الأربعاء, أكتوبر 16, 2024
الأربعاء, أكتوبر 16, 2024
Home » تأملات نيوتن العميقة في ظواهر كانت مجرد بديهيات

تأملات نيوتن العميقة في ظواهر كانت مجرد بديهيات

by admin

 

“المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية”: مكتشف الجاذبية يفسر العالم من طريق العقل

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

تقول الحكاية، إن “اكتشاف” العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن قانون الجاذبية، بدأ حين كان جالساً في حديقته يتأمل، تحت أشجار التفاح، في أحوال العلم والعالم، فإذا بتفاحة تسقط من على غصن شجرة. ولمع ذهن العالم الشاب، مع سقوطها، من دون أن يحدث ذلك المشهد أي دهشة تنتابه، فالظاهرة طبيعية بالنسبة إليه وإلى الناس أجمعين تنتمي إلى التجريبية اليومية، لكن عقلاً فضولياً كعقله ما كان يمكنه في لحظة تأملاته تلك فإن يطرح على نفسه أسئلة جديدة مباشرة إذ قال في نفسه متسائلاً: لماذا سقطت التفاحة إلى أسفل، وليس إلى أعلى أو إلى أي جهة أخرى؟ وهكذا أعمل الرجل فكره وراح يمعن درساً وحساباً حتى توصل إلى ذلك القانون الذي سيجعله من “اكتشافه” واحداً من أكبر العلماء في تاريخ البشرية.

ليبنتز: سباق مع مكتشف الجاذبية (غيتي)

وفي مقابل تلك الحكاية الأولى هناك على أية حال أختها الحكاية الثانية التي تحكي لنا، أن نيوتن نفسه، إذ كان، ذات يوم شتائي صاح، يتأمل قوس قزح الذي رسمته رطوبة الجو، أدرك بعد تفكير عميق، ونظرة تجريبية ربما تكون مرتبطة بالنظرة الأولى، أن “اختلاط ألوان قوس قزح في بعضها بعضاً هو الذي يولد اللون الأبيض”، وهنا أيضاً أوصله ذلك إلى استنباط قانون تشتت اللون، خصوصاً بعد أن قادته تأملاته في تلك الظاهرة التي تبدو له بديهية بدورها، إلى صنع تلك الأسطوانة الملونة التي راح يديرها بسرعة فإذا بألوانها تختلط منتجة لوناً أبيض، وهذه الأسطوانة عرفت على مدى التاريخ باسم “أسطوانة نيوتن”.

بين الخيال والعلم التطبيقي

واضح أن تضافر الخيال بالتعقد العلمي يمتزجان في هاتين الحكايتين، غير أن الخيال الذي استنبطهما، لا يتعارض، طبعاً، مع حقيقة أن إسحاق نيوتن، تمكن، عبر عمل دؤوب وجهد خارق، من العثور على بعض أهم القوانين العلمية في المجالات الكثيرة التي خاضها، مثل مجال دراسة الضوء والجاذبية، والعلاقة بين الكواكب والأجرام والدينامية وغير ذلك، من أمور خاض فيها ذاك الذي يمكن اليوم لزائر جامعة “كامبريدج”، أن يجد عبارة محفورة على تمثاله تقول إنه “تجاوز النوع البشري بقوة فكره”. فالواقع أن نيوتن الذي خاض في كثير من الشؤون العلمية، كما نعرف، قد أكد مراراً وتكراراً مركزية الإنسان في الكون، وعارض ديكارت في بعض أهم نظرياته، وأكمل عمل كبلر وغاليليو. كما أنه وضع كثيراً من الكتب والدراسات، ومع ذلك يبقى كتابه “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية”، أهم كتبه، لأنه تمكن من أن يلخص في أجزائه الثلاثة أفكاره وتجاربه الكثيرة، ويثبت كثيراً من القوانين والقواعد.

إضافات بالغة الأهمية

صحيح أن معظم هذه القوانين والقواعد كانت معروفة ومدروسة منذ الإغريق، وأن عصر النهضة عاد وطورها معقلناً إياها، غير أن جهد نيوتن كان إضافة مهمة إليها، وقوننة لها. ولعلنا لا نكون مبالغين إن قلنا إن واحداً من أهم إسهامات نيوتن كان تبسيط تلك القوانين التي كانت قلة في زمنه والأزمان السابقة عليه قادرة على فهمها. من ثم كان المجتمع، ككل، عاجزاً عن تصور حقيقتها، وصولاً إلى أن العالم كريستيان هيغنز نفسه، الذي عاصر نيوتن، معتبراً من ألمع الأذهان في زمنه، كان لا يفتأ، قبل شروحات نيوتن، يقول إن نظرية الجاذبية ليست أكثر من هراء.

وضع إسحاق نيوتن كتابه “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية” منتصف ثمانينيات القرن الـ17، ونشره في لندن عام 1687، ليعد منذ ذلك الحين واحداً من أكثر الأعمال العلمية عبقرية في التاريخ الإنساني. والكتاب، كما أشرنا، يتألف من ثلاثة أجزاء تسبقها مقدمة للمؤلف، يشن فيها هجوماً عنيفاً ضد خواء الدراسات الأكاديمية، مقترحاً أنه في كتابه سيطبق الحسابات الرياضية على دراسة الظواهر الطبيعية. وفي الجزأين الأول والثاني من الكتاب، راح، بحسب ما يعرض ج. د. برنال صاحب كتاب “العلم في التاريخ” (المترجم إلى العربية بأجزائه الأربعة) يمعن في تحليل كثير من الأمور والظواهر والقوانين إلى جانب دراسته المعمقة لقوانين حركة الكواكب. وكان “هدفه الأساس”، بحسب برنال، “إثبات أو شرح كيف أن الجاذبية الأرضية تستطيع المحافظة على نظام الكون”، وهو “أراد أن يوضح ذلك ليس من طريق الفلسفة القديمة ولكن بطريقته الكمية الفيزيائية الجديد”. ورأى برنال أنه كان يجب على نيوتن، للوصول إلى ذلك، أن ينجز واجبين: أولهما “هدم جميع الأفكار الفلسفية القديمة والحديثة”، وثانيهما “إقرار أفكاره ليس فقط لصحتها ولكن لأنها الأكثر موثوقية لتحقيق الظواهر المختلفة”.

وأكد برنال هنا أن “نظرية الجاذبية الأرضية” التي “اكتشفها” نيوتن و”إنجازاته الأخرى في العلوم الفلكية تمثل آخر الحلقات في سيرورة إضفاء الصورة التي رسمها أرسطو للكون، تلك السيرورة التي بدأ كوبرينكوس في رسمها. وهكذا، بعدما كانت الصورة الأولية تحدثنا عن أن الكواكب تتحرك بفضل “محرك الأول أو بالملائكة بأمر من الخالق”، صارت الصورة الجديدة صورة سيرورة “ميكانيكية تصل تبعاً لقوانين طبيعية لا تحتاج إلى قوى دائمة ولكن تحتاج إلى العناية الإلهية لخلقها ودورانها في أفلاكها”.

التفاف ذكي وفكر تصالحي

وهكذا تمكن نيوتن في التفاف ذكي من أن يترك الباب مفتوحاً، لضرورة وجود العناية الإلهية من أجل استقرار النظام الفلكي. ومن الملاحظ أن ذلك الفكر “التصالحي”، بحسب بعض الدارسين، جاء في وقت انتهت فيه “المرحلة الهدامة لعصري النهضة والإصلاح، وبدأت مرحلة وفاق وتراض بين الدين والعلم”. هذا بالنسبة إلى الفكر الذي يسيطر على الجزأين الأولين من الكتاب، أما في الجزء الثالث فإنه يتوصل إلى الاستنتاجات الفلسفية، ومن هنا يسمي الجزء “أنظمة العالم”. وفيه يحدد نيوتن المبادئ الفلسفية الأربعة التي ينبغي أن يستلهمها، في رأيه، كل بحث وعمل في مجال العلوم الفيزيائية. وهكذا نجده هنا مطبقاً على نظام العالم، المبادئ الفلسفية التي حددها في مقدمة الجزء الأول. وهذا ما يجعل مؤرخي العلم يقولون إنه “على رغم أن أعظم اكتشافات نيوتن هو اكتشافه قوانين الجاذبية الأرضية، انطلاقاً من دراسة ديناميكية حركة الكواكب، فإن أثره الأكبر على العلم هو في إيجاده الطرق العملية التي استخدمها لتحقيق نتائج. فحساب التفاضل والتكامل، الذي أوصله إلى ذروته، أعطى العالم طريقة عملية للانتقال من التغير الكمي للأشياء إلى الكم نفسه والعكس بالعكس، كما قدم الطرق الرياضية الدقيقة الموصلة إلى حل المسائل الفيزيائية”، و”وهو إذ وضع قوانين الحركة التي لم تربط الحركة بالقوة فحسب، بل ربطت القوة بتغير الحركة أيضاً، قضى نهائياً على البديهيات القديمة التي كانت تعتقد أن القوة ضرورية لاستمرار الحركة من دون اعتبار لدور الاحتكاك” (كما يؤكد برنال في كتابه المشار إليه أعلاه).

سيرة فتى عبقري

ولد إسحاق نيوتن عام 1642 في وولستورب ببريطانيا، ومات عام 1727 في كنزنغتون. صحيح أن ذلك الطالب المنفتح على العالم وفكره، منذ وقت مبكر، ودائماً انطلاقاً من نظرته الإيجابية إلى ما يحيط به، ولكن أيضاً انطلاقاً من دهشة كانت تستبد به فلا يلجأ في الاستجابة لها لغير عقله وتفكيره العميق، ولكن دائماً من موقع تصالحي لا يتعمد استفزاز الآخرين شرط أن يعطوا، بدورهم، مكانة لا بد منها للعقل في حياتهم وفكرهم، صحيح أنه كان متحدراً من عائلة بورجوازية ريفية، لكنه عاش يتيم الأب إذ إن أباه مات قبل ولادته، وفي صباه أرسل إلى “كامبريدج” للدراسة، غير أن الانعطاف الأكبر في حياته كان في لقائه أستاذ الرياضيات إسحاق بارو الذي احتضنه مقدراً مواهبه، ومكنه من الارتقاء في السلك الجامعي. وداخل ذلك السلك راح نيوتن يخوض، أولاً علم البصريات ثم الفيزياء، في وقت وقع فيه تحت تأثير جماعة “هراطقة” قادته إلى التعمق في دراسة الفلسفة. وهذا ما جعله يمزج العلم بالفلسفة، ويقرأ كثيراً، وهو درس أعمال غاليليو، خصوصاً، ومكنه ذلك من الإمعان في دراسة الجاذبية لترسيخ قوانينها. وهو إذ عارض كثيراً من نظريات ديكارت، دخلت التاريخ تلك المساجلات التي كان همها معرفة أي من نيوتن أو ليبنتز كان الأول في الوصول إلى استعمال قانون التفاضل والتكامل.

المزيد عن: إسحاق نيوتنقانون الجاذبيةليبنتزديكارتالمبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00