"إنها لا تشكو من شيء" رواية تستند إلى المحنة التي عاشتها كيت واينبرغ مع "كوفيد" طويل الأمد (بلومزبري) ثقافة و فنون “إنها لا تشكو من شيء” مرآة جحيم كورونا طويل الأمد by admin 5 أغسطس، 2024 written by admin 5 أغسطس، 2024 85 بعدما تصدرت روايتها التي تنتمي إلى أدب الجريمة قوائم المبيعات وجدت كيت واينبرغ نفسها عالقة في مكان قاحل بلا حبكات ولا نهاية واضحة: المعاناة من محنة “كوفيد” طويل الأمد المؤلمة والمربكة. وها قد حولت هذه التجربة إلى رواية مضحكة وفلسفية اندبندنت عربية / جيسي ثومبسون في عام 2019 أصدرت كيت واينبرغ “الغائبون” [المتسربون] The Truants، وهي رواية من نوع أدب الجريمة تعد باكورة إنتاجها الأدبي. وشكلت هذه الرواية أيضاً تحية لهذا النوع الأدبي، إذ كانت مستوحاة من حبكات أغاثا كريستي الملتوية وأسلوب دونا تارت القاتم. بعد مرور سنة على ذلك، علقت المؤلفة نفسها داخل حبكة غامضة خاصة بها – بيد أنها كانت أقل متعة بكثير، إذ أصيبت بوهن ودوخة وأوجاع كثيرة وشعرت بالذهول لمعاناتها من هذه الحالة، لكونها سيدة بصحة جيدة تبلغ من العمر 45 سنة. في نهاية المطاف شخصت بـ“كوفيد” طويل الأمد، ووجدت نفسها عالقة في فضاء الأمراض المزمنة، ذلك المكان الخالي من أية حبكة أو قصة، والذي يبدو للمرء أنه لا يمكن الفرار منه ولا الشفاء منه ولا يبلغ نهاية المطاف. وها هي واينبرغ تسير الآن على خطى الحكواتيين وتخرج برواية عن الموضوع. “إنها لا تشكو من شيء”، رواية تصدر الأسبوع المقبل عن منشورات بلومزبري، وتحكي قصة فيتا منتجة المدونات الصوتية الناجحة العالقة في سرير صديقها الحميم بلا أنيس غير سمكتها الذهبية التي سميت بكل ألمعية ويتني هيوستن. والمعنى الحرفي لاسم فيتا هو “الحياة” – وقد سحبت منها الطاقة على الحياة كلياً. وباعتباري امرأة شخصت بمتلازمة التعب المزمن عندما كنت أصغر سناً – وهي شبيهة بـ”كوفيد” طويل الأمد من حيث الأعراض والافتقار الغريب لأي علاج أو شفاء منها – وجدت في رواية واينبرغ تصويراً دقيقاً لحالة العبث غير المرئية التي يعيشها المرء عندما يعلق بين المرض والصحة. كنت في سنتي الأخيرة في الثانوية عندما أصبت بالمرض وضاعت عليَّ فرصة المشاركة في طقوس العبور [خطوات إلى الرشد] وتوديع المدرسة، إذ قضيت أياماً بعد أيام في السرير، دون أن أقوى على مغادرته. وكل هذه التفاصيل موجودة هنا، كل ما أذكره عن ذلك الوقت – حين لم يكن الأطباء متأكدين من المشكلة التي أصابتني ولم يعرفوا سبيلاً لحلها. وكل ذلك الجهد: أخذ قسط من الراحة ومحاولة التفكير بإيجابية وتناول الفيتامينات والغوص في أبحاث لا تنتهي على الإنترنت. والقلق من أن ساعة واحدة من الشعور بأن “الوضع عادي” قد تعني أنك لن تتمكن من مغادرة السرير لثلاثة أيام بعدها. والذعر الذي ينتابك للتفكير في أنك عندما كنت بصحة جيدة، اعتبرت ذلك من المسلمات. والارتياب من أن لا أحد يصدقك. وشعور الوحدة حين “ينهار الوقت” كما تقول فيتا، وكل من حولك يتابع حياته [يمضي قدماً فيها]، وما يتبع ذلك من خسارة للثقة بالنفس في الوسط الاجتماعي. والارتباك المصاحب لتقلص منظورك للأمور – كيف كان شعور “الصحة الجيدة والعافية”؟ والطريقة التي تبدأ فيها بإعادة الإعداد لمستقبلك، إن كان هذا شكل الحياة الآن. تريد أن تصبر لكن الصبر يحتاج إلى طاقة. تماماً كقلة الصبر. لا تعرف فيتا إن كانت “شخصاً بصحة جيدة يلاحقه المرض، أم شخصاً معتلاً قد لا يصبح بصحة جيدة أبداً”. فجأة، تصبح كل الأمور بالغة الازدواج [منقسمة إلى فسطاطين شديدي التباين، الصحة ونقيضها]. ولا سيما أن الصديق الحميم الذي انتقلت للعيش معه قبل المرض طبيب. وعلى رغم محاولات ماكس لكي يظل متعاطفاً مع فيتا، يقضي أيامه وهو يحلل نتائج فحوصاتها – وكلها تبدو جيدة. لكن في بعض الأيام، تبدو الحفرة – كما تسمي فيتا عرين المرض – مكاناً أكثر إشراقاً. إن كانت تتمتع بمخزون كافٍ من الطاقة، تزور فيتا الشقة التي فوق شقتها، إذ تشعرها سيدة تقبع على فراش الموت – وضيفها الوسيم – بأنها لا تزال على قيد الحياة، وأحد أسباب ذلك هو حاجتهم المشتركة لسرد القصص عن أشخاص فقدوهم. عندما يحضر أمامها شبح الشاعر الإيطالي لويجي دا بورتو الكاتب الأصلي لقصة روميو وجولييت، تشعر بأن حالة فيتا – وكل وقت تقضيه مع أفكارها – ربما تعيد مد الجسور بينها وبين قدرتها الإبداعية. ففي حياتها السابقة، حين كانت معافاة وتجوب العالم، كتبت سيناريو عن لويجي، وكانت تتوق لتحويله إلى فيلم لكنها الآن تنتج مدونة صوتية تستضيف شخصيات مشهورة تتعايش مع ألمها وتتستر عليه. يلخص البرنامج رواية كل شخص ويختصرها لتصبح قصة صغيرة متناسقة (ضحكت إزاء هذا الانتقاد الواضح لهذا الشكل الفرعي من المدونات الصوتية المتملقة التي تسعى لاسترضاء الجمهور). والواقع الجديد الذي تعيشه فيتا يذكرنا بقسوة عجزنا في غالب الأحيان عن سرد قصص حياتنا بهذه الطريقة. فالفوضى تعم أيامنا، وقد تكون الصراعات التي نعيشها مرة وبشعة وغالباً ما لا نرى لها نهاية واضحة وليس فيها أي مشهد مثير ننهض فيه من وسط النيران المشتعلة كطائر الفينق. خلال فترة مرضها، تجد أن شريط العلاقات القديمة عاد ليدور في رأسها من جديد وأنها تحاول فهم ما حصل مع شقيقتها غرايسي وتتساءل إن كان مصيرها الذي “أفضى بها إلى المآل الخطأ” غير محصور فقط بمرحلة إصابتها بمرض غامض سحق روحها، لكن الرواية تطرح تساؤلات – محقة – كذلك عن منظورها للمرض نفسه. عندما كتبت واينبرغ عن محنتها للمرة الأولى، وصفت هذا العذاب. وقالت في مقال نشرته في “دايلي مايل” عام 2021 “أشعر بأن بدني برمته تسمم”. لكنها توسعت في الكلام عن صدمتها إزاء ما تعرض له عدد كبير من المصابين بكوفيد طويل الأمر من تشكيك بهم أو عدم تصديق لهم. “إنها لا تشكو من شيء” لا يعني فقط بأن نتائج الفحوصات تبدو جيدة، بل ما تعنيه العبارة هو: إنها تتظاهر على الأرجح. شعرت بخجل كاف إزاء مرضي بهذه الصورة الذي يصعب تحديده. أما فكرة أنني ربما أتظاهر، فزادت من شعوري بالخزي. وخلال الفترة التي مرضت فيها، أذكر نكتة ألقاها ريكي جيرفيز في أحد عروضه الكوميدية عن الأشخاص الذين يعانون متلازمة التعب المزمن. وشعرت بأنها مهينة. كنت محظوظة. أقله في ما يعني نهاية هذه القصة. منذ 10 سنوات تقريباً، شخصت بالإصابة بمرض وراثي نادر- قد يكون الإنهاك أحد أهم أعراضه. شعرت بأنني لست مجنونة – لأنني أعاني مشكلة حقاً! – لكنني أحسست بأن هذه الفكرة حتى ظالمة، وأشبه بالوقوع في فخ اللغة الطبية المتعلقة بالمرض أو العافية، والتي تحدد إن كانت الأمراض حقيقية أم لا. حتى الآن، هذا موضع مثير للإحباط. حتى بعد تشخيصي، تعود ذهني أحياناً إلى تلك السنة التي مرضت فيها وأتساءل إن كنت قد تخيلت كل ذلك. الروائية البريطانية كيت واينبرغ سلطت في روايتها الأخيرة الضوء على معاناة المصابين بمتلازمة كورونا الطويل الأمد (تويتر) لحسن حظي أن وضعي متوسط ويمكنني التعامل معه، لكنني ما أزال أشعر داخلياً بالحاجة للتقليل من أهميته. بما أنه غير واضح للعيان، ماذا لو لم يصدقني الآخرون؟ كيف أنقل لهم الصورة من دون استعراض صعب لمرضي – وهو شيء لا أطيقه؟ هل عليَّ أن أتوقف لأرتاح أحياناً أم أنه من الأفضل لي أن أستمر بالتقدم – وأن أحرر بالتالي رأيي بقدراتي الشخصية من أي نوع من القيود أو التسميات [التوقعات]؟ أما واينبرغ، فقد نشرت العام الماضي صورة فرحة لها وهي تقضي عطلتها وتمتطي حصان على شاطئ مشمس. وقالت إنها “تحسنت بنسبة 90 في المئة – وأعني بذلك أنني أفضل 100 في المئة 90 في المئة من الوقت”. صحيح أن هذا المرض “القاتم والمصمم بصورة محيرة” ترك بصمته عليها – لكنه جلب معه أيضاً تغييراً، كما تقول واينبرغ. وقد كتبت “أن المرض المزمن يغير المرء. لن أشعر بعد الآن بالقدر نفسه من راحة البال تجاه صحتي، لكنني لن أتوقف عن الشعور بهذا الامتنان”. أحد الأمور التي تلفت فيتا في الكتاب هي أن “معظم الأشخاص، حتى أولئك الذين يحبونك، يتصرفون بغرابة أمام المرض”. والمرض المزمن يجعل الأشخاص غريبين بصورة خاصة. كما تشرح فيتا “في فكرة أنك عالق ولا تستطيع أن تطمئن الآخرين وتقول لهم إنك ‘تتحسن’ شيء يبدو غير طبيعي ومزعج”. لا نريد أن نفكر في الأمر ولا نعلم ماذا نقول. ربما لا نرغب بالقراءة عن الموضوع، لكن علينا أن نفعل ذلك. كثيراً ما كان المرض موضوعاً يستحق أن يسبر الأدب أغواره، بدءاً بفرجينيا وولف ووصولاً إلى سوزان سونتاغ – فهو معقد وغير مريح، لكنه أيضاً يحمل قدراً من التنوير وحكمة صعبة المنال، انتزعت من موقع اضطراب وفوضى. كتبت واينبرغ منشوراً منفصلاً عن [رواية] “إنها لا تشكو من شيء،” شرحت فيه أحد الأسباب التي دفعتها لكتابة الرواية فقالت “أردت أن أشدد [وأظهر] تماماً على أنني لم أذهب إلى ذلك المكان القاتم والمثير والمضحك والمخيف – بل المرعب – لأعود منه خالية الوفاض”. وهذا ما فعلته. بالنسبة إليَّ، ليس من السهل أن أكتب عن تلك المرحلة. ليس فقط لأنني شعرت دائماً بتضارب في المشاعر في شأن الإفصاح [العلني] عن أمر “يتعلق بي” لكن أيضاً بسبب صعوبة وصف ذلك. مجرد التفكير في الموضوع أعادني إلى تلك المتاهة الغريبة من التساؤل إن كان ما أقوله يبدو مجنوناً [غير منطقي]. وهذا ما يجعل رواية واينبرغ لافتة إلى هذا الحد. والرواية التي لا تتعدى 256 صفحة تخدع المرء بصغر حجمها: على رغم اهتمامها بفوضى حياتنا تنجح في تقديم أفكار مهمة وواضحة حول المرض وسياسات الشعور بالمرض. وهي قصة طريفة بقدر ما هي مؤثرة، تتكلم عن الحب والعائلة وتنجح كذلك في التساؤل حول الآراء التي قد نكونها عن أنفسنا – وإلى أي درجة قد نشعر بالارتباك عندما يكون منطلقها غير مصيب. يحدث كل هذا من دون أن يكون الكتاب محبطاً في أي لحظة من اللحظات. وقد أشادت به سارة جسيكا باركر وجرت مقارنته بالقصة القصيرة التي كتبتها شارلوت بيركنز غيلمان في 1892 حول المرض وسجن المرأة وتقييد فنها في رواية “ورق الجدران الأصفر”. قلة من الكتب تنجح في فعل ذلك. يتضمن الكتاب كثيراً من الأمور: إنه كتاب عن فيتا، كتاب عن الحياة. ‘إنها لا تشكو من شيء’ صدرت في 1 أغسطس (آب) عن دار بلوزمبري البريطانية © The Independent المزيد عن: كورونا الطويل الأمدالسرد الأدبيجائحة كوفيد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هكذا تمكنت هنرييت المجهولة من كسر فؤاد كازانوفا إلى الأبد next post الفلسفة عندما تكون أسلوب عيش في العالم You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024