لعبة التخييل (صفحة فيكسيون- فيسبوك) ثقافة و فنون قصص عالمية مترجمة تطرح أسئلة تقلق العصر by admin 16 ديسمبر، 2024 written by admin 16 ديسمبر، 2024 23 مختارات بين التخييل والواقعية تعالج قضايا السلطة والشيخوخة والطبيعة اندبندنت عربية / سلمان زين الدين لعل السؤال الأول المركب الذي تطرحه مجموعة “كيف نحب أميركا ونغادرها في الآن نفسه؟” القصصية، الصادرة عن دار النهضة العربية – بيروت، والتي ترجمها عن الفرنسية، الشاعر والأكاديمي اللبناني أنطون أبو زيد هو: ما الذي حدا به إلى ترجمة هذه القصص دون سواها، من جهة، وما الذي جعله يجمع بينها في كتاب واحد، وهي كتبها 11 كاتباً، حول العالم، يختلفون في الهوية ولغة الكتابة ومحاور الاهتمام، من جهة ثانية. في معرض الإجابة عن الشق الأول من السؤال المطروح يعزو أبو زيد في مقدمة الكتاب سبب اختيار القصص إلى محاولة “الرد على طغيان نوع سردي بذاته، أي الرواية”، وإلى إيمانه بحق القصة في الوجود. والملاحظ أن هذا التبرير يتعلق بالنوع الأدبي أكثر منه بالقصص المختارة، على وجه التحديد. وفي معرض الإجابة عن الشق الثاني من السؤال، نشير إلى أن ما يجمع بين القصص ترجمتها عن الفرنسية بصفتها هنا لغة وسيطة، وعالمية كتابها، وراهنية الأسئلة التي تطرحها. وقد يطرح اعتماد لغة وسيطة في ترجمة قصص من لغات شتى، سؤالاً حول مفهوم الترجمة واللغة الأصلية. مختارات القصة العالمية (دار النهضة العربية) وإذا كان السؤال الأول المركب الذي تطرحه المجموعة يتعلق بالشكل، فإن الأسئلة الأخرى تتعلق بالمضمون، من قبيل السلطة والطبيعة والشيخوخة والبحر والأسطورة والموت والحياة ونمط العيش والطاقة وغيرها. على أنه لا بد من الإشارة إلى أن التنوع لا يقتصر على المضمون، بل يتعداه إلى الشكل، فتتوزع القصص المختارة على الواقعية الانتقادية، والواقعية السحرية، والواقعية العبثية، والرمزية النفسية، وإلى أن قصتين اثنتين من القصص الـ13 تنتميان إلى الواقعية بينما تجاور القصص الأخرى بين الواقعية والغرائبية على أنواعها. سؤال السلطة تطرح القصص الثلاث الأولى سؤال السلطة، كل من منظار مختلف عن الأخرى، ففي قصة “حكاية ولا عبرة” للكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار ثمة صراع على السلطة، في إطار فانتازي، بين شخصية غير واقعية ممثلة بالرجل الذي يبيع الصرخات والشعارات والتنهيدات والأحاديث وأخرى واقعية تتمثل بالمأمور المستبد. وإذ ينجلي الصراع عن مصرع المأمور بعد انقلاب الحاشية عليه وموت الرجل بركلات رجالها، فإن بقاء الصرخات بعد زوال طرفي الصراع يفتح الباب على ثورة مؤجلة وقابلة للاندلاع في أي وقت. وهكذا، تقول القصة زوال الاستبداد وتقلب الحاشية واهتراء الأدوات وإمكانية الثورة. وفي الإطار نفسه، تندرج قصة “خيالات” للكاتب نفسه، غير أن السلطة فيها ذات طابع عائلي، فالمقصلة التي تقيمها العائلة الطريفة، المقلدة، المقيمة في حي باسيفيكو الشعبي، تثير استغراب الجيران والمارة وقلقهم، فتتراءى لهم صور وتصورات غير واقعية، بينما العائلة تغط في أحلامها الجميلة. ولعل القصة تقول قلق من تقع عليه السلطة وطمأنينة المتسلط ولو إلى حين. على أن الصراع على السلطة يتخذ طابعاً عنفياً في قصة “الأسطوانة” للكاتب الأرجنتيني الآخر خورخي لويس بورخيس، وينجلي عن إطاحة طرفي الصراع من دون أن يحقق أي منهما غايته، ذلك أن انقلاب الحطاب على الملك المعزول إيزرن الذي يحتفظ بأسطوانة تشعره أنه ما زال الملك، يؤدي إلى مقتل الملك وضياع الأسطوانة وانشغال الحطاب بالبحث عنها لسنوات طويلة. وكأن القصة تقول إن عاقبة الحسد والطمع وخيمة. حضور الطبيعة الكاتب الأرجنتيني بورخيس (صفحة الكاتب – فيسبوك) السؤال الآخر الذي تطرحه المجموعة هو سؤال الطبيعة. وهي تفعل ذلك من خلال قصتين اثنتين للكاتب الياباني كينجي ميازاوا، تنطلق الأولى من إطار واقعي إلى ما يتعدى الواقع، وتدور الثانية في فضاء حلمي ينطوي على مشاهدات واقعية، ففي “أشجار المانيوليا”، يقوم بطل القصة ريو ـ آن بجولة في الطبيعة، يتسلق خلالها القمم، وينحدر إلى الأودية، خلل الضباب، ويروي مشاهداًته الخارجية وتمثلاتها الداخلية، ويتوقف عند أشجار المانيوليا التي ترمز إلى التأمل والخير، ما يقيم تصادياً بين الخارج والداخل، وتماهياً بين الطبيعي والبشري. ولعل القصة تقول بأهمية العودة إلى الطبيعة لتحقيق كينونة الكائن. وهذا الاحتفاء نراه في “شبكة إندرا” للكاتب نفسه، لكنه يتم في إطار حلمي، فالراوي المستلقي منهك على الأرض، يستغرق في رحلة حلمية في التلال العليا من بلدة تسيرا، خلل الأدغال الفتية، يروي فيها مشاهداته الواقعية والمتخيلة، ويدخل في حديث مع أبناء سماويين ينتهي باستيقاظه من الحلم ليجد نفسه على مخدة بيضاء وسط العشب. مع الإشارة إلى أن الاحتفاء بالطبيعة في هذه القصة ينحو منحى التقديس لتجلياتها السماوية. ثمة أسئلة أخرى تطرحها القصص المترجمة، ففي قصة “ألم ثلاثة مروبصين”، يطرح الكولومبي غابريال غارثيا ماركيز سؤال الشيخوخة من خلال آثارها على امرأة مسنة، ومن منظور ثلاثة رواة، يرصدون ملازمتها ركنها وذهولها وانطواءها على ظلماتها وصرخات ضيقها، مما يجعل من الشيخوخة مرحلة أرذل العمر. وفي “السفن المنتحرة”، يطرح هوراسيو كويروغا سؤال البحر، من خلال رصد حالة مرضية، تصيب البحارة الذين تجنح سفنهم، فيقدمون بلا وعي على الانتحار واحداً تلو الآخر. وفي “إيكار منقذ السماوات”، يستوحي الفرنسي جورج ـ أوليفييه شاتو رانيو الأسطورة اليونانية المعروفة ليطرح سؤال الاختلاف الجسدي عن الآخرين الذي يعده أصحابه تشوهاً فيما يعتبره المحيطون بهم امتيازاً، ذلك أن الجناحين اللذين ينبتان في ظهر بطل القصة ويرهقان كاهله، على المستويين الجسدي والنفسي، لا يحولان دون استمرار عشيقته مود في حبه والزواج منه. وحين يطلب إليها، وهي الطبيبة الجراحة، إجراء جراحة له، ترفض ذلك، وتتفانى في الاهتمام به. وفي “صوت الحياة”، يطرح النرويجي كنوت هامسون سؤال الحياة/ الموت، ليقول إن صوت الحياة هو الأقوى، فبطلة القصة التي يتوفى زوجها الخمسيني الذي يكبرها بـ30 سنة، بمرض مزمن، لا تتورع عن اصطحاب شاب صادفته يتسكع في الشارع المجاور إلى بيتها في غامل كونجيفي، وتبادل القبل الحارة معه، في وقت كان فيه الزوج مسجى في غرفة مجاورة. لعل القصة تقول إن نداء الحياة هو أقوى ما يكون في ساعة الموت. وفي “حظر”، يطرح البرتغالي جوزيه ساراماغو سؤال الطاقة وتداعيات فقدانها على الأفراد والحياة العامة. وهو يفعل ذلك مستنداً إلى واقعة تاريخية تتمثل في الحظر النفطي الذي فرضه الملك فيصل بن عبدالعزيز على الغرب، خلال حرب عام 1973 بين العرب وإسرائيل. ويرصد تداعيات تلك الواقعة على بطل القصة الذي يضطر إلى الانتظار في رتل طويل للحصول على البنزين، ويعيش القلق من فقدان المادة، ويستقل سيارته في ليل عاصف، حتى إذا ما حاول النزول منها، يكتشف أن جسده قد التصق بالمقعد الخلفي، ولا تفلح الاستعانة بالزوجة في إخراجه من محنته لينتهي به المطاف وقد انزلق جسمه قليلاً إلى الخارج، وظل ممدداً على الأرض. لعل القصة أرادت القول من خلال هذا المشهد الغرائبي إن الإنسان المعاصر بات جزءاً من الآلة التي تعمل على الطاقة ولا يمكن فصله عنها. وإذا كانت القصص المذكورة آنفاً يشتبك فيها الواقعي بالغرائبي، فإن قصتين اثنتين في المجموعة تدوران في الفلك الواقعي، الأولى هي قصة “كيف نحب أميركا ونغادرها في الآن نفسه؟” التي يطرح فيها الأميركي جون أبدايك نمط العيش في مدينة أميركية، من خلال رصد رحلة استجمام لأسرة أميركية، نستشف من خلالها تعدد اهتمامات أفرادها وتنوع ميولهم واختلاف نزعاتهم وصراع الأجيال فيما بينهم، ونتعرف فيها إلى أميركا “مملكة الهمبرغر، والمطبخ الأوحد في ملك الله، غير المنقسم، وحيث لكل امرئ الحق بعلبة من البطاطا المقلية”، من جهة، وأميركا التي تستورد كل شيء، التاكوس، والشومن، والبيتزا والشكروت”، من جهة أخرى. والثانية هي قصة “الأرض المنفى” التي يطرح فيها الإيطالي سيزار بافيزي سؤال المنفى، من خلال رصده التعالق في بلدة إيطالية نائية بين شخوص القصة، المبعدة أو المعاقبة أو المعطوبة، المنفية إلى البلدة، وهو ما يعكس بؤس المنفى الذي يتمظهر في الشاطئ المقفر والقوارب البالية والمنازل المتهدمة والأحكام الكيفية. هذه الأسئلة المختلفة تثبت أن طرح الأسئلة الكبرى ليس حكراً على الرواية فحسب، وأن القصة، القصيرة والمتوسطة والطويلة، يمكنها القيام بذلك أيضاً. ولعل هذا ما حدا بالمترجم إلى ترجمة قصص من حول العالم وجمعها في كتاب واحد، ناهيك بمحاولته إعادة الاعتبار إلى فن سردي جميل أدركه التهميش في الغرب والشرق. المزيد عن: ترجمةالسردقصص عالميةمختاراتالعصرأسئلةبورخيسساراماغومناخات سردية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تطور جديد في قضية “دي بي كوبر”… 50 عاما من اللغز المستمر next post رقصة رافيل الأندلسية… دقائق شيطانية تعادل الزمن You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: حُلي من مدافن البحرين... 18 ديسمبر، 2024 الباليه الفرنسي الذي انتظر 60 عاما ليوقظه الحريق 18 ديسمبر، 2024 (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها 18 ديسمبر، 2024 استعادة فرنسية لإرث ابن خلدون المغاربي في سياقه التاريخي... 17 ديسمبر، 2024 فيصل دراج يكتب سيرة الذات والجماعة في “كأن... 17 ديسمبر، 2024 ما الذي بقي من إرث المسلمين الأفارقة في... 17 ديسمبر، 2024 “الطاولة السوداء”: حوار الألوان والتناقض في رؤية ماتيس 17 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 16 ديسمبر، 2024 الشاعر المغربي جواد الهشومي يكتب صرخة جيل الشباب 16 ديسمبر، 2024 مؤسس العمران الغربي الحديث يكشف عن فضل معلمه... 16 ديسمبر، 2024