جون ستاينبك (1902-1968): أدب البدايات الكبير (pinterest) ثقافة و فنون هل حولت “نوبل” ستاينبك إلى مناصر لحرب فيتنام؟ by admin 22 يناير، 2025 written by admin 22 يناير، 2025 23 صاحب “تورتيلا فلات” و”عناقيد الغضب” المتهم بأنه “أحمر” يدافع عن السياسات العدوانية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان ذلك في عام 1966 أي قبل عامين من رحيله عن عالمنا عن 66 عاماً، ولكن بخاصة بعد بضعة أعوام من حصوله على جائزة “نوبل” أدبية اعتبرها كثر مستحقة و”ترفع ظلماً عن ثالث أكبر الروائيين الأميركيين” بعد إرنست همينغوي وويليام فوكنر اللذين نالاها من قبله. وكان السؤال في كل مرة يفوز بها واحد منهما: متى يحين دور جون ستاينبك؟ بل إن البعض وصل في احتجاجه على “تأخر” وصول الجائزة الكبرى، إلى حد اتهام محكمي “نوبل” بأنهم يخضعون لسيطرة أميركيين متطرفين دأبوا على محاربة صاحب “عناقيد الغضب” متهمين إياه بأنه اشتراكي بل “شيوعي أحمر” كما فعلت مدن أميركية عديدة منعت تلك الرواية حين صدرت باعتبارها رواية شيوعية، كما حاربت الفيلم الذي اقتبسه عنها جون فورد، سينمائي الأمة الأميركية الأكبر. مهما يكن، كان ذلك كله جزءاً من تاريخ منسي حين حل عام 1966 وأصدر جون ستاينبك فيه ذلك الكتاب الذي أحل عليه لعنة مؤيديه السابقين، “أخبار من فيتنام”، لماذا؟ من اقتباس سينمائي لـ”تورتيلا فلات” (ويكيبيديا) عكس التيار ببساطة لأن الكتاب قد صدمهم وأغضبهم. فهو كان صوتاً مدوياً في دفاع كاتبه عن السياسات الأميركية العسكرية العدوانية عن الحرب التي تخوضها الجيوش الأميركية ضد شعب فيتنام. أتى الكتاب مدافعاً عن سياسات الرئيس ليندون جونسون التي أمعنت عدوانية قاتلة ضد فيتنام، فوقف معظم الأميركيين ضد تلك السياسات بينما بالغ ستاينبك في دفاعه عن تلك السياسات، بعد جولة في أصقاع تلك المناطق الملتهبة من العالم مولها البيت الأبيض، وخلالها سجل الكاتب ملاحظات، وتحدث عن لقاءات تجمع على “شرعية تلك الحرب” وحماسة الجنود الأميركيين المقاتلين دفاعاً عنها في فيتنام نفسها لخوضها. والأدهى من ذلك أن ستاينبك الذي التقى خلال جولته ابنه هناك، عبر بقوة عن حماسة ذلك الابن للقتال في سبيل الوطن، في وقت كانت توابيت الجنود الأميركيين القتلى في حرب فيتنام تصل إلى ذلك الوطن يومياً، محمولة على طائرات تثير غضب الشبيبة الأميركية وفزعها. عند قراءة ذلك الكتاب جن كثر من الأميركيين وراحوا يتساءلون: ماذا دهى ذلك الكاتب الكبير؟ ما الذي أحدث ذلك التبديل الجذري في مواقفه؟ هل أصابه الخرف؟ ما الذي جعله يقف عكس تيار كبار المبدعين الأميركيين؟ بل حتى كبار مبدعي العالم من الذين كانوا يلعنون الإدارة الأميركية ليلاً نهاراً على خوضها تلك “المقتلة” التي كانتها حرب فيتنام، وتنذر بأن تكونها كذلك أكثر فأكثر خلال الأعوام القادمة وصولاً إلى الهزيمة الأميركية الكبرى التي ستسفر عنها بعد أقل من 10 أعوام من صدور كتاب جون ستاينبك الأخير ذلك. مات ستاينبك إذاً، وانتهت حرب فيتنام بغير ما كان قد توقع لها وبقي سؤال الـ”لماذا” محيراً. عودة إلى تاريخ مضيء مهما يكن من أمر، وتماماً كما أن الموت يضع حداً لكثير من الحيرة والأمور المستغربة، حتى وإن كان موقف ستاينبك (1802-1968) الأخير محزناً و”مخجلاً” في الأقل في رأي كثر من محبي أدبه، لا شك أن العدد الأكبر من قراء الروايات الكبرى في القرن الـ20 قد آثروا نسيان كل تلك الحكاية والعودة إلى اعتبار صاحب “نوبل” عام 1962 واحداً من كبار الكتاب الإنسانيين في القرن الـ20 وليس في أميركا وحدها، بل في الأدب العالمي. فالحقيقة أن ستاينبك كان عند منتصف ذلك القرن الكاتب الأميركي الأكثر شعبية في العالم، إذ ترجم معظم رواياته إلى لغات عديدة، وكان يقرأ على نطاق واسع في معظم لغات الأرض. وذلك في وقت كان همينغوي يقرأ غالباً بوصفه ظاهرة وصاحب حياة حافلة بالمغامرات، بينما يعتبر فوكنر نخبوياً صعب الأسلوب محلي اللغة. ولقد وصلت مقروئية ستاينبك إلى الذروة طبعاً مع “عناقيد الغضب” التي اعتبرها هو، واعتبرت دائماً أعظم رواياته، ونالت احتراماً عالمياً كبيراً مع تحولها لتصبح واحداً من أعظم الأفلام الأميركية عام 1939، على يد جون فورد، مما أعطى الروزفلتية المظفرة في ذلك الحين بفضل سياسات الرئيس روزفلت الاقتصادية – الاجتماعية، مكانة شعبية كبرى كانت هي ما دفع اليمين الأميركي المتطرف إلى محاربتها ومحاربة كاتبها ومخرج فيلمها الروزفلتي الكبير، واصلين إلى اتهام الكاتب بالشيوعية كما أشرنا. وهي تهمة لم ولن ينج منها الرئيس روزفلت نفسه، ولأعوام طويلة بعد رحيله متهماً هو الآخر بكونه “شيوعياً” من قبل السيناتور ماكارثي ولجنته الكئيبة، لكن هذه حكاية أخرى بالتأكيد. حكاية كاتب كبير أما حكايتنا التي نواصلها هنا فهي بالطبع حكاية ذلك الشاب الذي بما يشبه “المعجزة الصغيرة”، انتقل وهو في بدايات عشرينياته من العمل الزراعي الذي تمارسه عائلته في مناطق كاليفورنيا الزراعية إلى الدراسة الجامعية والأدب. غير أن تلك “المعجزة” ستتأخر نتائجها إذ لم تبد كتاباته المبكرة مقنعة في تناولها العالم الزراعي وممارسيه، وفي اقتصارها على آفاق مغلقة. كان عليه أن ينتقل إلى المدينة كي ينجح وهو ما فعله ستاينبك الشاب حقاً، وكانت نتائجه مثيرة ولو بطيئة. ولقد حملت تلك النتائج في بداية ظهورها عنواناً لا ينسى هو “تورتيلا فلات” التي ستكون الرواية الأولى للكاتب تجد جمهوراً يقرأها، وجوائز ولو بسيطة تنهال عليها. ناهيك بأنها ستكون درساً أدبياً أكيداً لكاتبها. طبعاً لن يكون منطقياً القول هنا إن “تورتيلا فلات” رواية كبيرة، لكنها كانت الخطوة الحقيقية الأولى التي ستولد لدى ستاينبك تلك الروايات التالية التي ستوصله إلى “نوبل”، وإلى مكانة عالمية جاعلة منه كاتباً يقارن بالروسي الكبير مكسيم غوركي، وربما من تلك المقارنة سينبع اعتباره كاتباً “اشتراكياً”. ومن المؤكد أن ذاك الذي سيعرف له الملايين، وفي لغات عديدة، تحفاً أدبية تحمل، إلى ما ذكرنا، عناوين مثل “شارع السردين المعلب”، ورجال وفئران”، و”شرقي عدن”، وفي معركة مشبوهة”، و”مراعي الفردوس”… وغيرها، من المؤكد أنه كرس حياته ومساره الأدبي للكتابة عن المعدمين والبائسين ومعذبي الأرض، الذين يمكننا أن نعتبرهم أخوة لأبطال “تورتيلا فلات” من الباييسانو سكان ذلك المكان الذي أعار اسمه للرواية، وهو عبارة عن مرفأ للصيد تقطنه حثالة من البشر على شاكلة ذلك الخليط من الإسبانيين والبرتغاليين والقوقازيين والهنود والمكسيكيين الذين لم يجمعهم في شقة بائسة واحدة سوى الفقر والجوع متحلقين من حول ذلك الفتى البائس، مثلهم، لكنه ورث تلك الشقة وراح يؤجرهم غرفة فيها واحداً بعد الآخر، حتى يحرمهم القدر جميعاً من ذلك المأوى باحترام، لكنهم لا يتفرقون بل يبقون هنا على رغم الحريق يعيشون الحياة التي اختارتها لهم الأقدار، حين لا يكونون في السجن أو منفيين مشردين على الطرقات. ستة رجال هم في نهاية المطاف ستة رفاق يتشاركون غرفتين ولقيمات طعام قد يحصلها واحد منهم أو يسرقها ثان أو يتسولها ثالث… وتمضي بهم الحياة هكذا إلى درجة أن الحريق الفتاك الذي يقضي على ما يملكون وما يحتويهم، لا يمكنه أن يبدل من حالهم إلى أسوأ، وبالتحديد لأن ليس ثمة، على أية حال ما هو أسوأ. ومن هنا يصعب القول إن في هذه الرواية الأولى من روايات جون ستاينبك أية أحداث حقيقية، كل ما فيها ليس أكثر من شرائح تنم عن حياة قد يصعب تصورها قائمة في ذلك العالم الجديد، عالم الحلم الأميركي الذي أمضى ذلك الكاتب الإنساني الكبير العدد الأكبر من أعوام عمره ومعظم مسيرته الكتابية، وهو مقتنع بأنه ليس حلماً بل وهم أميركي كبير… وذلك فقط في انتظار أن يبدل رأيه بعد أعوام قليلة من ذلك العام الذي أوصله فيه حلم لم يؤمن هو به أبداً، إلى أعظم جائزة أدبية في العالم، ليعلن في “أخبار من فيتنام” أن الحلم حقيقي وأن لأميركا قيماً يجب الدفاع عنها، وعلى الضد من مستضعفي العالم إن احتاج الأمر، مما يضعنا أمام يقين جديد لعل أسوأ ما فيه أنه ينسف كل يقين سابق عند كاتب أوصلته يقينياته السابقة إلى أن ينظر إليه متطرفو اليمين من أبناء أمته، كشيوعي يجب منع كتبه، في وقت كان متفرجو السينما الأميركية في شتى أنحاء العالم يتابعون، بفرح كبير ومرحب إلى السينمائيين الهوليووديين الكبار من جون فورد إلى إيليا كازان ومن هم في طينتهما، وهم يتلهفون لتحويل رواياته الكبرى إلى أفلام إنسانية واجتماعية خالدة. المزيد عن: جون ستاينبكتورتيلا فلاتحرب فيتنامإرنست همينغويويليام فوكنرجائزة نوبل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “ملفات بيبي”… محاكمة سينمائية لطموحات نتنياهو next post هل باتت فلسطين أمام فرصة تاريخية مع رئاسة ترمب؟ You may also like محمد بنيس: على القصيدة أن تبقى مقاومتنا الدائمة... 22 يناير، 2025 نساء وسمن العصور الوسطى الأوروبية بموسيقاهن وأصواتهن 22 يناير، 2025 “ملفات بيبي”… محاكمة سينمائية لطموحات نتنياهو 22 يناير، 2025 أين اختفى الرسام الإسباني غويا خلال الثورة الفرنسية؟ 20 يناير، 2025 أورهان باموق يكتب ذكرياته ويرسمها ببراعة فطرية 20 يناير، 2025 حكاية صداقة خالدة بين الحياة والموت 20 يناير، 2025 رحيل ديفيد لينش… آخر السورياليين الكبار 20 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: عبدالرحمن قطناني يفتح “أبواب... 20 يناير، 2025 التشيكي دفوراك افتتح من أميركا أزمنة العولمة بموسيقاه 19 يناير، 2025 رحيل فرحان بلبل رائد مسرح العمال في سوريا... 19 يناير، 2025