مشهد من فيلم "كابيريا" (موقع الفيلم) ثقافة و فنون “كابيريا” الضائعة بين قرطاجة وروما… السينما في خدمة الأيديولوجية by admin 7 ديسمبر، 2024 written by admin 7 ديسمبر، 2024 40 الدولة تنفق الملايين على المشروع منها 50 ألفاً للكاتب الفاشي دانونزيو مكافأة على حفنة من العبارات اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب صحيح أن الفيلم الإيطالي “كابيريا” الذي حققه المخرج جيوفاني باستروني يعد واحداً من أول الأفلام المعتبرة تاريخية في مسار “الفن السابع“، غير أنه لم يكن الفيلم التاريخي الأول بالمعنى الكرونولوجي للكلمة، وإن كان يتميز عما سبقه في المجال نفسه بدنوه من التاريخ بالمعنين العلمي والتاريخي للكلمة، حتى وإن كان لا بد لنا من القرار دائماً بأن ثمة تناقضاً كبيراً بين ما يدل عليه كل من المصطلحين. ومهما يكن من أمر لا بد لنا أن نقول هنا إنه منذ وجدت السينما، أواخر القرن الـ19، كانت علاقتها بالتاريخ وثيقة. وفي لحظات بدا وكأن السينما إنما وجدت أصلاً، لكي تعبر عن التاريخ وأحداثه. وحدث هذا، خصوصاً، في إيطاليا حيث اكتشف باكراً الفعل الأيديولوجي لفن قادر ليس فقط على استقطاب الجمهور العريض، بل على تعبئته أيديولوجيا أيضاً. ومن هنا لم يكن غريباً على وطن الاستعراض بامتياز، لنراجع هنا تاريخ عصر النهضة واستعراضية أعماله الفنية، أن يشهد أول اهتمام حقيقي للسلطات الحاكمة باستخدام فن السينما كوسيلة للتعبئة. ولئن كان سيقال لاحقاً أن لينين زعيم الثورة البلشفية التي خلقت دولة الاتحاد السوفياتي كدولة للأيديولوجيا، كان من أوائل الزعماء السياسيين الذين ركزوا على إمكان استخدام فن السينما كقرين أيديولوجي لسياسة التعبئة السياسية، يتبعه في ذلك موسوليني وهتلر وغيرهما، فإن ما يمكن قوله هنا هو إن الإيطاليين كانوا هم البادئين. ومن قبل وصول الفاشية التوتاليتارية إلى الحكم. ولعل خير تعبير عن هذا القول فيلم “كابيريا” الذي حقق في عام 1914، بعدما سبقته سلسلة أفلام تاريخية إيطالية أخرى، لها الهدف نفسه والطموح نفسه، لكنها لم تتمتع بالإمكانات نفسها. بوستر الفيلم “كابيريا” (موقع الفيلم) الجمهور يتجاوب باكراً الذي حدث هو أن تلك الأفلام المبكرة، ومنها “آخر أيام بومباي”، و”كوفاديس”، و”سقوط بومباي” التي حققت نحو عام 1908، كشفت بنجاحها وبتجاوب الجمهور العريض معها، عن الإمكانية اللا محدودة لاستخدام الفيلم التاريخي كسلاح أيديولوجي. وفي ذلك الوقت كانت إيطاليا تحتاج ذلك: فالحرب قادمة لا محالة وهي في حاجة إلى تعبئة. وإيطاليا، في الوقت نفسه تحاول أن تجد لنفسها مكاناً في العالم الكولونيالي، ولا سيما في أفريقيا. ويقيناً أنها، من أجل تعبئة رأيها العام حول ذلك، لا بد لها من استنهاض الهمم الكولونيالية، باستثارة ماض كانت فيه إيطاليا، أو بالأحرى الإمبراطورية الرومانية، سيدة البحر الأبيض المتوسط، وسيدة العالم بالتالي. وحكاية فيلم “كابيريا” تنضوي تحديداً ضمن هذا الإطار، إذ تدور أحداث الفيلم خلال الحروب البونيقية الثانية والثالثة، قرنين قبل الميلاد، حين كانت روما على صراع دام، مع تلك القوة الآخذة بالتنامي وسط البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت بدأت تشكل خطراً حقيقياً على مكانتها في العالم: قرطاجة. في ذلك الحين تطالعنا، في الفيلم، الطفلة “كابيريا”، واسمها يعني “المولودة وسط اللهيب”، وقد اضطرت إلى الهرب بعد انفجار بركان، مع مرضعتها. وخلال هربها يقبض عليها قراصنة من قرطاجة يربونها ثم يبيعونها كعبدة، وحين يبدأ الذين اشتروها من القرطاجيين بإعدادها لتقديمها قرباناً مقدساً للإله “مولوخ”، يتمكن الروماني فولفيو آكسيلا، الذي يرافقه على الدوام خادمه العملاق الطيب ماشيستي، من إنقاذها. ويتم هذا الإنقاذ، في الوقت نفسه الذي يكون فيه هنيبعل، الزعيم القرطاجي المحارب، في طريقه إلى عبور جبال الألب في مسيرته نحو روما، بحسب ما يفيدنا تاريخ تلك الأزمان وحروبها. وبعد إنقاذها تصبح “كابيريا” وصيفة لسوفونيزبي، ابنة الجنرال هسدروبعل، ولكن، بعدما يتمكن أرخميدس من إنقاذ سيراكوزا، يحدث أن يتمكن شيبيون الأفريقي من تحقيق كثير من الانتصاراًت ما يدفع سوفونيزبي، وقد أضحت ملكة، إلى الانتحار يأساً. وهنا يحل البؤس بـ”كابيريا” من جديد، إذ مرة أخرى تتقرر التضحية بها قرباناً للإله “بعل”. وفي اللحظة التي تبدأ فيها الإجراءات لتقديمها ضحية، يتمكن العملاق الطيب ماشيستي من إنقاذها مرة أخرى، وهذه المرة ينتهي الأمر بزواج “كابيريا” من فولفيو آكسيلا، منقذها الأصلي وسيد ماشيستي. العثور على سند أيديولوجي من الواضح أن الدولة الإيطالية الباحثة، كما أشرنا، في ذلك الحين، عن سند أيديولوجي لتطلعاتها الكولونيالية الأفريقية، وجدت في هذا المشروع خير مساعد لها على نشر تلك الأيديولوجية، ومن هنا لم يكن من قبيل المصادفة أن تمد الفيلم بالعون الذي جعل منه، في ذلك الحين، واحداً من أكثر الأفلام كلفة في تاريخ “الفن السابع”، إذ إن الأفلام الأميركية نفسها لم تكن، في حينه، تجرؤ على إنفاق ما أنفق على “كابيريا”، علماً أن ديكورات مذهلة بنيت من أجل الفيلم في مدينة تورينو، في وقت صورت المشاهد الخارجية في تونس وصقلية وجبال الألب، وقد استخدم في الفيلم ألوف الكومبارس والدواب، غير أن الأهم من هذا هو التجديدات التقنية التي استخدمها مخرج الفيلم باستروني (الذي وقع الفيلم باسم جيوفاني فوسكو)، والتي اعتبرت ثورية في ذلك الحين. ولا بد من أن نذكر، في هذا السياق نفسه، أن باستروني استخدم لدور العملاق ماشيستي، عاملاً يشتغل في مرفأ جنوة عثر عليه مصادفة بعد بحث طويل. وقامة هذا العالم كانت النموذج الذي ستبنى عليه لاحقاً سلسلة الممثلين الذين لعبوا أدواراً مشابهة في أفلام أتت، طوال العقود التالية، لمحاكاة ذلك الفيلم الرائد. غير أن هذا كله يظل في حدود التميز الكمي، لأن البدعة الحقيقية في “كابيريا” كانت في مكان آخر: كانت في استخدام الفيلم واحداً من كبار كتاب إيطاليا وشعرائها في ذلك الحين: أي غابرييل دانونزيو، للمشاركة في كتابة السيناريو. صحيح أن دانونزيو كان يشارك أصحاب الفيلم وأصحاب الدولة تطلعهم القومي المتطرف وموقفهم الأيديولوجي، غير أن ذلك لم يمنعه من نيل بدل مادي، أصر عليها، في مقابل عمله في الفيلم. فما الذي كان عليه عمله؟ ليس أكثر من كتابة تلك العبارات التي كانت تصور على لوحات بين المشاهد (فالفيلم كان صامتاً، طبعاً) لترسم سير الأحداث أو تعبر عن مواقف وحوارات معينة. كما أنه كان هو من أعطـى شخصيات الفيلم الرئيسة أسماءها. ويقول المؤرخ جورج سادول إن تواضع مساهمة دانونزيو في الفيلم لم يمنعه من أن يقول دائماً إنه كان ذا مساهمة أساسية في خلق هذه “التراجيديا الإغريقية – الرومانية – البونيقية”. الفيلم الأول نموذج يحتذى بقي أن نذكر هنا أن فيلم “كابيريا” هذا، والذي يجب عدم الخلط بينه لا موضوعاً ولا شكلاً ولا غاية مع فيلم لاحق لفليني عنوانه “ليالي كابيريا” يدور من حول فتاة ليل بائسة تمضي معظم الوقت المتبقي لها من بعد أن تنتهي فترة عملها اليومي في مشاهدة فيلم باستروني هذا، مراراً وتكراراً كعزاء لها على بؤس ما تعيش، ظل ولزمن طويل بعد عروضه الناجحة الأولى في إيطاليا، ولكن خارجها أيضاً، يعد النموذج المحتذى في تحقيق الأفلام التاريخية كما الأفلام الوطنية. أما مخرج “كابيريا” فهو جيوفاني باستروني المولود عام 1882 في مدينة آستي، والذي سيرحل عام 1959 في تورينو. لقد رحل باستروني متأخراً، غير أن السنوات الـ40 الأخيرة من حياته كانت لا شيء سينمائياً، إذ إنه ترك “الفن السابع” بعد الحرب العالمية الأولى، وفي وقت كان يقلده فيه كثر، ومن بينهم الأميركي غريفيث. مهماً يكن فإن باستروني كان، عند بدايات القرن الـ20، أول إيطالي يخوض صناعة السينما الاستعراضية الضخمة. وكان “سقوط طروادة” من أول أفلامه. أما “كابيريا” فكان أشهرها، وهو حقق عند بدايته أفلاماً هزلية عدة قبل أن يحقق أفلامه الضخمة والقليلة العدد، وكان من أبرزها، إضافة إلى ما ذكرنا “النار”، و”النمرة الملكية”، وأخيراً “هيدا غابلر” عن مسرحية النرويجي هنريك إبسن الشهيرة. المزيد عن: فيلم كابيرياجيوفاني باسترونيالثورة البلشفيةالعالم الكولونياليالحروب البونيقيةماشيستي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بشار الأسد… من الطب إلى القمع next post مهى سلطان تكتب عن: سامية عسيران رسامة الطبيعة وما وراءها You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024