عرب وعالم مستقبل الكرة الأرضية بعد باكو… جدل البيئة والسياسة by admin 18 ديسمبر، 2024 written by admin 18 ديسمبر، 2024 14 هل بات الكوكب الأزرق في خطر حقيقي مناخياً؟ اندبندنت عربية في الفترة الممتدة من الـ11 إلى الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شهدت العاصمة الأذرية باكو أعمال مؤتمر الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة في شأن التغير المناخي “كوب-29“، في محاولة لاستنقاذ الكوكب الأزرق من التهديدات التي تحيط به صباح مساء كل يوم، لا سيما بعد أن أصبحت تأثيرات تغير المناخ التي حذر منها العلماء موجودة بالفعل، إذ يعاني ملايين البشر بسبب سلسلة من الكوارث الطبيعية، وانقطاع إمدادات الغذاء، وفقدان الطبيعة جوهرها القديم على نطاق عالمي. جاء المؤتمر على وقع متغيرات سياسية عالمية، ربما جعلت من قصة الاهتمام بحال المناخ العالمي في أسفل لائحة الأولويات، وبخاصة في ظل انفلات الحرب الأوكرانية، والمخاوف من أن تقود إلى مواجهة نووية عالمية، مما يعني أن الحديث عن تغيرات المناخ ربما بات من قبيل الرفاهية. والأمر الآخر الذي أضحى مقلقاً لجميع المهتمين بأوضاع المناخ العالمي هو فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة، وهو الرئيس غير الصديق لفكرة الكوكب الأخضر، ولا للبدائل الطبيعية لملوثات الأجواء، مما يعني أن أميركا ربما تنسحب من جديد من اتفاقات المناخ العالمي، مما يصيب جهود الأمم المتحدة من دون شك في مقتل. مما أضحى مقلقاً لجميع المهتمين بأوضاع المناخ العالمي هو فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة (أ ف ب/ غيتي) وعطفاً على ما تقدم تبقى قضية التمويل اللازمة لمكافحة التغيرات المناخية في مقدم القضايا المثيرة للخلافات، لا سيما في ظل تصاعد أزمة الديون العالمية من ناحية، وارتفاع معدلات الإنفاق على التسلح في معظم أرجاء الكرة الأرضية من جهة تالية. ولعل مؤتمر “كوب-29” لم يكن مقدر له في الأصل كثيراً من النجاحات، لا من قبيل التشاؤم، ولكن بناءً على الإخفاقات الواضحة في التزام مقررات ومقدرات “كوب-28” الذي عقد العام الماضي في دولة الإمارات العربية المتحدة. ما أوجه فشل “كوب-29″؟ وكيف ستوثر في حالة المناخ العالمي في العام الجديد 2025؟ وهل من حقائق بعينها يجب علينا وضعها أمام القارئ قبل الدخول في عمق أزمة مؤتمر الأمم المتحدة الأخير في أذربيجان؟ مناخ الأرض في عام 2025 لن يكون العام الجديد سوى امتداد للعام الماضي والأعوام التي سبقته، إذ امتداد التأثيرات منذ منتصف القرن الـ19، إذ لعب البشر دوراً كبيراً في إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الهواء. وتظهر المعلومات العامة حول تغير المناخ أننا نعيش في عالم تأثر بتغير المناخ، بصورة مخيفة، فعلى سبيل المثال يزداد العالم حرارة، فوفقاً لتقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يظهر العقد الماضي كأكثر الفترات سخونة في آخر 125 ألف عام، وخلص تقييم الهيئة المناخية الدولية المعنية بتغير المناخ أيضاً أن الفترة من 2016-2020 كانت الفترة الأسخن على الإطلاق منذ عام 1850 في الأقل. والثابت أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب يؤثر بصورة كبيرة في جزء أساس من أنظمتنا البيئية. خذ إليك ما تقوله “ناسا” عن الجليد في منطقة غرينلاند، التي فقدت في المتوسط 279 مليار طن من الجليد سنوياً من عام 1993 إلى عام 2019، بينما فقدت القارة القطبية الجنوبية 148 مليار طن من الجليد سنوياً، وهو ما يعادل على نطاق واسع وزن الصخرة التي تشكل جبل إفرست. ولعل التأثير الأكثر وضوحاً لتغير المناخ هو التحولات في أنماط الطقس، فنحن نشهد أحداثاً مناخية غير متوقعة على نحو متزايد، وكثير منها يمكن أن يعزى مباشرة إلى تغير المناخ. من هنا يمكن القطع بأن حماية الكوكب تعني حماية الحياة على الكوكب، وحماية جميع أشكال الحياة، وحماية النباتات والحياة البرية، وحماية الطبيعة نفسها التي تسمح لنا بالبقاء. يهدف “الاقتصاد الحيوي” إلى تحقيق تكامل بين الطبيعة والصناعة المستدامة والتكنولوجيا المبتكرة (دال-أي/ تشات جي بي تي) كيف يؤثر المناخ في البشر؟ يؤثر المناخ في الناس والمجتمعات بصورة غير متناسبة، ومن المرجح أن تتعرض الفئات المهمشة والأشخاص المعرضون للخطر لتأثيرات تغير المناخ. وخلص تقرير البنك الدولي لعام 2021 إلى أن تغير المناخ قد يجبر ما يصل إلى 216 مليون شخص على الانتقال داخل بلدانهم بحلول عام 2050، فيما سيعيش 200 مليون شخص في العالم، أي أكثر من ثلاثة أضعاف سكان المملكة المتحدة تحت خط المد المائي بحلول نهاية هذا القرن إذا استمرت مستويات المد في الارتفاع والعهدة هنا على مجلة “الطبيعة”. ووجد تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2022، أن الفتيات والنساء أكثر عرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي من الفتيان والرجال، وأكثر عرضة للوفاة في الأحداث الجوية المتطرفة، وأكثر عرضة للتأثيرات في الصحة العقلية الناجمة عن تغير المناخ. إن النساء لا يحظين بالتقدير الكافي في عملية صنع القرار في ما يتصل بتغير المناخ، وتشير التقارير إلى أن الرجال يشغلون نحو 67 في المئة من أدوار صنع القرار المتعلقة بالمناخ، وأن تمثيل النساء في هيئات التفاوض في شأن المناخ الوطنية والعالمية يظل أقل من 30 في المئة. وبحسب هيئة الأمم المتحدة للتغيرات السكانية فإن 800 مليون شخص أو أكثر من 11 في المئة من سكان العالم معرضون حالياً لتأثيرات المناخ مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر والأحداث الجوية المتطرفة وما إلى ذلك. ووفقاً لمنظمة “غلوبال سيتزين” تواجه المجتمعات المهمشة بصورة غير متناسبة آثار تغير المناخ، مثل العواقب الصحية وانقطاع الكهرباء والتدفئة وغيرها من المرافق، وكذلك المشكلات المالية، ويميل تغير المناخ إلى التفاعل مع التفاوتات القائمة بالفعل في مجتمعاتنا وتفاقمها، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى نهج تفاعلي للعمل المناخي. هل هناك نوع من أنواع الظلم الفوقي الإمبريالي إن جاز استخدام لغة اليسار في شؤون المناخ العالمي، والمسؤولية التراتبية بين دول العالم على الكارثة المناخية؟ وفقاً لمبادرة العمل المناخي للأمم المتحدة فإن أقل من 100 دولة من جهة الانبعاثات تنتج ثلاثة في المئة فقط من إجمال الانبعاثات، بينما تسهم أكبر 10 دول من جهة الانبعاثات بنسبة 68 في المئة، مما يدل على أنه في حين يجب على الجميع اتخاذ إجراءات مناخية، فإن الأشخاص والدول الذين يسببون مزيداً من المشكلة المناخية يتحملون مسؤولية أكبر. وبحدث أكثر تفصيلاً، فإنه في الفترة ما بين 1990 و2015، كان أغنى واحد في المئة من سكان العالم مسؤولين عن أكثر من ضعف انبعاثات الكربون مقارنة بأفقر 50 في المئة من البشر، وفقاً لتقارير منظمة “أوكسفام”، التي تشير إلى أن متوسط البصمة الكربونية المقدرة لأغنى واحد في المئة من سكان العالم قد يكون أكبر بما يصل إلى 175 مرة من البصمة الكربونية لشخص ينتمي إلى أفقر 10 دول، مما يدل على أن الدول الأكثر ثراءً تتسبب في تغير المناخ بصورة غير متناسبة لكنها قادرة على الهرب من آثاره بسهولة أكبر. هل تجلى هذا الهرب بالفعل أخيراً في باكو عبر “كوب-29″؟ مواجهة تحدي الانبعاثات الحرارية تتطلب تبني حلول مبتكرة في عديد من القطاعات (اندبندنت عربية) كيف أخفق مؤتمر باكو الأخير؟ عبر تقرير مطول لها، تكتب مراسلة المناخ الرئيسة في شبكة “سي أن أن”، لورا باديسون تحت عنوان “انتهت قمة المناخ بمرارة واتهامات بالخيانة”، وتقول إن المخاوف في شأن تلك القمة ومستقبلها يتصاعد في ضوء الإخفاقات العديدة التي عاشتها أخيراً وانعكاساتها على قادم الأيام. وكان السؤال المطروح في مؤتمر المناخ “كم تدين الدول الغنية الأكثر مسؤولية عن أزمة المناخ للدول الفقيرة التي تواجه أسوأ التأثيرات؟”. والإجابة هي 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 . وتقول الدول الغنية إن هذا هو أفضل ما يمكنها فعله، ووصفت الدول الأكثر فقراً هذا المبلغ بأنه “مروع”، إذ يقل كثيراً عن 1.3 تريليون دولار التي يقول متخصصو الاقتصاد العالمي إنها تحتاج إليها للتعامل مع أزمة لم تتسبب فيها. هنا وفي أعقاب القمة الأخيرة التي وصفت بالفوضوية والمريرة والاتفاق النهائي الذي تعرض لانتقادات شديدة يتساءل بعض الخبراء عما إذا كان كانت عملية مؤتمر الأطراف برمتها تفتقر الآن إلى الطموح إلى الحد الذي يجعلها بلا قيمة تقريباً. اليوم وفي خضم الاضطراريات الجيوسياسية، التي تدور من حول الكرة الأرضية، عبر الحروب والصراعات، وما يمكن أن يشهده العام الجديد، لا سيما في ظل عودة أحد منكري التغير المناخي في الولايات المتحدة، ربما سيتذكر الناس باكو باعتبارها العمل المناخي المتعدد الأطراف. ويقول هارجيت سينغ من مبادرة معاهدة الوقود الأحفوري “إن النتائج الكئيبة لمؤتمر المناخ ’كوب-29‘ أثارت مخاوف جدية في شأن نزاهة عملية التفاوض في شأن المناخ العالمي”. هل أفل نجم مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ خلال عقد من الزمان؟ وهل باتت بالفعل عديمة الجدوى، وربما يتحتم البحث عالمياً عن حلول بديلة؟ بالرجوع إلى مؤتمر باريس للمناخ عام 2015، نجد أن نجاحات كبيرة قد طفت على السطح وأبرزها اتفاق باريس للمناخ في ذلك الوقت، إذ اتفق على الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند أقل من درجتين مئويتين، ويفضل أن يكون 1.5 درجة. ومع ذلك، بعد مرور ما يقارب عقداً من الزمن، يتجه العالم نحو العام الأكثر سخونة على الإطلاق، ومن المتوقع أن تصل مستويات التلوث المسبب لارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. ولعله من علامات الإخفاق الواضحة امتناع عديد من زعماء الدول الغنية عن الحضور، عطفاً على انسحاب الأرجنتين من المفاوضات، والمشاعر التي سادت بعض مجموعات من الدول النامية بالإحباط الشديد في اللحظات الأخيرة من المحادثات مما أدى إلى انسحابها من المفاوضات. ولعل إخفاقات باكو الواضحة قد فتحت طريقاً مثيراً لم يتوافر عليه أحد من قبل، وهو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في محاولة من الضعفاء والفقراء للفرار من آثام وخطايا الكبار الذين يلوثون المناخ الكوكبي، ومن غير أدنى مقدرة على مساءلتهم… ماذا عن هذا؟ فقدت منطقة غرينلاند في المتوسط 279 مليار طن من الجليد سنوياً من عام 1993 إلى عام 2019 (رويترز) المناخ ومحكمة العدل الدولية أفرزت قمة باكو في واقع الأمر تساؤلاً مثيراً وخطراً في ظل التهاوي أو التداعي الأخلاقي للدول الكبرى والغنية “هل حان أوان اللجوء إلى محكمة العدل الدولية”؟ يقول المبعوث الخاص لشؤون تغير المناخ والبيئة في حكومة فانواتو (دولة جزيرة تقع جنوب المحيط الهادئ)، إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية قد يساعد في تحديد بوصلة أخلاقية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة للتعامل مع التزاماتها تجاه تغير المناخ. ما الذي استدعى التفكير على هذا النحو؟ المؤكد الظلم المناخي الكبير الواقع على عديد من الدول لا سيما الجزرية منها. لقد ضربت العواصف العاتية الدول الجزرية الصغيرة كافة، التي تضاعفت آثارها بسبب تغير المناخ، فعلى سبيل المثال تشكل الكوارث الناجمة عن تغير المناخ نحو 40 في المئة من عبء الديون الحالية في جزر الباهاما. وخسرت دومينيكا 226 في المئة من ناتجها المحلي بسبب إعصار “ماريا” في عام 2017، وبعد تمويل تعافيها من خلال القروض الدولية، ورد أن إجمالي ديونها ارتفع إلى 98 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي بعد عامين. هذه مشكلة ستتفاقم إلى الأسوأ. فمن بين البلدان الـ60 المؤهلة للحصول على الدعم المالي من صندوق الحد من الفقر والنمو التابع لصندوق النقد الدولي، صنفت الأمم المتحدة 55 بلداً على أنها تعاني ضعفاً بيئياً شديداً، وقدر صندوق النقد الدولي هذا الشهر أن الدين العام العالمي سيتجاوز 100 تريليون دولار بحلول نهاية هذا العام، وهو ما يمثل 93 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك فإنه وفقاً لتقرير أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، استمرت انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في الارتفاع في عام 2023، إذ كانت دول مجموعة الـ20 مسؤولة عن 77 في المئة من إجمالي الانبعاثات. وبالمقارنة كانت البلدان الأقل نمواً البالغ عددها 47 دولة مسؤولة مجتمعة عن ثلاثة في المئة فحسب. هل لهذا السبب رفعت الدول الجزرية قضية تتعلق بالتغير المناخي أمام محكمة العدل الدولية سعياً بالفعل إلى الحصول على رأي استشاري في شأن الالتزامات المناخية؟ عند المبعوث الخاص لشؤون تغير المناخ والبيئة في حكومة فانواتو، رالف ريجينفاتو، أنه لهذا السبب رفعنا قضية تتعلق بتغير المناخ أمام محكمة العدل الدولية، سعياً إلى الحصول على رأي استشاري في شأن الالتزامات المناخية. ومن المقرر أن تبدأ جلسات الاستماع في هذه القضية خلال الشهر الجاري في لاهاي، لا سيما بعد أن ألقى الإخفاق في قمة باكو بجناحيه على مستقبل المناخ الأممي القائم والمقبل. أما الوزير المسؤول عن دولة جزيرة ساموا، سيدريك شوستر، فقد عبر عن موقف بلاده على هامش قمة باكو بالقول “لقد وجدنا أنفسنا مهانين باستمرار بسبب الافتقار إلى الاندماج، وتُتجاهل دعواتنا. إن بلداننا الضعيفة في قارب مختلف تماماً مقارنة بالدول المتقدمة، ولا يمكننا الإبحار إلى غروب الشمس، نحن نغرق حرفياً”. ولعل النتيجة المؤكدة التي خلص إليها الضعفاء مناخياً حول العالم، هو أنه لا توجد دولة في طريقها إلى خفض الانبعاثات حتى تتمكن الكرة الأرضية من الحد من ارتفاع درجة حرارتها إلى 1.5 درجة مئوية، ومن المتوقع أن تقترب 10 دول فقط من هذا الهدف، ولا تزال محادثات تغير المناخ السنوية التي تجريها الأمم المتحدة غير قادرة على تقديم إجابة، والالتزامات التي قطعت في باكو بعيدة كل البعد من أن تكون كافية، ولن تكون كافية أبداً، وحتى في هذه الحال، واستناداً إلى خبرتنا في مثل هذه التعهدات في الماضي، فإننا نعلم أنها لن تتحقق. ويمكن للقارئ هنا أن يتساءل “هل يستبشر العالم خيراً لأمور المناخ العالمي بعد وصول ترمب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض؟ فوز ترمب ومخاوف المناخ لم يعد سراً أن كثراً من الخبراء اعتبروا أن فوز دونالد ترمب بولاية ثانية أمر له توابع سلبية على قضية المناخ العالمي، لا سيما أن الرجل لم يخف آراءه في شأن تغير المناخ. فخلال فترة رئاسته الأولى من عام 2017 إلى عام 2021 أعرب مراراً وتكراراً عن شكوكه في أن يكون سبب تغير المناخ هو السلوك البشري، ووصفه بأنه “خدعة”. في حملته الانتخابية الأخيرة لولاية ثانية، وصف ترمب مسألة التغير المناخي بأنها “واحدة من أعظم عمليات الاحتيال على الإطلاق”. هنا السؤال الذي نشأ على هامش إخفاقات باكو “ماذا الآن بعد إعادة انتخابه”؟ تقول أليس هيل الزميلة البارزة في مؤسسة الأبحاث المستقلة في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في نيويورك “إن فوز ترمب يمثل عقبة حقيقية في المعركة العالمية ضد تغير المناخ، وتحت قيادة الرئيس ترمب فإنه من المؤكد أن الولايات المتحدة ستتراجع عن الجهود العالمية والمحلية للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وزيادة إنتاج الوقود الأحفوري”. قبيل الانتخابات، تعهد ترمب بتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري محلياً، والتركيز بصورة كبرى على النفط والغاز وإنفاق أقل على الطاقة النظيفة. من جانب آخر يقول المدير التنفيذي لمكتب “إي 3 جي” في واشنطن، وهي مؤسسة بحثية غير ربحية تعمل على تقاطع المناخ والجغرافيا السياسية، كلارنس إدواردز “من الواضح أن دونالد ترمب وأنصاره لديهم وجهة نظر مفادها بأن النفط والغاز يشكلان عنصراً أساساً في القوة العالمية لأميركا، وهو ما لا ينبغي العبث به”. وخلال فترة ولايته الأولى ألغى ترمب عشرات من اللوائح التي وضعتها وكالة حماية البيئة، وخفف القيود المفروضة على انبعاثات الكربون من محطات الطاقة والمركبات، وأضعف القواعد التي تحكم الملوثات مثل الميثان. هل ستكون ولايته الثانية امتداداً للأولى في هذا المجال؟ يتوقع المتخصص في مجال السياسة البيئية في جامعة “ميشيغان” باري رابي، تخفيف القواعد البيئية من جديد، ويقول “هناك عدد من الأمور التي قالها السيد ترمب خلال هذه الحملة حول محاولة دفع حدود السلطة التنفيذية أو الرئاسية إلى ما هو أبعد من المعايير التقليدية، مثل حجز الأموال، وهو ما لا يمنح الرئيس عادة السلطة للقيام به”. ويتوقع رابي أيضاً العودة إلى قواعد تنظيمية أكثر تساهلاً، وهو ما يعني على الأرجح أن الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق أهدافها المناخية لعام 2030. وأضاف “الولايات المتحدة ستفشل بصورة كبيرة في تحقيق هذا الهدف في ما يتصل بثاني أكسيد الكربون، وأيضاً في ما يتصل بالميثان ومعظم الغازات المسببة للاحتباس الحراري الأخرى”. وفي كل الأحوال يمكننا القول إن رئاسة ترمب الثانية إلى جانب الغالبية القوية في مجلس الشيوخ توفر الفرصة لتعيين مئات آخرين من القضاة المحافظين في المحاكم الفيدرالية، ومن المؤكد أن التعيينات المحافظة الإضافية ستعطل أو تعكس التقدم المناخي من خلال وجود مزيد من القضاة الذين يحكمون لمصلحة الملوثين للمناخ في الدعاوى القضائية التي تفكك اللوائح والتشريعات التي تحد من الانبعاثات. وسواء من خلال الإجراءات التنفيذية أو الأحكام القضائية، فإن الاعتداءات البيئية الوشيكة ستؤثر بصورة غير متناسبة على مجتمعات العدالة البيئية التي تتحمل عبئاً غير ملائم بسبب الهواء والماء الملوثين. هل يعني ذلك أن الكوكب الأزرق بات بالفعل في مواجهة قدر مقدور، وحكم نهائي بالفناء من جراء أفعال الدول الكبرى بنوع خاص، أم أن هناك فرصاً لا تزال عبر أدوات وآليات جديدة لاستنقاذه؟ الابتكارات التكنولوجية والكوكب الأخضر لا يجب أن تفقد البشرية إيمانها في المستقبل، ولا قدرتها على استغلال التكنولوجيا المعاصرة والابتكارات الجديدة، كأدوات للقفز فوق العقبات الآنية، وسواء تعلق الأمر بالقوى الكبرى أو بالدول النامية. الذين قرأوا بعناية ما تكتبه المؤلفة الأميركية تشارلي فليتشر “في هذا الصدد يخلص بالفعل إلى أنه يمكن أن تساعدنا التكنولوجيا الحديثة في حماية البيئة والعيش حياة أكثر استدامة”. يمكن للابتكارات التكنولوجية الحديثة، مثل شبكات الجيل الخامس وتقنية “البلوك تشين”، أن تدعم الجهود العالمية للانتقال إلى مصادر طاقة أنظف، وبالمثل يمكن لأجهزة الاستشعار من بعد المدمجة بالذكاء الاصطناعي أن تساعد في منع التدهور البيئي ودعم جهود علم المناخ. لعل مؤتمر “كوب-29” لم يكن مقدر له في الأصل كثيراً من النجاحات (أ ف ب) هل من أمثلة فعلية لابتكارات في هذا السبيل؟ ربما أول ما يخطر على عقل المفكرين البيئيين هو نموذج تقنية الجيل الخامس، وهي التقنية التي توفر لمستخدمي الإنترنت سرعات عالية وزمن انتقال منخفضاً، ويمكن لهذه التقنية أن تدعم ظروف العلم من بعد وتزيل مزيداً من السيارات من الطرق. ويمكن لأولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى “الويب” عبر تقنية الجيل الخامس، العمل من أي مكان في العالم من دون الحاجة إلى الانضمام إلى طوابير متزايدة باستمرار من الركاب الذين ينبعث منهم الكربون. كما يمكن أن تساعد تقنية الجيل الخامس في منع جرائم يمكن توصيل أجهزة الكشف عن حرائق الغابات أيضاً، إذ يمكن توصيل أجهزة الكشف عن الحرائق التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بشبكة إنترنت الأشياء الأوسع نطاقاً لتكشف عن البيانات المرئية وإرسالها إلى المتخصصين لتحقيق أوقات استجابة أسرع. وهناك كذلك الحديث عن المركبات الكهربائية التي تعد من أهم الابتكارات التكنولوجية في حياتنا المعاصرة. والثابت أنه في حين أنها تولد قدراً من الكربون أثناء عملية التصنيع والشحن، إلا أنها مع زيادة استخدامنا الطاقة المتجددة، فإن كلفة الكربون لتشغيل السيارة الكهربائية ستنخفض حتماً، وهذا يعني أن السيارات الكهربائية يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من تحركنا الأكبر بعيداً من الوقود الأحفوري. هل أعمال البناء الصماء، بدورها، يمكن أن تتحول إلى الطريق الأخضر؟ مؤكد أن هذا هو ما بات يعرف باسم “البناء الأخضر”، إذ تتجه شركات البناء في مختلف دول العالم نحو استخدام مواد أكثر استدامة. ووفقاً لاستطلاع للرأي تخطط أكثر من 47 في المئة من الشركات لاستخدام أشكال “البناء الأخضر” في الأعوام المقبلة. ومن المتوقع أن تعمل هذه المباني الخضراء على خفض استخدام ثاني أكسيد الكربون بنسبة 34 في المئة، كما يمكنها توفير 40 في المئة من إجمال استخدام المياه. هل الرقمنة بدورها يمكنها أن تساعد في مجابهة التغيرات المناخية؟ مؤكد ذلك، فقد أدى التحول الرقمي إلى تحسين الكفاءة التشغيلية للشركات في جميع أنحاء العالم، كذلك فإن الاستغناء عن الورق مفيد للبيئة أيضاً، فقد أدت زيادة تبني التكنولوجيا الرقمية إلى انخفاض إنتاج الورق. وهذا يعني أن عدداً أقل من الأشجار تُقطع باسم الإنتاجية، وأن منتجي الورق ينوعون عروضهم من خلال الحصول على المواد الخام من الغابات المدارة بصورة مستديمة. هل التكنولوجيا تساعدنا على حصاد الأمطار؟ مما لا يمكن لأحد أن ينكره هو أن البشرية، ومن جراء الغليان، تتجه بسرعة نحو كارثة مناخية، وأصبحت حالات الجفاف شاسعة بصورة متزايدة، والكوكب في احتياج إلى تبني تكنولوجيا حصاد مياه الأمطار القادرة على تخفيف الضغط الواقع على منسوب المياه الجوفية لدينا. إن تكنولوجيا حصاد مياه الأمطار يمكن تركيبها في كل منزل لإنتاج مياه نظيفة صالحة للشرب من مياه الجريان السطحي، ويمكن لأنظمة الحصاد العالية التقنية تحويل مياه الأمطار إلى مياه نقية صالحة للشرب. وعلى رغم أن هذا المنهج الرجعي لن يحل أزمة المناخ بالمطلق، فإنه لا يزال قادراً على المساعدة في توجيه المياه إلى المحتاجين. هل من خلاصة؟ ربما يبدو الرهان على الأمم المتحدة ومؤتمرات المناخ فحسب، أمراً قاصراً، وحان الوقت لتحركات مجتمعية ومدنية وأهلية للوقوف في وجه تحول الكوكب إلى اللون الأحمر. المزيد عن: مؤتمر كوب-29الكرة الأرضيةالكوكب الأزرقالذكاء الاصطناعيالمناخ العالميمنطقة غرينلاندالبصمة الكربونية دونالد ترمبالوقود الأحفوريالبناء الأخضر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “السيك”… ضحك ولعب وصداقة بين صحراويات المغرب You may also like اختبارات الثانوية السودانية تثير التوترات ومخاوف التقسيم 18 ديسمبر، 2024 القوات الإسرائيلية تتوغل بعمق 9 كيلومترات داخل ريف... 18 ديسمبر، 2024 “المجلة” تدخل إلى “فرع فلسطين”… أخطر مقرات مخابرات... 18 ديسمبر، 2024 أمن الدولة يصادر صناديق حزب الله: أسلحة وقطع... 18 ديسمبر، 2024 الانهيارات الاقتصادية داخليا والتوترات الجيوسياسية تضع إيران في مهب... 18 ديسمبر، 2024 موسكو تعتقل مواطنا أوزبكيا في اغتيال الجنرال إيغور... 18 ديسمبر، 2024 سويسرا.. “قرار إنساني” في محاكمة عم الأسد 18 ديسمبر، 2024 «الشاباك» يعتقل إسرائيلياً «عمل لصالح الاستخبارات الإيرانية» 18 ديسمبر، 2024 «الخارجية الإسرائيلية»: الجولاني «ذئب في ثوب حمل» 18 ديسمبر، 2024 الحرب الإسرائيلية وسقوط الأسد أفقدا «حزب الله» معادلة... 18 ديسمبر، 2024