حشود في ساحة سعدالله الجابري في حلب تحتفل بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد (أ ف ب/ غيتي) بأقلامهم بيل ترو تكتب عن: تفاصيل أسبوع استثنائي في سوريا عقب إسقاط نظام الأسد by admin 26 ديسمبر، 2024 written by admin 26 ديسمبر، 2024 27 قضت بيل ترو عدة أيام وهي تجول في جميع أنحاء سوريا، من حلب شمالاً مروراً بالعاصمة دمشق ووصولاً إلى درعا جنوباً، وترسم ملامح أمة تحاول استيعاب نهاية بطش حكم أسرة الأسد بعد عقود طويلة. اندبندنت عربية / بيل ترو مراسلة الشؤون الدولية في اندبندنت @Beltrew مدن مهجورة تظهر لك كما هياكل الشعاب المرجانية البيضاء على طرفي الطريق الطويل الذي يتعرج من دمشق شمالاً. تمر بك مشاهد الدمار ميلاً بعد ميل، كما لو أن الصورة تعيد نفسها بلا كلل: دمار شامل يتواصل بشكل شبه عصي على الاستيعاب. تمر أمام الرائي مدن وبلدات وقرى فارغة من أهلها، بعد أن كانت تعج بالحياة في يوم من الأيام، باتت ندوباً تشهد على حرب أهلية وحشية ودموية دارت رحاها 13 عاماً. 13 عاماً من محاولات حثيثة قام بها رئيس هو بشار الأسد، لكسر إرادة شعبه وإرغامه على الإذعان له على وقع القصف. ولا يضاهي حجم هذا الدمار سوى عمليات القتل الجماعية التي رافقته داخل السجون وأفرع المخابرات وغرف التعذيب. وقد بدأ الحجم الحقيقي لهذه الفظائع يتكشف الآن مع العثور على عشرات المقابر الجماعية وتسجيل المفقودين في عداد الموتى وظهور البيروقراطية المرعبة لدولة دونت كل تفصيل بعناية وأودعتها خزائن ملفات تلفظها اليوم في كل أنحاء البلاد. وقد يصح القول، إن هذا الحجم من القتل والتعذيب الذي اقترفته دولة بحق شعبها غير مسبوق في زمننا. وقال لي مصور سابق في الجيش السوري منشق عن النظام، يحمل الاسم المستعار قيصر، في مقابلة نادرة معه من منفاه السري بعد إسقاط الأسد بتلك الطريقة المذهلة، “يجب أن يتذكر العالم بأسره أن الشعب السوري قاسى أبشع جرائم القرن الـ21”. قضى الرجل الذي لم يكشف أبداً عن هويته الحقيقية، سنتين في بداية الصراع في تهريب عشرات آلاف الصور خارج البلاد. فرضت عليه وظيفته أن يوثق جثث المعتقلين النحيلة التي تحمل آثار التعذيب والأمراض. أصبحت هذه الصور أدلة مرعبة وذات أهمية كبيرة على جرائم النظام وأدت إلى فرض بعض أشد العقوبات على الأسد. في البداية، قد يبدو لكم زعمه بأن سوريا عانت بعض أكثر جرائم القرن الـ21 وحشية كلاماً فيه مبالغة، إلى أن تدخلوا أنتم أيضاً المشارح المكدسة بأجساد مشوهة لرجال ونساء وترون وجوهاً غائرة ملتوية رعباً كلوحة الصرخة. وإلى أن تقفوا أنتم أيضاً عند المقابر الجماعية حيث تشم الكلاب رائحة العظام الناتئة من تحت الأرض. وإلى أن تقفوا أنتم أيضاً في الزنازين التي تملؤها مياه المجاري تحت الأرض وتطلعوا على خربشات يائسة على الجدران خطتها أيادٍ ابتلعتها طيلة أعوام زنازين انفرادية ضيقة بلا نوافذ لا تتسع سوى كي يجلس المرء فيها القرفصاء. وأضاف قيصر، “التقطت نحو 55 ألف صورة لأشخاص تعرضوا للتعذيب. وكل ذلك في مكان واحد فقط، في دمشق فحسب. كان هذا مجرد لمحة مقتضبة عن الزمان والجغرافيا والمكان… يمكنني أن أقول إن هذا كان يحدث في كل الأماكن الأخرى، لذلك إن أحصينا عدد الذين عذبوا حتى الموت حرفياً، ستبلغ الحصيلة مئات آلاف الأشخاص”. اقرأ المزيد خيمة اليأس والرجاء… نساء المختطفين اللبنانيين في سوريا أكراد سوريا… معركة التاريخ والمخاض الجديد يتردد صدى كلماته الثقيلة والقاسية في كلام بعض أبرز المدعين العامين الدوليين المختصين بجرائم الحرب، مثل ستيفن جاي راب، وهو مدع عام دولي مرموق لجرائم الحرب وسفير أميركي سابق فوق العادة لشؤون جرائم الحرب يعمل مع منظمات متعددة من أجل توثيق المقابر الجماعية وتحديد هوية المسؤولين المتورطين بجرائم الحرب. مركبات تشق طريقها وسط المباني المدمرة في بلدة جوبر السورية في الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق (أ ف ب/ غيتي) وقد صرح خلال زيارة إلى دمشق هذا الأسبوع بأن قتل وتعذيب الشعب السوري شيء “لم نر ما يضاهيه فعلياً منذ النازية”. وقد تحدث إلي بعد زيارته مقبرتين جماعيتين اكتشفتا حديثاً فأضاف أن الأسد أطلق “آلة موت وإرهاب دولة” ضد شعبه طوال عقود من الزمن والأهم أنه وثق كل تفاصيلها. وتابع بقوله، “إنه نظام مهووس بالتوثيق” وهو ما أذهله شخصياً. حدد راب نحو 100 مركز من فروع الاستخبارات العسكرية إلى السجون العادية، تحوي كميات ضخمة من الأدلة على ارتكاب هذه الجرائم، نوع من بيروقراطية تفصيلية وتوثق وتدين جرائمهم “حد الغباء” تقريباً. وهو يؤكد لي أن ذلك هو الضوء في نهاية النفق. فهناك احتمال كبير بإحلال شكل من العدالة، إذا أمكن الحفاظ على الأدلة التي ليست في الحفظ الآن، وإن ساعد العالم سوريا على التصرف بسرعة. لكن كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ قبل ديسمبر (كانون الأول) الجاري، كانت سوريا قد تلاشت من ذاكرة العالم تقريباً. في البداية، تركزت العناوين على ثورة عام 2011 التي سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية دموية، أولاً من خلال الثورة التي تلتها إراقة الدماء ثم بسبب أزمة اللجوء غير المسبوقة التي تمددت إلى أوروبا وبعدها ظهور “داعش”. أخذت القوى الدولية العظمى تنقب بين اللاعبين الذين ظهروا في البلاد الغارقة في الحرب، كي تحسم اختيارها. دعمت روسيا وإيران الأسد سياسياً وعسكرياً فيما اقتطعت تركيا منطقة تبسط فيها نفوذها في الشمال الغربي وراهنت الولايات المتحدة على القوات التي اختارتها، الفصائل التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي، ضد عدوها اللدود أيضاً: داعش. وفي هذه الأثناء، وُلد جيل كامل من السوريين داخل مخيمات اللجوء، أو في المنفى أو في رحم الرعب داخل سوريا حيث أخذت آلة القتل الجماعية تشق طريقها بين صفوف الشعب. وتفاقم تطرف بعض الفصائل المسلحة. بدأ اسم البلاد بعد ذلك يقترن شيئاً فشيئاً بالحرب. وكان أي حدث يقع فيها، مهما كان، ومهما بلغت أهميته الجيوسياسية، يُقابل بعدم اكتراث. أصبحت الحرب حتمية لدرجة أنها باتت أقرب إلى هوية البلد؛ وقد ترسخ في نفوس كثيرين الاعتقاد بأن لا شيء ممكن أن يتغير أو قد يتغير [الأمور عصية على التغيير وستبقى على هذا المنوال]. وهذا التسليم البارد الذي تضاف إليه المصالح الداخلية، أدى إلى إعادة استقبال الأسد حتى في الأوساط الخارجية: في نهاية المطاف عادت العلاقات إلى مجاريها بينه وبين دول عديدة في الشرق الأوسط، أرسلت سفراءها إلى دمشق. وفي مايو (أيار) 2023، صوتت جامعة الدول العربية من أجل إعادة عضوية سوريا إليها [عودة سوريا إلى الحضن العربي بعد تجميد عضويتها]. وكان من شأن عوائد السلام التي سيولدها هذا الوضع أن تسدد الضربة القاضية للثورة. لكن بعد ذلك، وقعت أحداث ديسمبر. هبت مجموعة من فصائل الثورة لاستغلال فرصة سانحة، بقيادة الجماعة الإسلاموية هيئة تحرير الشام التي كانت مرتبطة بـ”القاعدة” في ما مضى لكنها نأت بنفسها عن ماضيها “الجهادي”. فاقتحمت هذه الفصائل حلب وحماة وحمص إلى أن دخلت دمشق في نهاية المطاف. إذ أن روسيا غارقة في أوكرانيا والجماعات التي تدعمها إيران مثل “حزب الله” لا تزال تترنح من آثار صراعها المدمر مع إسرائيل فيما كان سكان البلاد يستميتون لحصول أي تغيير بعد أعوام من الحرب وعمليات الإخفاء القسري والمعاناة الاقتصادية. ومن ثم، كانت مجرد قدرتنا جميعاً على دخول سوريا، ذلك البلد الذي منع دخول عدد كبير من الصحافيين الأجانب وظلت طلبات التأشيرة التي قدمها معظمنا إليه “قيد الدراسة” أعواماً طويلة، أمراً غريباً [مستهجناً]. كانت نقاط التفتيش التي يهابها الجميع والتي قطعت أوصال البلاد شبه مدمرة وفارغة. فيما تجد أكواماً من ملابس النظام العسكرية وقد ألقيت أرضاً بعد أن تخلص منها من ارتدوها ومركبات مصفحة محطمة مهجورة. وما وجدناه في المقابل، هو مقاتلان من الثوار من فصيل غير معروف يجلسان قرب نار مخيم ويحملان بنادق كلاشنيكوف، لوحا لنا بأيديهما وأذنا لنا بالدخول. ساد شعور الغرابة نفسه في مواقع السجون والقواعد التابعة للنظام التي كانت تبث الرعب في القلوب في ما مضى. ومن بينها مجمع الحرس الجمهوري الذي يشرف على دمشق والذي شكل مقر القائد المخيف، اللواء بسام الحسن مستشار الأسد للشؤون الاستراتيجية الذي يُعتقد أنه المسؤول الرئيس عن برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا. وداخل القاعدة العسكرية، أُلقيت أطباق فيها وجبات عدس أُكل نصفها أرضاً قرب حبال نشرت عليها الملابس الداخلية والجوارب التي تتمايل في الهواء. كانت محتويات غرف المكاتب الرئيسة مبعثرة. وخزائن الملفات ملقاة أرضاً ومئات الهويات الشخصية وجوازات السفر والأوراق منتشرة في كل مكان. قال أحد الحراس وهو مقاتل من الثوار رفض أن يعطينا اسمه وفُرز إلى هذا المكان لكي يحمي المباني “يستميت البعض في البحث عن معلومات متعلقة بأقاربهم المحتجزين والمفقودين”. وأضاف، “لكنني أعتقد أن أشخاصاً من النظام قدموا إلى هنا كي يحاولوا سرقة ملفاتهم”. كان وراءه زملاؤه الذين قبضوا على رجل وهو يفتش في الأدراج. عرفه سكان المنطقة وقالوا إنه ضابط من اللاذقية، معقل الأسد، كان يحرس نقاط تفتيش في محيط المجمع. وداخل زنازين تحت الأرض في مبنى مقر أمن الدولة في دمشق، وهو مركز اعتقال آخر سيئ السمعة، وجدنا فريقاً من الدفاع المدني السوري [فرق الإسعاف]، الخوذ البيضاء. كانوا قد جلبوا معهم وحدة كلاب تقفي للبحث في أرجاء السجن عن أي زنازين سرية. عندما انتشر خبر فرار الأسد من البلاد وبعد اقتحام السجون، هرعت العائلات إلى السجون ومراكز الاعتقال الرئيسة في العاصمة بحثاً عن أحبتها. كان بعض هؤلاء مفقوداً منذ عشرات السنين. وعلى مدار بضعة أيام من النشاط المحموم، ساد اعتقاد أن أسوأ السجون سمعة، أي سجن صيدنايا الواقع خارج العاصمة، قد يكون فيه سجن سري تحت الأرض زُج فيه آلاف الأشخاص الذين اختفوا من دون أثر. قضت فرق الخوذ البيضاء ثلاثة أيام برفقة معتقلين سابقين وفرق بحث مختصة، تحاول العثور على أي مؤشرات إلى الحياة، لكنها خرجت خالية الوفاض. وقال أحد عناصر الخوذ البيضاء وهو يقف أمام سلسلة من الزنازين الانفرادية الضيقة لدرجة لا تسمح بالاستلقاء فيها حتى “لا تزال تردنا طلبات كل يوم من أشخاص يبحثون عن أقاربهم فنرسل فرقاً وكلاباً بوليسية إلى كل موقع ونحاول العثور عليهم”. في إحدى الزنازين الأوسع، يمتلئ الجدار بشكل غير مفهوم بكتابات يبدو أنها درس لغة إنجليزية، ومفردات تتراوح بين “سنجاب” و”نوبة قلبية”. وإلى جانبها رسم للباص رقم 17 في لندن، وهو مسار يبدأ من شارع إيدجوير. وكل هذه التفاصيل علامات تدل على الشخص الذي ربما سجن هنا. بعد ذلك انتقل الفريق ليبدأ العمل على مهمة بشعة تقضي بتوثيق كل الجثث التي يجدها في المستشفيات والمشارح والسجون والمقابر الجماعية التي بدأت الآن تُكتشف. في إحدى هذه المقابر الجماعية في القطيفة التي تبعد 25 ميلاً (40 كيلومتراً) شمال دمشق، يتكلم سكان المنطقة عن أعوام الرعب المديدة. كان الموقع نشطاً بين عامي 2011 و2017، وقد يكون موقع دفن مئات إن لم نقل آلاف الجثث. وقال أحد هؤلاء السكان المحليين، ويدعى علاء وعمره 33 سنة، إن “أي شخص تحلى بالشجاعة الكافية كي يطرح أسئلة عما يحدث هنا كان يتعرض للاعتقال”. وتذكر الشاب كيف اعتُقل شخصياً لأكثر من عام بعد التقاطه صورة واحدة للموقع عندما رأى كلباً يجر رجل إنسان من المكان. وتسعى هيئة تحرير الشام، وهي أكبر فصائل الثوار المكلفة إجمالاً بإدارة هذه المرحلة الانتقالية، إلى حفظ الأمن، لا سيما في محيط مواقع حساسة كهذا المكان. ويحمي مقاتلون من الثوار هذه المواقع اليوم وعديد من بينهم يجهزون لتشكيل قوة شرطة مدنية. وفي حمص، ثالث أكبر المدن السورية التي لُقبت “مهد الثورة” في بداية الحرب الأهلية، شرح رئيس الشرطة الذي عينته هيئة تحرير الشام حديثاً كيف يحاولون معالجة الفراغ الأمني الذي خلفته النهاية الصادمة والمذهلة لأجهزة الاستخبارات والشرطة في نظام الأسد. كان علاء عمران قائد الشرطة االحكومية في مسقط رأسه حمص، إلى أن شهد على قيام النظام بتدمير حي بابا عمرو في حمص دماراً شبه كامل. هاله أمر الدمار لدرجة دفعته للانضمام إلى جماعة متمردين إسلامويين. وفي الأخير، عينته هيئة تحرير الشام لضبط الأمن في منطقة تسيطر عليها المعارضة شمال غربي سوريا. ومثل رؤساء الشرطة الذين عينتهم هيئة تحرير الشام في مختلف المناطق السورية، يحتم عليه دوره محاولة الحفاظ على هذا الهدوء السائد القلق والهش. وأكبر المخاوف هي فقدان السيطرة والعمليات الانتقامية ضد أي شخص له علاقة بالنظام السابق والهجمات التي قد يشنها عناصر النظام السابق أنفسهم الذين يختبئون أمام الملأ، والتحقيق في جرائم حرب ارتُكبت على مدى عشرات السنين. كما أن الأولوية الآن هي بسط الأمن في المدن والمناطق. ويُضاف إلى كل ذلك مهمة قد تكون الأكبر بين كل هذه المهام، وهي إعادة تأهيل صورة الشرطة التي كانت تزرع الخوف والمهابة في النفوس طيلة نصف قرن، والفوز بثقة مكونات المجتمع الأخرى، بمن فيهم المسيحيون والعلويون، وهو المذهب الديني الذي ينتمي إليه الأسد، والأكراد. وقال لي من وراء مكتبه الجديد الذي كان يشغله حتى الأسبوع السابق رئيس جهاز المخابرات في نظام الأسد “ننوي مضاعفة عدد قواتنا في كل الأماكن وإعادة تأهيل صورة الشرطة”. ليس من الواضح إلى أي درجة سيكون تطبيق هذا الأمر يسيراً، وفي أحياء المدينة التي يقطنها علويون، يشعر السكان بالقلق. أصر قادة هيئة تحرير الشام عدة مرات أنهم لن يفرضوا قيوداً دينية على أي طائفة في البلاد، لكن لا أحد يعلم إن كانت الهيئة مثلاً بصدد فرض حكم ديني متشدد. ولا يعلمون كيف ستدير شؤون الأقليات الدينية. وقال أحد الرجال، “لا نعرف ببساطة كيف سيكون الحكم الجديد، وهذه الضبابية مقلقة”. ترددت هذه المخاوف في الأحياء المسيحية في حلب، مع رسائل تقرع نواقيس القلق كل يوم مفادها أن بعض المقاتلين من الثوار من فصيل غير معروف قدموا عدة مرات إلى متاجر بيع الكحول مطالبين أصحابها بإغلاقها. كما خرجت تظاهرات الأسبوع الماضي في دمشق لمجموعات تطالب بالحكم المدني وإشراك النساء، وهي أول مسيرات من نوعها منذ انهيار نظام الأسد. أما في درعا الجنوبية، المدينة التي أشعلت فتيل الثورة في 2011 حين قامت مجموعة من المراهقين، تأثر أفرادها بالثورات في مصر وتونس، بالكتابة على جدار مدرستهم، فساد إحساس بالأمل. وفي ذلك المكان، وجدنا معاوية الصياصنة وهو أحد سكان درعا الذي بدأ ومن بعض النواحي أنهى [أسهم في طي آخر فصل من الثورة]، الثورة ضد الأسد المكروه. بعمر الـ19 ، كتب أربع كلمات على جدار “أتاك الدور يا دكتور”، وهو يعني الأسد الذي كان طبيب عيون في وقت من الأوقات: وتسبب تصرفه باعتقاله واحتجازه 45 يوماً مما أثار احتجاجات محلية سرعان ما عمت أرجاء البلاد. وتختصر قصته حكاية سوريا بأسرها: من اعتقاله وهو لا يزال طفلاً وتعرضه للاعتداء إلى لجوئه إلى تركيا، ثم قتاله في صفوف الجيش السوري الحر قبل إصابته بخيبة أمل في الواقع وعودته عبر قنوات التهريب إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام حيث عاش بعيداً عن الأنظار. في بداية ديسمبر، حمل بندقيته من جديد وانضم في النهاية إلى أول موجة ثوار قدموا من الجنوب وانتزعوا دمشق من أيدي الأسد. يجلس الرجل في ساحة مدرسته في درعا التي انطلقت منها مسيرته [شعلة الثورة] منذ أكثر من 10 أعوام، وهو لا يزال يحمل بندقيته، ويتحسر على فقدان عدد كبير من الأصدقاء وأفراد العائلة، منهم والده، الذين قضت عليهم وحشية النظام، سواء في ميدان القتال أو داخل معسكرات الاعتقال. بالنسبة إليه ولغيره من أبناء هذه الشريحة من جيله، الذين كانوا مراهقين عند انطلاق الثورة، فقد احترقت حياتهم بعد البلوغ بنيران استبداد الحكم والحرب الأهلية الطاحنة والنزوح والإخفاء القسري. وقد “خسروا” مستقبلهم أساساً بحسب تعبيره. لكن العمل على إعادة إعمار البلاد وتحضير ملفات قضايا جرائم الحرب وسوق المسؤولين أمام العدالة قد ينقذ مستقبل ابنه ومستقبل الجيل القادم. وختم بالقول، إن ما يهم هو مستقبل الجيل المقبل. “أدعو لهم ألا يتعرضوا للتعذيب مثلنا وألا يحملوا السلاح وألا يعيشوا حروباً مثلما فعلنا”. © The Independent المزيد عن: سورياسقوط نظام الأسدمقابر جماعية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post متحدث “قسد” لـ”اندبندنت عربية”: هذه شروط انخراطنا في الجيش next post يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق: إرث البعث الرهيب (2) You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: حافظ وليس بشار 26 ديسمبر، 2024 ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد... 25 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. المدينة... 25 ديسمبر، 2024 بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكد من... 25 ديسمبر، 2024 طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024 حسام عيتاني يكتب عن: جنبلاط في دمشق.. فتح... 23 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024 مايكل شيريدان يكتب عن: الجاسوس الصيني الذي حاول... 22 ديسمبر، 2024