المخرج العراقي قيس الزبيدي خلف الكاميرا السورية (مؤسسة السينما) ثقافة و فنون العراقي قيس الزبيدي ترك اثرا كبيرا في السينما السورية by admin 3 ديسمبر، 2024 written by admin 3 ديسمبر، 2024 24 صوّر وأخرج أكثر من 50 فيلماً وترجم وكتب أبحاثاً في نظريات السينما ورحل في منفاه البرليني اندبندنت عربية / سامر محمد إسماعيل قضى قيس الزبيدي أعواماً طويلة في العمل مع “المؤسسة العامة للسينما” في دمشق، فبعد عودته عام 1968 من دراسة المونتاج والتصوير السينمائيين في ألمانيا اشتغل في كتابة السيناريو وتوليف الأفلام مع عدد من المخرجين. مسيرة حافلة بدأها الفنان العراقي بمنتجة فيلم “إكليل شوك” لمخرجه نبيل المالح، وهو الشريط الروائي المتوسط الذي سيلهم الزبيدي تحقيق فيلمه الأول “بعيداً عن الوطن” عام 1969، إذ يروي هذا الوثائقي قصص 10 أطفال فلسطينيين من لاجئي 1948 ونازحي 1967 في مخيم السبينة قرب دمشق، بلغة سينمائية تعاملت مع مفهوم الزمن واللقطة والتتابع الزمني فيها بصورة غير مسبوقة، وطور إطاراً مختلفاً عن النظرة السائدة للفيلم التسجيلي. وتمكن الزبيدي من تقديم قراءته الخاصة للواقع الفلسطيني وابتعد من الأفلام الموصى بها أو تلك الأشرطة ذات النزعة التعبوية، فجاءت أفلامه مثل “الزيارة” عام 1970 و”شهادة الأطفال في زمن الحرب” عام 1972″ كسينما ترفض تحنيط الواقع كوثيقة سياسية، وتشتغل على السهل الممتنع لمقاربة القضايا الكبرى من منظور إنساني، تماماً كما تجلى في فيلميه “نداء الأرض” عام 1976 و”صوت من القدس” عام 1977. من فيلم “اليازرلي” لقيس الزبيدي (مؤسسة السينما) واتكأ الزبيدي في عمله الوثائقي عن فلسطين على وثائق بصرية نادرة ومسبوكة في سياق سيناريو بصري محكم الصنعة، وترافق هذا المقترح السينمائي مع قراءات تاريخية، واستفاد من أرشيفات عالمية نادرة عن القضية الفلسطينية عرضتها أفلام الزبيدي للمرة الأولى، مما أعطى أشرطته قيمة تحليلية وعلمية بعيداً من الصراخ وتمثيل دور الضحية، وهو ما كان سائداً في مثل هذه النوعية من الأفلام. القضية الفلسطينية تابع الزبيدي بغزارة هذا المنحى التسجيلي لكن بعيداً من الفهم السطحي للقضية الفلسطينية، وحقق في هذا السياق أفلاماً من مثل “وطن الأسلاك الشائكة” 1980″، و”مواجهة” 1983، و”ملف مجزرة” 1984، إضافة إلى فيلمه “فلسطين… سجل شعب” 1985، إذ اعتمد الزبيدي في هذا الأخير على مقابلات مصورة مع شخصيات وقادة فلسطينيين من مثل عزت دروزة ونمر المعري، فكان هذا الشريط الوثائقي الطويل (110 دقيقة) تسجيلياً نادراً، وعكف فيه المخرج على تقديم قراءة متأنية لتاريخ فلسطين من أوائل القرن الـ 20 وحتى سبعينياته. من فيلمه التوثيقي “شهادات الأطفال الفلسطينين في الحرب” (مؤسسة السينما) لكن انهماكه في تحقيق هذا الأرشيف الوثائقي الضخم عن فلسطين لم يمنعه من المضي في عقد مزيد من شراكاته الفنية التي لم يتخل الزبيدي فيها عن دوره كمؤلف أفلام، فالمونتير بمنزلة مخرج ثان، مما جعل الناقد المصري الراحل سمير فريد يطلق عليه لقب “جراح السينما العربية”، وبالطبع لم ينل الزبيدي هذا اللقب إلا بعد إسهامات فعلية في تحرير كثير من الأشرطة الوثائقية والروائية التي لعب دوراً عميقاً في إعادة تحريرها، وجعلها مجازاً سينمائياً مغايراً لما كان سائداً في أفلام القطاع العام في سوريا، لينعكس ذلك عام 1986 في فيلم “المنام” لمخرجه محمد ملص، الشريط التسجيلي الذي تم تصويره عام 1980، أي قبيل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا بحق مئات النازحين الفلسطينيين العُزل المقيمين في هذين المخيمين. وتجلت نظرة المخرج الى السينما ووظيفتها في كثير من أفلام زملائه، وأبرز تلك الأعمال التي شارك فيها كان في ثلاثية “رجال تحت الشمس” عام 1970، والتي عمل فيها الزبيدي كاتباً للسيناريو ومونتيراً مع كل من محمد شاهين ونبيل المالح ومروان المؤذن، وتعاون قيس لاحقاً كمونتير في الفيلم التسجيلي “الحياة اليومية في قرية سورية” مع الراحلين سعدالله ونوس وعمر أميرالاي، وصولاً إلى تعاونه مع كل من وديع يوسف في فيلم “رقص شعبي”. المخرج العراقي الذي عمل في دمشق (مؤسسة السينما) وبالطبع لم تقتصر شراكاته الفنية على العمل مع مخرجين سوريين، بل أسهم الزبيدي مع مخرجين عرب آخرين في تحقيق أفلامهم، فعمل مع المخرج العراقي قاسم حول في فيلمه “اليد”، ومع الأردني عدنان مدانات في فيلميه “التكية السليمانية” و”لحن لعدة فصول”، كما أنجز مع اللبناني كريستيان غازي فيلمه التجريبي “مئة وجه ليوم واحد”. عراقي في سوريا ومع أن المخرج العراقي لم يحقق فيلماً واحداً في موطنه الأم إلا أنه تمكن عام 2009 من إخراج فيلم استثنائي عن مواطنه جبر علوان، فبين روما ودمشق رصد الزبيدي مراحل تكوين اللوحة بين مدينتين، وصور الغنى اللوني للفنان العراقي عبر وثائقي حمل عنوان “ألوان”، وتجربته هذه لم تكن الوحيدة في هذا السياق، فقد أنجز عام 1972 تجربة مماثلة عن أعمال لثمانية فنانين تشكيليين من أجيال مختلفة، وجاء الفيلم وقتها بعنوان “زائد ألوان”، ويعتبر هذا الوثائقي من الأشرطة النادرة التي وثقت بدقة لأعمال نخبة من فناني المحترف التشكيلي السوري، ومن أبرز هؤلاء فاتح المدرس ونذير نبعة وخزيمة علواني، إضافة إلى كل من إلياس الزيات ولؤي كيالي ونصير شورى ومحمود حماد ونعيم إسماعيل. ويروي المخرج محمد ملص في كتابه “الحياة قصاصات على الجدار” عن الجهد الذي بذله المخرج العراقي في تأسيس النادي السينمائي في دمشق، والدور الذي لعبه بتقديم أفلام الموجة الجديدة في ألمانيا لجمهور النادي الدمشقي، من مثل أفلام فاسبندر وفيم فندرز وهيرتزوغ، وعمل الزبيدي بعدها مع دائرة السينما في التلفزيون السوري وأتاح له وجوده كمونتير أساس في أستوديوهات المؤسسة العامة للسينما المشاركة في تحرير أبرز أفلامها، ومنها “الليل” لمحمد ملص، الفيلم الروائي الطويل الذي تجلت عبره خبرة الزبيدي الكبيرة في فن المونتاج والتي استقاها من معرفته العميقة بمسرح برتولد بريخت، وكل هذا سمح لهذا الفنان بتوظيف الملحمية البريختية في البنية التسجيلية للفيلم، ولا سيما سيناريو فيلم “المغامرة” الذي كتبه مع سعدالله ونوس عن مسرحيته “مغامرة رأس المملوك جابر”. كتاب محمد ملص عنه (دار نوفل) علامات فارقة من حياة الزبيدي توجها عام 1973 بتحقيق فيلمه الروائي اليتيم “اليازرلي” والذي نقل عبره مشاهد من طفولته التي عاشها في حي الأعظمية ببغداد، إذ اقتبس قصة فيلمه عن قصة “على الأكياس” للروائي السوري حنا مينه، وكتب الزبيدي السيناريو لهذا الفيلم بنفسه واُعتبر وقتها بمثابة بيان في اللغة البصرية للسينما العربية، كما عدّه النقاد طموحاً تشكيلياً لوسيلة السرد السينمائي المختلف عن أفلام تلك الحقبة في السينما العربية، لكن “اليازرلي” عانى ما عاناه من تضييق الرقابة ومُنع من العرض بسبب جرأته الفنية التي صدمت كثيرين. صدمة الرقابة غادر الزبيدي دمشق بعد صدامات عدة مع الرقابة، ويقول عن حياته في دمشق ومغادرته لها بعد التضييق الذي عاناه هناك “لقد حاولت أن تكون دمشق مكاني الأول بعيداً من الوطن لكنها بقيت المكان الثاني، وحين سقطت برلين الاشتراكية سقط معها مكاني الأول وصارت الثاني، وفي السينما قضيت العمر كله في السينما التسجيلية التي كانت خياري الثاني وليس الأول، وهكذا بقي الأول مفقوداً دائماً لأعيش في الثاني أبداً”. ولم يقتصر عمل الزبيدي على إخراج الأفلام وتحريرها بل عرف كناقد وباحث رفيع في نظريات السينما، ووضع عدداً من المؤلفات في هذا الشأن لعل أبرزها كتبه الصادرة عن “سلسلة الفن السابع” الصادرة عن وزارة الثقافة السورية، ومنها كتبه “المرئي والمسموع” و”مونوغرافيات – في تاريخ ونظرية صورة الفيلم”، إضافة إلى كتابه “الفيلم الوثائقي – واقعية بلا ضفاف”، وكتابه “فلسطين في السينما” الذي وثق فيه قرابة 800 فيلم تناول القضية الفلسطينية. ولد قيس الزبيدي في حي الجسر العتيق في بغداد عام 1939، وعاش طفولة ممزقة بين بيت أبيه وزوجته وبين بيت أمه، وكان لخاله الشيوعي المولع بالمسرح دور في تعريفه على المخرجين المسرحيين يوسف العاني وسامي عبدالحميد، وعلى المونتير محمد شكري جميل، وأسهم هذا الأخير في تعريفه على ألف باء فن المونتاج السينمائي، وعلى إرساله لألمانيا في ما بعد من قبل الحزب الشيوعي العراقي للدراسة في مدرسة بابلسبرغ، إذ تخرج في درس نظرية أجراها الزبيدي لطرق مونتاج فيلم “طفولة إيفان” لتاركوفسكي. والأحد الماضي أغمض قيس الزبيدي عينيه في برلين بعد صراع طويل مع المرض، ونعاه كثير من المثقفين والفنانين على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب المخرج هيثم حقي من باريس على حسابه في “فيسبوك”، “وداعاً يا صديقي السينمائي حتى النخاع. اليوم يرحل قيس الذي أخرج ومنتج وعاش حياة سينمائية خالصة، وكان صديق الحوار الفلسفي وباحثاً في أشكال الفيلم ومعلماً في الإيقاع المونتاجي الذي تحول عنده لنمط عيش، وداعاً صديقي الذي سيبقى في ذاكرة السينما السورية والفلسطينية والعراقية كلما ألصق شاب لقطتين ليصنع معنى جديداً ليس موجوداً في أي منهما”. المزيد عن: سينمائي عراقيالسينما السوريةمحمد ملصأفلامالقضية الفلسطينيةالرقابةبرلينسيناريوات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هجوم الفصائل المعارضة يجعل تركيا اللاعب الرئيس في سوريا next post Police arrest man after vehicle reported stolen in Halifax You may also like هل هناك مدرسة فلسفية مغربية؟ 3 ديسمبر، 2024 “الجميلات النائمات” في رحلة الحب والموت 3 ديسمبر، 2024 “أعراس” لسترافنسكي: تقاليد الريف الروسي تغزو الموسيقى الأوروبية 3 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: لُقى «سمهرم» في محافظة... 3 ديسمبر، 2024 “أيام الرخص” تسترجع الأربعينيات الليبرالية في مصر 2 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الفن والجنون وجهان لعبقرية... 2 ديسمبر، 2024 ما حدود قدرة كُتاب الظل على نقل التجارب... 2 ديسمبر، 2024 برامانتي بصحبة ليوناردو سنوات بداياته في خدمة آل... 2 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 ديسمبر، 2024 الأفلام العربية المرشحة في أوسكار 2025… هموم وتطلعات 2 ديسمبر، 2024