مسرحية "معمول" تدخل متاهة النساء في لبنان (خدمة الفرقة) ثقافة و فنون مسرحية “معمول” تجسد متاهات النساء في لبنان by admin 7 أغسطس، 2024 written by admin 7 أغسطس، 2024 92 توافق تام بين التمثيل والإخراج والنص ومواقف نقدية جريئة اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil يقول الكاتب الإنجليزي الإيرلندي أوسكار وايلد (1854-1900) أن الفن لا يصور الحياة بل يصور المشاهدين، وهو تماماً ما يفعله كريم شبلي وسارة عبده في مسرحيتهما المشتركة “معمول”. فبعد تعاونهما الناجح في مسرحية “غمض عين، فتح عين” التي عُرضت مراراً على خشبات مسرح بيروت في العام الماضي، يعود الثنائي الشاب المتكامل ليقدم مسرحية “معمول” ليعكس وجوه المجتمع اللبناني بهمومها وطرائفها ونكاتها وأحكامها المسبقة وعاداتها وتقاليدها. فضاء نسائي نموذجي في صالون تجميل تديره ندى أبو فرحات، تجتمع أربع نساء في كل مناسبة لصناعة المعمول. والمعمول هو كعك العيد في المتعارف الشعبي بدول المشرق العربي، هو كعك فولكلوري شعبي مشهور تصنعه النساء من مختلف الطوائف والمذاهب، فيصنعه المسلمون في عيد الفطر، ويصنعه المسيحيون في عيد الفصح، ويصنعه الدروز في عيد الأضحى. ويعتبر المعمول أهم مظاهر الاحتفال الديني بأنواعه المختلفة من معمول بالجوز أو الفستق أو التمر. هيام أبو شديد وندى بو فرحات في المسرحية (خدمة الفرقة) وليس هذا التعريف بالمعمول وطقوسه اعتباطياً، على العكس، فهو ضروري لانطلاق المسرحية وأحداثها نظراً إلى أنه يظهر في مراحل العرض المسرحي بأسره ويجمع الممثلات المختلفات الانتماء الديني، عدا عن أنه هو الذي بجلسة تحضيره يفتح الجروح ويحدد وتيرة العرض وتقاطيعه وتطور أحداثه. على مدار ساعة ونيف تقريباً وفي فضاء أنثوي دافئ بامتياز مفعم بالألوان والكنبات المريحة وأدوات التجميل، تصنع أربع نساء المعمول في مختلف المناسبات الدينية. يمر الزمن بين الجلسة والأخرى وتتغير الأحوال إنما يبقى المعمول وتحضيره العامل المشترك الدائم. ويبدو صالون التجميل الذي تدور فيه الأحداث صافياً لطيفاً للوهلة الأولى، لكنه في حقيقة الأمر يغلي بمئة حديث وحديث، بمئة مصيبة ومصيبة. من موت إلى مرض فاهتمام بأم رازحة، من ترمل إلى وحدة فرغبة بالزواج، من مثلية إلى سرطان فرصاص طائش، مصائب وكوارث وأحاديث حزينة تزين المسرح وتسلط الضوء على المرأة في مجتمعنا بمختلف حالاتها وأعمارها وهمومها. ويلاحظ الجمهور حنكة الحوار وتماسكه، فهو سريع مقتضب شيق، ينتقل من موضوعة إلى أخرى ومن إشكالية إلى أخرى مع وجود ظُرف وطرافة ثاقبين. ينطلق الحوار بأريحية بين ممثلات العمل، جو من المحبة والفرح والإلفة والانسجام لا يخفى على أحد. فكأن الممثلات يستمتعن فعلاً بأدوارهن وبالنساء اللواتي يؤدين مشكلاتهن. فتتشابك أحزان النساء وتتضافر وتخرج بحلة مضحكة تارةً، موجعة تارةً أخرى، ليطرق النص قضايا الخوف من الآخر ومن التغيير، والأحكام المسبقة، والقسوة المجتمعية بشكل عام. وعلى رغم أن القضايا المطروقة قد تبدو قاسية وتراجيدية، يتمكن كريم شبلي وسارة عبده من تأطيرها بإطار فكاهي لطيف يستوعب المشكلة ويطورها ويتخطاها من دون أن يخرج الجمهور من حالة النفور والحزن لفداحة الواقع والمجتمع. لتأتي الضربة الأخيرة في لحظات العرض النهائية قاتلة قاضية قاهرة، ضربة غير متوقعة تترك الجمهور مشدوهاً للحظات منقطع الأنفاس. تمثيل باهر اللعبة المسرحية المحكمة (خدمة الفرقة) إضافة إلى رمزية المعمول وعمق الحوار وظرافته، تظهر تأدية الممثلات لأدوارهن رائعة مذهلة، فهن ينقلن الجمهور إلى فضاء نسائي نموذجي فيه قصص النساء وأخبارهن وهمومهن. تروي حكاية “معمول” حكايا سارا عبدو، وهيام أبو شديد، وندى أبو فرحات، وسينتيا كرم، ليتوج العمل وجود رجل واحد هو جوزيف آصاف الذي يضفي على العرض المزيد من التماسك والمتانة. بادئ ذي بدء لا يمكن إلا التوقف عند أداء هيام أبو شديد التي تجسد بكل براعة دور الأم التي تخشى الآخر وتخشى المثلية وتخشى ما سيقوله الناس، فتحمي ابنتها مما تظنه سيئاً لها وتبث طيلة العرض الآراء والأفكار العتيقة المطعمة بالأحكام المسبقة القاسية والمحزنة والتي لا بد للأمهات التقليديات من أن يحاولن التحرر منها. ولا يقل أداء ندى أبو فرحات توهجاً، فهي تجسد كعادتها دور المرأة القوية المتماسكة التي تحمي المرأة الصديقة وتدافع عنها وتتحدى أعراف المجتمع وأحكامه المسبقة بكل صرامة وقوة. تجسد ندى أبو فرحات دور المرأة اللبنانية المعاصرة المتحررة المتفتحة على أنوثتها وجسدها وفكرها، على رغم كم الأحزان الهائل الذي مرت به، فهي كم من مرة ومرة بكت على المسرح مظهرة هشاشتها وضعفها وإحساسها العالي بالظلم. بكت ندى أبو فرحات الرجل والصديقة والمرأة التي فيها. يبقى الدور الأكثر سطوة على قلوب المشاهدين هو دور سينتيا كرم الممسكة بتقنيات المسرح بشكل رائع تأدية وحضوراً وحواراً. فكرم تؤدي دور المرأة الدرزية التقليدية التي تترك عملها لتهتم بوالدتها المريضة. تجسد كرم المرأة التقليدية الجميلة الروح والقلب، البسيطة الكلام والتفاصيل بكل ذكاء وحنكة ومكر من دون أن تقع في المبتذل ولا السخيف في أي لحظة. وتبقى الممثلة الشابة سارة عبده، وهي الشريكة في الكتابة، المرأة الرابعة، الشابة التي تحارب المجتمع والأم والأحكام المسبقة وكل ما يواجه المرأة الشابة في مجتمعنا اليوم. أما الحضور الذكوري الوحيد فهو الآخر مختار بعناية. حضور رجل واحد يجسده بكل إتقان الممثل المسرحي المتميز جوزيف آصاف الذي يكلل المسرحية ويخرجها من “نسائيتها” الطاغية. ويخطئ من يظن أن الرجل مهمش في هذا العرض المسرحي. على العكس. ليس الرجل في هذا العمل العدو، ولا هو العنصر الذي يجب التخلي عنه أو محوه. الرجل في هذه المسرحية ضحية أخرى من ضحايا المجتمع. الرجل في العرض، شريك وحبيب وزوج رحل وزوج مرتجى، على رغم الآلام التي يسببها في كثير من الأحيان. “معمول” مسرحية متماسكة متوهجة من حيث الحوار والديكور والتمثيل، مسرحية جديدة حيوية مركبة بتقنية وذكاء تقدم المرأة والرجل والمجتمع الذي يعلم المرء الخوف من الآخر والخوف من التغيير والتمسك بالعادات البالية المرهقة المهرقة للدماء. فمتى يخرج اللبناني من طرق تفكيره العتيقة ويتحرر من نيره ليعيش سعيداً هانئاً رجلاً كان أو امرأة؟ المزيد عن: مسرحيةنصتمثيلقضية المراةدراما كوميديةبيروتالمعاناةالمواجهةالرجل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “أفيش وفيلم” معرض يرصد تاريخ صناعة السينما في مصر next post «إغلاق شامل» للمدارس السودانية في مصر لحين وضع ضوابط جديدة You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024