موسكو في أواخر القرن 19 (غيتي) ثقافة و فنون كتّاب المرحلة الروسية الفضّية في “زهرة تحتَ القدَم” by admin 30 نوفمبر، 2024 written by admin 30 نوفمبر، 2024 24 قصص مختارة تكشف وجها آخر من السرد الريادي اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد “زهرة تحتَ القدَم” مختارات من قصص لكتّاب روس، ترجمها عن اللغة الأصلية، الكاتب السوري نوفل نيوف، تكشف عن سياق سردي يندمج فيه التراثي بالإنساني والعالمي والكوني. واقتبس المترجم عنوان المختارات القصصية من عنوان إحدى القصص للأديب الروسي المعروف ليونيد اندرييف، وهو كناية أو رمز دالّ على وطء المثال أو الشيء العزيز بقسوة. تجدر الإشارة إلى أن الكتاب الروس الذين تضمهم المختارات “زهرة تحت القدم” (دار “أو كلاسيك”، 2024) ينتمون إلى المرحلة الفضية (1890-1920)، وفق ما بات متداولاً في التأريخ النقدي للأدب الروسي، وهم على توالي ظهورهم في الكتاب: ليونيد أندرييف ويفغيني زامياتن ونيكولاي غوميلوف وفلاديمير نابوكوف وأندريه بلاطونوف وفارلام شالاموف. ولدى عرض نماذج من قصص كل هؤلاء، أعد المترجم حيزين، الأول للتعريف بحياة المؤلف، والثاني خصه بمتن القصص المختارة، تراوح ما بين ثلاث وأربع قصص. ونحسب أيضاً أن المترجم نوفل نيوف انتقى من القصص ما يدل، دلالة لا لبس فيها على أسلوب كاتبها، ورؤيته إلى العالم، وبعض خصائصه اللغوية (بالروسية) التي لن يتسنى للقراء العرب التقاطها سوى بالإلماح، وذلك بحكم نقلها إلى العربية. ليونيد أندرييف (1871-1919) يعد ليونيد أندرييف أحد أعلام المرحلة الفضية في الأدب الروسي الحديث، وقد تأثر بأعمال الفيلسوف شوبنهاور الميالة إلى التشاؤم وبكارل هارتمان. ولئن أدركه الفشل في الحب والخيبة من السياسة، بعد انضمامه إلى الحركة الثورية السابقة للثورة البلشفية الأولى. وإن يكن متأثراً بتشارلز ديكنز، في أعماله القصصية الأولى، فإن أعماله القصصية التالية حظيت بتقدير عال من كبار معاصريه، أمثال ليون تولستوي، وتشيخوف، ومكسيم غوركي وألكسندر بلوك. في القصة الأولى بعنوان “الهوة” التي أنجزها الكاتب عام 1902، ولامس فيها موضوع الجنس/ الإيروتيك بجرأة، حتى عدها البعض في حينه أول ملمح صادم ودال في الأدب الروسي الحديث، يروي الكاتب قصة فتاة تدعى زينتشكا، في الـ17 من عمرها، وشاب يدعى نيموفيتسكي في الـ20، كانا يتنزهان في الغابة، وسط أجواء رومانسية هانئة. وقد راح كلاهما يتفحص تفاصيل جسمانية في الآخر، ويستعرض مسار الحب وشهداءه، على مر الزمن. وبينما هما على هذه الحال، فإذا بالظلمة تحل في الغابة، وتبدى لهما جموع من النساء الوسخات، ورجال سكيرين، ولصوص، وإذا بأحد هؤلاء ينقض على نيموفيتسكي ويطرحه أرضاً، أما الفتاة فتتعرض للاغتصاب من بعضهم الآخر. وحيث مضى يبحث عنها وجدها مجردة من ثيابها، وقلبها يخفق خفقاناً ضعيفاً، وعبثاً راح يناديها لتستعيد وعيها، وعندئذ أخذته نشوة التأمل في محاسنها، وراح يقبلها، وهو مدرك أنه لا قدرة لها على رده، ما دامت مغمى عليها. وظل على هذه الحال، من التقبيل والبوح بحبه لها إلى أن ابتلعته الهوة. المختارت القصصية بالترجمة العربية (دار أو كلاسيك) في حين أن القصة الثانية للكاتب أندرييف، بعنوان “زهرة تحت القدم” تروي، ومن وجهة نظر الطفل يورا الذي “لا يزال صعباً عليه فصل ذاته عن كل شيء…” (ص:48)، وقد راح يكتشف كل ما يدور حوله من علاقات مزيفة وأخرى صادقة بين جمهرة من الناس، وسط أجواء احتفالية وصاخبة، وشكوك في خيانة الأم أباه، الذي لا يجد ضيراً من البكاء أمام طفله حيناً، والانتقال سريعاً إلى ملاعبته وإضحاكه حيناً آخر، مع تجاهله ما تحيكه زوجته مع الضابط الزائر من علاقات سرية. ولكن المهم في القصة ليس الحبكة التي تكاد تكون بسيطة للغاية، وهي تنطوي على التشكيك بخيانة الزوجة لزوجها، أو بمظالم تتعرض لها من الزوج، وإنما قدرة الكاتب على تلبس وجهة نظر الطفل “يورا”، والنفاذ إلى عالم أحاسيسه وعالمه وتصنيفاته الأشياء والأشخاص والكائنات، من دون أن يتصنع في اللغة أو يتنازل عن مستوى القص البارع. يفغيني زامياتن (1884-1937) هو الكاتب والناقد الأدبي والسيناريست ومهندس السفن الروسي، ولد في ليبيديان لأب قس أرثوذكسي وأم عازفة على البيانو. انضم إلى الجناح البلشفي ومارس نشاطاً سياسياً ملحوظاً في الحركة الطلابية. أوفد إلى لندن لدراسة هندسة السفن، واعتقل عام 1919 مع ألكسندر بلوك وألكسي ريميزوف بسبب ميولهم الليبرالية. وهو من القلائل الذين نجوا من التطهير، بفضل نضالهم السياسي السابق. تأثر بغوغول في كتاباته الأولى وبدوستويفسكي، وكان معاصروه الميالون إلى الرمزية والحداثة من أمثال ليونيد أندرييف وأندريه بيلي وفيودور صوغولوب. أصدر روايته الشهيرة “نحن” سنة 1920، فكان لها التأثير البالغ على حياته الثقافية والاجتماعية، إذ رأت فيها الرقابة السوفياتية سخرية من النظام الشيوعي. ولم يحظ زامياتن، في بلاده، بحرية النشر، فمضى إلى فرنسا حيث توفي عام 1931. في قصته الثانية، بحسب ترتيب القصص المختارة، وهي بعنوان “عشر دقائق دراما” يدخل زامياتن ذاته في سياق السرد (“ما من أحد من بين الحاضرين، باستثناء المؤلف، خطر له أنهم سيكونون الآن أشخاصاً مشاركين في قصتي هذه…” ص:81)، يبتدع الكاتب حواراً مباشراً ومستفزاً، بين رجل كهل، سكير أو شعبي، وآخر هو شاب بهندام مرتب على الطراز الغربي، في حينه، ونظارتين مستديرتين، ويطالع صحيفة “الإزفيستيا” علامة على كونه مثقفاً يسارياً. ويروح الكهل ينسب إلى الشاب صفة كونه رأسمالياً، متقنعاً بقناع اليسارية الشيوعية. وفي الآن نفسه، لا يتوانى الكهل نفسه عن الغمز من قناة السلطة السوفياتية، لتعمدها تغيير أسماء الشوارع في المدينة من طابعها المسيحي والروسية إلى طابعها السوفياتي، كتحويلهم شارع بولشوي إلى شارع انتصار البروليتاريا، أو إبدالهم أسماء القديسين المرصودة لماكن بعينها، بأسماء من السجل السوفياتي الحديث. واختتم الكاتب القصة بمشهد ضاحك، بل هازى للغاية، إذ “عانق (الكهل الثمل) الشاب المرتبك، فقبل شفتيه بصوت مسموع. ثم خرج. ثانية من الصمت أعقبها الانفجار: لقد تقطعت خواصر جمهور عربة الترام من الضحك، وقهقهت عربة الترام على السكة الحديد، وهي تشق الريح بمحاذاة نهر النيفا المتجمد” (ص:8) مما يشي برؤيته للنظام السوفياتي المستجد، الذي يقوم على نخبة متعالية ومدعية الدفاع عن قضايا البروليتاريا ومصالحها. نيكولاي غوميلوف (1886-1921) يعد غوميلوف أحد أعلام شعراء وكتاب المرحلة الفضية، في الأدب الروسي، وهو إلى كونه شاعراً هو كاتب مسرحي، ومترجم، وناقد أدبي. كان ضعيف البنية، في طفولته، نشر أول مجموعة شعرية له عام 1905 بعنوان “طريق الغزاة”، وسافر إلى باريس لاستكمال دراسته، إذ أسس مجلة “سيريوس عام 1907، كما أسس مع آنا أخماتوفا واوسيب مندلشتام وسيرغي غوروتسكي” ورشة الشعراء. ونشرت له مجلة “أبولون” ملحمته الشعرية “القباطنة”. ولئن تطوع للقتال إلى جانب الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى، فإنه أبدى تأييده للنظام القيصري، وأعلن عداءه للثورة الشيوعية. مما جر عليه اتهاما بالتآمر على السلطة السوفياتية، فأعدم رمياً بالرصاص عام 1921، ولم يعد إليه الاعتبار إلا عام 1992 في روسيا الاتحادية. وفي القصة المختارة له بعنوان “الأميرة زارا”، يسرد الكاتب حكاية مستوحاة من رحلاته إلى أفريقيا، مفادها أن أحد زعماء القبائل، والمقاتل العربي الشاب، وقاهر الأسود ذوات اللبدة الشقراء، والآتي من قبيلة زغاوة التي تؤمن بالنبي، قدم إلى أرض التشاد، قاصداً الأميرة العذراء، ليدعوها إلى بلاده حيث يتسنى لها أن تتقمص شخصية جديدة، وتحظى بالتكريم والتعظيم اللذين تستحقهما الفتاة العذراء، وجميلة الجميلات. ولما كانت الأميرة زارا تصغي إلى خطاب المقاتل، وابن زعيم قبيلة “زغاوة”، في تعظيم الإناث العزباوات وفي اعتبارهن “أرفع شأناً من الحوريات وأسمى من الملائكة، وكأنهن أرواح في سابع حلقات جنات النعيم” (ص:111)، وتعجب من مضمونها، فهمت منه أن يأذن لها بالتمتع بجمالها، فوافقت وقالت له إنها ستسر معه أكثر من سرورها مع ذلك الأجنبي. عندئذ، امتشق المقاتل خنجره وشق به صدره، فمات لفوره. بالطبع، يجدر بنا التنويه بجهد المترجم، جامع هذه المختارات القصصية، ولن تقوى هذه العجالة على الإحاطة بما في قصص الكتاب الآخرين، من مثل أندريه بلاطونوف، وفارلا شالاموف، إضافة إلى فلاديمير نابوكوف قصاصاً ماهراً وصانع منمنمات بديعة في سرده العظيم الثراء، ونيكولاي عوميليوف السابق ذكره هنا. وإنما الإشارة لازمة هنا للفت الانتباه إلى قصاصين يحسن بالقراء العرب معاودة النظر في نتاجهم الغني، للإفادة ولمزيد من التثقف والاطلاع المنفتح. المزيد عن: قصص روسيةالقرن 19ترجمةالعصر الفضيتشيخوفالسرد الروسيكتاب روادفن القصة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زواج القاصرات في مصر… صغيرات يدفعن ثمن العادات بـ”الإجبار” next post مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي You may also like ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت... 30 نوفمبر، 2024 عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة... 30 نوفمبر، 2024 مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي 30 نوفمبر، 2024 مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024