتتحدث أبو جودة عن “تناقض يحكم الخطاب اللبناني للعفو بحجة عفا الله عما مضى، ولم تظهر معارضة جدية لقانون العفو العام الذي يجب أن يكون مشروطاً، ويترافق مع إجراءات تنصف الضحايا، ولكن الخطأ الذي وقعنا فيه أنه لم يتم ربطه باستراتيجية جبر الضرر الذي يوجب اعتراف الفاعلين بالانتهاكات المرتكبة من قبلهم، إضافة إلى تعويض الضحايا”، مشددة على أنه “وفق معايير الأمم المتحدة يرتبط جبر الضرر بالمحاسبة، ومعرفة الحقيقة، وبالتعويضات المعنوية والمادية، والتعهد بالإصلاح وعدم التكرار”. وتعتقد الدكتورة أبو جودة أن “قوانين العفو العام تشجع ثقافة الإفلات من العقاب، إذ أظهرت التجارب أن الدول التي تبنت هذا التوجه، كانت على موعد مع تكرار العنف السياسي والانتهاكات، وفتح الباب أمام إمكانية عدم احترام القانون”، معبرة عن أسفها لما حدث في لبنان لجهة “مكافأة المرتكبين عوضاً عن محاسبتهم إذ تولوا المناصب، وشهدنا توظيف أناس كانوا عناصر في الميليشيات وأمراء الحرب دون التحقيق وفحص الأهلية”، مضيفة أنه “لم يتم الاعتراف بجرائم الإخفاء والمجازر ولم يتم التعهد بعدم التكرار، وذلك يخالف مبدأ العدالة الانتقالية التي يجب فيها فحص أهلية الموظفين في الإدارات العامة للتحقق من عدم ضلوعهم بارتكابات وجرائم حرب، إذ من غير الجائز ترك مرتكب جرائم حرب في منصبه، أو فتح الباب أمامه لتولي مناصب جديدة”، كما أنه “وعلى رغم مرور 50 عاماً على الحرب الأهلية، لا يوجد في لبنان يوم وطني لإحياء ذكرى الضحايا”. وتحذر كارمن أبو جودة من تكرار موجات العنف السياسي، إذ “شهد لبنان على الإفلات من العقاب واتضح ذلك في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وتمسك المشتبه فيهم بالحصانات لعدم استجوابهم وملاحقتهم”، ناهيك بـ”الاغتيالات السياسية المتواصلة منذ عام 2004 وما بعده”. ومن جهة أخرى، ترفض أبو جودة ذريعة معالجة الاكتظاظ من خلال إفراغ السجون، لأنه “في لبنان تتحول التدابير الاستثنائية إلى قاعدة عامة، وتصبح تغطية للعنف السياسي المستمر”، مطالبة بـإقرار مبدأ استقلالية القضاء و”المحاكمة العادلة للجميع والعودة إلى المبادئ العامة وتطبيق قرينة البراءة وفردية الجريمة والعقوبة، لأنه من غير الجائز وجود موقوفين دون محاكمة لأعوام، واستمرار التوقيف الاحتياط إلى ما لا نهاية”. المزيد عن: قانون العفو العامالدول العربيةلبنانالمغربالجزائرالأردنالسجونالسجناءالحقوق الإنسانيةالعدالة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مقعد في حديقة الأسرار… ماذا يفعل الجواسيس المتقاعدون؟ next post صرخات النازحين إلى جزيرة لا تصل “من وراء الأمواج” You may also like غرافيتي يطارد يهود سيدني وشرطة “معاداة السامية” تراقب 2 فبراير، 2025 العثور على رجل دين أرمني لبناني مقتولا في... 2 فبراير، 2025 كيف تؤثر رسوم “ترمب” الجمركية في الاقتصاد الأميركي؟ 2 فبراير، 2025 بداية هادئة للدولار… كيف يتحرك الجنيه المصري عام... 2 فبراير، 2025 ( 199مليار دولار ) مكاسب أكبر 10 أثرياء... 2 فبراير، 2025 ترمب يدعو الأميركيين لتحمل “الألم” بسبب قرارات الرسوم... 2 فبراير، 2025 أوروبا تستشعر خطر تهجير سكان غزة 2 فبراير، 2025 فتح تحقيق جنائي في حق زوجة نتنياهو 2 فبراير، 2025 ما أولويات الرئيس الجديد لأركان الجيش الإسرائيلي؟ 2 فبراير، 2025 إيران تكشف عن «مدينة صواريخ» مضادة للسفن 2 فبراير، 2025