يعتبر الباحثون أن فن ما قبل التاريخ أحد أهم الفنون البصرية قوة (رويترز) ثقافة و فنون “رعشات” الصخور… رسوم منسية في سراديب البشر by admin 4 أغسطس، 2024 written by admin 4 أغسطس، 2024 33 لم يعط الباحثون العرب الاهتمام الكافي للوقوف على فنون ما قبل التاريخ اندبندنت عربية / أشرف الحساني على مدى سنوات شغلت فنون ما قبل التاريخ المدونة التاريخية الغربية. مختبرات غربية لا تزال إلى حد اليوم، تكتب وتبحث عن أسرار هذه الفنون وسبب أصالتها وجمالياتها. في وقت لا نرى فيه أي مؤلفات عربية تبحث وتنقب حول هذه الفنون اليدوية التي ابتدعها إنسان ما قبل التاريخ بطريقة أصيلة ومذهلة تظهر حجم الإبداع الذي امتلكته هذه الأجناس البشرية الأولى، بيد أن القيمة الفنية والجمالية التي تتميز بها فنون ما قبل التاريخ لم تدفع المكتبة العربية إلى التفكير في ضرورة إطلاق مشاريع تعنى بهذه الفنون. فالثقافة العربية تحرص دوماً على تكريس المكرس وتغريب المنفلت الذي بإمكانه أن يقدم جديداً للثقافة العربية ويدفعها إلى الانفتاح على قضايا لا مفكر فيها. نحن هنا أمام ثقافة هشة تكرس التقليد باسم الحداثة وتسعى جاهدة إلى جعله علامة تنطبع بها هذه الثقافة. غير أن هذا الغياب غير مبرر مع أنه يجد ملامحه في الغياب السحيق للباحث الفني بالعالم العربي. وثائق تاريخية وفي شعب العلوم الإنسانية والاجتماعية وفنون الصورة لا نعثر على تكوين الباحث الفني الذي عادة ما يهتم بهذه الحلقة المغيبة من تاريخ الفنون القديمة، ذلك أن معرفة هذه الفنون، ستمكننا من استيعاب المرحلة التاريخية القديمة وطريقة تفكير إنسان ما قبل التاريخ. يتعلق الأمر برؤية فكرية تحاول أن تقرأ التاريخ من خلال الفن، وهي نظرة حداثية تعطي الانطباع بأهمية فن ما قبل التاريخ، لا بوصفه ممارسة فنية، بل أيضاً كوثيقة تاريخية تسعفنا في معرفة أخبار الإنسان القديم ويومياته. لهذا يعد فن ما قبل التاريخ أحد أهم الفنون البصرية قوة، فهو بحكم سياقه التاريخي الضارب في القدم ومكانته الفنية في تصوير مشاهد من الحياة اليومية القديمة، فن بصري يتوفر على معطيات جمالية تجعله فناً تلقائياً وأصيلاً. ظهرت وجوه بشرية منحوتة في الحجر عمرها ألفي عام على طول نهر الأمازون (رويترز) وعلى رغم كون المؤرخ العربي – مع بعض الاستثناءات منها العراقي خزعل الماجدي – لم يهتم لا من قريب ولا من بعيد بهذا الفن من ناحية التفكير والتوثيق والدراسة، فإنه ظل يأخذ حيزاً كبيراً وسط الانشغالات الأكاديمية الغربية، بحيث إن القارئ يعثر على مؤلفات ودراسات تعنى بفنون ما قبل التاريخ وتتعامل معها وفق طريقة فكرية عالمة تخضعها لمفاهيم ونظريات. إن دراسة فنون ما قبل التاريخ تتطلب وعياً دقيقاً بالتاريخ القديم ومعرفة التحولات التي عرفتها هذه المرحلة التاريخية قبل بداية الكتابة. لهذا جعل الإنسان القديم من الفن وسيلة تعبيرية قادرة على تدوين يومياته وتنقلاته ومشاهداته داخل بيئة تتميز بالقسوة والاغتراب في الطبيعة والمجهول. كما أن عدم اهتمام الباحثين العرب والثقافة العربية عموماً بهذا الفن يرجع بالأساس إلى تدهور الثقافة البصرية داخل ثقافتنا العربية الحديثة منها والمعاصرة، فهي ثقافة يغلب عليها مفهوم الكتابة الذي يحول التاريخ إلى عملية خطية يقرأ ولا يشاهد. وكأن الثقافة العربية القديمة والكلاسيكية لم تعرف أي جدل بصري، على رغم المكانة التي ظل يشغلها الفن الإسلامي في المناطق التي انتشر فيها الإسلام وغيرها. غياب المؤرخ الفني أيضاً يسهم تلقائياً في تهميش هذا الفن والتعامل معه على أساس أنه تلقائياً غير عالم يصعب إخضاعه لنظريات ومفاهيم، كأن الأعمال الفنية عبارة عن مرحلة لاحقة عن نشوء المفاهيم والنظريات. كل هذا في وقت تسبق فيه الأعمال الفنية الأبعاد العرفية، فمن خلال اللوحة أو النقيشة الصخرية أو الفيلم السينمائي أو المعزوفة الموسيقية يستطيع الباحث أن ينحت مفاهيم ونظريات قابلة للتفكير في جوهر العمل الفني، سواء كان مادياً أو غير مادي. إننا أمام ثقافة بصرية هشة تعيد اجترار أشكالها الأدبية والتعبيرية وتعدها لسان حال المرحلة التي تعيشها. المقاومة والتجوال يقصد بفنون ما قبل التاريخ تلك الرسومات المبهجة والمتوهجة التي رسمها الإنسان القديم في سراديب الكهوف، بعدما عمل من خلالها على التعبير عن ذائقته الشعورية ويومياته في المقاومة والتجوال. ينقسم التاريخ القديم إلى أعلى وأوسط وأدنى، وكل مرحلة تمثل آلاف السنين وتتميز بنوع من نمط عيش مختلف، وعادة ما يعتمد المؤرخون هذه التقسيمات من أجل خلق ما يسمى لديهم بـ”التحقيب التاريخي” أي تقسيم التاريخ إلى فترات زمنية معينة. فهذا التقسيم يساعدهم على فهم المسار الطويل الذي تمر منه البشرية، سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وفنياً. غير أن هناك كثيراً من المؤرخين لا يعترفون بهذا الفن ويعدونه لا تنطبق عليه شروط الفن المتعارف عليها في الحقبة الحديثة. تمثل الرسوم الصخرية على سبيل المثال أول أشكال التعبير الفني، إذ ابتكر الإنسان وسيلة للتعبير عن ذائقته الشعورية انطلاقاً مما يشاهده في خروجاته اليومية في الصيد. فيجد نفسه مضطراً إلى تدوين تلك الوقائع على صورة رسومات، قبل أن يفكر في طريقة يعثر فيها على ألوان يزركش بها رسوماته التي تعد من المراحل اللاحقة على تطور هذا الفن. ابتكر الإنسان القديم لغته الخاصة وجعل منها أفقاً يومياً مؤرقاً يتيح له إمكانية التعبير عن أفكاره. هكذا جاءت الرسومات عبارة عن حيوانات وبشر ورموز وأسلحة. ونظراً إلى أهمية هذه الفنون في تشكيل الوعي البصري في تاريخ البشرية، عملت مؤسسات كثيرة على جعلها تدخل ضمن التراث الكوني الذي ينبغي توثيقه وتصويره والحفاظ عليه، لا من خلال تسييج المناطق التي توجد فيها هذه الرسومات، وإنما تشجيع البحث في تاريخ فنون ما قبل التاريخ وابتكار شكل من الخطاب الفكري المتأمل لفيزيونومية هذه الرسومات. لم يكن يهم الإنسان القديم إلا تدوين يومياته، وكأنه حدس عبر ملايين السنين بأن هذه الرسومات ستأخذ مكانتها يوماً. لم يفكر أن ما تصنعه يداه عبارة عن فن بصري تعبيري، ولكن المراحل المتقدمة للرسومات الصخرية وظهور بعض الألوان على ملامحها، تعطي انطباعاً قوياً بأهمية مفهوم الصنعة وجمالياتها. اختيار الألوان لم يكن مفكراً فيه على أساس أنه تزويق، بقدر ما كان يتعامل مع هذه الرسومات انطلاقاً مما توفره له الطبيعة من ألوان وأحجار (مسننة وغيرها) يستخدمها في رسم واقعه. رسم على صخر منذ زمن سحيق (مواقع التواصل) يعد كثير من المؤرخين أن هذه “الرعشات” أو الإبداعات البشرية الأولى يصعب أن نعتبرها فناً ومن ثم وثيقة تاريخية تسعفها في التأريخ لمرحلة ما قبل التاريخ، على أساس أن هذه الرسومات غير واضحة وخاضعة في مجملها إلى تأويلات الباحثين والنقاد والمؤرخين. رأي كهذا عمر طويلاً في مدونة الكتابة التاريخية إلى حدود الحقبة الحديثة التي استطاعت عبرها مدرسة الحوليات مع لوسيان فيبر ومارك بلوك وفرناند بروديل تحطيم الأنساق الفكرية التي أسست عليها الكتابة التاريخية القديمة، معتبرة أنه مهما تعاملنا مع الوقائع والأحداث، بوصفها “حقائق” فلا بد أن تضمر في طياتها بعضاً من الخيال. إن التاريخ في بعض صوره عبارة عن خيال وإلا كيف يجوز لنا الحديث عن مراحل تاريخية معينة من دون التفكير في مدى صدقية بعض الوقائع من عدمها. من ثم، يرى المؤرخ الغربي المعاصر في كونه فنون ما قبل التاريخ وثيقة بصرية مهمة علينا الاهتمام بها ومساءلة مجهولها ومعرفة واقعها وما تتضمنه من رموز وعلامات. فهذه الرسوم الصخرية تسافر بالإنسان المعاصر في سراديب التاريخ البشري وتنقل له بوضوح مذهل الطريقة التي بها عاش الإنسان في أحضان الطبيعة وكيف جعل من الصخر مختبراً جمالياً لتطويع موهبته الفنية. المزيد عن: الفنونرسوماتالصخورالعربفنون ما قبل التاريخ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مغادرة الأجانب وتعليق الطيران… لبنان “في قلب” التوتر بين إيران وإسرائيل next post أسرار دا فينشي في “العشاء الأخير” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024